مهذب الاحكام في بيان حلال والحرام المجلد 27

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: سبزواري، سیدعبدالاعلي، 1288؟ - 1372.

عنوان العقد: عروة الوثقي . شرح

عنوان واسم المؤلف: مهذب الاحکام في بیان حلال والحرام المجلد 27/ تالیف عبد الاعلي الموسوي السبزواري .

تفاصيل المنشور: قم : دار التفسیر ، -1388

مواصفات المظهر: 30 ج.

ISBN : دوره 978-964-535-155-5 : ؛ ج.1 978-964-535-156-2 : ؛ ج.2 978-964-535-157-9 : ؛ ج. 3 978-964-535-158-6 : ؛ ج.4 978-964-535-159-3 : ؛ ج. 5 : 978-964-535-160-9 ؛ ج. 6 978-964-535-161-6 : ؛ ج.7 978-964-535-162-3 : ؛ ج.8: 978-964-535-163-0 ؛ ج.9، چاپ اول: 978-964-535-164-7 ؛ ج.10 978-964-535-165-4 : ؛ ج.11: 978-964-535-169-2 ؛ : ج.12، چاپ اول: 978-964-535-170-8 ؛ ج. 13 978-964-535-171-5 : ؛ ج.15،چاپ اول: 978-964-535-173-9 ؛ ج.14: 978-964-535-172-2 ؛ ج.16 978-964-535-174-6 : ؛ ج.17 978-964-535-175-3 : ؛ ج.18 978-964-535-176-0 : ؛ ج.19 978-964-535-177-7 : ؛ ج.21 978-964-535-179-1 : ؛ ج.20 978-964-535-178-4 : ؛ ج.22 978-964-535-180-7 : ؛ ج.23 978-964-535-181-4 : ؛ ج.24 978-964-535-182-1 : ؛ ج.25 978-964-535-183-8 : ؛ ج.26 978-964-535-184-5 : ؛ ج.27 978-964-535-185-2 : ؛ ج.28 978-964-535-186-9 : ؛ ج.29 978-964-535-187-6 : ؛ ج.30 978-964-535-188-3 :

حالة الاستماع: فاپا

ملاحظة : عربی.

ملاحظة : ج. 2 - 16 تا 30 (چاپ اول: 1430ق. = 2009م. = 1388).

ملاحظة : هذا الكتاب هو وصف ل ''عروه الوثقي ''، محمد کاظم یزدي هو .

ملاحظة : فهرس.

محتويات: ج.4. الطهاره.- ج.7، 8. الصلاه.- ج.10. الصومر.- ج.11. الزکاه الخمس.- ج.14. الحج.- ج.16. المکاسب.- ج.17. البیع.- ج.18. البیع الی الودیعة.- ج.19. الاجارة المضاربة.- ج.20. الشرکة الی الکفالة.- ج.21. الدین الی الغصب.- ج.22. الوقف الی الکفارة.- ج.23. الصیدوالذباحة الی اللقطة.- ج.24، 25. النکاح.- ج.26. الطلاق.- ج.27. القضاء.- ج.28. الحدودالقصاص.- ج.29. الدیاتج.30. الارث.

ملاحظة : یزدي، سیدمحمدکاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي -- النقد والتعليق

ملاحظة : فقه جعفري -- قرن 14

الحلال والحرام

المعرف المضاف: یزدي، سیدمحمد کاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي. شرح

ترتيب الكونجرس: BP183/5/ی4ع402152 1388

تصنيف ديوي: 297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1 5 6 8 0 2 8

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

كتاب القضاء

اشارة

كتاب القضاء

القضاء و معانيه في اللغة و الاصطلاح

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه الذي يقضي بالحق في الدنيا و العقبى، و الصلاة و السلام على من أرسله لفصل القضاء في الآخرة و الأولى. و آله الذين شرحوا لنا موازين القضاء.

______________________________

القضاء يستعمل لغة في عدة معان، و الجامع بينها هو: «انقطاع الشي ء و تمامه»، و قد وردت تلك المعاني في الكتاب الكريم، فقد استعمل فيه بمعنى الخلق، قال تعالى فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ (1)، أي خلقهن، و بمعنى الأمر كقوله تعالى وَ قَضى رَبُّكَ أَلّا تَعْبُدُوا إِلّا إِيّاهُ (2)، أي أمر بذلك، و بمعنى الإنهاء كقوله تعالى فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ (3)، أي فرغتم منها، و بمعنى الإعلام كقوله تعالى وَ قَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ (4)، أي أعلمناهم، أو أوحينا إليهم وحيا جزما، و بمعنى الحتم كقوله

ص: 5


1- سورة فصلت: 12.
2- سورة الإسراء: 23.
3- سورة البقرة: 200.
4- سورة الحجر: 66.

.....

______________________________

تعالى ثُمَّ قَضى أَجَلًا (1) أي حتم، و بمعنى العلم كقوله تعالى وَ قَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ (2) أي علّمناهم، و بمعنى الحكم قال تعالى إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ (3) أي يحكم بينهم، و بمعنى الفعل كقوله تعالى أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ (4)، إلى غير ذلك مما أنهاها بعضهم إلى عشرة أو أكثر.

و مقتضى أصالة عدم تعدد الوضع، و إمكان إرجاع بعض هذه المعاني إلى بعض بجامع قريب عرفي، كما تقدم عدم الاشتراك اللفظي بين تلك المعاني، كما أن مقتضى أصالة عدم لحاظ الجامع القريب العرفي حين الوضع، عدم كونها من المشترك المعنوي، و كون جميع ذلك من دواعي الاستعمال معلوم، فيكون القضاء متّحد المعنى: و هو «الحتم أو الانقطاع»، و البقية من دواعي الاستعمال، و حيث ثبت في محله أن الظهور الاستعمالي حجة معتبرة، و لو لم يستند إلى الحقيقة بل استند إلى القرائن المعتبرة، و ما ليس بظاهر لا اعتبار به و لو كان الاستعمال حقيقيا، لا وجه لتطويل البحث في أن لفظ القضاء في موارد استعماله من المشترك اللفظي أو المعنوي أو الحقيقة و المجاز، بل المدار على ظهوره في كل مورد في معنى يناسبه و لو بالقرائن.

و الظاهر أن اصطلاح الفقهاء ليس مغايرا للمعنى اللغوي، بل هو من بعض مصاديق الحتم و الحكم على ما سيأتي.

و لا بد من تقديم أمور:

الأول: القضاء من أهم الأمور النظامية في حياة الإنسان من حين هبوط آدم عليه السلام إلى انقراض العالم، فبدأ القضاء منه سبحانه و تعالى و يختتم به عزّ و جل يوم القيامة، و لا يختص بملة دون أخرى، فلكل ملة قاض، و في كل واقعة قضاء،

ص: 6


1- سورة الانعام: 2.
2- سورة الإسراء: 4.
3- سورة يونس: 93.
4- سورة القصص: 29.

.....

______________________________

و كل قضاء لو انطبق على القوانين المقدسة الشرعية لا ريب فيه، و كل ما خالفها فهو باطل بلا شبهة تعتريه، و كل قاض بذل وسعه و أعمل جهده في أن يوافق قضاؤه مع قضاء اللّه جلّ جلاله، فمصيره إلى الجنة لا محالة، و كل من خالف ذلك يكون مصيره إلى النار، فلا بد من الاهتمام الكثير و نهاية بذل الوسع في هذا الأمر العظيم، الذي هو أعظم أمانات اللّه على النفوس و الأعراض و الأموال، و لا بد و أن ترد هذه الأمانة الكبرى إلى أهلها، و هم الأنبياء و المعصومون عليهم السلام، و من يقتفون أثرهم علما و عملا من كل جهة، لئلا تهتك أعراض الناس و أموالهم و نفوسهم، التي عصمها اللّه عزّ و جل عن أدنى وصمة الهتك.

الثاني: القضاء يلحظ تارة بالنسبة إلى نفسه، و أخرى بالنسبة إلى من يقوم به، كما هو شأن جميع الصفات التي تكون ذات الإضافة إلى المحل- كالحكم و الفتوى و العلم و نحوها- و هو عند الفقهاء بالاعتبار الأول: الحكم بين الناس بما هو صلاحهم، سواء كان مسبوقا بالخصومة الفعلية أم لا، و هي الغالب فيه في ظرف عدم بسط اليد.

و بالاعتبار الثاني: ولاية على الناس فيما يصلح به شؤونهم بالطريقة الشرعية.

و إن شئت قلت: القضاء سلطة شرعية على النفوس و الأعراض و الأموال بما جعلها اللّه عزّ و جل، و لا يختص بمورد التخاصم و التنازع، و إن كان هو الغالب فيها مع عدم بسط اليد، بل يشمل كلما فيه صلاح الناس من إيجاب أمور و تحريم اخرى فيما فيه الصلاح، و تتسع تلك السلطة و تتضيق بحسب بسط اليد و ضيقها.

و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات، فمن فسره بالحكم نظر إلى اللحاظ الأول، و من فسره بالولاية نظر إلى اللحاظ الثاني، و كل منهما حق.

ص: 7

.....

______________________________

الثالث: القضاء بين الناس مقام رفيع عظيم و منصب جليل، لأنه من فروع ولاية اللّه تبارك و تعالى على عباده، و من أغصان النبوات السماوية، كما أنه منصب خطير جدا، لا ينجو من خطراته إلا من عصمه اللّه تعالى و كان اللّه معه فيه في جميع حركاته و سكناته و أفعاله و أقواله، بل و خطرات قلبه، قال النبي صلّى اللّه عليه و آله:

«من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين» (1)، و عنه صلّى اللّه عليه و آله: «يجاء بالقاضي العدل يوم القيامة فيلقى من شدة الحساب ما يتمنى أنه لم يقض في تمرة قط» (2)، و عن الصادق عليه السلام في الموثق: «من حكم في درهمين بغير ما انزل اللّه عزّ و جل فهو كافر باللّه العظيم» (3)، و قال أمير المؤمنين عليه السلام لشريح: «يا شريح قد جلست مجلسا لا يجلسه إلا نبي، أو وصي، أو شقي» (4)، و عن الصادق عليه السلام: «القضاة أربعة: ثلاثة في النار و واحد في الجنة: رجل قضى بجور و هو يعلم فهو في النار، و رجل قضى بجور و هو لا يعلم فهو في النار، و رجل قضى بالحق و هو لا يعلم فهو في النار، و رجل قضى بالحق و هو يعلم فهو في الجنة» (5)، و قال عليه السلام أيضا:

«اتقوا الحكومة، إنما هي للإمام العالم بالقضاء، العادل بين المسلمين، كنبي أو وصي نبي» (6)، إلى غير ذلك من الأخبار المتواترة.

الرابع: القاضي و المفتي و المجتهد و الفقيه، ألفاظ متحدة مصداقا و مختلفة اعتبارا، فيسمّى قاضيا و حاكما باعتبار حكمه و إلزامه في الوقائع الشخصية، و مفتيا باعتبار الإخبار عن الحكم كليا، و مجتهدا باعتبار بذل الوسع في رد الفروع إلى الأصول، و فقيها باعتبار علمه بالأحكام الإلهية. فهذه مناصب أربعة، كل واحد منها من أجلّ المناصب و أعظمها، و سيأتي الفرق بين الفتوى

ص: 8


1- الوسائل: باب 3 من أبواب صفات القاضي.
2- سنن البيهقي ج: 10 باب (كراهية الإمارة): 8 من كتاب القضاء الحديث: 20.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب صفات القاضي الحديث: 2.
4- الوسائل: باب 3 من أبواب صفات القاضي الحديث: 2.
5- الوسائل: باب 4 من أبواب صفات القاضي الحديث: 4.
6- الوسائل: باب 3 من أبواب صفات القاضي الحديث: 3.

.....

______________________________

و الحكم إن شاء اللّه تعالى.

و المراد من الاجتهاد في القضاء إعمال الوسع في فهم خصوصيات المخاصمة و الدعاوي.

الخامس: مقتضى أصالة عدم الحجية و الاعتبار، عدم حجية قول كل أحد و رأيه و عمله قاضيا كان أو غيره، إلا ما خرج بالدليل، و قد دلّ الدليل على خروج القاضي المنصوب عن هذا الأصل، و هو الذي أذن له الإمام عليه السلام بالخصوص في القضاوة، و يقال له: النائب الخاص و القاضي المنصوب، و لا وجود له في زمان الغيبة، لاختصاصه بالإذن الخاص منه عليه السلام، و النصب المخصوص منه عليه السلام لشخص خاص، الذي لا موضوع له في هذه الأعصار، و مقتضى الإطلاقات و العمومات- على ما سيأتي اعتبار جميع الشرائط المعتبرة في مطلق القاضي في القاضي المنصوب أيضا، و لا وجه للتعرض للفروع المتعلقة به.

أما في زمان الغيبة فلعدم الموضوع له، و أما في زمان الحضور فلأن الإمام عليه السلام اعرف بمن يأذن له في القضاوة، من حيث خصوصيات الشخص المأذون له و خصوصيات الإذن و سائر الجهات، و الظاهر عدم تحقق القاضي المنصوب في زمان حضور الأئمة عليهم السلام، لقصور الظروف عن تصدّيهم لهذا الأمر حتى بالنسبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام في زمان خلافته الظاهرية، إذ لم ينقل بوجه معتبر أنه عليه السلام نصب قاضيا، إلا ما قيل بالنسبة إلى شريح في خبر النصب عن هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام قال: «لما ولّى أمير المؤمنين عليه السلام شريحا القضاء اشترط عليه أن لا ينفذ القضاء حتى يعرضه عليه» (1)، و هو ظاهر في عدم النصب، و يشهد له قوله عليه السلام لشريح: «يا شريح قد جلست مجلسا لا يجلسه إلا نبي أو وصي نبي أو شقي» (2)- نعم قد حصل بالنسبة إلى مثل مالك الأشتر دون غيره- فتكون هذه المسألة من المسائل الفرضية التي تعرضوا لها.

و كذا خرج بالدليل النائب العام، و هو الذي انطبقت عليه الأدلة العامة.

ص: 9


1- الوسائل: باب 3 من أبواب صفات القاضي الحديث: 1- 2.
2- الوسائل: باب 3 من أبواب صفات القاضي الحديث: 1- 2.

.....

______________________________

ممن اتصف بالصفات الخاصة المعتبرة في القاضي، مثل قوله عليه السلام: «من نظر في حلالنا و حرامنا» (1)، و قوله عليه السلام: «رواه أحاديثنا» (2)، و نحو ذلك من العناوين العامة المنطبقة على أفراد مخصوصة.

و بالجملة: القضاء منصب إلهي لا بد له من إذن، أو إذن من يكون إذنه إذن اللّه تعالى، و الإذن إما عام أو خاص، و يأتي التفصيل في مستقبل المقال إن شاء اللّه تعالى.

فالنائب العام- أو القاضي المنصوص بالنص المطلق و الإذن العام- يتحقق في زمان الغيبة و الحضور، لعموم الأدلة الشامل لهما، و النائب الخاص يختص بزمان الحضور و لا يتحقق في زمان الغيبة، فليس في البين قسم ثالث من القضاء.

و لكن نسب إلى المشهور وجود قسم ثالث اصطلحوا عليه ب (قاضي التحكيم)، قال في الشرائع: «لو تراضى الخصمان بواحد من الرعية فترافعا إليه لزمهما حكمه»، و قريب منه عبارات غيره، و البحث في قاضي التحكيم من جهات:

الأولى: في معناه، و هو في العرف- و منه اصطلاح الفقهاء- من يجعله المتخاصمان حكما بينهما و يرضيان بحكمه. و هو شائع و متعارف بين الناس خصوصا في قديم الأيام، كما يشهد له الخبر الآتي.

الثانية: في دليل اعتباره، قد يقال: إن قاضي التحكيم من كان فاقدا للاجتهاد، كما عن جمع، أو فاقدا لبعض الشرائط، كما عن آخر مع كونه من الخاصة لا من غيرهم، فإن قلنا بجواز القضاوة للمقلد فلا وجه للبحث عنه أصلا، و إن قلنا بعدم جوازها- كما سيأتي- و تمت الأخبار التي استدلوا بها عليه فهو، و إلا فمقتضى الأصل و إطلاق الأدلة عدم اعتباره، و سيأتي اعتبار جميع

ص: 10


1- الوسائل: باب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث: 1.
2- الوسائل: باب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث: 9.

.....

______________________________

شرائط القضاوة فيه أيضا.

و قد استدلوا على اعتبار قاضي التحكيم.

تارة: بالإجماع، الذي ادعاه جمع.

و أخرى: بخبر ابن الفضل قال: «قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام: أي شي ء بلغني عنكم؟ قلت: ما هو؟ قال: بلغني أنكم أقعدتم قاضيا بالكناسة، قلت: نعم جعلت فداك رجل يقال له عروة القتات، و هو رجل له حظ من عقل نجتمع عنده فنتكلم و نتساءل ثمَّ يرد ذلك إليكم، قال: لا بأس» (1).

و ثالثة: بمفهوم النبوي صلّى اللّه عليه و آله: «من حكم بين اثنين تراضيا به فلم يعدل بينهما فهو ملعون» (2)، و روى أبو شريح أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال له: «إن اللّه هو الحكم فلم تكنى أبا الحكم؟! قال: إن قومي إذا اختلفوا في شي ء أتوني فحكمت بينهم و رضي عليّ الفريقان، قال: ما أحسن هذا، فمن أكبر ولدك؟ قال شريح قال صلّى اللّه عليه و آله: فأنت أبو شريح» (3).

و مقتضى الأصل عدم حجية قوله و عمله إلا مع دليل معتبر على الخلاف، و جميع هذه الأدلة قابلة للمناقشة.

أما الإجماع فلكثرة اختلافهم في خصوصيات المسألة و فروعها، حتى من العامة الذين هم الأصل لاعتبار قاضي التحكيم، كما لا يخفى على أهله.

و أما الأخبار فهي قاصرة السند عن إثبات هذه السلطنة على الناس المخالفة للأصول العقلائية و الشرعية، و لا ثمرة في هذا البحث أصلا كما يأتي.

نعم، لو أريد من قاضي التحكيم إيجاد الصلح و المراضاة بين الخصمين عرفا بغير ما هو منهي عنه شرعا، من غير أن تترتب عليه أحكام القضاء المعروف، الذي وضعوا لها كتابا مستقلا، لكان له وجه، بل هو حسن و مطلوب،

ص: 11


1- الوسائل: باب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث: 31.
2- المغني لابن قدامة: ج: 11 صفحة: 484.
3- سنن أبي داود كتاب الآداب باب تغيير الاسم القبيح الحديث: 4955.

.....

______________________________

لعموم قوله تعالى فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ (1).

الثالثة: ظاهرهم الاتفاق على أنه يعتبر في قاضي التحكيم جميع ما يعتبر في مطلق القاضي من الشرائط، التي منها الاجتهاد و غيره، و قال في المسالك، و نعم ما قال: «اعلم أن الاتفاق واقع على أن قاضي التحكيم يشترط فيه ما يشترط في القاضي المنصوب من الشرائط، التي من جملتها كونه مجتهدا، و على هذا فقاضي التحكيم مختص بحال حضور الإمام عليه السلام فيفرق بينه و بين غيره من القضاة، بكون القاضي منصوبا و هذا غير منصوب من غير الخصمين، أما في حال الغيبة فسيأتي أن المجتهد ينفذ قضاؤه لعموم الإذن، و غيره لا يصح حكمه مطلقا، فلا يتصور حالتها قاضي التحكيم»، و قال في الجواهر بعد نقل عبارة المسالك: «و مراده بحال الغيبة ما يشمل زمان الصادق عليه السلام أيضا، لأن نصب مطلق المجتهد كان فيه، و هو من زمان الحضور و لا يتصور فيه قاضي التحكيم. نعم يتصور فيما قبله مما لا إذن فيه لمطلق المجتهد، كزمن النبي صلّى اللّه عليه و آله، بل لعله خاص فيه أيضا لظهور دليل نصب المجتهد في جميع زمان الجور، الذي نهينا فيه عن المرافعة إلى قضاتهم من حيث غلبة الجائرين، فيكون نصب الصادق عليه السلام مبنيا على نصب من قبله، و أن هذا من قبيل الحكم الشرعي المتفق عليه فيما بينهم، و حكم آخرهم كحكم أولهم».

أقول: و هو كلام متين جدا موافق للاعتبار و مذاق أئمتنا الأطهار عليهم السلام، فلا موضوع لقاضي التحكيم لا في زمان الحضور و لا في زمان الغيبة، لشمول الإذن للجميع، فينحصر القضاء في المأذون العام من قبل الإمام عليه السلام.

و يحتمل قريبا أن أساس هذا الحكم حدث لأجل تصحيح ما وقع من جعل الحكام لمصلحة زمانية في مقابل المصالح الواقعية، و تبعهم أصحابنا في التعرض لأصل المسألة، مع اشتراطهم في مثل هذا القاضي جميع الشرائط المعتبرة في سائر القضاة.

ص: 12


1- سورة الحجرات: 10.

.....

______________________________

الرابعة: اختصاص قاضي التحكيم بزمان الحضور، أو يعم زمان الغيبة أيضا؟ لا موضوع لهذا البحث بناء على ثبوت الاذن العام لمن كان مستأهلا للقضاء، مع إجماع الإمامية على أن قاضي التحكيم لا بد و أن يستجمع جميع الشرائط، و إجماعهم أيضا على تقوّم صحة القضاء بالإذن، فالأمر حينئذ يدور بين الصحة مطلقا و الفساد كذلك.

و كذا لا وجه للبحث عن الجهة الخامسة: و هي أن حكمه متبع مطلقا أو في خصوص من تراضيا به.

و كذا الجهة السادسة: في أنه هل يجب إنفاذ حكمه أو لا؟ و ذلك لأنه بعد كونه جامعا للشرائط يترتب عليه جميع آثار الحكم من كل جهة، و لقد أحسن من أعرض عن ذكر قاضي التحكيم مطلقا، لأنه كالقاضي المنصوب من الموضوعات الفرضية. و العجب من بعض أصحابنا أنه تعرض لجملة كثيرة من فروعه أصالة أو تبعا للقوم.

السادس: اتفق أصحابنا على أن صحة القضاء متقوّمة بالإذن من اللّه تعالى في كتابه الكريم، أو ما نطق به السنة خلفائه المعصومين عليهم السلام، و البحث فيه من جهات:

الاولى: في الدليل على هذا المدعى، استدل عليه أولا بالإجماع المتكرر في كلماتهم.

و ثانيا: بأصالة عدم حدوث المنصب، و عدم حجية القول و الفعل إلا بذلك، بعد عدم كون الإطلاقات في مقام البيان من هذه الجهة.

و ثالثا: بأن الحكم للّه عزّ و جل أولا و بالذات، كما دلت عليه الآيات مثل قوله تعالى وَ اللّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ (1)، و قال تعالى وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً (2)، و قال تعالى إِنِ الْحُكْمُ إِلّا لِلّهِ (3)، إلى غير ذلك من الآيات

ص: 13


1- سورة الرعد: 41.
2- سورة المائدة: 50.
3- سورة الانعام: 57.

.....

______________________________

المباركة، بل تدل عليه الأدلة العقلية الدالة على أنه منه تعالى، ثمَّ أفيض إلى الأنبياء، قال تعالى فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ (1)، فجعل تعالى الحكم لنفسه و إن صدر عن كتبه و أنبيائه، فالحكم من خاصة اللّه و خلفائه، لا يصح للغير إلا بالإذن.

و رابعا: بنصوص مستفيضة بل متواترة، منها قول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح ابن خالد: «اتقوا الحكومة، فإن الحكومة: إنما هي للإمام العالم بالقضاء، العادل في المسلمين، لنبي أو وصي نبي»(2)، و قال علي عليه السلام لشريح: «يا شريح قد جلست مجلسا لا يجلسه إلا نبي، أو وصي نبي، أو شقي» (3)، إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة.

و خامسا: إن الحكومة و القضاء سلطة تشريعية مع أنها تنفذية على البشر، لا تعطى هذه السلطة إلا لأمين إلهي- و هو المعصوم- أو من نصبه المعصوم، و إلا يصير الأمر فوضى تستباح الأموال و الأعراض و الدماء، خصوصا في هذه الدنيا التي لا تتبع إلا الهوى، و مع الشيطان الذي أقسم بربه في الإغواء بسلطته على الإنسان، و النفوس التي جبلت على الظلم و النزاع و الدعوى. و كل من رجع إلى فطرته يجد صحة ما قلناه من دون احتياج إلى دليل من الخارج، و لا اختصاص لذلك بخصوص مذهب الإسلام، بل كل سلطة كذلك لا بد و أن تكون تحت نظر ولي الأمر، و بإذنه في العالم كله بجميع أديانه. و على هذا يمكن التمسك للمدعي بسيرة العقلاء في شؤونهم الدينية و الدنيوية.

الثانية: في طريق إثبات هذا الإذن، و تدل عليه الأدلة الأربعة، فمن الكتاب قوله تعالى:

ص: 14


1- سورة البقرة: 213.
2- الوسائل: باب 3 من أبواب صفات القاضي.
3- الوسائل: باب 3 من أبواب صفات القاضي.

.....

______________________________

إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ (1)، و هو ترغيب إلى الحكم بالعدل و أمر به، و هو مستلزم للإذن فيه عرفا.

و من الإجماع: إجماع الإمامية فتوى و عملا على تحقق الإذن فيه، مع استجماع الشرائط الآتية، و يعضده السيرة العملية بين العلماء بل بين العوام في الجملة، بالرجوع إلى العلماء في التخاصم الذي يجري فيما بينهم.

و من السنة: نصوص كثيرة، كخبر أبي خديجة: «إياكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور، و لكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا، فاجعلوه بينكم، فإني قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه» (2)، و في مقبولة عمر بن حنظلة قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين، أو ميراث فتحاكما إلى السلطان و إلى القضاة، أ يحل ذلك؟ قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، و ما يحكم له فإنما يأخذ سحتا و إن كان حقا ثابتا له، لأنه أخذه بحكم الطاغوت، و ما أمر اللّه أن يكفر به، قال اللّه تعالى يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ، قلت:

فكيف يصنعان؟ قال: ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا، و نظر في حلالنا و حرامنا، و عرف أحكامنا، فليرضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم اللّه و علينا ردّ، و الرادّ علينا الرادّ على اللّه و هو على حد الشرك باللّه» (3).

و من العقل أن الحوادث الواقعة بين الناس، إما أن تترك مهملا، أو يرجع فيها إلى قضاة الجور، أو يديرونها العوام بأفكارهم، أو فقهاء أهل البيت الموثوق بهم في التصدي لها و الناس مأمورون بالرجوع إليهم.

و الكل باطل إلا الأخير إذ الأول خلاف الحكمة بل العدل و هو محال

ص: 15


1- سورة النساء: 58.
2- الوسائل: باب 1 من أبواب صفات القاضي الحديث: 5.
3- الوسائل: باب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث: 1.

.....

______________________________

بالنسبة إليه تعالى. و الثاني باطل بالنصوص المتواترة. و الثالث من ترجيح المرجوح على الراجح مع مفاسد أخرى تترتب عليه، فيتعين الأخير.

بل نقول: يجب عقلا على اللّه تعالى و خلفائه المعصومين عليهم السلام الإذن في هذا الأمر العام البلوى، دفعا للفساد و اختلال النظام، و جميع ما ورد في الشريعة إرشاد إلى حكم العقل، فلا وجه للبحث عن السند أو في سائر الجهات، لأن المقام من صغريات قاعدة اللطف.

فأصل الإذن ثابت بالأدلة الأربعة، كما في جميع الواجبات النظامية التي يكون المقام من أهمها. فقوام الولاية الخاصة و نفوذ الحكم إنما هو بالإذن، و الشروط المذكورة لها متفرعة عليه و لذا تعرضنا للإذن في المقدمات لا في الشروط، فالشروط التي يذكرونها شروط صحة الإذن، و بانتفاء كل واحد منها ينتفي أصل الإذن فينتفي أصل الموضوع.

الثالثة: قامت الضرورة بين المسلمين على جواز تصدي الفقيه الجامع للشرائط لمنصب القضاء في الجملة، و أثبتنا في الجهة السابقة وجوب الإذن على ولي الأمر حفظا للنظام عن الاختلال، و هذا الإذن عام يشمل كل من كان واجدا للشرائط، كما هو مقتضى ظواهر الآيات و النصوص، مثل قوله تعالى:

وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ (1)، و قول أبي عبد اللّه عليه السلام:

«انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم، فإني قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه» (2)، و قريب منه غيره كما تقدم. إلا أن الإذن على قسمين:

الأول: ما يعتبر في العقود المسبوقة بالإذن.

الثاني: ما يكتفى به بمجرد العلم بالرضا، كالصلاة في دار الغير، و الوضوء من مائه، مما يحرز بالفحوى و شاهد الحال، فهل المقام من قبيل الأول أو

ص: 16


1- سورة النساء: 58.
2- الوسائل: باب 1 من أبواب صفات القاضي الحديث: 5.

.....

______________________________

الثاني؟ فلو علم فقيه من نفسه جامعيته للشرائط، يجوز له التصدي أو لا؟ الظاهر أنه لا ثمرة لهذا البحث أصلا، لأنه بعد ثبوت الإذن العام، و كون انطباقه على المورد قهريا فمهما وجد مورد ينطبق عليه الإذن يكون إذنا لا محالة، و مع العدم فلا إذن و لا رضا أبدا، سواء جعلنا الإذن شرطا أم اكتفينا بمجرد إحراز الرضا، و مع الشك لا يصح التصدي سواء جعل الإذن شرطا أم اكتفى بمجرد الرضا، بل لا يتصور إحراز الرضا مع الشك.

و خلاصة المقام أن الوجوه المتصورة خمسة.

الأول: أن يكون القضاء منصبا مجعولا إلهيا لأهله في عرض المنصب المجعول للنبي و الإمام عليهم السلام، و الفرق بينهما بالشدة و الضعف.

الثاني: أن لا يكون القضاء منصبا مجعولا أصلا من اللّه تعالى، و لا من الإمام عليه السلام، بل كان من الأمور الانطباقية القهرية و لم يكن متوقفا على إذن الإمام عليه السلام أيضا، بل كان مثل منصب إمامة الجماعة و الفتوى و التدريس مثلا، فمع وجود الشرائط ينطبق عليه المنصب قهرا، و مع عدمها لا موضوع للنصب.

الثالث: أن يكون القضاء منصبا إلهيا في طول المنصب المجعول للإمام عليه السلام، كالطهارة الترابية- مثلا- المجعولة للّه تعالى في طول الطهارة المائية.

الرابع: أن يكون المنصب مختصا بالإمام فقط، و غيره يقوم بالحكم بالقسط و العدل و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، للعمومات، و الإطلاقات من الآيات و الروايات- المتقدمة- الدالة على هذه الأمور بلا توقف فيها على الإذن، و قد اختار هذا الوجه صاحب الجواهر.

الخامس: عين الوجه الرابع مع التوقف على الإذن، و المنساق من الأدلة و ظهور إجماعهم على اعتبار الإذن هو هذا الوجه.

و حيث لا ثمرة فيه بعد الإجماع، بل الضرورة على صحة تصدي الفقيه الجامع للشرائط لهذا المنصب، فلا وجه للتطويل.

ص: 17

و هو: الحكم بين الناس فيما يحتاجون إليه لفصل الأمر بينهم عند التخاصم و نحوه بالشرائط الآتية (1)، و هو منصب جليل ذو خطر عظيم (2)، و فيه فصول:

______________________________

(1) لغة كما تقدم، و شرعا، و تلزمه الولاية في الجملة أيضا، إذ الحكم يتقوّم بالحاكم، و الحاكم له نحو ولاية و سلطة على الحكم لا محالة، فمن عبّر بالحكم أو الولاية عبّر بأحد المتلازمين، و من عبّر بهما عبّر بالمتلازمين معا تبيينا و استيضاحا، فالقضاء تارة قضاء إلهي، و اخرى بشري، و الأول: هو الحكم المستند إلى اللّه تعالى، الذي يفاض منه تعالى إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله، و منه إلى الإمام عليه السلام، و منه إلى الحاكم الشرعي الجامع للشرائط، فالحكومة الشرعية من أغصان شجرة النبوة و الإمامة كما تقدم، و يأتي التعرض للشروط إن شاء اللّه تعالى.

(2) لما تقدم في الأمر الثالث و الأول من المقدمة، فلا وجه للتكرار.

ثمَّ إنه لو قرن القضاء بالفتوى لحقه خطر الفتوى أيضا، قال أبو جعفر عليه السلام في الصحيح: «من أفتى الناس بغير علم و لا هدى من اللّه تعالى، لعنته ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب، و لحقه وزر من عمل بفتياه» (1)، فيجتمع فيه حق اللّه و حق الناس.

ص: 18


1- الوسائل: باب 4 من أبواب صفات القاضي الحديث: 1.

الفصل الأول في أحكام القضاء

اشارة

الفصل الأول في أحكام القضاء

مسألة 1: القضاء واجب كفائي

(مسألة 1): القضاء واجب كفائي (1)، و يصير عينيّا مع الانحصار (2)، و تعرضه الأحكام الخمسة (3).

______________________________

(1) بضرورة من المذهب إن لم تكن من الدين، كما في جميع الواجبات النظامية، فضلا عن الإجماع.

(2) كما في جميع الواجبات النظامية إذا انحصر، و ذلك لأن ذات الوجوب في العيني و الكفائي و التعييني و التخييري واحد بذاته، و خصوصية الكفائية و التخييرية إنما تحصل من جهات خارجية، فإذا انعدمت تلك الجهات يبقى ذات الوجوب المطلق، و الإطلاق يقتضي أن يكون عينيا تعيينا نفسيا، ما لم تكن قرينة على الخلاف، و المفروض عدم القرينة. هذا إذا انحصر و لم يتمكن غيره من تحصيل الشرائط.

و أما إذا انحصر المجتهد فعلا في شخص و تمكّن غيره من تحصيل الاجتهاد مثلا، فالظاهر عدم الانقلاب الى الوجوب العيني، للأصل بعد عدم دليل عليه حينئذ، ثمَّ إنه يمكن أن يكون شي ء واجبا كفائيا فينقلب عينيا، ثمَّ ينقلب كفائيا- كما في المقام- إذا وجد من به الكفاية بعد صيرورته عينيا ثمَّ فقد.

ثمَّ إن المراد من الانحصار، العرفي منه دون الدقي العقلي، لابتناء الأحكام على العرفيات دون الدقيات العقلية.

(3) أما الوجوب- عينا أو كفاية- فعلى ما مر.

ص: 19

مسألة 2: تجب مقدماته عينا مع وجوبه العيني، و كفاية مع وجوبه الكفائي

(مسألة 2): تجب مقدماته عينا مع وجوبه العيني، و كفاية مع وجوبه الكفائي (4).

______________________________

و أما الحرام: فهو قضاء كل من فقد شرطا من الشرائط الآتية المعتبرة فيه، و يدل على ذلك النصوص، و الإجماع، كما سيأتي.

و أما الاستحباب: فهو مستحب ذاتا- فيما إذا قام به من به الكفاية- لمن يثق من نفسه العمل بوظائفه، و عدم الوقوع في المخاطر، لما يترتب عليه من الإصلاح و غيره من الفوائد المعلوم رجحانها عقلا و نقلا، و لعظم المقام لأنه تشبّه بالأنبياء و المرسلين، مضافا إلى ظهور إجماعهم عليه، و عن علي عليه السلام: «يد اللّه فوق رأس الحاكم ترفرف بالرحمة فإذا حاف وكله اللّه إلى نفسه» (1)، و الحيف الظلم.

و توهم: عدم جواز اجتماع الاستحباب و الوجوب في شي ء واحد.

مدفوع: بأنه لا بأس به مع تعدد الجهة، كما هو واقع كثير في الفقه.

و أما الكراهة فهي في موارد تأتي الإشارة إليها.

و أما الإباحة: فيمكن فرضها فيما إذا تعارضت مصلحة تولي القضاء مع مصلحة عدم توليه، أو ظن من نفسه السلامة عن خطراته، و لم يصل ظنه إلى مرتبة الاطمئنان الجازم.

(4) لقاعدة تبعية مقدمة الواجب لذيها في أصل الوجوب و خصوصياته، و قد أثبتناها في الأصول.

و المقدمات كثيرة: منها تحصيل أحكام القضاء، و العلم بالموازين الشرعية المقررة لفصل الخصومة على الأدلة المعتبرة، و تنظيم وقائع الخصومات و المرافعات نظما صحيحا شرعيا، و هذا هو العمدة في القضاء إلى غير ذلك من المقدمات.

ص: 20


1- الوسائل: باب 9 من أبواب آداب القاضي الحديث: 1.

مسألة 3: يحرم القضاء بين الناس و لو في الأشياء اليسيرة- لمن لم يكن من أهله

(مسألة 3): يحرم القضاء بين الناس و لو في الأشياء اليسيرة- لمن لم يكن من أهله- لعدم العدالة أو الاجتهاد أو لجهات أخرى- (5)، و إن اعتقد أنه واجد للشرائط (6).

مسألة 4: لو وجد من يكون متصديا للقضاء و الناس يرجعون إليه في دعاويهم

(مسألة 4): لو وجد من يكون متصديا للقضاء و الناس يرجعون إليه في دعاويهم و كان أهلا له لا يجب على غيره عينا (7).

______________________________

(5) إجماعا، بل ضرورة من الفقه، و نصوصا كثيرة، منها صحيح ابن خالد عن الصادق عليه السلام قال: «اتقوا الحكومة، فإن الحكومة إنما هي الإمام العالم بالقضاء، العادل في المسلمين لنبي (كنبي) أو وصي نبي» (1)، و منها ما تقدم من قول علي عليه السلام لشريح: «قد جلست مجلسا لا يجلسه إلا نبي، أو وصي نبي، أو شقي» (2)، و انه تصرف في سلطان اللّه بغير إذن منه، فيحرم تكليفا و وضعا بالأدلة الأربعة (3)، و تقدم في مسألة 43 من بحث الاجتهاد و التقليد، و كذا في مسألة 37 منه ما يناسب المقام، و سيأتي في مسألة 15 من (فصل شرائط القاضي) ما ينفع المقام.

(6) لأن تلك الشرائط شرائط واقعية، للإجماع، و ظواهر الأدلة، و لا دليل على كفاية إحرازها عند نفسه، بل مقتضى الأصل عدم الكفاية، و عدم الاعتبار لقوله و فعله. نعم تقدم في مسألة 16 من فصل شرائط إمام الجماعة جواز تصدّي الشخص لإقامة الجماعة، إذا لم يعرف من نفسه العدالة و اعتقد المأموم عدالته فان الشرط فيه احرازي تسهيلا على الناس، بخلاف الفتوى و القضاء، فاشتراط الأهلية فيهما واقعية بالنسبة إلى المتلبس بهما، و بالنسبة إلى من يرجع إليهما، كما في أصل النبوة و الإمامة.

(7) لفرض قيام الغير به و وجود من به الكفاية، فلا موضوع للوجوب

ص: 21


1- الوسائل: باب 3 من أبواب صفات القاضي.
2- الوسائل: باب 3 من أبواب صفات القاضي.
3- راجع تهذيب الأصول ج: 2 صفحة: 68.

و إن علم بعدم أهليته- لعدم الاجتهاد أو عدم العدالة أو نحو ذلك- وجب إعلام الناس مع جهلهم بالحال (8)، و إرشادهم إلى من تستجمع فيه الشرائط و لو كان ذلك نفسه (9)، و إن علم الناس بأنه ليس أهلا للقضاء و مع ذلك تعمدوا في الترافع إليه وجب نهيهم عن ذلك (10)، و إن لم يعلم كونه أهلا أو لا، حمل على الصحة (11)، و لم يجب التصدي عينا (12)، و يصح له إنفاذ حكمه و ترتيب الأثر عليه (13).

______________________________

العيني، مضافا إلى الأصل و الإجماع، و كذا الكلام في جميع الواجبات النظامية.

(8) لوجوب قطع مادة الفساد لكل من يعلم بها و يقدر عليه، و تصدّي من ليس أهلا للقضاء لهذا المنصب من أقوى موارد الفساد و أشدها، و لا اختصاص لهذا الوجوب بالمجتهدين، بل يجب على الجميع مع العلم و القدرة.

(9) لوجوب إقامة العدل و بسطه بين الناس، و المقام من أجلى موارده.

(10) لأنه حينئذ من أظهر موارد النهي عن المنكر و أوجبها، و لا اختصاص لهذا الوجوب بشخص دون آخر، بل هو واجب كفاية على الكل مع العلم به و القدرة عليه، و مع الانحصار يصير واجبا عينيا.

ثمَّ إنه لا بد و أن يكون منشأ العلم بالأهلية أو العلم بعدمها، ما اعتبر شرعا.

(11) لقاعدة الصحة، التي هي من القواعد النظامية المقررة شرعا.

(12) لفرض قيام الغير به بحسب الموازين الشرعية و قواعدها الظاهرية، التي منها قاعدة الصحة، فيصح قضاؤه و يسقط الوجوب العيني عن غيره.

(13) لفرض صحة القضاوة، و صحة الحكم بحسب الموازين الشرعية، كما في سائر موارد جريان الأصول و القواعد المعتبرة الشرعية، فيصير حكمه بذلك حكم الإمام عليه السلام و حكم اللّه تعالى، كما إذا اعتمد نفس الحاكم في حكمه إلى أصل معتبر، أو قاعدة معتبرة، فيجب إنفاذه و يحرم نقضه.

و احتمال انصراف ما دل على وجوب الإنفاذ و حرمة النقض عن مثله،

ص: 22

مسألة 5: لو تعدد من له أهلية القضاء بين الناس- أو خصوص المتنازعين

(مسألة 5): لو تعدد من له أهلية القضاء بين الناس- أو خصوص المتنازعين و اختاروا واحد منهم لا يتعين عليه سواء علموا بأهلية الباقين أم لم يعلموا بها و أمكنهم الفحص و العثور عليه (14).

مسألة 6: لا يجوز الترافع إلى قضاة الجور اختيارا

(مسألة 6): لا يجوز الترافع إلى قضاة الجور اختيارا (15)

______________________________

بدعوى أن مورده ما إذا استند الحكم بنفسه إلى ما وصل عنهم عليهم السلام إلينا، بأن يكون مفاد أمارة معتبرة بحيث انطبق قولهم عليهم السلام عليه انطباق الكلي على الفرد.

فاسد: لفرض أن اعتبار الأصول و القواعد يستند إليهم عليه السلام، فيجب إنفاذ مفادها و يحرم نقضه إن كان مورد حكم الحاكم.

إن قيل: إن الحكم الذي يجب إمضاؤه و يحرم نقضه هو ما إذا علم بأنه حكم الحاكم الجامع للشرائط، و مع الشك في الصحة لا يعلم ذلك.

يقال: لا موضوعية لهذا العلم، بل هو طريق محض للثبوت الشرعي، و بأصالة الصحة يثبت ذلك، كما في جميع الموارد مثل ما لو شك في صحة فتوى المفتي و عدمها، و في صحة صلاة الإمام و نحو ذلك من موارد جريان أصالة الصحة.

(14) لأن خصوصية العينية خصوصية مشكوكة، و مقتضى الأصل عدم تحققها، و كذا في كل ما إذا شك في تحقق العينية. نعم لو لم يمكنهم الفحص و العثور عليه يتحقق الانحصار و يجب عينا، كما هو واضح، و كذا لو اثبتوا بالحجة الشرعية عدم أهلية غير ما اختاروه، فيتعين القضاء عليه حينئذ.

(15) للأدلة الأربعة: من الكتاب قوله تعالى لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ (1).

و من السنة: نصوص مستفيضة دالة على حرمته وضعا و تكليفا، منها قول

ص: 23


1- سورة البقرة: 188.

- أي: من لم يوجد فيهم شرائط القضاء (16)-

______________________________

الصادق عليه السلام في خبر أبي خديجة: «إياكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور» (1)، و منها موثق عمر بن حنظلة قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة أ يحل ذلك؟ فقال عليه السلام: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، و ما يحكم له فإنما يأخذ سحتا و إن كان حقه ثابتا، لأنه أخذه بحكم الطاغوت، و قد أمر اللّه أن يكفر به، قال اللّه تعالى يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ الحديث» (2).

و من الإجماع: الضرورة المذهبية بل الدينية.

و من العقل: أنه تأييد و تقرير للباطل و هو قبيح، و بناء العقلاء في كل مذهب من المذاهب- خالقيا كان أو خلقيا- إذا اعتبروا شروطا في قضاتهم يستنكرون الرجوع إلى شخص إذا فقد شرطا من الشروط المعتبرة لديهم. نعم غير المبالين بدينهم لا يبالون بذلك أيضا.

(16) لتحقق الجور أيضا، إذ ليس المناط فيه خصوص صنف خاص من فاقدي الشرط، بل يعم كل من لم يستجمع فيه جميع ما ورد في الشرع من الشرائط للقضاء، و لو أطلق على صنف خاص في الأزمنة القديمة لكان الإطلاق من المثال في تلك الأزمنة. فكل من فقد شرطا من شرائط القضاء. أو الفتوى، و مع ذلك أبدى نفسه لتصدي المنصب فهو جائر، و أي جور أشد من ذلك؟! إلا إذا دل دليل على أن حكما مخصوصا بخصوص صنف خاص منه، مع إطلاق حديث أن القضاة أربعة (3)، و فاقد الشرط لا يمكن أن يكون في الجنة فلا بد و أن

ص: 24


1- الوسائل: باب 1 من أبواب صفات القاضي الحديث: 4.
2- الوسائل: باب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث: 5.
3- تقدم في صفحة: 8.

و لو ترافع إليهم كان عاصيا (17)، و لا يحل ما أخذ بحكمهم إذا كان دينا (18)، و في العين إشكال (19).

______________________________

يكون في النار، و الحصر في قول نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «لسان القاضي بين جمرتين من النار حتى يقضي بين الناس، فإما إلى الجنة و إما إلى النار» (1)، و فاقد أي شرط لا يكون في الجنة، و لا بد و أن يكون في النار.

(17) لأنه ترويج للباطل، و هو حرام بالأدلة الأربعة- كما تقدم في المكاسب المحرمة- و إعانة على الإثم، مضافا إلى نصوص خاصة يأتي بعضها، بل يشكل جواز الجلوس عند مثل هذه القضاة و لو لعدم فصل الخصومة، قال محمد بن مسلم: «مرّ بي أبو جعفر عليه السلام و أنا جالس عند قاض بالمدينة، فدخلت عليه من الغد، فقال لي: ما مجلس رأيتك فيه أمس؟ قلت: جعلت فداك إن هذا القاضي لي مكرم فربما جلست إليه، فقال: و ما يؤمنك أن تنزل اللعنة فتعم من في المجلس» (2).

(18) إجماعا، و نصا، قال الصادق عليه السلام في موثق عمر بن حنظلة: «و ما يحكم له فإنما يأخذ سحتا، و إن كان حقه ثابتا» (3)، و لأن المال في الدين باق على ملك مالكه، و عدم خروجه عنه بحكم مثل هذا الحاكم، فيكون سحتا.

(19) لفرض كونه ملكا للآخذ، فكيف يكون سحتا حينئذ؟ فهو كما إذا سرق شخص مال زيد، فأخذ زيد ماله عن السارق بحيلة، فيحمل قوله عليه السلام «فإنما يأخذ سحتا»، على أنه سحت حكما، للتوصل في أخذه إلى الحرام، لا أن يكون سحتا موضوعا، فلا يكون تصرف الآخذ فيه كتصرفه في مال غيره، و من الجمود على الإطلاق فلا يحل.

ص: 25


1- الوسائل: باب 12 من أبواب آداب القاضي الحديث: 2.
2- الوسائل: باب 1 من أبواب صفات القاضي الحديث: 10 و 4.
3- الوسائل: باب 1 من أبواب صفات القاضي الحديث: 10 و 4.

مسألة 7: لو توقف استيفاء الحق على الترافع إلى قضاة الجور يجوز مع عدم مفسدة أخرى في البين

(مسألة 7): لو توقف استيفاء الحق على الترافع إلى قضاة الجور يجوز مع عدم مفسدة أخرى في البين (20)، خصوصا في صورة الحرج (21)، و لو توقف استيفاء الحق على الحلف كاذبا جاز أيضا (22).

مسألة 8: لا بأس للقاضي أن يرتزق من بيت المال ان لم يتعيّن عليه القضاء

(مسألة 8): لا بأس للقاضي أن يرتزق من بيت المال ان لم يتعيّن عليه القضاء (23)،

______________________________

(20) لانصراف الأدلة المانعة عن هذه الصورة، و يشهد له ما ورد من جواز الحلف كاذبا للمصلحة (1)، مع انسباق إمكان الرجوع إلى الأهل من مجموع الأدلة، فلا تشمل صورة الانحصار و الاضطرار، مضافا إلى حديث نفي الضرر (2).

(21) لشمول أدلة نفي الحرج (3)، و الضرر لهذه الصورة أيضا.

(22) إجماعا، و نصوصا، منها قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «إن خفت على مالك و دمك فاحلف تردّه بيمينك» (4)، و قال زرارة: «قلت لأبي جعفر عليه السلام: نمر بالمال على العشار فيطلبون منا أن نحلف لهم و يخلون سبيلنا و لا يرضون منا إلا بذلك، قال عليه السلام: فاحلف لهم فهو أحلى من التمر و الزبد» (5)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(23) للأصل، و الإجماع، و أن بيت المال معدة للمصالح العامة، و هذا من أهمها، و لقول علي عليه السلام: «لا بد من قاض و رزق للقاضي، و كره أن يكون رزق القاضي على الناس الذين يقضي لهم، و لكن من بيت المال» (6)، و أما صحيح ابن سنان عن الصادق عليه السلام قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن قاض بين قريتين يأخذ من

ص: 26


1- الوسائل: باب 12 من أبواب الأيمان.
2- الوسائل: باب 12 من أبواب إحياء الموات.
3- سورة الحج: 78.
4- الوسائل: باب 12 من أبواب الأيمان الحديث: 3 و 6.
5- الوسائل: باب 12 من أبواب الأيمان الحديث: 3 و 6.
6- مستدرك الوسائل: باب 8 من أبواب آداب القاضي الحديث: 2.

و لو كان غنيا (24)، و إن كان الأولى التنزه حينئذ (25)، و كذا يجوز مع تعينه عليه خصوصا إن كان محتاجا (26)، و أما أخذ الأجرة من المتخاصمين أو أحدهما أو غيرهما فالأحوط الترك حتى مع عدم التعين عليه (27).

______________________________

السلطان على القضاء الرزق؟ فقال عليه السلام: ذلك السحت» (1)، و ما ورد من أن السحت أنواع كثيرة منها: «أجور القضاة» (2)، فلا بد من حملهما على غير المورد، و إلا لكان مخالفا للإجماع، و تقدم في بحث المكاسب المحرمة ما ينفع المقام.

(24) لما مر من الأصل، و الإجماع.

(25) لما نسب إلى المشهور من الكراهة حينئذ.

(26) للأصل، و إطلاق ما دل على أن بيت المال لمصالح المسلمين، و هذا من أهم مصالحهم، و جعل المال للقضاة من بيت المال و لو كانوا أغنياء نحو توقير للمنصب و تعظيم له، و هو بنفسه من مصالح بيت المال، فكيف إذا كان محتاجا، و يدل على ذلك عهد علي عليه السلام إلى مالك الأشتر: «و أفسح له بالبذل ما يزيح علّته و تقل معه حاجته إلى الناس» (3)، و ما أطنبوه من عدم جواز أخذ الأجرة على الواجب قد أثبتنا فساده كما تقدم (4)، و أن المورد ليس من أخذ الأجرة بل هو من وظائف الشرع تشويقا للقضاة و ترغيبا لغيرهم.

(27) عمدة الدليل على عدم الجواز أن المنصب من فروع الرسالات السماوية، و هي بأصولها و فروعها لا بد و أن تكون منزهة عن المقابلة بالمال، و إلا لهانت على أهل الأرض أصولها، فضلا عن فروعها. فإن تمَّ هذا الوجه، و إلا فالأدلة التي ذكروها و أطالوا الكلام فيها من عدم جواز أخذ العوض على

ص: 27


1- الوسائل: باب 8 من أبواب آداب القاضي الحديث: 1.
2- الوسائل: باب 5 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 12.
3- الوسائل: باب 8 من أبواب آداب القاضي الحديث: 9.
4- راجع ج: 16 صفحة: 177- 180.

نعم لو كان محتاجا يجوز له أخذ الأجرة على بعض المقدمات (28)، دون الحكم.

مسألة 9: تحرم الرشوة أخذا و دفعا

(مسألة 9): تحرم الرشوة أخذا و دفعا (29)، و هي:

______________________________

الواجبات، قد ذكرناها في هذا الكتاب مع المناقشات الواردة عليها، من شاء فليراجع بحث عدم أخذ الجعل على الواجبات (1)، و عدم أخذه على الأذان و نحوه.

(28) الخارجة عما يتعلق بالحكم تعظيما للحكم، مهما أمكن من أن يتدخل فيه توهم المقابلة بالمال، و على هذا يجوز و لو كان غنيا، و إن كان الأولى تركه في هذه الصورة أيضا.

(29) للأدلة الأربعة، أما الكتاب فقوله تعالى وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النّاسِ بِالْإِثْمِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (2).

و أما السنة: فهي متواترة منها قوله عليه السلام في خبر عمار: «فأما الرشا في الأحكام فإن ذلك الكفر باللّه العظيم و برسوله صلّى اللّه عليه و آله»(3)، و عن أبي جعفر عليه السلام:

«لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رجلا احتاج الناس إليه لتفقهه فسألهم الرشوة» (4)، إلى غير ذلك من الأخبار كما تقدم في المكاسب المحرمة.

و أما الإجماع فهو من المسلمين، بل جميع العقلاء الذين لهم قاض و حاكم، لاستقباحهم أخذ الرشوة للحكم.

و أما العقل: فلأنه إحقاق للباطل و إبطال للحق، و هو ظلم و أي ظلم أشد

ص: 28


1- راجع ج: 16 صفحة: 177.
2- سورة البقرة: 188.
3- الوسائل: باب 5 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 12.
4- الوسائل: باب 8 من أبواب آداب القاضي الحديث: 5.

ما يبذل للقاضي للتوصل إلى الحكم له بالباطل (30)، نعم لو توقف التوصل إلى حق لم يأثم الدافع لها و إن حرمت على الآخذ (31)، و تحرم أيضا إن كان محقا و لم يتوقف التوصل إلى الحق عليها (32).

مسألة 10: يجب على المرتشي إعادة الرشوة إلى صاحبها

(مسألة 10): يجب على المرتشي إعادة الرشوة إلى صاحبها (33)، و لا يجوز له التصرف فيها (34)، و لو تلفت قبل وصولها إليه ضمنها له (35)،

______________________________

منه. ثمَّ إنه لا فرق في حرمتها بين الدافع و الآخذ، لشمول ما تقدم من الإطلاق.

(30) فيكون المعنى المصطلح فيها أخص من معناها اللغوي، و قد أخذ و فيه الاتصال و لكن في المصطلح اتصال خاص.

(31) أما الجواز للدافع، فلحديث نفي الضرر، و حديث رفع ما اضطروا إليه، و ما ورد من جواز الحلف كاذبا لأخذ ماله كما مر. و اما الحرمة للآخذ فلصدق الرشوة عليه، و عدم مجوّز له على ذلك، فتشمله أدلة الحرمة حينئذ، لوجود المقتضي و فقد المانع، و مثله صورة الإكراه على الدفع.

(32) لصدق الرشوة مع قصد الباذل، فيشملها إطلاق الأدلة.

و لكن يظهر من المحقق في الشرائع و الفاضل، الجواز في هذه الصورة، و لعلهما أرادا صورة عدم الصدق، فلا يجوز الرجوع إلى الإطلاق، لكونه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك، فيرجع إلى أصالة الإباحة.

و لكنه مخدوش مع قصد الرشوة المتعارفة، و يمكن جعل النزاع لفظيا.

(33) لبقاء المال على ملك مالكه شرعا، و إسقاط الشارع رضاءه في النقل، فيجب ردّه إليه بالأدلة الأربعة، كما تقدم في كتاب الغصب.

(34) لفرض أنها ملك الغير، و لا يجوز التصرف فيه إلا بمجوز شرعي، و المفروض عدمه.

(35) إجماعا، و لقاعدة «اليد»- على ما مر في كتاب الغصب- بعد عدم قصد المجانية المحضة من الراشي.

ص: 29

بلا فرق فيها بين أن تكون بعنوان الرشوة أو بعنوان آخر كالهدية أو البيع المحاباتي أو نحو ذلك (36)، كما لا فرق فيها بين أن يكون ذلك بالمشارطة أو كان ذلك من قصدهما أو قصد الباذل و علم الآخذ بها (37).

مسألة 11: لا فرق في الرشوة بين كونها عينا أو منفعة أو انتفاعا

(مسألة 11): لا فرق في الرشوة بين كونها عينا أو منفعة أو انتفاعا كما لو خاط للقاضي ثوبا لأن يحكم له أو مدحه كذلك أو سلم عليه بقصدها (38).

مسألة 12: كل قاض أخذ الرشوة يسقط حكمه و لا اعتبار به مطلقا

(مسألة 12): كل قاض أخذ الرشوة يسقط حكمه و لا اعتبار به مطلقا (39).

مسألة 13: ما يبذل بإزاء تمشية محرّم يكون من الرشوة

(مسألة 13): ما يبذل بإزاء تمشية محرّم يكون من الرشوة، و كل ما يبذل بإزاء الحلال لا يكون منها و إن أطلق عليه الرشوة (40).

______________________________

(36) لأن الجميع مع قصد الرشوة إما أن يكون منها موضوعا، أو يلحق بها حكما، فيحرم الجميع قهرا.

(37) لصدق الرشوة على الجميع، فيكون من الخيانة المستقبحة بحكم الفطرة.

(38) لأنه مع القصد المذكور يصدق عليه الرشوة، فيشمله الإطلاق لا محالة.

(39) لخروجه بأخذها من العدالة إلى الفسق، و لا وجه لاعتبار حكم الفاسق و حجيته أبدا.

(40) أما الأول: فلأن الرشوة عبارة عما تستعمل في إحقاق باطل، أو إبطال حق- على ما تقدم في المكاسب المحرمة- و هو يشمل جميع المعاصي و المحرمات.

و أما الثاني: فللأصل، و قاعدة السلطنة، و ما عن الصادق عليه السلام في الصحيح:

«الرجل يرشو الرجل الرشوة على أن يتحول من منزله فيسكنه، قال عليه السلام: لا بأس

ص: 30

مسألة 14: لو شك في شي ء إنه من الرشوة المحرمة أو لا؟

(مسألة 14): لو شك في شي ء إنه من الرشوة المحرمة أو لا؟ يحل دفعه و أخذه و إن كان الاحتياط في الترك (41).

مسألة 15: لا ترتب بين نفوذ الحكم و قبول الشهادة

(مسألة 15): لا ترتب بين نفوذ الحكم و قبول الشهادة فينفذ الحكم مطلقا و لو كان من الولد على والده و من الخصم على خصمه (42).

مسألة 16: يجوز للمترافعين أن يختارا مجتهدين أو أكثر

(مسألة 16): يجوز للمترافعين أن يختارا مجتهدين أو أكثر للحكم بينهما على وجه الانضمام (43)، فلا ينفذ الحكم بينهما إلا مع اتفاقهما فيه (44)،

______________________________

به» (1)، و المراد منه الأماكن المحازة المشتركة، و ما يستفاد منه المنع محمول كما تقدم (2).

(41) أما الحلية: فلأصالة الحلية، و البراءة، سواء كانت الشبهة حكمية أو موضوعية، أما الاحتياط فلأنه حسن على كل حال.

(42) لعدم الملازمة بينهما من عقل، أو نقل.

و دعوى أن الحكم شهادة و زيادة، فيعتبر فيه ما يعتبر في الشهادة مخالف للّغة و العرف، لحكمهما بالتغاير بينهما، فالدليل باطل، و الإجماع غير متحقق، فالملازمة باطلة.

(43) لأصالة عدم اعتبار الوحدة، و إطلاق ما تقدم من الأدلة، و لكون ذلك أوثق في قطع الخصومة، كما يصح ذلك في الوكيلين و الوصيين و المتوليين للوقف، كما تقدم كل ذلك في محله.

(44) لأنه لا معنى للتشريك و الانضمام إلا ذلك، كما في نظائر المقام من الأمثلة التي ذكرناها.

و توهم: عدم الصحة قياسا على الخلافة الإلهية العظمى.

ص: 31


1- الوسائل: باب 85 من أبواب ما يكسب به: الحديث: 2.
2- راجع ج: 16 صفحة: 96.

و مع اختلافهما يوقف الحكم و لا ينفذ (45)، كما يجوز ذلك على وجه الاستقلال (46)، و لو طلب أحدهما ذلك لا تجب الإجابة على الآخر (47)، و إن كانت أحوط إن كان الطالب هو المدعي (48).

مسألة 17: إذا رجع المتخاصمان في الخصومة إلى الحاكم الشرعي

(مسألة 17): إذا رجع المتخاصمان في الخصومة إلى الحاكم الشرعي الجامع للشرائط و حكم فيها على موازين القضاء لا يجوز لهما الرجوع إلى حاكم آخر، و ليس للحاكم الثاني النظر فيه و نقضه (49)، و كذا لو تراضى الخصمان بذلك (50).

______________________________

باطل: أما أولا فلأنه قياس، و أما ثانيا فلأنه مع الفارق، لأن المقيس عليه مؤيد بالوحي السماوي و التأييد الغيبي الإلهي، مع أنه منقوض بنبوة ابني عمران موسى و هارون.

(45) لفرض أنهما رجعا إليهما بعنوان التشريك و الانضمام.

(46) للأصل، و الإطلاق، و تظهر الثمرة بين الانضمام و الاستقلال في صورة مخالفة حكمهما، فلا ينفذ الحكم عند المخالفة في مورد الانضمام، و ينفذ حكم من سبق الى الحكم مع المخالفة في صورة الاستقلالية، لوجود المقتضي و فقد المانع حينئذ.

(47) للأصل بعد عدم دليل على وجوبها.

(48) لما قالوا من أن تعيين الحاكم بيد المدعي، و لكن لا دليل لهم على هذه الدعوى، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

(49) لأن كلا منهما كالنقض على الأول، و هو حرام إجماعا. و نصا (1).

(50) لأنه أيضا نقض و ردّ، إلا أن يعنون بعنوان آخر لا يصدق عليه الرد و النقض. و منه يعلم أنه يمكن أن يجعل هذا النزاع لفظيا، فلا يجوز

ص: 32


1- تقدم في صفحة: 15.

و لو ادعى أحد الخصمين بأن الحاكم الأول لم يكن جامعا للشرائط- كفقدان العدالة أو عدم الاجتهاد- حال القضاء كانت الدعوى مسموعة (51)، فيجوز للحاكم الثاني النظر في الخصومة فلو تبين عند الحاكم الثاني عدم صلوحه للقضاء نقض حكمه (52)، و كذا يجوز النقض لو كان الحكم مخالفا لضروري الفقه على نحو لو تنبّه الحاكم الأول يرجع عنه برفع غفلته (53).

مسألة 18: لا يجوز نقض الحكم لحاكم آخر إن كان الحكم نظريا و اجتهاديا

(مسألة 18): لا يجوز نقض الحكم لحاكم آخر إن كان الحكم نظريا و اجتهاديا و لا يسمع دعوى المدعي لو ادعى خطأه في اجتهاده (54).

______________________________

مع صدق النقض و يجوز مع عدمه.

(51) لعدم كونه نقضا بل دعوى صحيحة شرعا، فالمقتضي للسماع موجود و المانع عنه مفقود، فيسمع لا محالة.

(52) لعدم استناده إلى الموازين الشرعية في القضاء، فلا اعتبار بحكمه.

(53) لأن الحكم الشرعي لم يتحقق من الأول حتى يحرم رده و نقضه، بل يجب تنبيهه و إرشاده إلى خطئه.

(54) لأن الظنون الاجتهادية الحاصلة من الجهد و الجد في المدارك المعتبرة، مختلفة باختلاف الأنظار، و ليس اجتهاد أحد أولى من اجتهاد الآخر، فعموم دليل الاعتبار يشمل الجميع مع ما عليه من هذا الاختلاف في مراتب الانظار و الاستعدادات، فالشارع قرر الجميع تسهيلا على الناس، و الواقع واحد و إن كان طرق الاعتذار للواقع متعددة، فالشريعة وردت على نفوس مختلفة الاستعدادات جدا، الموجب ذلك لاختلاف الآراء و الأنظار، و تبقى الشريعة مع هذه النفوس أيضا فلا بد له من التقرير عند تماميته. نعم لو اثبت دعوى الخطأ بالطرق المعتبرة بحيث رجع عن خطئه يسقط قوله حينئذ لا محالة.

ص: 33

مسألة 19: لا فرق في وجوب تنفيذ حكم الحاكم الجامع للشرائط

(مسألة 19): لا فرق في وجوب تنفيذ حكم الحاكم الجامع للشرائط بين أن يكون حيا أو ميتا باقيا على الأهلية أو لا (55).

مسألة 20: لا يجوز نقض الحكم بالحكم

(مسألة 20): لا يجوز نقض الحكم بالحكم و كذا نقضه بالفتوى (56).

مسألة 21: الفرق بين الفتوى و الحكم من وجوه

(مسألة 21): الفرق بين الفتوى و الحكم من وجوه:

الأول: أن الفتوى بيان الحكم الكلي للموضوع الكلي، و الحكم تطبيق الكلي على الموارد الجزئية.

الثاني: أن الفتوى حجة للعامي الذي يقلّد المجتهد فيها بخلاف الحكم فإنه حجة في حق العامي و المجتهد و يجب على الكل إنفاذه.

الثالث: أن الفتوى تنقض بالحكم دون العكس (57).

______________________________

(55) لشمول إطلاق ما دل على إنفاذ حكم الحاكم، و إن رده حرام- كما تقدم (1)- لجميع ذلك بعد كونه حين الصدور جامعا للشرائط.

(56) لعموم ما دل على وجوب إنفاذ الحكم و حرمة رده الشامل للقسمين.

نعم لو علم بفقده للشرائط حين الصدور و تقصيره فيه، لا موضوع للنقض حينئذ، بل يجب رده. و في المقام فروع تعرضنا لها في مباحث الاجتهاد و التقليد (2).

(57) يظهر منهم التسالم على هذه الفروق الثلاثة، و المراد بنقض الفتوى بالحكم إبطال الحكم الكلي في خصوص الجزئي، الذي يكون مورد الحكم بالنسبة إلى كل احد، من غير فرق بين الحاكم و مقلديه و غيرهم من الحكام المخالفين له و مقلديهم، فيبطل حكم الاجتهاد و التقليد في خصوص ذلك الجزئي، بلا فرق في ذلك بين العقود و الإيقاعات، و الأحكام التكليفية و الوضعية، حتى الطهارة و النجاسة، فلو تنازع شخصان في بيع شي ء من

ص: 34


1- راجع ج: 1 صفحة: 101- 104.
2- راجع ج: 1 صفحة: 101- 104.

مسألة 22: لا ينفذ حكم الحاكم الفاقد للشرائط

(مسألة 22): لا ينفذ حكم الحاكم الفاقد للشرائط بل لا يجوز إنفاذه و إن كان مطابقا للقواعد من باب الاتفاق (58).

______________________________

المائعات لاقى عرق الجنب من الحرام، عند حاكم يرى طهارته، فحكم بالطهارة، كان طاهرا مملوكا للمحكوم عليه، و يترتب أثر الطهارة، و لو كان مجتهدا يرى النجاسة أو مقلد المجتهد كذلك، و كذا في نظائر المسألة، و ذلك كله لإطلاق ما تقدم من الأخبار من أن حكمه حكمهم عليهم السلام، و الرد عليه رد على الإمام عليه السلام (1).

ثمَّ إن الصور المتصورة أربعة:

الأولى: نقض الفتوى بالحكم، و قد تقدم.

الثانية: نقض الفتوى بالفتوى، و ذلك يتصور فيما إذا رجع شخص عن فتواه و تبين له خطأه فيه و ظهر له رأي جديد.

الثالثة: نقض الحكم بالحكم، يتصور فيما إذا ظهر للحاكم خطأه في حكمه السابق، فيحكم بحكم مستأنف ينقض حكمه السابق.

الرابعة: نقض الحكم بالفتوى، و لا يقول به أحد.

و لا فرق في عدم صحة نقض الحكم بالفتوى، بين ما إذا كان الفتوى المخالفة للحكم من غير الحاكم، أو من نفس الحاكم، بأن حكم بشي ء ثمَّ تغيرت فتواه إلى خلافه، فيبقى حكمه صحيحا، للأصل، و عموم الأدلة الدالة على أن حكمه حكمهم عليهم السلام، كما تقدم.

(58) أما الأول: فللأصل، و الاتفاق، و الأدلة الدالة على اعتبار تلك الشرائط في صحة الحكم، و المفروض فقد بعضها. و منه يظهر الوجه في الثاني أيضا إذ لا معنى لوجوب إنفاذ ما هو باطل و غير واجد للشرائط.

ص: 35


1- تقدم في صفحة: 15.

مسألة 23: ليس للمحكوم عليه بعد تمامية الحكم حق استينافه عند حاكم آخر أو الأول

(مسألة 23): ليس للمحكوم عليه بعد تمامية الحكم حق استينافه عند حاكم آخر أو الأول إلا مع إبداء الخدشة في تمامية الحكم (59)، و يجوز مع رضا الطرفين و احتمال الخطأ في الحكم (60).

مسألة 24: لو احتاج الحاكم إلى مترجم

(مسألة 24): لو احتاج الحاكم إلى مترجم لسماع الدعوى أو الشهادة أو غير ذلك- يعتبر أن يكون شخصين عدلين (61).

______________________________

(59) أما الأول: فللأصل، و عموم ما دل على عدم صحة نقضه ورده.

و أما الثاني: فلأصالة صحة دعواه، فيسمع حتى يثبت أن يرد.

(60) لعدم صدق النقض حينئذ، خصوصا مع فرض احتمال الخطأ فيه.

(61) أما اعتبار التعدد، فلعدم ثبوت الموضوعات شرعا إلا بالبينة، و أما اعتبار العدالة في البينة فهو من ضروريات المذهب بل الدين، و يأتي في كتاب الشهادات بقية الكلام.

ص: 36

الفصل الثاني في شرائط القاضي

اشارة

الفصل الثاني في شرائط القاضي

و هي عشرة

اشارة

و هي عشرة (1).

الأول: البلوغ

الأول: البلوغ (2)، فلا يصح من الصبي و إن كان مراهقا و كان واجدا

______________________________

(1) هذا الحصر استقرائي بحسب المستفاد من الأدلة، و بعض تلك الشروط مورد الخلاف بين الفقهاء، كما يأتي التعرض له إن شاء اللّه تعالى. و لا بد و أن يعلم أولا أن مقتضى الأصل- الموضوعي و الحكمي- عدم ثبوت ولاية القضاء لأحد إلا بدليل معتبر يدل عليه، كما أن مقتضى الأصل عدم اعتبار الحكم و القول و الفعل إلا بدليل معتبر يدل عليه، و قد ثبت هذا الأصل بالأدلة الأربعة- كما قررناه في الأصول (1)- و تقدم أيضا. لكن ليس في كل شرط مشكوك يرجع فيه إلى الأصل، بل لا بد من ملاحظة جميع الأدلة و ردّ بعضها إلى بعض، ثمَّ الأخذ بالمتحصل منها.

(2) لما تقدم من الأصل، مضافا إلى الإجماع، و انصراف الإطلاقات عنه، مع التقييد بالرجل في بعض الأخبار كقول أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر أبي خديجة:

«انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم، فإني قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه» (2).

و قد يستدل على اشتراط البلوغ بأن الصبي مسلوب العبارة، و مولّى عليه،

ص: 37


1- راجع تهذيب الأصول ج: 2 صفحة: 65.
2- الوسائل: باب 1 من أبواب صفات القاضي الحديث: 5.

لسائر الشرائط من الاجتهاد و العدالة و نحوها (3).

الثاني: العقل

الثاني: العقل فلا يصح من المجنون و إن كان جامعا لسائر الشرائط و لو كان أدواريا في دور جنونه (4).

الثالث و الرابع: الإسلام و الإيمان

الثالث و الرابع: الإسلام و الإيمان (5).

______________________________

فلا يصلح لهذا المقام و المرتبة.

و الأول: خلاف العرف و الوجدان، كما تقدم في كتاب البيع.

و الثاني: من مجرد الدعوى بلا برهان. هذا كله في غير المعصوم.

و أما اعتبار حكم بعض الصبيان في المعصومين، كما في قوله تعالى:

وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (1)، فإنه خارج موضوعا، لأن الكلام فيما يختاره الخلق بإذن اللّه تعالى، لا فيما يختاره اللّه تعالى مباشرة لأسرار لا يعلمها غيره.

(3) تقدم دليله، فلا وجه للإعادة.

(4) لما تقدم في الصبي من الأصل، و الإجماع، مضافا إلى سلب أقوال و أفعال المجنون عن الاعتبار عرفا، فلو ادعي لاشتراط هذا الشرط إجماع العقلاء كان لا بأس به.

(5) أما الأول: فلأن القضاء نحو ولاية كما مر وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (2)، مضافا إلى الضرورة الدينية.

أما الثاني: فللإجماع- بل الضرورة المذهبية- و نصوص متواترة، الناهية عن الرجوع إلى غير المؤمن (3)، و تقدم قول أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر أبي خديجة: «انظروا إلى رجل منكم» (4).

ص: 38


1- سورة مريم: 12.
2- سورة النساء: 141.
3- الوسائل: باب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث: 6 و غيره.
4- الوسائل: باب 1 من أبواب صفات القاضي الحديث: 5.
الخامس: العدالة

الخامس: العدالة (6).

______________________________

ثمَّ إنه هل يكون لاشتراط الإيمان- بالمعنى الأخص- موضوعية خاصة، فلو حكم قاضي العامة في مرافعة بحكم الخاصة، يكون حكمه باطلا، أو، أنه طريق إلى صدور الحكم بحسب الموازين الواصلة إلينا عن أئمة الدين؟

وجهان: يظهر من تقرير علي عليه السلام لشريح (1)، و أنه لا يحكم في واقعة إلا و يعرضها على الإمام عليه السلام، الثاني: و يستفاد ذلك أيضا من قوله عليه السلام: «و رجل قضى بالحق و هو يعلم فهو في الجنة» (2)، إن حمل ذلك على أنه يعلم أن الحكم حق، و أما إن حمل على أنه يعلم المذهب الحق و يعمل به، فيدل على الخلاف، و لكنه قاصر سندا.

(6) لقصور غير العادل عن الولاية على الأموال و الأنفس و الأعراض، مضافا إلى الإجماع، و ما تقدم من الأصل، و لقوله تعالى وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ (3)، و الفاسق ظالم، و لما تقدم في صحيح ابن خالد: «فإن الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء، العادل في المسلمين» (4)، و لما ورد من الأخذ بالأعدل عند التعارض، بأن ظاهره المفروغية عن اعتبار العدالة (5)، مع أن مرتبة القضاء مرتبة تجل عن أن يتقمصها الفاسق، و يشير إليه ما تقدم من قول علي عليه السلام لشريح، فالعدالة معتبرة بنحو الموضوعية الخاصة، كما في إمام الجماعة و مرجع التقليد مثلا، لأنها المنساق من الأدلة لا الطريقية إلى مطلق الوثاقة، كما في خبر العدل في أخبار الآحاد على ما استقر عليه آراء المحققين بين المتأخرين، لعدم كون الطريقية متفاهما منها في المقام عرفا، مع أن

ص: 39


1- الوسائل: باب 3 من أبواب صفات القاضي الحديث: 1.
2- الوسائل: باب 4 من أبواب صفات القاضي الحديث: 8.
3- سورة هود: 113.
4- الوسائل: باب 3 من أبواب صفات القاضي الحديث: 3.
5- الوسائل: باب 9 من أبواب صفات القاضي الحديث: 1.
السادس: طهارة المولد

السادس: طهارة المولد (7).

السابع: الاجتهاد المطلق

السابع: الاجتهاد المطلق (8).

______________________________

المنصب منصب لا يناسب إلا العدالة بنحو الموضوعية المحضة، لكونه من فروع النبوة و الإمامة، فلا بد و أن يكون القاضي من أغصان تلك الشجرة.

و عن بعض مشايخنا في بحثه الشريف تقرير كفاية الوثوق، و لكن بعد مدة قد صرّح فيه بعدم رضا نسبة هذا القول إليه (رحمه اللّه تعالى)، و قال: «بأنه لو لا المخالفة للمشهور لقلنا باعتبار فوق العدالة فيه، كما يقال في المقدس الأردبيلي و السيد هاشم البحراني».

(7) للأصل، و الإجماع، و تنفّر النفوس عن المولود من الزنا، و فحوى ما دلّ على عدم قبول شهادته- كما يأتي- و عدم صحة إمامته، كما تقدم (1).

(8) لأصالة عدم ترتب الأثر على حكمه إلا بذلك، و لأنه المنساق من قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا، و نظر في حلالنا و حرامنا، و عرف أحكامنا فليرضوا به حكما، فإني قد جعلته عليكم حاكما» (2)، فإن المنساق من هذه الجملة هو المجتهد المطلق، و مثله قوله عليه السلام:

«اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا و حرامنا» (3)، مع أن المقام مقام خطير لا بد له من استعداد كامل، و لا يحصل إلا بالاجتهاد المطلق، كما هو معلوم عند أهله.

و أما قوله عليه السلام: «و لكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا، فاجعلوه بينكم. فإني قد جعلته قاضيا» (4)، فلا يستفاد منه صحة قضاؤه

ص: 40


1- راجع ج: 8 صفحة: 130.
2- الوسائل: باب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث: 1 و 6.
3- الوسائل: باب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث: 1 و 6.
4- الوسائل: باب 1 من أبواب صفات القاضي الحديث: 5.
الثامن: الذكورة

الثامن: الذكورة فلا يصح قضاء المرأة و لو للنساء (9).

التاسع: الحرية

التاسع: الحرية (10).

______________________________

المتجزئ، لأن لفظ النكرة لوحظ بالنسبة إلى علومهم عليهم السلام، و المجتهد المطلق بكل معنى الإطلاق لا يعلم إلا شيئا يسيرا من قضاياهم، و نسبته إليهم نسبة القطرة إلى البحر.

(9) للأصل، و الإجماع، و انصراف أدلة الإذن عنها، و تقييد بعضها بالرجل- كما تقدم في الشرط السابق- و لجملة من النصوص منها قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «ليس على المرأة جمعة و لا تولّي القضاء»(1)، و قوله عليه السلام «لا تملك المرأة من الأمر ما يجاوز نفسها» (2)، و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة» (3)، إلى غير ذلك من الأخبار التي يمكن أن يستفاد منها عدم رضا الشارع بذلك.

و عن المحقق الأردبيلي الخدشة في اشتراط الذكورة في القاضي، أما في الأخبار فبضعف السند، و أما في الإجماع فبعدم ثبوته.

و فيه: أن هذا الإجماع لا يقل عن سائر الإجماعات التي قبلها قدّس سرّه، و الأخبار من حيث المجموع مع عمل المشهور توجب الاطمئنان بالحكم.

(10) نسب هذا الشرط إلى الأكثر، و استدل عليه.

تارة: بقصور المملوك عن المنصب.

و اخرى: بأن أوقاته مستغرقة في خدمة المولى.

و ثالثة: بقوله تعالى لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ (4).

ص: 41


1- الوسائل: باب 2 من أبواب صفات القاضي الحديث: 1.
2- الوسائل: باب 87 من مقدمات النكاح و آدابه.
3- سنن البيهقي ج: 10 باب لا يولي الوالي امرأة و لا فاسقا.
4- سورة النحل: 75.
العاشر: كونه أعلم

العاشر: كونه أعلم ممن في البلد أو ما يقربه على الأحوط (11).

مسألة 1: يعتبر أن لا يغلب عليه النسيان

(مسألة 1): يعتبر أن لا يغلب عليه النسيان بحيث يسلب عنه الاطمئنان (12)، بل الأحوط أن يكون ضابطا و بصيرا و قادرا على الكتابة (13)، و متصفا بسائر الكمالات النفسانية كالورع و التقوى و العفة و الحلم و الزهد و غيرها (14).

مسألة 2: لا يجوز الترافع إلى العامي

(مسألة 2): لا يجوز الترافع إلى العامي و إن كان مقلدا تقليدا صحيحا للمجتهد المطلق (15).

______________________________

و الكل مخدوش، إذ رب مملوك أجمع للقضاء، بل و أقدر على فصل الخصومة من الحر، و بطلان الأخيرين واضح بعد اعتبار إذن المولى، و أما مع عدم إذنه فهو عاص و خارج عن العدالة، فلا تصح قضاوته من هذه الجهة.

(11) لإرجاعهم عليهم السلام عند التعارض إلى الأفقه (1)، و عدم كون الإطلاقات و العمومات واردة في مقام بيان هذه الجهة، حتى يصح التمسك بها، و الشك فيه يكفي في سقوط التمسك بها، لو لم نقل بأن المراد بقولهم عليهم السلام: «الأفقه» أكثر فقها كما كان هو المراد في تلك الأعصار، لا أكثر تعمقا في الفقه كما هو مصطلح فقهائنا الأخيار، و تقدم في الاجتهاد و التقليد بعض القول. فراجع.

(12) لسلب الوثوق عنه، فلا يعتمد الناس على حكمه و رأيه.

(13) خروجا عن خلاف جمع ذهبوا إلى اشتراط ذلك كله، و استدلوا لذلك بأمور يمكن الخدشة فيها، فراجع المطولات.

(14) لكثرة ما ورد من الشرع الأقدس من التأكيد في اتصاف سواد الناس بهذه الصفات، فضلا عن ولاة الأمر و من بيدهم أزمة الأمور.

(15) للأصل على ما تقدم، و أن المنساق من الأدلة إنما هو فيما إذا كانت

ص: 42


1- الوسائل: باب 9 من أبواب صفات القاضي الحديث: 1.

نعم يصح بعنوان التصالح و التراضي و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر (16).

مسألة 3: ما تقدم من الشرائط في القاضي تثبت بالعلم

(مسألة 3): ما تقدم من الشرائط في القاضي تثبت بالعلم سواء كان وجدانيا أو حصل من الشياع- و الاطمئنان العرفي و البينة العادلة (17)، و في الأخيرة لا بد و أن تكون من أهل الخبرة (18).

مسألة 4: يعتبر في ثبوت ما مر من الصفات أن تكون عند كل واحد من المترافعين

(مسألة 4): يعتبر في ثبوت ما مر من الصفات أن تكون عند كل واحد من المترافعين (19).

مسألة 5: لا بد للقاضي أن يحكم بمقتضى رأي نفسه لا رأي غيره و إن كان أعلم

(مسألة 5): لا بد للقاضي أن يحكم بمقتضى رأي نفسه لا رأي غيره و إن كان أعلم (20).

______________________________

الواجدية لصفات القضاة من باب الوصف بحال الذات لا الوصف بحال المتعلق، و لا يصح التمسك بعمومات صحة الحكم بالحق و نحوها، على ما مر، لعدم كونها واردة في مقام البيان من هذه الجهات.

(16) لعموم أدلتها الشامل لكل من يقدر على ذلك بشرائطها، على ما تقدم في محله.

(17) لاعتبار ذلك كله عرفا و شرعا، كما تقدم مرارا في هذا الكتاب، فلا وجه للتكرار.

(18) لتوقف تشخيص كل موضوع على إحرازه، و مع عدم كونها من أهل الخبرة كيف تعرّف ذلك و تشخصه؟!

(19) للأصل، و الإجماع، و السيرة، و أن الحق لهما فلا يكفي الثبوت عند أحدهما.

(20) لأنه المنساق من الأدلة، و لأصالة عدم الاعتبار في غيره، و لكن لو اتفق رأيه مع رأي غيره من حيث تمامية الدليل لديه لا اعتمادا على نظره، يصح حينئذ.

ص: 43

مسألة 6: إذا اختار كل من المدعي و المنكر حاكما لرفع الخصومة فالاحتياط في تقديم ما اختاره المدعي

(مسألة 6): إذا اختار كل من المدعي و المنكر حاكما لرفع الخصومة فالاحتياط في تقديم ما اختاره المدعي (21)، إن كان القاضيان متساويين في العلم و إلا فالأحوط اختيار الأعلم (22)، و لو كان كل منهما مدعيا من جهة و منكرا من جهة أخرى ففي صورة تساويهما يعين بالقرعة (23).

مسألة 7: لو ادعى أحد من الرعايا دعوى على القاضي فرفعها إلى قاض آخر تقبل دعواه فيحضره

(مسألة 7): لو ادعى أحد من الرعايا دعوى على القاضي فرفعها إلى قاض آخر تقبل دعواه فيحضره و يجب على القاضي إجابته (24)، فيكونان حينئذ عند الحاكم كغيرهما في آداب القضاوة (25).

مسألة 8: إذا تراضيا بالترافع إلى حاكم يجوز لهما الرجوع عنه ما لم يحكم

(مسألة 8): إذا تراضيا بالترافع إلى حاكم يجوز لهما الرجوع عنه ما لم يحكم (26).

______________________________

(21) استدل على ذلك أولا: بدعوى الإجماع عن صاحب المستند، و ثانيا:

بأن الحق للمدعي، فإنه إذا ترك ترك. و في الثاني ما لا يخفى، فإنه أول الدعوى، و لا يثبت ذلك إلا بعد فصل الخصومة، فالاعتماد على الأول لو تمَّ.

(22) تقدم وجهه هنا، و في مباحث التقليد، فراجع.

(23) لعدم طريق لفصل هذا النزاع إلا بها.

(24) أما سماع دعوى الرعية، فلوجود المقتضي و فقد المانع، و أما إحضار الحاكم للمدعي عليه، فلأن ذلك من لوازم سماع الدعوى و القيام بلوازم القضاء، و أما وجوب الإجابة على المدعى عليه فللإجماع.

(25) لإطلاق أدلتها الشامل لمثل المقام أيضا، و لما وقع عن علي عليه السلام في منازعته مع خصمه عند شريح (1)، كما يأتي.

(26) للأصل، و إطلاق الأدلة، و ظهور الاتفاق.

ص: 44


1- راجع صفحة: 53.

مسألة 9: لو كان للحاكم خصومة مع غيره لا ينفذ حكمه فيها لنفسه

(مسألة 9): لو كان للحاكم خصومة مع غيره لا ينفذ حكمه فيها لنفسه (27). نعم يجوز له توكيل غيره في الخصومة ثمَّ الحكم بنفسه فيها (28).

مسألة 10: يجوز لكل حاكم تنفيذ الحكم الصادر من حاكم آخر

(مسألة 10): يجوز لكل حاكم تنفيذ الحكم الصادر من حاكم آخر (29)، بل قد يجب (30)- إذا أحرز جامعية الحاكم الآخر لشرائط الحكم، و أما مع الشك في أهليته- كاجتهاده أو عدالته- لا يجوز إلا بعد الإحراز (31)، كما لا يجوز نقضه مع الشك و احتمال صدور حكمه صحيحا (32)،

______________________________

(27) لأن المنساق من الأدلة مغايرة الحاكم مع المتخاصمين، فلا يصح الاتحاد، مضافا إلى الأصل، و الإجماع.

(28) لحصول المغايرة في الجملة، و تحقق المقتضي و فقد المانع، فيصح حكمه حينئذ.

(29) لإطلاق أدلة اعتباره، و ما تقدم أن حكمه حكمهم عليهم السلام، مضافا إلى السيرة خلفا عن سلف.

(30) كما إذا ترتب على عدم التنفيذ مفسدة، من هتك أو إهانة أو نحوهما.

(31) للأصل بعد انسباق واجد الشرط من الأدلة، مع أنه يمكن أن يكون من إحقاق الباطل، و هو حرام.

(32) للإجماع، و إطلاق قوله عليه السلام: «الراد عليه كالراد علينا، و الراد علينا كالراد على اللّه تعالى» (1). الشامل بإطلاقه لصورة الشك أيضا، مضافا إلى قاعدة الصحة، و لأن العلم من جميع الجهات بصحة حكم الحاكم لحاكم آخر قليل، لكثرة الاحتمالات و الشبهات، و الظاهر أن قبح نقض حكم الحاكم و حرمته مسلّم في جميع الملل الذين لهم حاكم و قاض، فحرمة نقض حكمه فطرية

ص: 45


1- تقدم في صفحة: 15.

و مع علمه بعدم أهليته ينقض حكمه (33).

مسألة 11: يجوز للحاكم أن يحكم بعلمه من دون بينة أو إقرار أو حلف في حقوق الناس و حقوق اللّه تعالى

(مسألة 11): يجوز للحاكم أن يحكم بعلمه من دون بينة أو إقرار أو حلف في حقوق الناس و حقوق اللّه تعالى (34)،

______________________________

عقلائية قررها الشارع، كما في جملة كثيرة من الفطريات التي قررها، و قد مر ما يدل على ذلك.

(33) لعدم الموضوع لحرمة النقض حينئذ لفرض بطلانه، بل قد يجب ذلك.

(34) للإطلاقات الدالة على الحكم بالحق و القسط، و ما أنزل اللّه تعالى من الآيات (1)، و الروايات كما تقدم (2)، و الأخبار الدالة على أنه «أمين اللّه» (3)، و لا معنى لكونه أمينا إلا العمل بما اؤتمن فيه، مضافا إلى الإجماع، و إطلاق أدلة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر (4)، و ما دلّ على الحصر مثل قول نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «إنما أقضي بينكم بالبينات و الأيمان، و بعضكم ألحن بحجته من بعض» (5)، و قول علي عليه السلام: «جميع أحكام المسلمين على ثلاثة: شهادة عادلة، أو يمين قاطعة، أو سنة جارية مع أئمة الهدى» (6)، إلى غير ذلك مما يدل على الحصر، انما المراد منها الحصر بالنسبة إلى الحجج الخارجية، فلا ينافي حجية العلم الحاصل له و اعتباره، و أنه أصل الحجج. نعم إذا كان الحكم في حق الناس متوقفا على مطالبة من له الحق لا بد حينئذ من مطالبته، و عليه يحمل خبر ابن خالد: «الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب خمرا أن يقيم عليه

ص: 46


1- سورة ص: 26- سورة المائدة: 42.
2- راجع صفحة: 14.
3- الوسائل: باب 32 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 3.
4- راجع الوسائل: باب 1 و 3 من أبواب المعروف.
5- الوسائل: باب 2 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 1.
6- راجع الوسائل: باب 1 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 6.

إذا كان حاصلا من الطرق العادية المتعارفة (35)، بل لا يجوز له الحكم بالبينة إذا كانت مخالفة لعلمه أو إحلاف من يكون كاذبا في نظره (36). نعم يجوز له عدم التصدي للقضاء في هذه الصورة إن لم يتعين عليه (37).

مسألة 12: إذا ترافعا إلى الحاكم في واقعة قد حكم فيها سابقا

(مسألة 12): إذا ترافعا إلى الحاكم في واقعة قد حكم فيها سابقا يجوز له أن يحكم على طبقه فعلا إن تجددت و تذكّر حكمه و إن لم يتذكر مستنده (38)، و أما إن لم يتذكّر الحكم و لكن قامت البينة عليه جاز له الحكم أيضا و كذا لو رأى خطه و خاتمه و حصل منهما القطع أو الاطمئنان به (39)،

______________________________

الحد، و لا يحتاج إلى بينة مع نظره، لأنه أمين اللّه في خلقه، و إذا نظر إلى رجل يسرق فالواجب عليه ان يزجره و ينهاه و يمضي و يدعه، فقلت: كيف ذاك؟ فقال:

لأن الحق إذا كان للّه تعالى فالواجب على الإمام إقامته، و إذا كان للناس فهو للناس» (1).

(35) لأنه المنساق من جميع الأدلة، و في غيره يرجع إلى أصالة احترام النفس و العرض و المال.

(36) لعدم تمامية موازين الحكم لديه، فكيف يحكم حينئذ مع انصراف أدلة اعتبار البينة و اليمين عن هذه الصورة؟!

(37) للأصل، و ظهور الإجماع.

(38) لأصالة بقاء حجية حكمه بعد صدوره عن مستند صحيح، كما هو المفروض، سواء تذكّره أو لا.

(39) لحجية البينة الشرعية، و حجية القطع على ما تقدم مرارا، و كذا الاطمئنان العرفي العادي، بل عن جميع- منهم صاحب الجواهر- أن المراد بالعلم و القطع في اصطلاح السنة هو الاطمئنان العادي.

ص: 47


1- الوسائل: باب 32 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 3.

و لو تبدل رأيه فعلا عن رأيه السابق الذي حكم به جاز تنفيذ حكمه إلا مع العلم بخلافه بأن يكون حكمه مخالفا لحكم ضروري أو إجماع قطعي فيجب عليه نقضه (40).

مسألة 13: لو ترافعا عند الحاكم في واقعة فتذكّر أنه ثبت عنده الحق

(مسألة 13): لو ترافعا عند الحاكم في واقعة فتذكّر أنه ثبت عنده الحق بالموازين الشرعية و لكن لم يصدر منه الحكم فيها، فإن تذكّر مستند الثبوت أو قامت البينة عليه و لم يتبدل رأيه فيها جاز له الحكم فعلا (41)، و لو تبدل رأيه في تلك الموازين لا يجوز له الحكم (42)، و كذا لو شك في تبدل رأيه فيها (43)، أو لم يتذكر مستند الثبوت و لم تقم البينة عليه (44).

مسألة 14: للحاكم تنفيذ الحكم الصادر ممن له أهلية القضاء

(مسألة 14): للحاكم تنفيذ الحكم الصادر ممن له أهلية القضاء كما تقدم- من دون فحص عن مدركه و مستنده (45)،

______________________________

(40) أما جواز التنفيذ فلفرض حجيته حين صدوره و عدم العلم بخلافه، و اما وجوب النقض في الفرضين فلثبوت بطلان الأول ضرورة أو إجماعا قطعيا.

(41) لفرض تحقق المدارك الشرعية بالنسبة إلى الثبوت، و لا يجب مقارنة الحكم للثبوت، و يجوز الفصل بينهما للأصل.

(42) لأن المناط في الحكم أن يكون مستندا إلى الحجة الشرعية الفعلية، و المفروض عدمها.

(43) لأصالة عدم حجية الحكم إلا إذا ثبت استناده إلى وجه صحيح معتبر شرعي.

(44) لما مر في سابقة من غير فرق.

(45) اما جواز أصل التنفيذ فللأصل، و العمومات، و الإطلاقات الدالة على

ص: 48

و يحرم له الحكم في الواقعة مع عدم العلم بموافقته لرأيه (46)، و لا أثر لحكمه بعد حكم الحاكم الأول بحسب ذات الواقعة و إن كان له أثر بالنسبة إلى التنفيذ في الجملة (47)، و لا فرق في جواز التنفيذ بين كونه حيا أو ميتا أو كونه باقيا على الأهلية أم لا (48) بشرط أن لا يوجب الإغراء (49).

______________________________

الحكم بالحق، و العدل و القسط (1)، الشاملة للتنفيذ أيضا- كما مر في مسألة 10- و أما عدم لزوم الفحص عن مدركه أو مستنده فللأصل، بعد فرض صحته و صدوره عن أهله و في محله.

(46) لاحتمال المخالفة فيدخل في موضوع نقض الحكم، و هذا الاحتمال منجز في المقام، لكثرة أهمية حرمة نقض الحكم، و أنه كالرد على اللّه تعالى، كما عرفت في أول القضاء.

(47) حيث أن نفس الحكم في الواقعة واحد فلا أثر لحكم الحاكم الثاني بالنسبة إلى ذات الحكم. نعم حكم الحاكم الثاني يضاف إليه أيضا، فيترتب حرمة النقض و وجوب الإنفاذ بالنسبة إليه أيضا، إن قلنا بشمول حرمة النقض و وجوب الإنفاذ لمثله أيضا.

(48) لفرض كونه معتبرا حين الصدور، فيشمله الإطلاق و العموم، بل لنا أن نؤسس أصلا في الحكم، و هو أصالة الاحترام، و وجوب الإنفاذ، و حرمة النقض، للعمومات و الإطلاقات المتقدمة (2)، إلا ما خرج بالدليل.

(49) لأن حرمة إغواء الناس و إغرائهم إلى الباطل أهم من حرمة نقض الحكم و وجوب تنفيذه، بالأدلة الأربعة: فمن الكتاب قوله تعالى:

وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ (3)، و من السنة ما تقدم من حرمة القضاء لغير

ص: 49


1- سورة النساء: 58.
2- راجع صفحة: 34.
3- سورة البقرة: 42.

مسألة 15: يحرم إمضاء الحكم الصادر من غير الأهل

(مسألة 15): يحرم إمضاء الحكم الصادر من غير الأهل (50)، سواء كان ذلك لأجل عدم الاجتهاد أو لفقد شرط آخر (51)، و إن علم بكونه موافقا للقواعد (52)، بل يجب نقضه مطلقا (53).

مسألة 16: جواز إمضاء حكم الحاكم الأول للحاكم الثاني

(مسألة 16): جواز إمضاء حكم الحاكم الأول للحاكم الثاني كما مر مشروط بإحراز صدوره منه إما بنحو المشافهة منه أو التواتر أو نحو ذلك (54)،

______________________________

الأهل (1)، و من العقل: أنه ظلم و قبيح، و أما من الإجماع فمن المسلمين بل العقلاء كافة.

(50) للأدلة الأربعة: فمن الكتاب: بأنه حكم بغير ما أنزل اللّه تعالى (2)، و من السنة: نصوص كثيرة، منها مقبولة ابن حنظلة المتقدمة (3)، و من الإجماع:

إجماع المسلمين، و من العقل: حكمه بقبح ذلك.

(51) لشمول الإطلاق و العموم لجميع ذلك.

(52) لأنه لا أثر للموافقة للقاعدة، بعد عدم أهلية نفس الحاكم، فالحكم من حيث الإضافة إلى الحاكم الأهل مضاف إلى الإمام عليه السلام، و مضاف إلى اللّه تعالى، لا من حيث الإضافة إلى القاعدة، فإنه يصح أن يضاف إليها حكم من كان أهلا و من ليس بأهل، فيختل النظام و تتعطل الأحكام و يضطرب حكام الأنام، خصوصا إن عممنا القواعد النظامية العقلائية.

(53) لكونه من صغريات إبطال الباطل و النهي عن المنكر، فيجب على الكل خصوصا من صار مورد الابتلاء.

(54) لأصالة عدم الحجية و الاعتبار إلا بذلك مما يوجب العلم.

ص: 50


1- تقدم في صفحة: 8.
2- سورة المائدة: 44.
3- تقدم في صفحة: 24.

أو بإقرار المحكوم عليه مع حصول الاطمئنان للحاكم الثاني (55)، أو بقيام البينة على حكمه (56)، و لا يكفي مشاهدة خطه و إمضائه (57).

مسألة 17: إذا حكم القاضي في واقعة بحكم ثمَّ وقع التخاصم و الترافع مرة أخرى في عين الموضوع مستقلا

(مسألة 17): إذا حكم القاضي في واقعة بحكم ثمَّ وقع التخاصم و الترافع مرة أخرى في عين الموضوع مستقلا لا يجوز له الحكم في الواقعة الثانية بعين الحكم في الواقعة الأولى (58)، بلا فرق في ذلك بين أن تكون القضية واحدة أو متعددة (59).

______________________________

(55) لأنه العلم العادي المعتبر عرفا و شرعا.

(56) لما تقدم من عموم حجيتها، مع أنها توجب الاطمئنان العادي أيضا، كما يأتي.

(57) للأصل، و عن الصادق عليه السلام في خبر السكوني: «أن عليا عليه السلام كان لا يجيز كتاب قاض إلى قاض في حد و لا غيره، حتى وليت بنو أمية فأجازوا بالبينات» (1).

(58) لعدم إحراز خصوصيات الموضوع حتى يكون الحكم الثاني تأكيدا للحكم الأول. نعم لو أحرزت الوحدة من كل جهة يجوز ذلك، كما تقدم في مسألة 12.

(59) لظهور التعدد حينئذ كما عرفت، و عدم رجوعه إلى الأول و لم يكن منه.

ص: 51


1- الوسائل: باب 28 من أبواب كيفية الحكم و احكام الدعوى.

الفصل الثالث في آداب القاضي

اشارة

الفصل الثالث في آداب القاضي

و هي أمور

اشارة

و هي أمور:

الأول: وجوب التسوية بين الخصماء

الأول: وجوب التسوية بين الخصماء (1) و إن اختلفا في الشرف و الضعة (2)- في التحيّة و الرد و محل الجلوس و النظر و الكلام و الإنصات

______________________________

(1) نسب ذلك إلى الأكثر لجملة من النصوص، منها ما عن الصادق عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: من ابتلى بالقضاء فليواس بينهم في الإشارة، و في النظر، و في المجلس» (1)، و عنه عليه السلام لشريح: «ثمَّ واس بين المسلمين بوجهك، و منطقك، و مجلسك، حتى لا يطمع قريبك في حيفك، و لا ييأس عدوك من عدلك» (2)، و عن نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم في لحظه، و إشارته، و مقعده، و لا يرفعن صوته على أحدهما ما لا يرفع على الآخر» (3)، و نحوها غيرها.

و عن جمع منهم صاحب الجواهر الاستحباب، لضعف الأخبار.

و فيه: أن اهتمام الفقهاء بالفتوى و العمل بها، و المحدثين بضبطها، يوجب الاطمئنان بها.

(2) لإطلاق الأخبار الشامل لذلك، و في بعضها إشارة إلى ذلك، كما مر.

ص: 52


1- الوسائل: باب 3 من أبواب آداب القاضي الحديث: 1.
2- الوسائل: باب 1 من أبواب آداب القاضي الحديث: 1.
3- سنن البيهقي ج: 10 باب: اتصاف الخصمين صفحة: 135.

و طلاقة الوجه و غيرها من الآداب و الإكرام، و كذا العدل في الحكم (3)، و لا يجب التسوية في الميل بالقلب (4)، هذا إذا كانا مسلمين و لو كان أحدهما غير مسلم فلا يسقط وجوب العدل بالحكم مطلقا (5)، و لكن يكرم المسلم أكثر من غيره (6).

الثاني: يحرم على القاضي أن يلقّن أحد الخصمين ما يغلب به على خصمه

الثاني: يحرم على القاضي أن يلقّن أحد الخصمين ما يغلب به على خصمه (7)،

______________________________

(3) لشمول إطلاقها لجميع ذلك، و التسوية.

تارة: في المجاملات القولية.

و اخرى: فعلية.

و ثالثة: في مجرد الميل القلبي، و الأخيرة متعسرة غالبا، و الأولان مورد شمول الإطلاق.

(4) للأصل بعد عدم دليل على الوجوب و أنه متعسر، كما عرفت.

(5) لإطلاق ما دل على الحكم بالقسط من الكتاب، و السنة، و الإجماع، بل العقل أيضا، كما تقدم.

(6) للإجماع، و لفعل علي عليه السلام ذلك، فإنه عليه السلام جلس بجنب شريح في حكومة له مع يهودي في درع، و قال عليه السلام: «إن خصمي لو كان مسلما لجلست معه بين يديك، و لكني سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: لا تساووهم في المجلس» (1).

(7) للإجماع، و لأنه منصوب لبسط العدل بين الخصمين، و التلقين ربما ينافيه. ثمَّ إن التلقين يختلف باختلاف الخصوصيات، و الجهات، و الأشخاص، و جميع ما ذكر في المتن من التلقين، و يمكن الاختلاف باختلاف الموارد، و إعمال القرائن.

ص: 53


1- المغني لابن قدامة ج: 11 صفحة: 444 ط بيروت.

كما إذا كانت دعواه بنحو الاحتمال فيلقنه أن يجزم فيه حتى يصير مقبولا، أو يدعي رد الأمانة أو أداء الدين فيلقنه الإنكار. و كذا يحرم أن يعلّمه كيفية الاحتجاج و طريق الغلبة و وجوه المشاجرة و نحوها (8)، هذا مع عدم علمه بأن الحق معه و إلا جاز (9)، و كذا يجوز له الحكم بعلمه (10)، هذا بالنسبة إلى الحاكم، و أما غيره فيجوز ما ذكر ان علم بصحة دعواه و يحرم مع علمه بعدم الصحة بل الأحوط الترك في صورة الجهل أيضا (11).

الثالث: من لهم حق الدعوى

الثالث: من لهم حق الدعوى إما أن يردوا على الحاكم على نحو الترتيب- أولا فأولا- أو يردوا عليه مجتمعين أو لم يعلم كيفية الورود، و في الأول يبدأ الحاكم بسماع دعوى الأول فالأول (12)، و لا يجوز تقديم المتأخر مطلقا (13)، و في الأخيرين يعمل بالقرعة مع التشاح (14).

______________________________

(8) لأنه خلاف العدل المنصوب لأجل إقامته، و أنه نصب لسد أبواب المنازعة و المشاجرة، و تعليمها مناف لمنصبه.

(9) للأصل، بعد عدم شمول دليل المنع لذلك.

(10) للأصل، و لأن المتيقن من الدليل غير صورة العلم.

(11) أما الجواز في الصورة الأولى، فللأصل بعد عدم دليل على الحرمة.

و أما عدمه في الصورة الثانية، فلأنه ترويج للباطل، و هو حرام بالأدلة الأربعة، كما تقدم مكررا. و أما الاحتياط في الأخير، فلا ريب في حسنه على كل حال، و إن كان مقتضى أصالة الصحة الحمل عليها.

(12) لأحقية السابق من لاحقه في جميع الحقوق المشتركة، من غير فرق بين كون اللاحق شريفا و السابق وضيعا، أو بالعكس.

(13) لما تقدم من أحقية السابق، إلا إذا رضى من له الحق بذلك.

(14) لأن القرعة لكل أمر مشكل، و المقام منه.

ص: 54

الرابع: لا يجوز للحاكم سماع دعوى اخرى من المدعى عليه في أثناء دعوى المدعي

الرابع: لا يجوز للحاكم سماع دعوى اخرى من المدعى عليه في أثناء دعوى المدعي إلا بعد فصل الدعوى الأولى أو رضاه بذلك (15).

الخامس: كل من ابتدأ بالدعوى من الخصمين فهو أولى

الخامس: كل من ابتدأ بالدعوى من الخصمين فهو أولى، و لو شرعا معا يسمع من الذي على يمين صاحبه (16)، و لو اتفق مسافر و حاضر معا فهما سواء (17)، ما لم يستضر أحدهما فيقدم دفعا للضرر و الأولى المراضاة (18).

السادس: ينبغي للحاكم ترغيب الخصمين إلى الصلح قبل القضاء

السادس: ينبغي للحاكم ترغيب الخصمين إلى الصلح قبل القضاء (19) و مع الإباء عنه يحكم بما تقتضيه موازين القضاء بينهما (20).

______________________________

(15) أما الأول فلسبق دعوى المدعي، فلا بد من الاستباق إلى جوابها، فيحرم على الحاكم سماع أي دعوى جديدة من المدعي عليه في البين، لأن إذنه يكون إسقاط لحق سبق الجواب، فحينئذ يجوز له السماع.

(16) أما الأول: فلمراعاة حق السبق.

و أما الثاني: فللإجماع، و قول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح ابن مسلم: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قضى أن يقدم صاحب اليمين» (1).

(17) لعدم الترجيح بينهما.

(18) لإطلاق حديث نفي الضرر (2)، و إن كان الأولى التراضي، و كذا الحكم في المرأة التي تتضرر بالتأخير.

(19) لأنه خير كما في قوله تعالى وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ (3)، مضافا إلى ظهور الإجماع على استحبابه.

(20) لوجوب فصل الخصومة حينئذ بما يقتضيه الدليل.

ص: 55


1- الوسائل: باب 5 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 2.
2- الوسائل: باب 2 من أبواب إحياء الموات.
3- سورة النساء: 128.

مسألة 1: يكره للحاكم أن يشفع في إسقاط حق بعد ثبوته

(مسألة 1): يكره للحاكم أن يشفع في إسقاط حق بعد ثبوته (21).

مسألة 2: يستحب للقاضي أمور

(مسألة 2): يستحب للقاضي أمور:

الأول: أن يطّلع على الخصوصيات و الشؤون المتعارفة في البلد الذي ورد إليه (22).

الثاني: أن يكون مجلسه في محل يسهل لأرباب الحوائج الوصول إليه من تمام الجهات (23).

الثالث: أن يدخل الجامع حين وروده إلى البلد و يصلّي ركعتين فيه و يسأل اللّه تعالى العصمة و الإعانة منه جلّ شأنه (24).

الرابع: أن يتسلّم ودائع الناس و أموالهم من الحاكم المعزول (25).

______________________________

(21) لقول نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأسامة: لا تسألني حاجة إذا جلست مجلس القضاء، فإن الحقوق ليس فيها شفاعة» (1).

(22) لأن ذلك من آداب الاجتماع، و لا بد للمتسلّط على المجتمع أن يطّلع عليها، مضافا إلى ظهور الإجماع.

(23) تأسيا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و لقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من ولّي من أمر المسلمين شيئا فاحتجب عن ضعفة المسلمين، و اولي الحاجة، احتجب اللّه عنه يوم القيامة» (2)، و مثله غيره.

(24) لأنه من طرق اعتصامه في القضاء، و تأسيا ببعض الأسلاف الصالحين.

(25) لفرض عزل الحاكم الأول و انتقال الولاية إليه، فهو الولي الفعلي، و لا بد أن يتحفظ على ما ولّي عليه.

ص: 56


1- مستدرك الوسائل: باب 11 من أبواب آداب القاضي الحديث: 3.
2- كنز العمال ج: 6 الحديث: 163 صفحة: 18 ط الهند.

الخامس: يستحب للحاكم أن يجلس مستدبر القبلة (26).

السادس: أن يحضر بعض أهل الخبرة بالقضاء عنده (27).

مسألة 3: يكره للقاضي أمور

(مسألة 3): يكره للقاضي أمور:

الأول: اتخاذ البواب أو الحاجب (28)، بل الأحوط تركه (29).

الثاني: جعل المسجد مجلسا للقضاء (30)، و لا يكره صرف وجوده فيه (31).

______________________________

(26) ليكون وجه الخصوم إلى القبلة، كما ذكروا ذلك في مجلس البحث، و لما ورد عنهم عليهم السلام: «خير المجالس ما استقبل به القبلة» (1).

(27) لينبّهه على خطئه إن أخطأ، و هناك آداب مستحبة أخرى، ذكرها الفقهاء في المطولات، و من شاء فليرجع إليها.

(28) لقول نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من ولي من أمور الناس شيئا فاحتجب دون حاجتهم، احتجب اللّه دون خلقه و حاجته و فاقته و فقره» (2).

(29) لما عن بعض الفقهاء من الحرمة، هذا إذا لم يكن محتاجا إليه، لدفع ضرر، أو أغراض عقلائية اخرى، فتخف المرجوحية حينئذ.

(30) لقول نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «جنّبوا المساجد صبيانكم، و مجانينكم، و خصوماتكم، و رفع أصواتكم» (3)، بل قد تحرم لجهات أخرى للمتخاصمين، كدخول الحائض و المشركين.

(31) للأصل، و الإجماع، و السيرة العملية من عصر علي عليه السلام، كما تشهد له دكة القضاء في مسجد الكوفة. و يمكن أن يقال: أنه تعرض للقضاء في المسجد الأحكام الخمسة التكليفية.

ص: 57


1- الوسائل: باب 76 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 3.
2- كنز العمال ج: 6 الحديث: 161 صفحة: 18 ط الهند.
3- سنن البيهقي ج: 7 صفحة: 398.

الثالث: القضاء في حال الغضب (32).

الرابع: القضاء في حال شغل النفس بشي ء يوجب سلب توجهه كاملا عنه (33).

الخامس: أن يتولّى البيع و الشراء لنفسه (34).

السادس: أن يتولّى الحكومة بنفسه (35).

السابع: الانقباض و التعبس في وجوه الخصوم (36).

الثامن: اللين الذي يستلزم جرأة الخصوم (37).

______________________________

(32) لقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من ابتلى بالقضاء، فلا يقضي و هو غضبان» (1)، هذا إذا لم يستلزم الغضب سلب الاختيار، و إلا فيبطل الحكم.

(33) لسقوط الالتفات الكامل عن التوجه إلى الحكم و موازينه، مضافا إلى أخبار خاصة، فمنها ما عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «نهى أن يقضي القاضي و هو غضبان، أو جائع، أو ناعس» (2)، و عن علي عليه السلام: «و لا تقعد في مجلس القضاء حتى تطعم» (3)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(34) لاحتمال المحاباة الموجبة للارتشاء. و غيره.

(35) لقول علي عليه السلام: «إن للخصومة قمحا، و إني لأكره أن أحضرها» (4)، و وكّل عقيلا في خصومة.

(36) لأنه قد يمنع عن شرح حالهم، و بيان مرادهم.

(37) فيسقط شأنه عن القلوب.

هذا، و قد ذكر مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في ما عهده إلى مالك حين ولّاه

ص: 58


1- الوسائل: باب 2 من أبواب آداب القاضي الحديث: 1.
2- مستدرك الوسائل: باب 1 من أبواب آداب القاضي الحديث: 1.
3- الوسائل: باب 1 من أبواب آداب القاضي الحديث: 1.
4- راجع ج: 21 كتاب الوكالة صفحة: 219.

مسألة 4: لا بد للقاضي من الاهتمام بشؤون المسجونين و التوسعة عليهم حسب موازين الشرع

(مسألة 4): لا بد للقاضي من الاهتمام بشؤون المسجونين و التوسعة عليهم حسب موازين الشرع (38).

______________________________

مصر، جملة من الآداب للقاضي (1)، و كذا فيما كتبه عليه السلام إلى رفاعة لما استقضاه على الأهواز (2).

(38) لأنهم في عذاب، و يمكن أن يكون بعضهم ممن لا يستحق ذلك، أو انتهى مدة عذابه و هو لا يعلم به، أو يكون عذابه خفيفا و هو في الشدة، إلى غير ذلك من مناشئ الاهتمام، خصوصا إذا انتهت مدة القضاوة و جاء قاض آخر.

ص: 59


1- راجع مستدرك الوسائل: باب 1 من أبواب آداب القاضي الحديث: 2 و 1.
2- راجع مستدرك الوسائل: باب 1 من أبواب آداب القاضي الحديث: 2 و 1.

الفصل الرابع فيما يعتبر في سماع الدعوى

اشارة

الفصل الرابع فيما يعتبر في سماع الدعوى و لا بد أولا من تشخيص المدعي و المدعى عليه (المنكر)، و المرجع في ذلك المحاورات العرفية المختلفة باختلاف كيفية تقرير الدعوى، و منها عرف القضاة و حكام الشرع، فليس للشارع- و لا لهم- اصطلاح خاص فيهما (1)، و قد يختلف المدعي و المنكر بحسب كيفية بيان الدعوى حتى يصير المورد من قبيل التداعي (2).

______________________________

(1) لأنهما ليسا من الحقيقة الشرعية، و لا الموضوعات المستنبطة، حتى يرجع فيهما إلى الشارع، أو الفقهاء، بل من العرفيات الدائرة في جميع الملل و الأديان، و كانت الخصومة و الدعوى و توابعهما، و الفصل بين المتخاصمين، موجودة قبل الإسلام، فورد الإسلام عليها، لا أنها وردت من الإسلام حتى يؤخذ مفهومها منه، بل لا يقال بذلك في العبادات فضلا عن غيرها.

و أصل الدعوى مأخوذ من الدعاء، و هو بمعنى الطلب، و تختلف باختلاف الخصوصيات و الجهات، فما عرّف الفقهاء المدعي من أنه: «لو ترك ترك»، أو «يدعي خلاف الأصل»، أو «من يكون في مقام إثبات أمر على غيره»، فإن رجع إلى العرف فهو المعوّل، و إلا فلا تعويل على قول الفقهاء في ذلك، كما اعترف بذلك جمع من الفقهاء- منهم صاحب الجواهر- و لا ثمرة علمية بل و لا عملية، معتنى بها في نقل التعاريف و تزييفها.

(2) المدعي و المنكر: ما إذا ادعى أحد شيئا على شخص و أنكره ذلك

ص: 60

مسألة 1: يعتبر في سماع الدعوى أمور

(مسألة 1): يعتبر في سماع الدعوى أمور (3):

الأول: الكمال بالبلوغ و العقل في المدعي (4)، فلا تسمع من الصبي و لو كان مراهقا و لا من المجنون- و لو كان أدواريا- إذا رفعت في حال جنونه (5).

مسألة 2: لو رفع الصبي ظلامته إلى الحاكم الشرعي يعمل الحاكم فيه بموازين القضاء

(مسألة 2): لو رفع الصبي ظلامته إلى الحاكم الشرعي يعمل الحاكم فيه بموازين القضاء على حسب تكليفه (6)، فيحلّف الحاكم الشرعي المنكر إن

______________________________

الشخص، و التداعي: ما إذا انطبق عنوان المدعي و المنكر على كل واحد من الطرفين، كما إذا تنازع في شي ء خارجي شخصان، يقول أحدهما: هذا لي و ليس لك، و يقول الآخر: هذا لي و ليس لك، و يأتي التفصيل إن شاء اللّه تعالى.

(3) بعض تلك الأمور يرجع إلى المدعي، و بعضها إلى المنكر (المدعى عليه)، و منها ما يتعلق بأصل الدعوى، و منها ما يرجع إلى المدعى به، و سيأتي البحث في كل منها إن شاء اللّه تعالى.

(4) أما الأول: فاستدل عليه بأصالة عدم ترتب الأثر على دعوى الصبي مطلقا، و بالإجماع، و بقولهم عليهم السلام: لا يجوز أمر الغلام حتى يبلغ (1). و الأول محكوم بالإطلاقات، و العمومات المتقدمة، و المتيقن من الثاني ما إذا استلزم التصرف المالي، كما أن المنساق من الثالث الاستقلال، لا ما إذا كان بإذن الولي- إن فرض له العموم أو الإطلاق- و قد يستدل بأدلة أخرى مزيفة تعرضنا لها في شرائط المتعاقدين في البيع. فراجع.

هذا، و لكن الحكم في المقام من المسلّمات عندهم مطلقا.

و أما الثاني: فبالضرورة الفقهية إن لم تكن عقلائية.

(5) لما عرفت في كل منهما.

(6) لفرض أن الحاكم الشرعي منصوب لفصل الخصومات، و رفع

ص: 61


1- راجع النصوص في المجلد السادس عشر صفحة: 272.

لم تكن هناك بينة على صدق الدعوى (7)، و لو رد المنكر الحلف فلا أثر لحلف الصبي (8).

مسألة 3: لو وجد للصبي ولي أو وكيل و علما بصحة دعواه عند الحاكم

(مسألة 3): لو وجد للصبي ولي أو وكيل و علما بصحة دعواه عند الحاكم جاز لهما الحلف على علمهما (9).

الثاني: عدم الحجر لو كان متعلق الدعوى مالا (10)، فلو كانت الدعوى مالية و كانت قبل الحجر تسمع دعواه (11)، و كذا لو كان متعلقها شيئا آخر سوى المال تسمع دعواه مطلقا (12).

الثالث: أن يكون له نحو حق في الدعوى فلا تسمع دعوى الأجنبي (13).

______________________________

الظلامات، و تصدّيه للأمور الحسبية، فإن كان للصبي ولي يحضره و إلا يتصدّى لذلك بولاية نفسه، و يفعل ما تقتضيه الولاية من نصب القيم له، أو أخذ الوكيل له فيها.

(7) لأن هذا من أهم طرق فصل الخصومة، لما تقدم من أن البينة على المدعي و اليمين على من أنكر.

(8) لفرض صغره، و اعتبار البلوغ في الحالف مطلقا- أصلا أو ردا- كما سيأتي.

(9) لتحقق جميع شرائط الحلف حينئذ.

(10) لفرض أنه محجور عليه في ماله، فكيف تسمع دعواه فيما حجر عليه؟! فهذا الشرط من قبيل الوصف بحال المتعلق، إذ لا يعتبر الرشد في المدعي من حيث هو مدع، و إنما يعتبر في الدعاوي المالية، فالنزاع في اعتباره و عدمه صغروي.

(11) لوجود المقتضي و فقد المانع، فتشملها الأدلة.

(12) لإطلاق الأدلة، و عدم مقيد في البين.

(13) لأصالة عدم ترتب الأثر مطلقا، و سيرة المتشرعة، بل استنكار العرف

ص: 62

الرابع: وجود أثر للدعوى إن حكم على طبقها (14)، فلو ادعى دعوى ممتنعة عقلا أو عادة أو شرعا لا تسمع (15).

الخامس: أن يكون المدعى به معلوما في الجملة (16)، فلا تسمع دعوى المجهول المطلق (17).

______________________________

لدعوى الأجنبي المحض، و انصراف الأدلة عنه، كما إذا ادعى زيد على عمرو شيئا، يكون زيد أجنبيا عنه بالمرة، فلا بد للمدعي نحو تعلق بالدعوى، مثل أن يكون ولي المدعي، أو وكيله، أو الحق يرجع إليه.

نعم في الأمور الحسبية يجوز إقامة الدعوى من باب إقامة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، لكن بشرطها و شروطها، كما تقدم في كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

(14) لظهور الأدلة في ما له الأثر، و ظهور الإجماع، و أصالة عدم ترتب آثار الحكم على مثل هذه الدعوى، و المناط كله أن يترتب على سماع الدعوى أثر شرعي صحيح عقلائي.

(15) كما عرفت آنفا، فلو ادعى على أحد الهبة أو الوقف مع التسالم على عدم القبض لا تسمع، و كذا لو ادعى دينا على شخص غير معلوم من البلد الفلاني، أو دعوى الملكية على ما لا يملك شرعا، إلى غير ذلك من الأمثلة.

(16) لأنه الظاهر من الأدلة، و عليه بناء المتعارف في الدعاوي الدائرة بينهم، مع أن المجهول المطلق يشمل ما لا تسمع فيه الدعوى، كأن يدّعي شيئا مرددا بين ما تسمع الدعوى فيه و لا تسمع.

(17) لأن الشيئية المجهولة المطلقة تشمل ما لا تعتبر فيه الملكية و الحقية أصلا، كذرة من ماء فم المدعي وقعت على لباس المدعى عليه حين تكلمه معه مثلا، أو نحو ذلك.

ص: 63

مسألة 4: لو ادعى نوعا مرددا بين أفراد تسمع دعواه

(مسألة 4): لو ادعى نوعا مرددا بين أفراد تسمع دعواه (18)، و يطالب المدعى عليه بالتفسير بعد تمامية الحكم (19).

مسألة 5: إذا فسر المدعى عليه الدعوى المرددة بين الأفراد

(مسألة 5): إذا فسر المدعى عليه الدعوى المرددة بين الأفراد و لم يصدقه المدعي تحقق دعوى أخرى حينئذ (20)، و إن لم يفسر و كان المدعى به مرددا بين أمور محصورة يقرع بينها (21).

مسألة 6: لو أقر المدعى عليه بالتلف

(مسألة 6): لو أقر المدعى عليه بالتلف و صدّقه الآخر فمع الاتفاق في القيمة لا نزاع و إلا يتحقق بالنسبة إلى الزيادة دعوى مسموعة (22).

السادس: وجود طرف للمدعي في دعواه (23)،

______________________________

(18) لترتب الغرض الصحيح على الدعوى، كأن ادعي لي عنده مصحف، و المفروض أنه مردد بين أصناف مختلفة كثيرة.

(19) لتوقف فصل الخصومة حينئذ على التفسير، إلا إذا رضي المدعي بكل ما أعطاه المدعى عليه.

(20) لترتب الغرض الصحيح الشرعي على هذه الدعوى، فتشملها الإطلاقات، و العمومات.

(21) لشمول دليل القرعة لمثل المقام (1).

(22) لترتب الغرض الصحيح العقلائي على الدعوى، فتشملها الإطلاقات، و العمومات، بلا إشكال كما مر.

(23) لظواهر الأدلة، و كلمات الأجلة، و أصالة عدم ترتب آثار الحكم، و خروجه عما هو المتعارف.

و طرف الدعوى .. تارة: شخص خارجي.

و أخرى: مردد بين محصور.

ص: 64


1- الوسائل: باب 13 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى.

فلا تسمع دعوى بلا طرف في البين (24).

السابع: أن تكون الدعوى لرفع الخصومة لا لدفعها في المستقبل (25)، فلو أراد إصدار حكم من الحاكم الشرعي فعلا ليترتب عليه الأثر بعد ذلك لا تسمع هذه الدعوى (26).

مسألة 7: لا يعتبر الجزم في الدعوى

(مسألة 7): لا يعتبر الجزم في الدعوى فتقبل الدعاوي غير الجزمية مع ترتب الأثر الصحيح الفعلي عليها (27).

______________________________

و ثالثة: بين غير محصور، فإن أمكن الحاكم رفع الخصومة بالموازين الشرعية في الأقسام الثلاثة تصح في الجميع، و إلا ففيما أمكن.

(24) لعدم وجود شخص ينازعه، فكيف تتحقق الدعوى؟!

(25) لأن ذلك هو المتبادر من ظواهر الأدلة، و الدعاوي المتعارفة بين الناس، فيخرج ذلك عما هو المتعارف.

(26) لما عرفت آنفا.

نعم يصح التماس فتوى من الحاكم الشرعي مطابقة للأدلة، ليترتب عليها الأثر بعد ذلك، و لكنها ليس من الحكم في شي ء و لا ربط له بالمقام.

(27) نسب إلى المشهور اعتبار الجزم في الدعوى، لأصالة عدم وجوب ترتب الآثار، و لأنه المنساق منها، و بأنه ضرر على المدعى عليه إن سمعت الدعاوي الظنية أو الاحتمالية.

و فيه: أن الأصل محكوم بالعمومات، و الإطلاقات (1)، و كونه المنساق على فرض قبوله إنما هو بحسب الغالب، و استلزام الضرر أعم من الجزم، إذ يمكن لزومه مع الجزم أيضا، فمقتضى العموم و الإطلاق قبولها مطلقا و لو كانت احتمالية، بعد صدق الدعوى و المدعي و المنكر، و وجود أثر صحيح في البين.

ص: 65


1- راجع الوسائل: باب 11 من أبواب صفات القاضي.

مسألة 8: تسمع الدعوى سواء كان المدعى عليه معينا أم مرددا بين شخصين مثلا

(مسألة 8): تسمع الدعوى سواء كان المدعى عليه معينا أم مرددا بين شخصين مثلا (28)، و كذا تصح الدعوى من شخصين- مثلا- على شخص واحد (29).

مسألة 9: لا يعتبر في سماع الدعوى ذكر سبب الاستحقاق

(مسألة 9): لا يعتبر في سماع الدعوى ذكر سبب الاستحقاق فتسمع الدعوى مطلقا، كان المدعى به دينا أو عينا أو شيئا آخر (30).

مسألة 10: بناء على اعتبار الجزم في الدعوى لو أبرزها غير الجازم بصورة الجزم لا تسمع منه

(مسألة 10): بناء على اعتبار الجزم في الدعوى لو أبرزها غير الجازم بصورة الجزم لا تسمع منه (31).

مسألة 11: لا يعتبر حضور المدعى عليه في سماع الدعوى فتسمع الدعوى على الغائب مطلقا

(مسألة 11): لا يعتبر حضور المدعى عليه في سماع الدعوى فتسمع الدعوى على الغائب مطلقا (32)،

______________________________

و يشهد له ما ورد في صحة الإحلاف على التهمة، ففي الصحيح عن الصادق عليه السلام قال: «لا يضمن الصائغ، و لا القصار، و لا الحائك إلا أن يكونوا متهمين، فيخوّف بالبينة و يستحلف، لعله يستخرج منه شيئا» (1)، و عنه عليه السلام أيضا: «لا يضمن القصار إلا ما جنت يداه، و إن اتهمته أحلفته» (2).

(28) للإطلاق، و العموم، بعد صحة الصدق العرفي، و تحقق الأثر الصحيح للدعوى، فيفصل الخصومة ثمَّ يقضي بالموازين الشرعية.

(29) للإطلاق، و العموم- كما مر في سابقة- فيعمل القاضي في مورد التعدد بموازين القضاء بحسب رأيه من القرعة، أو التقسيط، أو غير ذلك.

(30) لإطلاق الأدلة، و عمومها، الشامل لذكر السبب و عدمه، مضافا إلى الإجماع، و يأتي في دعوى القتل ما يتعلق بها.

(31) للأصل، بعد عدم شمول الأدلة لها، لكونها دعوى لا واقع لها.

(32) للإجماع، و إطلاق الأدلة، و نصوص خاصة منها ما عن أبي

ص: 66


1- الوسائل: باب 29 من أبواب الإجارة الحديث: 11 و 16.
2- الوسائل: باب 29 من أبواب الإجارة الحديث: 11 و 16.

فيعمل القاضي حينئذ بموازين القضاء على حسب نظره (33).

مسألة 12: لو أمكن إحضار الغائب بسهولة أو كان حاضرا في البلد و تعذر إحضاره بلا إعلام ففي جواز الحكم إشكال

(مسألة 12): لو أمكن إحضار الغائب بسهولة أو كان حاضرا في البلد و تعذر إحضاره بلا إعلام ففي جواز الحكم إشكال (34)، نعم لو اعلم و لم يكن له عذر و مع ذلك امتنع عن الحضور يحكم عليه (35).

مسألة 13: تسمع دعوى المدعي على الغائب مطلقا

(مسألة 13): تسمع دعوى المدعي على الغائب مطلقا سواء ادعى جحود المدعى عليه أو لا (36).

______________________________

جعفر عليه السلام في صحيح محمد بن مسلم قال: «الغائب يقضى عليه إذا قامت عليه البينة، و يباع ماله، و يقضى عنه دينه و هو غائب، و يكون الغائب على حجته إذا قدم. و لا يدفع المال إلى الذي أقام البينة إلا بكفلاء إذا لم يكن مليا» (1).

و ما يظهر منه الخلاف كقول علي عليه السلام «لا يقضى على غائب» (2)، محمول على ما إذا كان قصور أصل الدعوى.

(33) لاستلزام صحة القضاء عليه ذلك كله، فيدل إطلاق جميع الأدلة عليه بالدلالة الالتزامية، فلو كان المدعى به عينا و قامت البينة، ردها إلى المدعي، و إن كان دينا (في الذمة) و قامت البينة، يبيع القاضي مال الغائب و يؤدي دينه إن انحصر في ذلك، و لكن لا يدفع إلى المدعي إلا مع الاطمئنان بعدم تضرر المدعى عليه لو حضر، كما تقدم في النص.

(34) من الجمود على الإطلاقات، و إطلاق النص الخاص المتقدم، فيجوز. و من احتمال انصرافها عن الصورتين، فلا يجوز.

(35) لشمول الإطلاق له حينئذ، و سقوط احتمال الانصراف عنه.

(36) للإطلاق الشامل للصورتين.

و خلاصة الكلام أن الدعوى على الغائب لها أقسام ثلاثة:

ص: 67


1- الوسائل: باب 26 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى الحديث: 1.
2- الوسائل: باب 26 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى الحديث: 4.

مسألة 14: لا يعتبر في الحكم على الغائب ضم اليمين

(مسألة 14): لا يعتبر في الحكم على الغائب ضم اليمين (37)، و إن كان هو الأحوط (38).

مسألة 15: لو حضر الغائب يكون على حجته

(مسألة 15): لو حضر الغائب يكون على حجته فإن أراد جرح الشهود أو إقامة بينة معارضة يقبل منه (39).

مسألة 16: يختص نفوذ الحكم على الغائب بحقوق الناس

(مسألة 16): يختص نفوذ الحكم على الغائب بحقوق الناس فلا ينفذ الحكم عليه في حقوق اللّه تعالى مثل شرب الخمر و الزنا و غيرهما (40)،

______________________________

الأول: دعوى الجحود على الغائب.

الثاني: دعوى مماطلته في أداء الحق الذي يكون عليه.

الثالث: دعوى أصل الحق من دون جحوده، و لا مماطلته، و لا ريب في ترتب الأثر على الدعوى في القسمين الأولين، و في القسم الثالث إن ترتب عليها غرض عقلائي تقبل، و إلا فلا تقبل.

(37) لظهور الإطلاقات، و ما تقدم من النص.

و لكن نسب إلى المشهور اعتبار ضم اليمين تنزيلا للغائب منزلة الميت، فكما تحتاج الدعوى على الميت إلى ضم اليمين فكذلك في المقام.

و هو لا يخلو عن القياس، و مقتضى إطلاق أدلة الدعوى على الميت- كما سيأتي- عدم الاحتياج إليها أيضا، و يأتي في الدعوى على الميت البحث مع المشهور إن شاء اللّه تعالى.

(38) ظهر وجه الاحتياط مما مر.

(39) إجماعا، و نصا: «و يكون الغائب على حجته إذا قدم» كما تقدم(1).

(40) للأصل، و ظهور الإجماع، و انسباق حقوق الناس من الأدلة الخاصة- كما مر بعضها- و بناء حقوق اللّه تعالى على التسهيل مهما وجد إليه

ص: 68


1- الوسائل: باب 26 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى الحديث: 1.

و لو كان المدعى به ما اجتمع فيه حق اللّه تعالى و حق الناس كما في السرقة (41)، ينفذ في حق الناس دون حق اللّه تعالى (42).

مسألة 17: إذا تمت الدعوى من المدعي

(مسألة 17): إذا تمت الدعوى من المدعي فإن أحضر المنكر معه و إلا يتوقف إحضاره على طلب المدعي ذلك من الحاكم الشرعي (43).

______________________________

السبيل، فيشملها إطلاق قول نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «ادرؤا الحدود بالشبهات» كما سيأتي.

(41) ففيها القطع و الضمان، و الأول من حقوق اللّه تعالى، و الأخير من حقوق الناس.

(42) لأنهما موضوعان مختلفان، فيترتب على كل منهما حكمه.

(43) لكونه صاحب الحق و الدعوى قائمة به، فيكون له حق إحضار المحكوم عليه، و يمكن له رفع اليد عن الدعوى رأسا، أو إيكال الدعوى إلى زمان آخر، إلى غير ذلك مما يفيد أنه حقه.

ص: 69

الفصل الخامس في جواب المدعى عليه

اشارة

الفصل الخامس في جواب المدعى عليه و هو: أما إقرار، أو إنكار، أو ما هو مثله- كالسكوت أو يقول لا أدري- أو يكذّب المدعي (1)، و نذكر حكمها في ضمن مسائل:

أما الأول أي الاقرار

اشارة

أما الأول:

مسألة 1: لو أقر المدعى عليه بما ادعاه المدعي- عينا كان أو دينا-

(مسألة 1): لو أقر المدعى عليه بما ادعاه المدعي- عينا كان أو دينا و كان إقراره جامعا للشرائط فحكم الحاكم و ألزمه بدفعه ترتفع الخصومة (2).

مسألة 2: ما حكم به الحاكم في مورد اعتراف المدعى عليه

(مسألة 2): ما حكم به الحاكم في مورد اعتراف المدعى عليه و إقراره حكم صحيح جامع للشرائط يترتب عليه جميع آثاره (3).

______________________________

(1) و الحصر في ذلك استقرائي بل عقلي.

(2) لانتفاء موضوع الخصومة رأسا بالإقرار و الاعتراف بما يدعيه المدعي، فهما متوافقان على شي ء واحد، و لا تعقل الخصومة بينهما حينئذ، بل الإقرار حجة عقلائية بالنسبة إلى المقر له، مضافا إلى قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (1)، و إن لم يحصل حكم من الحاكم و إنما الاحتياج إليه فيما إذا كان المورد مسبوقا بالخصومة، لأجل التأكيد في مقام الإثبات، لئلا يقع تشكيك فيه بعد ذلك من أحد، لأجل ترتب آثار الحكم عليه اهتماما بالموضوع.

(3) لأنه حكم صحيح، و كل حكم كان كذلك، فهو حجة شرعا، فيترتب

ص: 70


1- الوسائل: باب 3 من أبواب الإقرار ح: 16.
مسألة 3: لو أقر المدعى عليه و لم يصدر حكم من الحاكم يؤخذ بإقراره

(مسألة 3): لو أقر المدعى عليه و لم يصدر حكم من الحاكم يؤخذ بإقراره (4)، و يلزم بدفعه إلى المقر له (5)، و كذا لو قامت البينة على أن الحق للمدعي (6)، و يدخل المقام في مورد الأمر بالمعروف أيضا لو حصل للآمر به العلم بجامعية البينة للشرائط (7).

______________________________

عليه الآثار، كحرمة نقضه، و عدم جواز رفعه إلى حاكم آخر، و ما تقدم من حرمة سماع حاكم آخر تلك الدعوى مرة أخرى و غير ذلك.

(4) لقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» كما مر، مع أن الإقرار من الحجج العقلائية المعتبرة. لدى الكل، فيترتب جميع آثاره، من عدم جواز تصرف المقر فيما أقر به إلا بإذن المقر له.

(5) لأنه حينئذ من صغريات الحسبة، فيجب كفاية القيام بها إن تمت موازين الحسبة.

(6) لأنها حجة شرعية بل عقلائية أيضا، لأن في كل مذهب و ملة إذا شهد شاهدان عدلان عندهم على شي ء يعتمدون على قولهما.

نعم يختلف معنى العدالة فيما بينهم، و يمكن أن لا يكون العادل في مذهب عادلا في مذهب آخر، و إن شئت قلت: إن البينة توجب حصول الاطمئنان النوعي بمفادها، و هو حجة عقلائية كالعلم، و القول باختصاص حجيتها بما إذا قامت لدى الحاكم الشرعي إنما هو لأجل أن إحراز العدالة المعتبرة فيها، و سائر جهات الشهادة لا تثبت غالبا إلا عنده، لا أنه على فرض إحراز جميع الجهات لا تكون معتبرة إلا لديه، كما أن موضوع القضاوة لا بد و أن يكون لديه أيضا، فلو قامت البينة كذلك تترتب عليها الآثار من عدم جواز تصرف المشهود عليه إلا بإذن المشهود له.

(7) لفرض تحقق العلم بالموضوع، فيترتب عليه الأثر لا محالة.

ص: 71

مسألة 4: بعد الإقرار الجامع للشرائط من المدعى عليه

(مسألة 4): بعد الإقرار الجامع للشرائط من المدعى عليه و سؤال المدعي الحكم من الحاكم و توقف إحقاق الحق على حكمه وجب عليه الحكم (8)، بل الأحوط ذلك و لو مع عدم التوقف أيضا (9)، و أما مع عدم المطالبة و عدم التوقف فلا يجب (10).

مسألة 5: الحكم هو الإلزام بشي ء

(مسألة 5): الحكم هو الإلزام بشي ء من مال أو عقد أو إيقاع أو إثبات شي ء خارجا أو على ذمة (11)، و لا يعتبر فيه لفظ خاص (12)، بل يكفي كل ما هو ظاهر عرفا في المقصود (13)، كقضيت و حكمت و نحوهما (14)، و لا فرق في الظهور بين أن يكون بنفسه أو بقرينة (15)،

______________________________

(8) للإجماع و ظاهر الأدلة الدالة على وجوب الحكم بالحق عند وجود المقتضي و فقد المانع، كما مر.

(9) لما يدعى من الإجماع في هذه الصورة أيضا.

(10) للأصل بعد عدم دليل عليه، و إن كان الأولى ذلك.

(11) لأنه ليس بإخبار لغة و عرفا و شرعا، فيكون من الإنشائيات قهرا، و أما متعلقه فليس فيه حد معين، بل المناط كل ما يصح أن يتعلق به الحكم شرعا، فما عن بعض القدماء في تعريفه من ذكر الإنشاء إنما هو للتوضيح، و إلا فيكفي مجرد الإلزام، كما أنه لا يعتبر في اعتبار الحكم الخصومة، للإطلاقات، و العمومات، نعم هي الغالبة فيه لا أن تكون مقومة لحقيقته.

(12) للإطلاقات، مضافا إلى الأصل، و الإجماع.

(13) لأن المناط إنشاؤه خارجا، و هو يحصل بكل ما يحصل به الإنشاء عرفا، كما لا يحصل بالإخبار، ففي مثل ثبت عندي أو حكمت به، إذا كان في مقام الإخبار لا يكون حكما، و إذا كان في مقام الإنشاء يكون حكما.

(14) مما هو ظاهر في هذا العنوان من كل لغة.

(15) لأن ظواهر الألفاظ حجة معتبرة عند العقلاء، سواء كانت حقيقية أم

ص: 72

بل يحصل بالفعل أيضا (16).

مسألة 6: يجب على الحاكم أن يكتب الحكم إذا التمس منه المدعي

(مسألة 6): يجب على الحاكم أن يكتب الحكم إذا التمس منه المدعي و توقف استنقاذ الحق عليه (17)، و كذا ما يتبع الحكم من إقرار المقر و نحوه (18)، و الأحوط عدم أخذ الأجرة بالنسبة إلى عمله (19)، و أما ما يصرفه في ذلك من الأعيان فلا إشكال في جواز أخذ عوضها إن لم تكن من مال المدعي (20)، و أما مع عدم التوقف فلا شبهة في عدم الوجوب و جواز أخذ الأجرة (21).

مسألة 7: إذا وجبت الكتابة لا بد للكاتب من الفحص التام

(مسألة 7): إذا وجبت الكتابة لا بد للكاتب من الفحص التام في تشخيص خصوصيات المدعي من اسمه و نسبه بحيث يأمن من الغلط و الإبهام (22)،

______________________________

مجازية، مع القرينة المعتبرة.

(16) إذا كان في مقام إفادة ذلك، كما إذا أخذ المدعي به من المدعى عليه و سلّمه إلى المدعي.

(17) لأنه إحقاق للحق، و هو منصوب لذلك، فتشمله أدلة الحسبة.

(18) لما مر فيما قبله آنفا.

(19) لكونه من متممات الحكم، فكما لا يصح أخذ الأجرة عليه لأنه شرع مجانا، فكذا متمماته أيضا، و من يقول بالجواز يجعل حرمة أخذ الأجرة بالنسبة إلى خصوص الحكم فقط دون متمماته، أو لا يجعله من المتممات أصلا، فالنزاع صغروي.

(20) لأن الواجب مجانا إنما هو العمل أي الكتابة، و أما بذل المال فمقتضى الأصل عدم وجوبه، كما في تجهيزات الميت و نحوها من الواجبات النظامية، فيجوز أخذ عوض تلك الأعيان مطلقا.

(21) للأصل، و الإطلاق بعد عدم دليل على الحرمة فيهما.

(22) كل ذلك تأكيدا لبقاء الحق في مقره، و عدم زواله عن مستقره.

ص: 73

و لو لم يحتج إلى ذلك اكتفى بكتابة ما يفيده (23).

مسألة 8: إذا كان، المقر متمكنا من أداء ما أقر به الزم بالتأدية

(مسألة 8): إذا كان، المقر متمكنا من أداء ما أقر به الزم بالتأدية (24)، و لو امتنع أجبره الحاكم (25)، و إذا ماطل و أصر على المماطلة يعاقب حسب مراتب الأمر بالمعروف (26)، بل يجوز ذلك لغير الحاكم أيضا (27)،

______________________________

(23) إذ المناط وصول الحق إلى أهله، و هو يحصل بذلك.

(24) لعموم «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (1)، و وجوب أداء حقوق الناس فورا مع التمكن، بالأدلة الأربعة، كما تقدم في كتاب الغصب.

(25) لأنه ولي الممتنع، و لأنه نصب لإحقاق الحق و إبطال الباطل، مضافا إلى أدلة ولاية الحسبة.

(26) من الرفق أولا، ثمَّ التغليظ بالقول حسب ما تقدم في كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، فإن المقام من صغرياته، فتشمله أدلته، مضافا إلى قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «ليّ الواجد يحل عقوبته و عرضه» (2).

(27) لإطلاق أدلة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، بعد تحقق الشرائط الشاملة للمقام أيضا.

و احتمال تقييده بقوله عليه السلام في خبر مسعدة بن صدقة: «إنما هو على القوي المطاع العالم بالمعروف من المنكر، لا على الضعيف الذي لا يهتدي سبيلا» (3).

مخدوش: إذ ليس المراد بالقوي المطاع و العالم، خصوص الحاكم، بل المراد كل من يقدر على ذلك، و علم بتحقق شرائط الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، لأن للقوة و المطاعية مراتب كثيرة، خصوصا بعد مقابلتها مع

ص: 74


1- الوسائل: باب 3 من أبواب الإقرار الحديث: 16.
2- الوسائل: باب 8 من أبواب القرض الحديث: 4.
3- الوسائل: باب 2 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر الحديث: 1.

و يحبسه الحاكم مع تحقق المماطلة إلى أن يؤدي ما عليه (28).

مسألة 9: للحاكم الشرعي إجبار المقرر الواجد ببيع ماله

(مسألة 9): للحاكم الشرعي إجبار المقرر الواجد ببيع ماله (29)، و إن امتنع عن بيعه باعه الحاكم بنفسه (30)، و لو كان المقر به عينا خارجية أخذها الحاكم أو المدعي بل و غيره من باب الأمر بالمعروف (31).

مسألة 10: لو كان المقر به دينا فللحاكم الشرعي أخذ مثله في المثليات و القيمة في القيميات

(مسألة 10): لو كان المقر به دينا فللحاكم الشرعي أخذ مثله في المثليات و القيمة في القيميات مما زاد على مستثنيات الدين، بلا فرق في ذلك بين الرجل و المرأة (32).

______________________________

الضعفة، كما في ذيل الحديث.

(28) إجماعا، و نصا، ففي الموثق: «أن عليا عليه السلام كان يحبس الرجل إذا التوى على غرمائه، ثمَّ يأمر به فيقسم ماله بينهم بالحصص، فإن أبى باعه فقسم بينهم» (1).

(29) كما تقدم في الحديث بعد حمل قوله عليه السلام: «فإن أبى» على مطلق الإباء حتى عن البيع مباشرة مع الإلزام.

(30) لتحقق موضوع ولايته عليه حينئذ بلا إشكال.

(31) أما الحاكم فلولايته، و أما غيره فلأدلة الأمر بالمعروف مع انطباقها عليه، و لكن الأحوط الاستيذان من الحاكم.

(32) أما أخذ البدل من المثل أو القيمة، فلضرورة المذهب بل الدين. و أما استثناء مستثنيات الدين فللنص، و الإجماع، كما تقدم في كتاب الدين و الفلس (2)، فلا وجه للإعادة هنا.

و أما عدم الفرق بين الرجل و المرأة فللإجماع، و قاعدة الاشتراك، ما لم يدل دليل على الخلاف، و هو مفقود.

ص: 75


1- الوسائل: باب 6 من أبواب أحكام الحجر ج: 13.
2- راجع المجلد الواحد و العشرون صفحة: 24.
مسألة 11: إذا ادعى المقر الإعسار و أنكره المدعي

(مسألة 11): إذا ادعى المقر الإعسار و أنكره المدعي فمع سبقه باليسار فالقول قول منكر العسر و مع سبقه بالعسر فالقول قول مدعيه (33)، فإن جهل الأمران يقدم قول من ينكر العسر (34).

مسألة 12: إذا ثبت عسره

(مسألة 12): إذا ثبت عسره فإن لم يكن عنده اقتدار على دفع عسره- من الصنعة و القوة على العمل- ينظر إلى يساره (35)، و إن اقتدر عليه يرى فيه الحاكم الشرعي رأيه (36)، مما لا يكون حرجا عليه من تسليمه.

مسألة 13: لو لم يعلم إعسار المقر و إيساره

(مسألة 13): لو لم يعلم إعسار المقر و إيساره و التمس المدعي من الحاكم حبسه إلى أن يظهر الحال حبسه الحاكم (37)،

______________________________

(33) أما في الأول: فلأصالة عدم عروض العسر إلا إذا ثبت ذلك بحجة شرعية معتبرة.

و أما الثاني: فلأصالة عدم عروض اليسر إلا بحجة معتبرة شرعية، فتترتب آثار اليسر في الأول، و آثار العسر في الثاني.

(34) لوجوب إعمال القدرة في رد حق الغير إليه، إلا إذا ثبت المانع عنه بوجه معتبر، و مع الشك تجري أصالة عدم المانع.

(35) لقوله تعالى وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ (1)، مضافا إلى الإجماع، و النص، فعن علي عليه السلام: «فإذا تبين له حاجة و إفلاس خلى سبيله» (2).

(36) لأن ذلك كله من فروع ولايته على إحقاق الحق، و يختلف ذلك بحسب الأشخاص و الخصوصيات، مع أن أداء مال الغير واجب يجب تحصيل مقدماته، كوجوب تحصيل نفقة العيال، و ما ورد عن علي عليه السلام من أنه إذا ظهر إفلاسه خلى سبيله، لم تعلم خصوصياته حتى يؤخذ بإطلاقه.

(37) لأن الحق للمدعي، و قد طلبه من الحاكم، فلا بد له من إحقاق الحق

ص: 76


1- سورة البقرة: 280.
2- الوسائل: باب 7 من أبواب الحجر ج: 3.

فإن تبين إعساره خلّى سبيله بلا فرق في ذلك بين الرجل و المرأة كما تقدم (38).

مسألة 14: لا بد من ملاحظة شأن المعسر في إلزام الكسب عليه

(مسألة 14): لا بد من ملاحظة شأن المعسر في إلزام الكسب عليه بأن لا يكون حرجا عليه أو غير لائق به (39).

مسألة 15: لو أضر الحبس بالمعسر أو كان أجيرا للغير قبل ذلك

(مسألة 15): لو أضر الحبس بالمعسر أو كان أجيرا للغير قبل ذلك فلا يجوز حبسه (40).

مسألة 16: لا يجب على الرجل طلاق زوجته لدفع نفقتها في أداء الدين

(مسألة 16): لا يجب على الرجل طلاق زوجته لدفع نفقتها في أداء الدين و كذا لا تجب على المرأة الزواج لأخذ المهر و صرفه في دينها (41).

مسألة 17: إذا وهب المديون واهب مالا لصرفه في دينه و لم يكن في قبوله مهانة وجب عليه القبول

(مسألة 17): إذا وهب المديون واهب مالا لصرفه في دينه و لم يكن في قبوله مهانة وجب عليه القبول (42).

مسألة 18: لو أقر المدعى عليه بالدين ثمَّ عرض له الجنون يتولى أمره الحاكم الشرعي

(مسألة 18): لو أقر المدعى عليه بالدين ثمَّ عرض له الجنون يتولى أمره الحاكم الشرعي فينظر في يساره و إعساره و سائر جهاته (43).

مسألة 19: إذا أقر المدعى عليه بأن المال للمدعي جاز له التصرف

(مسألة 19): إذا أقر المدعى عليه بأن المال للمدعي جاز له التصرف و المقاصة و نحوهما مطلقا (44).

______________________________

لكونه منصوبا لذلك.

(38) لإطلاق الأدلة، و قاعدة الاشتراك.

(39) كل ذلك لقاعدة نفي الحرج.

(40) لقاعدتي نفي الضرر، و الحرج.

(41) للأصل، و الإجماع، و ظهور أدلة وجوب أداء الدين في غيرهما.

(42) لصدق التمكن عرفا بلا إشكال.

(43) لأن له الولاية عليه، و تشمله إطلاقات الأدلة حينئذ، لأنها تشمل نفس المدعى عليه كما تشمل الولي أيضا.

(44) كل ذلك لتمامية المقتضي لتصرفات المدعي، و فقد المانع عنها،

ص: 77

مسألة 20: لا يجوز للحاكم إيقاف المقر عن الإقرار في حقوق الناس

(مسألة 20): لا يجوز للحاكم إيقاف المقر عن الإقرار في حقوق الناس (45)، و يجوز ذلك في حقوق اللّه تعالى (46).

و أما الثاني أي الإنكار

اشارة

و أما الثاني (47).

______________________________

مضافا إلى الإجماع، و في خبر مسمع قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إني كنت استودعت رجلا مالا فجحدنيه و حلف لي عليه، ثمَّ جاء بعد ذلك بسنين بالمال الذي كنت استودعته إياه، فقال: هذا مالك فخذه، و هذه أربعة آلاف درهم ربحتها في مالك فهي لك مع مالك، و اجعلني في حل، فأخذت المال منه و أبيت أن آخذ الربح، و أوقفت المال الذي كنت استودعته و أتيتك حتى أستطلع رأيك، فما ترى؟ فقال عليه السلام: خذ الربح و أعطه النصف، و أحله إن هذا رجل تائب و اللّه يحب التوابين» (1)، و الظاهر أن أخذ نصف الربح إنما هو من باب الإحسان و التفضل، لا الوجوب. و لا فرق فيما تقدم بين من تاب و أقر، أو أقر بدونها.

(45) لأنه ظالم بالنسبة إلى صاحب الحق.

(46) لكونها مبنية على الاستتار، و يدل عليه خبر ماعز المعروف بين الفريقين (2)، بتكرار الإقرار.

(47) و هو جواب المدعى عليه بالإنكار.

و ليعلم أولا: أن فصل الخصومة بين الطرفين إنما يتحقق إما بينة المدعي، أو يمين المنكر، لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «إنما أقضي بينكم بالبينات و الأيمان، و بعضكم ألحن بحجته من بعض، فأيما رجل قطعت له من مال أخيه شيئا، فإنما قطعت له قطعة من النار» (3)، و قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «البينة على المدعي و اليمين

ص: 78


1- الوسائل: باب 10 من أبواب الوديعة.
2- مستدرك الوسائل: باب 14 من أبواب حد الزنا الحديث: 4. و سنن البيهقي ج: 8 ص: 226.
3- الوسائل: باب 2 من أبواب كيفية الحكم.
مسائل في الإنكار
مسألة 21: إن كان جواب المدعى عليه الإنكار فأنكر دعوى المدعي

(مسألة 21): إن كان جواب المدعى عليه الإنكار فأنكر دعوى المدعي فإن كان جاهلا بأن عليه إقامة البينة أو علم بها و لم يعلم أن له إقامتها من قبل نفسه وجب على الحاكم إعلامه بالحال (48)، فيقول له: إن كانت لك بينة فأقمها، و إذا لم يكن له بينة و لم يعلم أن له حق إحلاف المنكر حينئذ وجب على الحاكم أن يعرّفه ذلك أيضا (49).

مسألة 22: الإحلاف حق للمدعي فليس للحاكم إحلاف المنكر

(مسألة 22): الإحلاف حق للمدعي فليس للحاكم إحلاف المنكر، كما انه ليس له الحلف قبل التماس المدعي ذلك (50)،

______________________________

على المدعى عليه» (1).

و قد تجب على المدعي، مضافا إلى إقامة البينة اليمين أيضا، و قد يرد المنكر اليمين على المدعي، و يأتي تفصيل ذلك كله إن شاء اللّه تعالى.

(48) مقدمة لفصل الخصومة.

(49) لأن أصل الدعوى قائمة بالمدعي، و له التخيير بين إقامة البينة و بين إحلاف المنكر. لإحقاق ما يدعيه و إثباته. كما أن الحاكم الشرعي نصب لفصل الخصومة، أي سماع شهادة البينة و الحلف، فهما مورد حق كل من المدعي و الحاكم، فيجب ذلك عليه مقدمة لتشخيص الموضوع ليحكم بينهما بالموازين الحقة.

(50) لأصالة عدم ترتب الأثر، و ظهور الإجماع، و صحيح ابن أبي يعفور «إذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر لحقه، فاستحلفه فحلف أن لا حق له قبله، ذهبت اليمين بحق المدعي فلا دعوى له، قلت له: و إن كانت عليه بينة عادلة؟ قال: نعم، و إن أقام بعد ما استحلفه باللّه خمسين قسامة ما كان له، و كانت

ص: 79


1- الوسائل: باب 3 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 2.

فلا اعتبار بيمين المنكر قبل التماس المدعي، و كذا ليس للمدعي إحلاف المنكر قبل إذن الحاكم (51)، فلو حلف كذلك لم يعتد به (52)، و أعاده الحاكم إن التمس المدعي (53).

مسألة 23: إذا لم يكن للمدعي بينة و استحلف المنكر فحلف سقطت دعوى المدعي

(مسألة 23): إذا لم يكن للمدعي بينة و استحلف المنكر فحلف سقطت دعوى المدعي (54)،

______________________________

اليمين قد أبطلت كل ما ادعاه قبله، مما قد استحلفه عليه» (1)، حيث يظهر منه أن رضا المدعي بالحلف شرط في صحته.

(51) لأصالة عدم ترتب الأثر بدونه، و للإجماع، و السيرة، و المنصرف إليه من الأخبار منها قول أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر سليمان بن خالد: «في كتاب علي عليه السلام أن نبيا من الأنبياء شكا إلى ربه فقال: يا رب كيف أقضي فيما لم أر و لم أشهد، فأوحى اللّه تعالى إليه: احكم بينهم بكتابي، و أضفهم إلى اسمي، فحلّفهم (تحلفهم) به» (2).

(52) لفقدان الشرط فيه.

(53) للإجماع، و لبقاء حقه كما عرفت لو رضي الحاكم بذلك.

(54) إجماعا، و نصوصا، منها ما تقدم من صحيح ابن أبي يعفور، و منها ما عن أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر النخعي: «في الرجل يكون له على الرجل المال فيجحده، قال: إن استحلفه فليس له أن يأخذ شيئا، و إن تركه و لم يستحلفه فهو على حقه» (3)، و منها قول أبي الحسن الثاني عليه السلام أيضا: «فإن حلف فلا حق له، و إن رد على المدعي فلم يحلف فلا حق له» (4)، و منها صحيح ابن خالد قال:

ص: 80


1- الوسائل: باب 9 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 1.
2- الوسائل: باب 1 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 1.
3- الوسائل: باب 10 من أبواب كيفية الحكم.
4- الوسائل: باب 4 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 1.

فلا يترتب على دعواه آثار بقائها من مطالبة حقه و مقاصته و رفع الدعوى إلى الحاكم كما لا تسمع دعواه (55)، و لكن لا تبرأ ذمة المدعى عليه و لا تصير العين الخارجية بهذا الحلف خارجة عن ملك صاحبها (56)،

______________________________

«سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل وقع لي عنده مال فكابرني عليه و حلف، ثمَّ وقع له عندي مال، آخذه لمكان مالي الذي أخذه و احلف عليه كما صنع؟ قال: إن خانك فلا تخنه، و لا تدخل فيما عتبته عليه» (1)، و منها خبر عبد اللّه بن وضاح قال: «كانت بيني و بين رجل من اليهود معاملة فخانني بألف درهم، فقدمته إلى الوالي فأحلفته فحلف و قد علمت انه حلف يمينا فاجرة، فوقع له بعد ذلك عندي أرباح و دراهم كثيرة، فأردت أن اقتص الالف درهم التي كانت لي عنده و احلف عليها، فكتبت إلى أبي الحسن عليه السلام فأخبرته أني قد أحلفته فحلف، و قد وقع له عندي مال، فإن أمرتني أن آخذ منه الالف درهم التي حلف عليها فعلت؟

فكتب: لا تأخذ منه شيئا، إن كان ظلمك فلا تظلمه، و لو لا أنك رضيت بيمينه فحلفته لأمرتك أن تأخذ من تحت يدك، و لكنك رضيت بيمينه، و قد ذهبت اليمين بما فيها. فلم آخذ منه شيئا و انتهيت إلى كتاب أبي الحسن عليه السلام» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار.

و مقتضى إطلاقها، بل صريح بعضها عدم الفرق بين أن يكون للمدعي بينة أو لا، و لا بين كون المدعى به عينا أو دينا، و لا بين شرط سقوط الحق و عدمه.

(55) لأن كل ذلك من آثار سقوط الحق و الدعوى، و قد مر في النصوص أيضا.

(56) للأصل، و الإجماع، بل الضرورة، و النصوص منها ما رواه الفريقان

ص: 81


1- الوسائل: باب 83 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 1.
2- الوسائل: باب 10 من أبواب كيفية الحكم.

فيجب عليه ردها و إفراغ ذمته و إن لم يجز للمالك أخذها و لا يجوز للمنكر بيعها و هبتها و سائر التصرفات فيها (57)، و يجوز للمدعي شراء العين المدعى بها من الحالف و استيهابها منه (58)، كما يجوز له إبراء المديون من دينه (59).

مسألة 24: لو أقام المدعي البينة بعد حلف المنكر لم تسمع

(مسألة 24): لو أقام المدعي البينة بعد حلف المنكر لم تسمع (60)،

______________________________

عن نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال: «إنما أقضي بينكم بالبينات و الأيمان، و بعضكم ألحن بحجته من بعض، فأيما رجل قطعت له من مال أخيه شيئا فإنما قطعت له به قطعة من النار» (1)، و لا فرق بين اليمين الكاذبة.

(57) أما الأول، فلبقاء اشتغال الذمة في الواقع، و الحلف إنما أثر في الخصومة الظاهرية فقط. و أما عدم جواز تصرف المالك فيه قصاصا و لا بغيره، فلصيرورة المال للمنكر في ظاهر الشرع، و يجوز اختلاف الأحكام الظاهرية مع الأحكام الواقعية، حفظا للنظام في رفع خصومات الأنام و غيرها.

(58) لفرض صيرورتها ملكه بعد الحلف، فيجري عليه جميع أحكام ملكه.

(59) لفرض أن المنكر مديون له في الواقع، و إنما الحلف أثر في قطع الخصومة الظاهرية.

نعم لو كان مورد الإبراء خصوص الدين الظاهري لا يبقى موضوع له حينئذ.

(60) لسقوط أصل الدعوى في ظاهر الشرع بحلف المنكر، فلا يبقى موضوع بعد الحلف للدعوى و إقامة البينة.

و نسب إلى جمع سماع إقامة البينة لبقاء الحق الواقعي باعتقاده، و هو يصلح للإقامة و السماع.

ص: 82


1- الوسائل: باب 2 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 1.

حتى لو غفل عن الحكم أو رفعت الدعوى عند حاكم آخر فحكم ببينة المدعي فلا أثر لحكمه (61).

مسألة 25: هل تختص وظيفة المنكر بالحلف فقط

(مسألة 25): هل تختص وظيفة المنكر بالحلف فقط فيما مر من الأحكام أو تقبل منه البينة أيضا إن أقامها و كانت جامعة للشرائط من كل جهة وجهان (62).

______________________________

و فيه: أن المنساق من الأخبار أن أثر الحق الواقعي إنما يظهر في الآخرة، و أما في الدنيا فانفصلت الخصومة فيها مطلقا.

(61) لبطلان أصل الدعوى، فلا موضوع لصحة الحكم حتى يعتد به.

(62) مقتضى الإطلاقات الجواز، و أما قوله عليه السلام: «البينة للمدعي و اليمين على المدعى عليه» (1)، إنما هو من باب الغالب لا التقييد الحقيقي، و يظهر الجواز عن جمع منهم صاحب العروة في ملحقاته، و يمكن تأييد ذلك بعدة روايات، منها موثق حماد بن عيسى قال: «بينما موسى بن عيسى في داره التي في المسعى يشرف على المسعى، إذ رأى أبا الحسن موسى عليه السلام مقبلا من المروة على بغلة، فأمر ابن هياج- رجلا من همدان منقطعا إليه- أن يتعلق بلجامه و يدعي البغلة، فأتاه فتعلق باللجام و ادعى البغلة فثنى أبو الحسن عليه السلام رجله و نزل عنها، و قال لغلمانه: خذوا سرجها و ادفعوا إليه، فقال: و السرج أيضا لي، فقال عليه السلام: كذبت عندنا البينة بأنه سرج محمد بن علي، و أما البغلة فإنا اشتريناها منذ قريب، و أنت أعلم و ما قلت» (2)، فإنه عليه السلام ادعى وجود البينة على السرج مع أنه عليه السلام منكر، و كان تكليفه اليمين، و كذا خبر حفص بن غياث عن الصادق عليه السلام قال: «قال له:

إذا رأيت شيئا في يدي رجل يجوز لي أن اشهد أنه له؟ قال: نعم» (3)، و غير

ص: 83


1- الوسائل: باب 3 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 2.
2- الوسائل: باب 24 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 1.
3- الوسائل: باب 25 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 2.
مسألة 26: لو تبين كذب الحالف في حلفه بعد حكم الحاكم ينقض الحكم

(مسألة 26): لو تبين كذب الحالف في حلفه بعد حكم الحاكم ينقض الحكم (63)، فيجوز للمدعي ترتيب آثار كونه محقا من المطالبة و المقاصة و نحوهما (64).

مسألة 27: يشترط في الحلف الموجب لسقوط حق المدعي مقارنته لحكم الحاكم

(مسألة 27): يشترط في الحلف الموجب لسقوط حق المدعي مقارنته لحكم الحاكم فلا أثر له بدون حكمة (65).

مسألة 28: للمنكر أن يرد اليمين على المدعي

(مسألة 28): للمنكر أن يرد اليمين على المدعي فإذا حلف ثبتت دعواه مع حكم الحاكم و إلا سقطت كذلك (66).

______________________________

ذلك من الأخبار.

(63) بل لا حكم في البين حتى ينقض، لتبين كون المنكر ظالما محضا، فالحكم لغو و إنشاء باطل.

(64) لفرض ظهور بطلان حلف معارضه، فيثبت حقه لا محالة، و الدعوى بلا معارض في البين، فإنها مقبولة شرعا و عرفا بل و عقلا أيضا.

(65) لأصالة عدم السقوط إلا بعد تمامية السبب، و هو حكم الحاكم، مع أن نصب الحاكم و إرجاع الناس إليه لا معنى له إلا اتباع حكمه و نظره، و معرضية غيره للمناقشة و الخدشة، فتدوم الخصومة و يطول النزاع.

فلا وجه لما يقال: من أن إطلاق أدلة اعتبار اليمين و البينة يقتضي الاكتفاء بهما مطلقا، و لو لم يكونا مقرونتين بحكم الحاكم.

مخدوش: لأن اعتبارهما في مورد الخصومة لدى الحاكم و رفع النزاع إنما هو لأجل التسبب بهما إلى الحكم، الذي هو بمنزلة حكم اللّه تعالى، فالقاطع البتي للخصومات إنما هو حكم الحاكم فقط شرعا، بل و عرفا أيضا، كما هو المتعارف بين جميع أرباب الملل و الديانات في الأحكام الدائرة بينهم الصادرة عن قضاتهم.

(66) أما ثبوت الدعوى فللإجماع، و النصوص- تقدم بعضها- منها

ص: 84

مسألة 29: إذا سقطت دعوى المدعي- برد الحلف إليه و حكم الحاكم

(مسألة 29): إذا سقطت دعوى المدعي- برد الحلف إليه و حكم الحاكم كما تقدم- ليس له طرح الدعوى ثانيا و لو في مجلس آخر- كانت له بينة أو لا- (67) و إذا ادعى بعد رد الحلف عليه: أن لي بينة، يسمع منه الحاكم (68)، و كذا لو استمهل في الحلف لتبين الحال لم يسقط حقه (69).

مسألة 30: ليس للمدعي بعد أن رد المنكر الحلف إليه أن يرده إلى المنكر

(مسألة 30): ليس للمدعي بعد أن رد المنكر الحلف إليه أن يرده إلى المنكر (70)، و إنما عليه إما الحلف أو النكول و للمنكر أن يرجع عن رد الحلف إلى المدعي قبل أن يحلف و كذا للمدعي أن يرجع عنه لو طلبه من المنكر قبل حلفه (71).

______________________________

قوله عليه السلام في صحيح ابن مسلم: «في الرجل يدعي و لا بينة له، قال: يستحلفه، فإن رد اليمين على صاحب الحق فلم يحلف فلا حق له» (1)، و منه يظهر دليل السقوط ان لم يحلف أيضا. و أما الاحتياج إلى حكم الحاكم، فلما تقدم في المسألة السابقة، فلا وجه للإعادة.

(67) لإطلاق ما مر من قوله عليه السلام: «فلا حق له»، و مثله غيره، مضافا إلى الإجماع.

(68) لأن الحق للمدعي، فهو مخير في إحقاق حقه بإقامة البينة، أو إسقاطه بإحلاف المنكر، و هذا التخيير ثابت له ما لم يسقط الدعوى.

(69) للأصل، و الاتفاق، و الإطلاق، و كذا في الاستمهال للتروي.

(70) لأنه يصدق عليه أنه لم يحلف فيسقط حقه، كما في النصوص الكثيرة التي تقدم بعضها.

(71) كل منهما لاستصحاب بقاء حق ذلك بعد عدم دليل على الخلاف.

ص: 85


1- الوسائل: باب 7 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 1.
مسألة 31: إذا نكل المنكر عن الحلف و لم يرده إلى المدعي يرد الحاكم الحلف على المدعي

(مسألة 31): إذا نكل المنكر عن الحلف و لم يرده إلى المدعي يرد الحاكم الحلف على المدعي فإن حلف ثبت دعواه و إلا سقطت (72).

مسألة 32: إذا رجع المنكر الذي نكل عن الحلف

(مسألة 32): إذا رجع المنكر الذي نكل عن الحلف فإن كان بعد حكم الحاكم عليه لا يلتفت إليه (73)، و يلزم الحق عليه بلا فرق بين علمه بحكم النكول أو لا (74)، و إن كان قبله و لو بعد حلف المدعي اليمين المردودة يلتفت إليه (75).

مسألة 33: يجوز إمهال المنكر إذا استمهل في الحلف، أو الرد

(مسألة 33): يجوز إمهال المنكر إذا استمهل (76) في الحلف، أو الرد ليرى صلاحه بما لا يضر بالمدعي إلا مع رضاه بذلك (77)،

______________________________

(72) لإطلاق المستفيضة الدالة على القضاء بالبينات و الأيمان- كما تقدم- فإذا لم يرد المنكر اليمين على المدعي، يرد الحاكم عليه ولاية، و لأصالة عدم ثبوت الحق إلا بذلك.

و عن جمع الحكم على المنكر بمجرد نكوله، و استدلوا عليه بوجوه كلها مخدوشة. و من شاء فليراجع المطولات.

(73) لثبوت الحق عليه شرعا بحسب تمامية موازين القضاء، فلا يبقى موضوع للرجوع بعد ذلك.

(74) لأن ثبوت الحق عليه بعد تمامية الحجة من الوضعيات التي لا دخل للعلم و الجهل فيها.

(75) لفرض عدم الحكم، و كشف رجوعه عن أن حلف المدعي اليمين المردودة إليه وقع لغوا، مع أن الشك في تمامية موازين القضاء يكفي في عدم التمامية.

(76) للأصل، و ظاهر الإطلاق، و الاتفاق.

(77) لأن حق الإحلاف للمدعي، فله أن يعمل في حقه بما شاء و أراد،

ص: 86

و كذا إذا لم يوجب تعطيل الحق أو التأخير الفاحش (78).

______________________________

و منه يظهر أن عدم جواز التأخير بقدر الضرر و نحوه، إنما هو لمراعاة حقه، فيكون محرما غيريا لا نفسيا.

(78) لظهور دليل الجواز في غير الصورتين.

ص: 87

طرق إثبات الدعوى و ما يتعلق بها
اشارة

طرق إثبات الدعوى و ما يتعلق بها الدعوى: إما تثبت بالشاهدين أو بشاهدين و يمين- كالدعوى على الميت- أو بشاهد واحد و يمين. و هناك دعاوي أخرى تسمع بلا بينة و شاهد واحد و يمين (1).

مسألة 1: لا يجوز للحاكم إلزام المدعي بإحضار بينته

(مسألة 1): لا يجوز للحاكم إلزام المدعي بإحضار بينته (2)، حتى لو قال: (إن لي بينة) فيتخير المدعي بين أمور ثلاثة: ترك أصل الدعوى، إحضار البينة، مطالبة اليمين من المنكر (3).

مسألة 2: يجوز للحاكم إعلام المدعي بالتخيير في الأمور الثلاثة مطلقا

(مسألة 2): يجوز للحاكم إعلام المدعي بالتخيير في الأمور الثلاثة مطلقا (4).

______________________________

(1) هذا الحصر استقرائي، يحصل للفقيه المتأمل في موارد سماع الدعوى.

(2) لأصالة عدم الولاية للحاكم على هذا الإلزام، و الشك فيها يكفي في عدمها، ما لم تكن حجة معتبرة على ثبوتها له.

(3) لأن الحق للمدعي، فيتخير بين الأمور الثلاثة و العمل بما شاء و أراد، ما لم يكن دليل على المنع، و هو مفقود.

(4) للأدلة الدالة على بيان الحق و إظهار الحكم، و أصالة الإباحة الشاملة للمقام، بلا فرق بين جهل المدعي بالحكم أو علمه، لشمول الأصل للصورتين، و تنبيه العالم أيضا يكون حسنا من باب التأكيد في إتمام الحجة.

ص: 88

مسألة 3: يجوز للمدعي إحلاف المنكر

(مسألة 3): يجوز للمدعي إحلاف المنكر و لو كانت بينته حاضرة لديه عند الحاكم (5)، و علم بقبول الحاكم لها (6).

مسألة 4: يستمر تخيير المدعي بين الأمور الثلاثة

(مسألة 4): يستمر تخيير المدعي بين الأمور الثلاثة إلى تحقق أحد أطرافها (7)، و لو لم يحكم الحاكم (8).

مسألة 5: لو أحضر المدعي الشهود و عرف الحاكم أنه في مقام إقامتها

(مسألة 5): لو أحضر المدعي الشهود و عرف الحاكم أنه في مقام إقامتها فللحاكم أن يسأل الشهود حينئذ (9)، و إلا فلا (10).

مسألة 6: لو شهدت البينة فالأقسام ثلاثة

(مسألة 6): لو شهدت البينة فالأقسام ثلاثة: إما أن يعلم الحاكم بجامعيتهما للشرائط، أو يعلم بفقدهما لبعض الشرائط، أو الشك في ذلك، ففي الأول يعمل بشهادتهما و في الثاني يطرحهما كما يأتي، و في الثالث يتفحص و يعمل بما يظهر له (11).

______________________________

(5) لصحيح ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا رضى صاحب الحق يمين المنكر لحقه، فاستحلفه فحلف أن لا حق له قبله، ذهبت اليمين بحق المدعي، فلا دعوى له، قلت له: و إن كانت عليه بينة عادلة؟ قال: نعم» (1)، مضافا إلى الأصل بعد كون الحق له.

(6) لشمول الصحيح لذلك.

(7) بإقامة البينة المقبولة عند الحاكم، أو حلف المنكر، أو ردّه الحلف إلى المدعي.

(8) لإطلاق ما مر من صحيح ابن أبي يعفور آنفا.

(9) لأصالة عدم وجوب السؤال، إلا في هذه الصورة.

(10) لما تقدم من الأصل.

(11) أما القبول في الأول: فلفرض أن المقتضي للقبول موجود و المانع

ص: 89


1- الوسائل: باب 9 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 1.
مسألة 7: لو علم الحاكم بعدم جامعيتهما للشرائط من فسق أو نحوه- طرحهما

(مسألة 7): لو علم الحاكم بعدم جامعيتهما للشرائط من فسق أو نحوه- طرحهما (12)، و لو ادعى المدعي خطأ الحاكم في علمه تسمع منه (13)، فإن أثبت ما يدعيه تقبل الشهادة، و إلا فلا (14).

مسألة 8: لو ثبت جامعيتهما للشرائط لم يحتج إلى التزكية و يعمل الحاكم بعلمه

(مسألة 8): لو ثبت جامعيتهما للشرائط لم يحتج إلى التزكية و يعمل الحاكم بعلمه (15).

مسألة 9: إذا ادعى المنكر عدم جمعهما- أو أحدهما- للشرائط تقبل منه

(مسألة 9): إذا ادعى المنكر عدم جمعهما- أو أحدهما- للشرائط تقبل منه (16)، فإن أثبت دعواه أسقطهما و إلا أنشأ الحاكم الحكم (17).

______________________________

عنه مفقود.

و أما الطرح في الثاني: فلفقد شرط الحجية، فلا موضوع للقبول.

و أما الفحص في الأخير فلأصالة عدم ترتب الأثر على شهادتهما إلا بذلك.

(12) لأن علمه في هذه الجهة حجة بالنسبة إلى نفسه، فله العمل بعلمه.

(13) لأن كل دعوى تصدر من كل مدع جامع لشرائط الدعوى تقبل، إلا إذا دلّ دليل على عدم القبول، و لا دليل عليه كذلك في المقام.

(14) أما القبول في الأول: فلفرض أن المدعي أثبت اعتبار شهادتهما بحجة معتبرة، فتقبل لا محالة.

و أما الطرح في الأخير: فلعدم الاعتبار بشهادتهما، و عدم ثبوت ذلك عند الحاكم.

(15) لأن للتزكية طريقية لحصول العلم للحاكم بجامعية الشرائط، و المفروض حصوله، فلا موضوع للتزكية حينئذ.

(16) لأنه من الدعاوي الصحيحة، و له حق ذلك في المخاصمة.

(17) أما الأول: فلسقوط البينة عن الاعتبار بعد ثبوت الجرح.

و أما الثاني: فلوجود المقتضي لصحة الحكم و فقد المانع.

ص: 90

مسألة 10: يجوز للحاكم الاعتماد على استصحاب الحال

(مسألة 10): يجوز للحاكم الاعتماد على استصحاب الحال (18).

مسألة 11: لو لم يعلم الحاكم حالهما

(مسألة 11): لو لم يعلم الحاكم حالهما يقول: عليك تزكية الشهود، إذا جهل المدعي بأن عليه ذلك (19)، فإن زكاهما بالطريق الشرعي (20)، يقول الحاكم للمنكر: إن لك الجرح إن كان جاهلا به (21)، فإن اعترف بعدم الجارح حكم عليه (22)، و إن أقام البينة المقبولة على الجرح سقطت بينة المدعي (23).

______________________________

(18) أي العدالة أو الفسق، لأنه معتبر شرعا، و يجوز للحاكم الاعتماد على كل ما هو معتبر كذلك.

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

مهذب الأحكام (للسبزواري)؛ ج 27، ص: 91

(19) مقدمة لصحة الحكم و تماميته، التي أقدم الحاكم عليه في هذه الخصومة و الحكومة، و لأنه إرشاد إلى الحكم المبتلى به فعلا بالنسبة إلى الجاهل به، و يؤيده ما عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه كان يرسل شخصين من قبله لا يعلم أحدهما بالآخر، يسألان قبيلتيهما عن حالهما، فإن جاءا بمدح و ثناء حكم، و إن جاءا بشين ستر عليهما، و دعا الخصمين إلى الصلح، و إن لم يكن لهما قبيلة سأل الخصم عنهما، فإن زكاهما حكم و إلا طرحهما (1).

(20) كإقامة البينة على التزكية.

(21) لأنه إرشاد للحكم، و بيان له بالنسبة إلى الجاهل، كما مر.

(22) لتمامية الحكم حينئذ من جهته، و وجود المقتضي له و فقد المانع عنه.

(23) لأصالة عدم اعتبار بينة المدعي بعد المعارضة بقيام البينة على عدم اعتبارها.

ص: 91


1- الوسائل: باب 6 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 1.
مسألة 12: إذا جهل الحاكم بحال الشهود و طلب من المدعي التزكية

(مسألة 12): إذا جهل الحاكم بحال الشهود و طلب من المدعي التزكية و أبدا عذرا و طلب من الحاكم الفحص لا يجب عليه ذلك و إن حسن استجابته (24)، و لو طلب الحاكم الجرح في البينة المقبولة من المنكر و لم يفعل لا يجب على الحاكم الفحص و يحكم على طبق البينة (25)، و لو استمهله لإحضار الجارح يمهله بالمقدار المتعارف (26)، و لو ادعى المنكر إحضار الجارح في مدة طويلة يحكم على طبق بينة المدعي (27).

مسألة 13: إذا أقام المدعي البينة على حقه و لم يعرفهما الحاكم بجمعهما للشرائط

(مسألة 13): إذا أقام المدعي البينة على حقه و لم يعرفهما الحاكم بجمعهما للشرائط فالتمس المدعي من الحاكم أن يرجع إلى المنكر في اعترافه بجمعهما للشرائط يجوز له ذلك (28).

______________________________

(24) أما عدم وجوب الفحص على الحاكم، فللأصل.

و أما حسن استجابته، فلأنه من قضاء حاجة المؤمن، و هو حسن بل مستحب، كما تقدم مكررا.

(25) أما عدم وجوب الفحص، فللأصل، و أما الحكم على طبق البينة، فلفرض حجيتها و تماميتها.

(26) أما أصل الاستمهال في الجملة، فلأن للمنكر (المدعى عليه) حق الجرح من غير تقييد بالفورية. و أما المقدار المتعارف، فلأنه المنساق عرفا في المقام بعد عدم دليل شرعي على التحديد يصح الاعتماد عليه، و يجوز للحاكم أن يحكم بالبينة لفرض تماميتها، ثمَّ ينقضه لو جاء بالجرح.

(27) لتماميتها، و عدم دليل على صحة الإمهال إلى هذا الحد، بل قد يتضرر المدعي بذلك.

(28) لأن الحق للمدعي، فله أن يستوثق لحقه بما شاء ما لم ينه الشارع، و ليس في البين نهي شرعي عن ذلك، فلا تجري أصالة عدم السلطنة له على ذلك بعد ثبوت الحق في الجملة.

ص: 92

مسألة 14: لو تبين فقد الشاهدين أو أحدهما لبعض شرائط الشهادة

(مسألة 14): لو تبين فقد الشاهدين أو أحدهما لبعض شرائط الشهادة من فسق أو نحوه- فإن كان ذلك بعد إنشاء الحكم يصح الحكم و تفصل به الخصومة، و كذا إذا كان بعد الشهادة و قبل إنشاء الحكم، و أما إن كان ذلك قبل الشهادة فلا أثر لها و لا يبقى موضوع للحكم حينئذ (29).

مسألة 15: يكفي الإطلاق في كل من الجرح و التعديل

(مسألة 15): يكفي الإطلاق في كل من الجرح و التعديل (30)، و لا يعتبر ذكر السبب فيهما (31)، و لكن الأقسام ثلاثة:

الأول: ما إذا أحرز اتحاد نظر الجارح أو المعدل مع نظر الحاكم في منشأ الجرح أو التعديل.

الثاني: ما إذا لم يعلم ذلك.

الثالث: ما إذا علم الاختلاف، و في الأولين يجوز الاكتفاء بالإطلاق بخلاف الأخير (32).

مسألة 16: يعتبر في الجرح و التعديل ظهور اللفظ فيهما

(مسألة 16): يعتبر في الجرح و التعديل ظهور اللفظ فيهما. و لا يعتبر سوى ذلك من الضمائم مثل أن يقول: انه مرضيّ، أو مقبول

______________________________

(29) أما صحة الحكم في الأول فلتمامية الشهادة، و وجود المقتضي لها و فقد المانع، و كذا بالنسبة إلى الثاني، لفرض عروض سبب الجرح بعد تماميته.

و منه يظهر بطلان الشهادة في الأخير.

(30) لإطلاق الأدلة، و السيرة.

(31) لتحقق التعديل و الجرح بدون ذكر السبب أيضا، كما في الشهادة على الطهارة و النجاسة و نحوهما، مما لا يذكر فيها السبب.

(32) أما الأول: فلفرض اتحاد نظريهما في سببي الجرح و التعديل.

و أما الثاني: فلأصالة عدم اعتبار ذكر السبب.

و أما الأخير: فلفرض تحقق اختلاف النظر، فلا بد من ذكر السبب حينئذ.

ص: 93

الشهادة و نحوهما (33).

مسألة 17: إذا تعارضت بينة الجرح و التعديل، تسقطان بالتعارض

(مسألة 17): إذا تعارضت بينة الجرح و التعديل (34)، تسقطان بالتعارض (35). فعلى المدعى عليه اليمين (36)، و لكن لو كانت لبينة المدعي حالة سابقة من العدالة أو الفسق يؤخذ بها (37) ففي الأولى تتم البينة و يحكم بها (38)، و في الأخير تثبت اليمين على المنكر (39).

مسألة 18: يشترط في الشهادة بعدالة البينة العلم بالعدالة

(مسألة 18): يشترط في الشهادة بعدالة البينة العلم بالعدالة (40)

______________________________

(33) أما كفاية كل لفظ، فلما مر غير مرة من حجية كل لفظ ظاهر في المحاورات، و أما عدم اشتراط الضم، فللأصل و الإطلاق.

(34) كما إذا قالت إحداهما: أنها عادلة، و قالت الأخرى: أنها فاسقة، أو اختلفتا في الزمان و المكان.

(35) لصدق عدم قيام حجة معتبرة على أحدهما في البين، و لأصالة السقوط في تعارض الحجتين مطلقا. هذا إذا لم يكن ترجيح في البين، و إلا فيؤخذ بالراجح.

(36) لانحصار فصل الخصومة بها حينئذ، كما أن له رد اليمين إلى المدعي.

(37) لاعتبار الاستصحاب شرعا، فيصح العمل بها ما لم يعلم الخلاف.

(38) لفرض تحقق العدالة بالأصل.

(39) لطرح البينة، بل و فسادها بالأصل.

(40) لقوله تعالى وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ (1)، و قوله تعالى إِلّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ (2)، و قول نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حينما سئل عن الشهادة: «هل ترى الشمس؟ على مثلها فاشهد أو دع» (3)، و عن الصادق عليه السلام «لا

ص: 94


1- سورة الإسراء- 36.
2- سورة الزخرف- 86.
3- الوسائل: باب 20 من أبواب الشهادات.

إما بالشياع أو بمعاشرة موجبة لذلك (41)، و لا يكفي في الشهادة حسن الظاهر و لو أفاد الظن (42)، و لا الاعتماد على الأمارة و الأصل غير المفيدين للعلم (43)، و كذا الشهادة بالجرح يعتبر العلم بفسقه، و تحرم الشهادة بما لا يوجبه من البينة و الاستصحاب (44).

مسألة 19: يجوز للحاكم الشرعي الاعتماد على الثبوت التعبدي من البينة أو الأصل أو حسن الظاهر في حكمه في الخصوصيات

(مسألة 19): يجوز للحاكم الشرعي الاعتماد على الثبوت التعبدي من البينة أو الأصل أو حسن الظاهر في حكمه في الخصوصيات (45).

مسألة 20: إذا شهد الشاهدان بحسن الظاهر يجوز الحكم

(مسألة 20): إذا شهد الشاهدان بحسن الظاهر يجوز الحكم

______________________________

تشهدن بشهادة حتى تعرفها كما تعرف كفك» (1)، و مضافا إلى الإجماع، و ما يأتي في أول كتاب الشهادة من أنها من الشهود، و لا اختصاص لذلك بالشهادة بالعدالة، بل يعم كل شهادة.

(41) لأن المناط حصول العلم بها من أي منشأ حصل.

(42) لأصالة عدم الاعتبار، إلا مع العلم به.

(43) لعدم حصول العلم من ذلك كله، و إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (2).

نعم يجوز الشهادة بعين ما حصل له، بأن يشهد الشاهد بقيام البينة، و مفاد الاستصحاب، و يقول: هذا مستصحب العدالة عندي، لكنه لا ينفع للشهادة المعتبر فيها العلم.

(44) الكلام فيه عين الكلام في الشهادة على العدالة، بل كل مشهود به كذلك، لوحدة الدليل في الجميع من الكتاب، و السنة، و الإجماع، كما تقدم.

(45) لأن كل ذلك طريق شرعي معتبر، يصح الاعتماد عليه في الشرع بعد الثبوت.

ص: 95


1- الوسائل: باب 20 من أبواب الشهادات.
2- سورة النجم: 28.

بشهادتهما (46).

مسألة 21: لا أثر للشهادة بالجرح بمجرد مشاهدة فعل كبيرة

(مسألة 21): لا أثر للشهادة بالجرح بمجرد مشاهدة فعل كبيرة ما لم يعلم أنه على وجه العصيان (47) من دون عذر، فلو احتمل أنه فعلها لعذر يحرم جرحه و إن حصل له ظن بذلك بقرائن مفيدة له (48).

مسألة 22: إذا رضي المنكر بشهادة الفاسقين أو عادل و فاسق، أو عادل واحد لا يجوز للحاكم الحكم

(مسألة 22): إذا رضي المنكر بشهادة الفاسقين أو عادل و فاسق، أو عادل واحد لا يجوز للحاكم الحكم و لو حكم لا يترتب أثر عليه (49).

مسألة 23: لا يجوز للحاكم أن يحكم بشهادة شاهدين لم يحرز جامعيتهما للشرائط

(مسألة 23): لا يجوز للحاكم أن يحكم بشهادة شاهدين لم يحرز جامعيتهما للشرائط من العدالة و غيرها- عنده (50) و إن اعترف المنكر بعدالتهما لكن أخطأهما في الشهادة (51).

مسألة 24: إذا تعارضت بينة الجارح و المعدل سقطتا مطلقا

(مسألة 24): إذا تعارضت بينة الجارح و المعدل سقطتا (52) مطلقا (53).

______________________________

(46) لثبوت الموضوع حينئذ تعبدا، لكون حسن الظاهر كاشفا عن ثبوت الموضوع، فتكون الشهادة به حينئذ شهادة بالعدالة.

(47) لأن ارتكاب الكبيرة أعم من أن يكون على وجه المعصية، أو لعذر شرعي، بل لا بد من حمل فعله على الصحة.

(48) لأصالة عدم حجية كل ظن ما لم يدل عليها دليل بالخصوص، و هو مفقود.

(49) للإجماع، و لأنه من الحكم بغير ما أنزل اللّه تعالى.

(50) لعدم تحقق موضوع صحة الحكم حينئذ.

(51) لأصالة عدم حجية مثل هذا الحكم، مضافا إلى الإجماع.

(52) لأصالة السقوط عند التعارض مطلقا.

(53) سواء اتحدتا في العدد أم اختلفتا، بأن كان إحداهما اثنين، و في الأخرى أربعة، و كذا لا فرق بين أن يشهد اثنان بالجرح و أربعة بالتعديل، أو اثنان بالتعديل ثمَّ اثنان آخران شهدا، كما لا فرق بين زيادة شهود الجرح على التعديل

ص: 96

مسألة 25: بعد إحراز الحاكم لمقبولية شهادة الشاهدين لا يعتبر معرفته لاسمهما و نسبهما

(مسألة 25): بعد إحراز الحاكم لمقبولية شهادة الشاهدين لا يعتبر معرفته لاسمهما و نسبهما، فلو شهد جمع يعلم الحاكم بأن فيهم عدلين كفى في صحة الحكم و لا يعتبر غير ذلك (54).

مسألة 26: لو تردد الشاهد في أصل الشهادة لا يجوز للحاكم ترغيبه في الإقدام على الإقامة

(مسألة 26): لو تردد الشاهد في أصل الشهادة لا يجوز للحاكم ترغيبه في الإقدام على الإقامة (55).

مسألة 27: يجب على الحاكم أن يكف عن التدخل في الشهادة

(مسألة 27): يجب على الحاكم أن يكف عن التدخل في الشهادة حتى ينتهي الشاهد مما عنده إن كان تدخله موجبا لتضييع الحق (56).

مسألة 28: يجوز للحاكم الحكم بالبينة المقبولة بدون ضم يمين المدعي

(مسألة 28): يجوز للحاكم الحكم بالبينة المقبولة بدون ضم يمين المدعي (57) إلا فيما يأتي.

______________________________

أو بالعكس، لصدق تعارض البينتين، كما في سائر الموارد.

فالأقسام ثلاثة ..

فتارة: يصدق التعارض عرفا.

و أخرى: يشك في صدقه و عدمه.

و ثالثة: يعلم بعدم الصدق.

و في الأخير: لا موضوع للتعارض، فلا تجري عليه أحكامه.

و في الأول: يتحقق موضوعه و تجري أحكامه.

و في الثاني: يرجع إلى أصالة عدم الحجية، بعد الشك في صدق البينة الغير معارضة له.

(54) كل ذلك للأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق.

(55) لأنه من الترغيب إلى المنكر، بعد فرض أنه متردد في الموضوع.

(56) إجماعا، بل ضرورة من الدين.

(57) لإطلاق مثل قوله عليه السلام: «البينة على المدعي و اليمين على من أنكر (1)»، مضافا إلى الإجماع.

ص: 97


1- الوسائل: باب 3 من أبواب كيفية الحكم.
البينة و اليمين و هي فيما إذا كانت الدعوى على الميت
اشارة

البينة و اليمين و هي فيما إذا كانت الدعوى على الميت (1).

مسألة 1: يعتبر في الدعوى على الميت مضافا إلى البينة الشرعية اليمين

(مسألة 1): يعتبر في الدعوى على الميت مضافا إلى البينة الشرعية اليمين (2)،

______________________________

(1) و هذا هو القسم الثاني من أقسام طرق إثبات الدعوى، كما تقدم (1).

(2) إجماعا، و نصوصا منها رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: قلت للشيخ (موسى بن جعفر) عليه السلام: «خبّرني عن الرجل يدعي قبل الرجل الحق فلم تكن له بينة بماله؟ قال: فيمين المدّعى عليه، فإن حلف فلا حق له، و إن رد اليمين على المدعي فلم يحلف فلا حق له، و إن كان المطلوب بالحق قد مات فأقيمت عليه البينة فعلى المدّعي اليمين باللّه الذي لا إله الا هو لقد مات فلان.

و إن حقه لعليه، فإن حلف و إلا فلا حق له، لأنا لا ندري لعله قد أوفاه ببينة لا يعلم موضعها أو غير بينة قبل الموت، فمن ثمَّ صارت عليه اليمين مع البينة فإن ادعى بلا بينة فلا حق له، لأن المدعي عليه ليس بحي، و لو كان حيا لألزم اليمين، أو الحق، أو يرد اليمين عليه فمن ثمَّ لم يثبت الحق» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار.

و يسمى هذا اليمين في اصطلاح الفقهاء ب (اليمين الاستظهاري)، و يمكن أن يستفاد ذلك من النص أيضا كما مر.

ص: 98


1- تقدم في صفحة: 88.
2- الوسائل: باب 4 من أبواب كيفية الحكم.

فإن أقام البينة و لم يحلف سقط حقه (3).

مسألة 2: الأحوط اختصاص ضم اليمين بالبينة

(مسألة 2): الأحوط اختصاص ضم اليمين بالبينة بدعوى الدين على الميت (4)، و ما هو بحكمه من الضمانات (5)، أما لو ادعى عينا خارجية عليه تقبل البينة فيها بلا ضم اليمين (6).

مسألة 3: لا يلحق بالميت الطفل و المجنون و نحوهما مما ليس له قوة المخاصمة و البيان

(مسألة 3): لا يلحق بالميت الطفل و المجنون و نحوهما مما ليس له قوة المخاصمة و البيان (7).

______________________________

(3) لتوقف ثبوت حقه عليهما معا، نصا و إجماعا، كما مر.

(4) لأن المنساق من الأدلة، و المتيقن من الإجماع، الدين بقرينة ذكر «الحق» و «قد أوفاه» أو «عليه» كما مر.

و لكن إمكان كون ذلك من باب المثال أخذا لعموم العلة في موردها يوجب التردد.

(5) لأنه من الدين، فيشمله الحديث.

(6) لعموم أدلة حجية البينة- كما تقدم- و الشك في شمول ما مر من الأدلة في الدعوى على الميت، فيرجع إلى أصالة عدم التقييد.

(7) لعمومات حجية البينة، و إطلاقاتها، و كون الاحتياج إلى اليمين خلاف الإطلاق، فيقتصر فيه على خصوص مورده.

و عن جمع الإلحاق لعموم العلة المذكورة في الرواية المتقدمة الشامل للجميع.

و فيه: أن احتمال الفرق بين الميت الذي انقطع أثره بالمرة و بين غيره، يكفي في عدم استفادة العلة المنحصرة، مع أن ما ورد عن الصادق عليه السلام في الغائب يكفي في التفرقة في الجملة، قال عليه السلام: «الغائب يقضى عليه إذا قامت عليه البينة، و يباع ماله، و يقضي عنه دينه، و هو غائب على حجته إذا قدم، و لا

ص: 99

مسألة 4: لا فرق فيما تقدم بين ما إذا كان المدعي على الميت أجنبيا أو وارثا للميت أو وكيلا له أو وصيا له

(مسألة 4): لا فرق فيما تقدم بين ما إذا كان المدعي على الميت أجنبيا أو وارثا للميت أو وكيلا له أو وصيا له (8)، فإن كان الوارث واحدا تكفي بينة و حلف واحد، و إن تعددوا لا بد لكل واحد من حلف مستقل، و إن اتحدت البينة فكل من حلف يثبت حقه و سقط حق الناكل (9).

مسألة 5: إذا علم باشتغال ذمة الميت بالدين

(مسألة 5): إذا علم باشتغال ذمة الميت بالدين من شياع أو غيره من غير إقامة المدعي للدين البينة عليه لا يحتاج حينئذ إلى ضم الحلف (10).

مسألة 6: يجب ضم اليمين إلى البينة

(مسألة 6): يجب ضم اليمين إلى البينة إذا شهدت البينة بإقرار المدعى عليه قبل موته بمدة لا يمكن فيها استيفاء الدين عادة (11).

______________________________

يدفع المال إلى الذي أقام البينة إلا بكفلاء» (1).

(8) لصدق الدعوى على الميت في الجميع، فلا بد من ضم الحلف إلى البينة، فمع تحققهما تثبت، و مع فقدان إحداهما تسقط، سواء كان لنفسه أو عن غيره أو لغيره- كالوكيل- أو الولي و الوصي.

(9) أما الأول: فلفرض كون المدعي واحدا، فالحق واحد.

و أما الثاني: فلفرض التعدد و انحلال الدليل إليهم، فكل من حلف يثبت حقه، و كل من نكل سقط حقه.

(10) لظهور ما تقدم من الدليل في غير هذا الفرض.

هذا إذا علم بأنه مات مشغول الذمة، و أما إذا علم باشتغال ذمته في زمان حياته. و احتمل الوفاء و عدمه، فلا بد من إقامة البينة و ضم الحلف، كما تقدم.

(11) عملا بعموم التعليل في خصوص مورده، كما مر.

ص: 100


1- الوسائل: باب 26 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 1.
مسألة 7: لا بد و أن تكون اليمين عند الحاكم

(مسألة 7): لا بد و أن تكون اليمين عند الحاكم فلو قامت البينة عنده و أحلفه ثبت حقه و لا أثر لحلفه عند غيره (12).

مسألة 8: لو تعددت ورثة الميت و ادعى شخص على الميت كفى يمين واحد مع إقامة البينة

(مسألة 8): لو تعددت ورثة الميت و ادعى شخص على الميت كفى يمين واحد مع إقامة البينة بخلاف ما إذا تعدد ورثة المدعى (13).

مسألة 9: هذا الحلف غير قابل للإسقاط

(مسألة 9): هذا الحلف غير قابل للإسقاط، فلو أسقطها لا يسقط حتى لو كان بإسقاط وارث الميت (14).

______________________________

(12) أما الأول: فلظهور الإجماع، و ما هو المنساق من الأدلة، كما يأتي.

و أما الأخير: فلأصالة عدم ترتب الأثر، سواء كان الحلف عند الوارث أم غيره.

(13) أما الأول: فلفرض أن المدعي واحد و المدعى عليه ميت واحد أيضا، فلا وجه للتعدد، بخلاف ورثة المدعى، لتعدد المدعي حينئذ، و تعدد الحق.

(14) لأصالة عدم السقوط بعد عدم دليل على كونه من الحقوق القابلة للإسقاط، فلا يثبت حق المدعي بالبينة دون الحلف.

ص: 101

الشاهد الواحد و اليمين و يثبت بذلك الدين
اشارة

الشاهد الواحد و اليمين و يثبت بذلك الدين (1).

مسألة 1: يجوز الحكم بثبوت الدين بشاهد واحد و يمين المدعي

(مسألة 1): يجوز الحكم بثبوت الدين بشاهد واحد و يمين المدعي (2)، و يختص ذلك بالدين فقط و لا يجزي ذلك في الحدود مطلقا (3)، و لا في سائر حقوق الناس (4)،

______________________________

(1) هذا هو القسم الثالث من أقسام طرق إثبات الدعوى، كما مر.

(2) إجماعا، و نصوص مستفيضة، منها صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: «لو كان الأمر إلينا أجزنا شهادة الرجل الواحد إذا علم منه خير، مع يمين الخصم في حقوق الناس، فأما ما كان في حقوق اللّه عزّ و جل أو رؤية الهلال فلا» (1)، و قضى بذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و علي عليه السلام (2).

(3) إجماعا، و نصا، كما تقدم.

(4) لأن المتيقن من الإجماع الدين، و المسألة بحسب الأصل من الأقل و الأكثر، و الأول معلوم، و الثاني مشكوك يرجع فيه إلى أصالة عدم الحجية و الثبوت.

و أما الأخبار فهي على قسمين.

الأول: المطلقات، كما تقدم في صحيح ابن مسلم المشتمل على حقوق الناس الشامل للجميع.

ص: 102


1- الوسائل: باب 14 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 12 و 15.
2- الوسائل: باب 14 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 12 و 15.

مثل الولاية و الوكالة و النسب و نحوها (5).

مسألة 2: يجوز الحكم في الديون بشهادة امرأتين مع يمين المدعي

(مسألة 2): يجوز الحكم في الديون بشهادة امرأتين مع يمين المدعي (6).

مسألة 3: المراد من الدين هنا- ما تقدم في أول كتاب الدين

(مسألة 3): المراد من الدين هنا- ما تقدم في أول كتاب الدين و هو:- كل مال ثابت في الذمة بأي سبب كان مطلقا (7)،

______________________________

الثاني: الأخبار المشتملة على خصوص لفظ الدين فقط، كقول الصادق عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقضي بشاهد واحد و يمين صاحب الحق، و ذلك في الدين» (1)، و عنه عليه السلام أيضا: «قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بشهادة رجل مع يمين الطالب في الدين وحده» (2)، و عنه عليه السلام أيضا: «كان علي عليه السلام يجيز في الدين شهادة رجل و يمين المدعي» (3)، و هذه الأخبار تكون مقيدة لسائر الأخبار.

(5) و كذا الغصب و السرقة و الصلح و الوديعة و الإجارة و غيرها، مما لا بد فيها من البينة الشرعية، لأصالة عدم الثبوت إلا فيما هو المستفاد من مجموع الأدلة، بعد رد بعضها إلى بعض كما مر.

(6) لجملة من النصوص، منها قول أبي الحسن عليه السلام في رواية ابن حازم:

«إذا شهد لطالب الحق امرأتان و يمينه فهو جائز» (4)، و عن الصادق عليه السلام في رواية الحلبي: «أن رسول اللّه أجاز شهادة النساء مع يمين الطالب في الدين يحلف باللّه ان حقه لحق» (5).

(7) فيشمل الفرض، و دية الجنايات و مهر الزوجة إن تعلق بالذمة، و نفقتها و الضمان بالإتلاف و التلف و ثمن المبيع، إلى غير ذلك.

ص: 103


1- الوسائل: باب 14 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 5 و 10 و 3.
2- الوسائل: باب 14 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 5 و 10 و 3.
3- الوسائل: باب 14 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 5 و 10 و 3.
4- الوسائل: باب 15 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 1 و 3.
5- الوسائل: باب 15 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 1 و 3.

فإذا تعلقت الدعوى بالدين أو بأسبابه من حيث التسبب بها إلى الدين فهي من الدين، و إن تعلّقت بذات الأسباب من حيث هي فلا تكون منه (8).

مسألة 4: لو اجتمع الشاهد الواحد العادل مع اليمين

(مسألة 4): لو اجتمع الشاهد الواحد العادل مع اليمين، فالأولى شهادة الشاهد العادل أولا ثمَّ ضم اليمين بعدها (9).

مسألة 5: لو اشتركت جماعة بسبب واحد في مال كإرث و نحوه

(مسألة 5): لو اشتركت جماعة بسبب واحد في مال كإرث و نحوه فصار مورد الخصومة لا يكفي حلف أحدهم في ثبوت حصة الجميع بل يثبت حصته فقط لو حلف و يحتاج كل واحد من البقية إلى حلف مستقل (10)، و لكن يكفي شاهد واحد للجميع (11).

مسألة 6: إذا رجع الشاهد عن شهادته بعد حلف المدعي و حكم الحاكم ضمن نصف المال

(مسألة 6): إذا رجع الشاهد عن شهادته بعد حلف المدعي و حكم الحاكم ضمن نصف المال (12).

______________________________

(8) لأن المرجع في الدين و أسبابه و كيفية تقرير الدعوى هو العرف، فمع حكمه به يثبت، و مع حكمه بالعدم لا يثبت، و كذا مع تردده فيه.

(9) نسب إلى المشهور وجوب تقديم شهادة العادل أولا، ثمَّ اليمين بعدها، و استندوا في ذلك تارة إلى الترتيب الذكري في الأدلة المتقدمة، حيث ذكر فيها الشاهد ثمَّ اليمين، و إلى أصالة عدم ترتب الأثر أخرى.

و فيه: أنه لا ريب في أن الترتيب الذكرى أعم من وجوب الترتيب حكما، و مع الشك تجري أصالة عدم التقييد، و هي مقدمة على أصالة عدم ترتب الأثر، و لذا ذهب جمع إلى صحة العكس أيضا.

(10) لظهور قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «و يمين صاحب الحق» و غيره مما تقدم في ذلك، مضافا إلى الإجماع.

(11) لإطلاق قولهم عليهم السلام: «بشاهد واحد» أو «شهادة رجل» الشامل للواحد و الجميع، كما في البينة.

(12) لدخالته في الجملة في الضمان، سواء كان جزء العلة أم شرطها.

ص: 104

مسألة 7: الأحوط تقديم البينة

(مسألة 7): الأحوط تقديم البينة على الشاهد الواحد و اليمين إن أمكن ذلك (13).

مسألة 8: هناك دعا و تقبل مجردة عن كل شي ء كدعوى المرأة الحيض، أو الطهر، أو العذرة و غيرها

(مسألة 8): هناك دعا و تقبل مجردة عن كل شي ء كدعوى المرأة الحيض، أو الطهر، أو العذرة و غيرها (14).

______________________________

(13) أخذا بالقدر المتيقن، و لأصالة عدم ترتب الأثر، و لقوله عليه السلام:

«استخراج الحقوق بأربعة وجوه: بشهادة رجلين، فرجل و امرأتان، فإن لم تكن امرأتان فرجل و يمين المدعي، فإن لم يكن شاهد فاليمين على المدعى عليه، فإن لم يحلف و ردّ اليمين على المدعي، فهي واجبة عليه أن يحلف- الحديث-» (1).

و يمكن الخدشة في الكل.

أما الأول: فلا وجه له مع تحقق الإطلاق، فلا تصل النوبة إلى الأصل أيضا.

و أما الأخير: فلقصور السند.

(14) و كذا دعوى الوكيل إتيان ما وكّل فيه من العمل، و عدّوا من ذلك موارد كثيرة متفرقة في الفقه، و جمعها بعضهم في جامع واحد و هو دعوى بلا معارض و منازع، و لكن لا بد من التأمل في الصغريات و سائر الجهات، و من أراد التفصيل فليراجع المطولات.

ص: 105


1- الوسائل: باب 7 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 4.

الثالث: من جواب المدعى عليه السكوت أو ما يجري مجراه

اشارة

سكوت المدعى عليه الثالث: من جواب المدعى عليه (1).

مسألة 1: سكوت المدعى عليه بعد عرض الدعوى عليه

(مسألة 1): سكوت المدعى عليه بعد عرض الدعوى عليه إما لعذر (2) أو بدونه، و في الأول يزيله الحاكم بما يراه (3)، و في الثاني يرغّبه الحاكم في الجواب فإن لم يجب يستعمل الغلظة و الشدة (4)، فلو أصر على السكوت يقول الحاكم له: أجب و إلا أجعلك ناكلا (5)، و الأولى تكرار ذلك ثلاثا (6)،

______________________________

(1) و هو سكوت المدعى عليه، أو قوله: لا أدري، أو ليس لي و نحوها، كما تقدم (1).

(2) مثل الخرس، و عدم فهم اللغة، أو صمم، أو دهشة، أو وحشة، أو نحوها.

(3) لأنه من جهات ولايته و شؤونها.

(4) لأن كل ذلك من صغريات الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، الذي لا بد من قيام الحاكم بهما مع وجود المقتضي و فقد المانع، كما هو المفروض.

(5) لأن الجواب حق، و يلزم على الحاكم أن يلزمه بالحق، لكونه منصوبا لذلك، و نسب ذلك في السرائر إلى الصحيح من مذهبنا.

و هناك قولان آخران، و من شاء العثور عليهما فليراجع المطولات.

(6) نسب ذلك إلى جمع، و هو يكفي في الأولوية.

ص: 106


1- راجع صفحة: 70.

فإن أصر على السكوت كذلك ردّ الحاكم اليمين إلى المدعي (7)، و بعد حلفه يثبت حقه (8).

مسألة 2: إذا سكت المدعى عليه لعذر توصّل إلى معرفة جوابه

(مسألة 2): إذا سكت المدعى عليه لعذر (9) توصّل إلى معرفة جوابه بكل ما أمكن عرفا من الإشارة المفهمة أو مترجم معتبر أو كناية معلومة أو نحوه (10).

مسألة 3: يعتبر في المترجم أن يكون عدلين و لا يكفي العدل الواحد

(مسألة 3): يعتبر في المترجم أن يكون عدلين و لا يكفي العدل الواحد (11).

مسألة 4: لو ادعى المدعى عليه العذر و استمهل من الحاكم التأخير

(مسألة 4): لو ادعى المدعى عليه العذر و استمهل من الحاكم التأخير أمهله الحاكم بما يرى فيه المصلحة (12).

______________________________

(7) لأن ولايته على الحكم تقتضي ولايته على تنظيم ما تقتضيه موازينه في خصوصياته بحسب نظره، لو لم يكن دليل خاص في البين، كما هو المفروض.

(8) كما هو شأن اليمين المردودة إجماعا، و نصا، كما تقدم.

(9) مثل الخرس، و عدم فهم اللغة، أو صمم، أو دهشة، أو وحشة.

(10) أما الإشارة المفهمة، فلتنزلها منزلة كلام الأخرس عرفا و شرعا، كما مر في القراءة و التلبية، و يأتي في الطلاق أيضا. و أما البقية فلفرض ثبوت كشفها عن المراد الواقعي، و هو المطلوب في ظرف العذر عن البيان.

(11) قد نسب إلى المشهور من أن الترجمة من باب الشهادة، فلا بد حينئذ من التعدد و العدالة كما في الشهادة.

و أما إن جعلت الترجمة من باب الاستظهارات من القرائن- كما احتمله بعض- فلا تعتبر فيها العدالة فضلا عن التعدد، و يمكن الاختلاف باختلاف الخصوصيات و سائر الجهات الموجبة لحصول العلم بالمراد.

(12) لثبوت ولاية الحاكم على مثل ذلك بالإجماع.

ص: 107

مسألة 5: إذا أجاب المدعى عليه بقوله: لا أدري و صدّقه المدعي في ذلك

(مسألة 5): إذا أجاب المدعى عليه بقوله: لا أدري و صدّقه المدعي في ذلك فإن أقام المدعي بينة على دعواه ثبت حقه و إلا فلا حق له (13)، و إن لم يصدّقه المدعي بل قال: إن المدعى عليه عالم بأني ذو حق عليه، فيكون من الدعوى الصحيحة (14).

مسألة 6: لو حلف المدعى عليه بأنه لا يدري تسقط دعوى الدراية

(مسألة 6): لو حلف المدعى عليه بأنه لا يدري تسقط دعوى الدراية فلا تسمع دعوى المدعي و لا البينة منه عليها (15)، و أما الحق في الواقع فلا يسقط به و لو أراد إقامة البينة عليه تقبل منه (16)،

______________________________

(13) أما ثبوت دعواه مع إقامة البينة، فلقيام الحجة الشرعية على الثبوت، فيأخذ حقه.

و أما عدم الحق مع عدمها، فبعدم حجة الخلاف بل في متعارف الناس لا يرتبون الأثر على مثل هذه الدعوى أصلا، لأنه مع اعتراف المدعي بعدم علم المدعى عليه، و عدم البينة له على إثبات دعواه، فوجوب سماع مثل هذه الدعوى منفي بالأصل، للشك في شمول الأدلة له، فلا وجه لاحتمال إيقاف الدعوى إلى أن توجد البينة، لفرض الشك في صحة أصل الدعوى.

(14) فإن كان للمدعي بينة أقامها، و إلا يحلف المنكر، و إن لم يحلف المنكر يرد الحاكم اليمين إلى المدعي، فيثبت الحق بعد الحلف.

(15) أما سقوط دعوى الدراية مطلقا، فلتحقق اليمين و هو يوجب سقوط الدعوى، و إلا فيكون لغوا.

و أما بقاء الحق الواقعي، فلعدم قيام حجة معتبرة على سقوطه من حلف أو غيره، لانحلال الدعوى في الواقع إلى دعويين، دعوى العلم و عدمه، و دعوى الحق الواقعي و عدمه، و لا ربط لإحداهما بالأخرى.

(16) لصحة الدعوى، و عموم حجية البينة.

ص: 108

بل له المقاصة بمقدار حقه (17)، نعم إذا كان متعلق الدعوى عينا خارجية في يده منتقلة إليه من ذي يد و قلنا بجواز الحلف استنادا إلى اليد على الواقع فحلف عليه سقطت الدعوى (18)، و ذهب الحلف بحقه (19)، و لا تسمع بينة منه و لا يجوز له المقاصة (20).

مسألة 7: إذا أجاب المدعى عليه بقوله: ليس لي و لا لك بل هو لفلان الحاضر

(مسألة 7): إذا أجاب المدعى عليه بقوله: ليس لي و لا لك بل هو لفلان الحاضر فإن صدّقه الحاضر كان هو المدعى عليه، فله إقامة الدعوى على المقر له (21)، بل يتخير بين الرجوع إليه و الرجوع إلى المقر (22)، و إن أقر لغائب يلحقه حكم الدعوى على الغائب (23)،

______________________________

(17) لفرض تمامية موضوع المقاصة، كما يأتي في محله إن شاء اللّه تعالى.

(18) لتحقق الحلف على أن العين له، فيسقط أصل الدعوى بالحلف نصوصا، و إجماعا، كما يأتي.

و أما جواز الحلف مستندا إلى اليد، فيأتي تفصيله في أحكام الحلف إن شاء اللّه تعالى.

(19) لأن ذلك هو مقتضى الحلف إجماعا، و نصوصا، كما يأتي.

(20) لعدم الموضوع لها بعد الحلف المقبول شرعا.

(21) أخذا بإقراره بأن المال له.

(22) لأنه صار سببا لرجوع المدعي إلى المقر له، فيصح أخذه بتسببه و ترتيب الأثر على قوله، فإن أخذ المدعي به منه بالموازين الشرعية تسقط الدعوى، و إن أخذه من المقر له، يرجع هو إلى المقر بالقيمة إن تمَّ موضوع التغريم.

(23) لتحقق موضوعه، فيترتب عليه حكمه قهرا.

ص: 109

و إن قال: إنه مجهول المالك و أمره إلى الحاكم يرجع الى الحاكم و يعرض القضية عليه و يستأذن منه في أخذه (24)، و إن قال: إنه ليس لك بل وقف، فإن ادعى التولية ترتفع الخصومة بالنسبة إلى نفسه و تتوجه إليه بالنسبة إلى دعوى التولية (25). فإن توجه الحلف إليه فحلف سقطت الدعوى، و إن نفى عن نفسه التولية فأمره إلى الحاكم (26)، و كذا لو قال المدعى عليه إنه لصبي أو مجنون و نفى الولاية عن نفسه (27).

مسألة 8: لو أجاب المدعى عليه بأن المدعى به كان للمدعي

(مسألة 8): لو أجاب المدعى عليه بأن المدعى به كان للمدعي و لكنه ليس بذي حق فعلي فيه لأنه باعني أو وهبني أو غير ذلك (28)، و أنكر المدعي ذلك كله انقلبت الدعوى و صار المنكر مدعيا و المدعي منكرا، فلا تقبل دعواه إلا بالحجة المعتبرة شرعا (29).

______________________________

(24) لتوقف حكم الموضوع على نظره، خصوصا مسألة إن مدعي الملكية بلا معارض، هل يكفي مجرد دعواه بلا بينة أم لا؟.

(25) أما ارتفاع الخصومة بالنسبة إلى نفسه، فلعدم الموضوع لها بعد اعترافه بأنه وقف، و عدم حجة من المدعي على الملكية الطلقية له، كما هو المفروض.

و أما توجه الدعوى إليه من جهة أخرى، فلدعواه التولية، و لا تثبت ذلك إلا بالحجة المعتبرة.

(26) لما مر في كتاب الوقف من أن المرجع في مجهول التولية إلى الحاكم الشرعي، فلا وجه للتكرار بالإعادة هنا.

(27) لثبوت ولايته الشرعية على القصر، الذين لا ولي لهم.

(28) من الصلح أو إبراء الذمة أو الهبة و نحوها، مما يسقط به حق المدعي.

(29) لأصالة عدم ترتب الأثر على كل دعوى مطلقا، إلا بقيام الحجة

ص: 110

الرابع من جواب المدعى عليه تكذيب المدعى

اشارة

الرابع: (30).

مسألة 9: لو كذب المنكر المدعي

(مسألة 9): لو كذب المنكر المدعي بأن يقول: إنه يكذب في أصل دعواه و أنكره المدعي يصير المنكر مدعيا و المدعي منكرا (31).

مسألة 10: الفرق بين تكذيب المدعي و إنكاره

(مسألة 10): الفرق بين تكذيب المدعي و إنكاره أن الثاني إنكار ما يدعيه الخصم، و أما الكذب فهو إثبات شي ء عليه (32)، و لا فرق في التكذيب بين أن يكون اللفظ صريحا فيه أو ظاهرا (33).

______________________________

المعتبرة على اعتباره كالبينة، و إذا لم تكن بينة فالحاكم الشرعي يفصل الخصومة بالموازين الشرعية، كما تقدم مكررا.

(30) أي: الأخير من جواب المدعى عليه، و هو تكذيب المدعى عليه المدعي، كما تقدم (1).

(31) لفرض تحقق دعوى كذب المدعي، و فرض إنكار المدعي لذلك، فيجري عليه حكم المسألة السابقة.

(32) فالإنكار أمر عدمي، و التكذيب أمر ثبوتي و هو دعوى كذبه.

(33) لصدق دعوى الكذب على كل واحد منهما.

ص: 111


1- راجع صفحة: 70.

الفصل السادس في الحلف و ما يتعلق به

اشارة

الفصل السادس في الحلف و ما يتعلق به

مسألة 1: الحلف المعتبر في قطع الخصومات لا بد و أن يكون باللّه و أسمائه الخاصة

(مسألة 1): الحلف المعتبر في قطع الخصومات لا بد و أن يكون باللّه و أسمائه الخاصة (1)، و كذا ما كان ظاهرا فيه تبارك و تعالى و لو بالقرينة اللفظية (2)، و إن كان الأحوط عدم الاكتفاء به و الاقتصار على لفظ الجلالة (3).

______________________________

يكره الحلف باللّه تعالى و لو كان الحالف محقا و صادقا إجماعا، و نصوصا من الفريقين، كما تقدم في اليمين (1).

(1) إجماعا، و نصوصا منها ما عن نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا تحلفوا إلا باللّه» (2)، و قول أبي جعفر عليه السلام: «إن للّه عزّ و جل أن يقسم من خلقه بما شاء و ليس لخلقه أن يقسموا إلا به» (3)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(2) لصدق الحلف به تعالى في المحاورات العرفية، فتشمله الأدلة الشرعية كالحلف بمقلب القلوب و الرحمن و الخالق و الرازق و الباري، إلى غير ذلك من الأوصاف المختصة به جل شأنه، أو المنصرفة إليه عند إطلاقها.

(3) جمودا على ظاهر النص، كما تقدم.

ص: 112


1- راجع ج: 22 صفحة: 269.
2- سنن البيهقي ج: 10 صفحة: 29 و في المستدرك باب: 24.
3- الوسائل: باب 30 من أبواب الأيمان الحديث: 3.

مسألة 2: لا يجزي الحلف بغير اللّه تعالى كالأنبياء و الأوصياء

(مسألة 2): لا يجزي الحلف بغير اللّه تعالى كالأنبياء و الأوصياء و سائر النفوس المقدسة و الكتب المنزلة على الأنبياء و سائر الأماكن الشريفة كالكعبة المشرفة و غيرها (4).

مسألة 3: لا فرق في الحلف بين كون الخصمين مسلمين أو من غيرهما أو مختلفين

(مسألة 3): لا فرق في الحلف بين كون الخصمين مسلمين أو من غيرهما أو مختلفين، و كذا لا فرق بين كونهما معتقدين باللّه تعالى أو جاحدين له (5)، و لا يعتبر في إحلاف المجوس ضم قوله: «خالق النور و الظلمة» إلى اللّه تعالى (6)، و لو رأى الحاكم الشرعي إن إحلاف الذمي بما يقتضيه دينه أردع، يقسمه باللّه تعالى و يضم ذلك إليه إن كان محترما شرعا كالتوراة التي أنزلت على موسى أو الإنجيل الذي أنزل على عيسى عليهما السلام (7).

مسألة 4: لا أثر للحلف بغير اللّه تعالى

(مسألة 4): لا أثر للحلف بغير اللّه تعالى سواء رضى الخصمان به

______________________________

(4) لأصالة عدم ترتب الأثر، و ظاهر ما مر من الحصر في الخبر، كما مر في كتاب الأيمان (1).

(5) إجماعا، و نصوصا منها قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا يحلف الرجل اليهودي و لا النصراني و لا المجوس بغير اللّه، إن اللّه عزّ و جل يقول: فاحكم بينهم بما أنزل اللّه» (2)، إلى غير ذلك من الاخبار.

(6) للأصل، و ظاهر إطلاق النصوص.

(7) لوقوع القسم باللّه تعالى، و إنما ذكرت التوراة تأكيدا بالنسبة إليهم، و عليه يحمل ما عن علي عليه السلام: «انه استحلف يهوديا بالتوراة التي أنزلت على موسى عليه السلام» (3)، و يمكن حمله على التغليظ بالنسبة إليهم.

ص: 113


1- تقدم في صفحة: ج: 22 صفحة: 252.
2- الوسائل: باب 32 من أبواب الايمان الحديث: 1.
3- الوسائل باب: 32 من أبواب الأيمان الحديث: 2 و 3.

أم لا (8)، كما لا حرمة فيه لو أحلف به و إن كان مكروها (9).

مسألة 5: يكفي الحلف بذكر اسم اللّه تعالى أو بعض أسمائه الخاصة

(مسألة 5): يكفي الحلف بذكر اسم اللّه تعالى أو بعض أسمائه الخاصة سواء ضم إليه سائر صفاته الحسنى أم لا (10)، و يكفي المرة فيه و لا يجب التكرار (11).

مسألة 6: تكفي الإشارة المفهمة في حلف الأخرس

(مسألة 6): تكفي الإشارة المفهمة في حلف الأخرس (12).

______________________________

(8) للنهي عنه (1)، الشامل للصورتين، مضافا إلى عدم الخلاف في البين.

(9) أما عدم الحرمة و عدم الأثر، فللأصل بعد عدم دليل عليها.

و أما الكراهة فلحمل بعض الأخبار (2) عليها، بعد قصورها عن إفادة الحرمة، و تقدم في كتاب الأيمان مسألة 19 فراجع.

(10) كل ذلك لظهور الإطلاق، و الاتفاق.

(11) للإطلاق، و ظهور الاتفاق.

(12) لأنها كلفظه شرعا و عرفا في إنشائه و إيقاعه و تكبيره و تلبيته و سائر شؤونه، و تقدم ذلك كله في مواضعه، و عن علي عليه السلام في صحيح محمد بن مسلم: «أتي بأخرس فادّعي عليه دين و لم يكن للمدعي بينة، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: الحمد للّه الذي لم يخرجني من الدنيا حتى بينت للأمة جميع ما تحتاج إليه، ثمَّ قال ائتوني بمصحف، فأتي به، فقال للأخرس: ما هذا؟ فرفع رأسه إلى السماء و أشار أنه كتاب اللّه عزّ و جل، ثمَّ قال ائتوني بوليّه، فأتي بأخ له فأقعده إلى جنبه، ثمَّ قال: يا قنبر عليّ بدواة و صحيفة، فأتاه بهما، ثمَّ قال لأخ الأخرس: قل لأخيك هذا بينك و بينه، إنه عليّ، فتقدم إليه بذلك، ثمَّ أمير المؤمنين عليه السلام: و اللّه الذي لا إله إلا هو عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم الطالب الغالب الضار النافع المهلك المدرك الذي يعلم السر و العلانية، إن فلان

ص: 114


1- راجع ج: 22 صفحة: 252.
2- الوسائل: باب 1 من أبواب الأيمان الحديث: 5 و 2 و 1.

و يثبت به الحق (13).

مسألة 7: لا يعتبر في الحلف العربية

(مسألة 7): لا يعتبر في الحلف العربية، و يكفي بأي لغة إذا كان باسم اللّه تعالى أو صفاته المختصة به (14).

مسألة 8: يستحب للحاكم التغليظ في الحلف

(مسألة 8): يستحب للحاكم التغليظ في الحلف بذكر الصفات الحسني أو في الأمكنة المقدسة أو في الأزمنة كذلك (15)، و لا يجب للحالف التغليظ بالقول مثل القاهر، و المنتقم، و الغالب، و لا بالزمان كيوم العيد أو الجمعة و لا بالمكان كالأمكنة المشرفة و لا بالأفعال التي فيها مظنة التغليظ (16).

______________________________

بن فلان المدعي ليس له قبل فلان بن فلان أعني الأخرس حق، و لا طلبة بوجه من الوجوه، و لا بسبب من الأسباب، ثمَّ غسله و أمر الأخرس أن يشربه فامتنع، فالزمه الدين» (1)، و لا بأس بذلك إن انطبقت الإشارة المفهمة عليه.

(13) كما في جميع الأيمان في الأمور التكليفية و الوضعية، كما تقدم مرارا.

(14) للصدق عرفا، فيشمله إطلاق الدليل قهرا، كما تقدم في كتاب الأيمان.

(15) نسب ذلك إلى المشهور، و لا دليل لهم على نحو الكلية إلا ما مر عن علي عليه السلام في قضية الأخرس، و ما ورد في يمين الاستظهار (2)، و ما ورد أن عليا عليه السلام يستحلف اليهود و النصارى في بيعهم و كنائسهم و المجوس في بيوت نيرانهم، و يقول: «شدّدوا عليهم احتياطا للمسلمين» (3)، و لكن الاستحباب قابل للمسامحة حتى بفتوى المشهور، مع أن التغليظ نحو تعظيم لاسم اللّه جل شأنه.

(16) كالقيام مستقبل القبلة و وضع المصحف على رأسه و أخذه بيده، فلا

ص: 115


1- الوسائل: باب 33 من أبواب كيفية الحكم.
2- الوسائل: باب 4 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 1.
3- الوسائل: باب 32 من أبواب الأيمان الحديث: 10.

مسألة 9: لو غلّظ الحاكم الحلف لا يجب على الحالف قبول التغليظ

(مسألة 9): لو غلّظ الحاكم الحلف لا يجب على الحالف قبول التغليظ و لا يجوز للحاكم إجباره عليه و إذا امتنع لم يكن ناكلا (17)، بل الأرجح للحالف ترك التغليظ (18)، كما أن الأرجح له ترك أصل الحلف و إن كان محقا (19)، و لكن يستحب على الحاكم التغليظ في ما دون نصاب القطع احتياطا في أموال الناس (20). بل في جميع الحقوق أيضا (21) كما مر.

______________________________

يجب جميع ذلك، لإطلاق الأدلة، و أصالة البراءة عن الوجوب.

(17) لأصالة عدم وجوب قبول ذلك عليه، و أصالة عدم الولاية على إجباره، و أصالة عدم تحقق النكول بذلك، مضافا إلى الإجماع على ذلك كله.

(18) إذ لا ملازمة بين استحبابه على الحاكم و استحبابه على الحالف بوجه من الوجوه، فيكون التغليظ كأصل الحلف، فكما أنه مرجوح بالنسبة إلى الحالف و لو كان محقا، فكذا التغليظ أيضا.

(19) لما مر سابقا، و لقول أبي جعفر عليه السلام: «إن أباه كانت عنده امرأة من الخوارج، فقال له مولى له: يا بن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إن عندك امرأة تبرأ من جدك، فقضى لأبي أنه طلقها، فادعت عليه صداقها، فجاءت به إلى أمير المدينة تستعديه، فقال له أمير المدينة: يا علي إما أن تحلف و إما أن تعطيها، فقال لي: يا بنيّ قم فأعطها أربعمائة دينار، فقلت له: يا ابه جعلت فداك، أ لست محقا؟ قال:

بلى يا بنيّ و لكني أجللت اللّه أن أحلف به يمين صبر» (1).

(20) على المشهور، مدعيا عليه الإجماع، و عن أحدهما عليهما السلام: «لا يحلّف أحد عند قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على أقل مما يجب فيه القطع» (2)، بناء على قراءة «لا يحلف» بالتشديد.

(21) نسب ذلك إلى المشهور، بل ادعي الإجماع عليه.

ص: 116


1- الوسائل: باب 2 من أبواب الأيمان.
2- الوسائل: باب 29 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 1.

مسألة 10: تعتبر في الحلف المباشرة للحالف

(مسألة 10): تعتبر في الحلف المباشرة للحالف فلا يقع بالتوكيل و النيابة و لا أثر له في فصل الخصومة لو وقع كذلك (22).

مسألة 11: يعتبر في الحلف أن يكون في مجلس القضاء

(مسألة 11): يعتبر في الحلف أن يكون في مجلس القضاء (23)، و مع العذر المقبول شرعا على الحضور فإن أمكن زواله بحيث لم يتغير هيئة المجلس و لم يكن محذور في ذلك في البين يصبر الحاكم في المجلس لذلك حتى يحضر و يحلف فيه (24)، و إلا يرسل من يستحلف المنكر ثمَّ يرجع و يحلف عن أمر الحاكم في مجلس القضاء و في حضور الحاكم (25).

مسألة 12: يعتبر في الحلف أن يكون على البت مطلقا

(مسألة 12): يعتبر في الحلف أن يكون على البت مطلقا (26)، بلا فرق فيه بين أن يكون في فعل نفسه أو غيره في نفي أو إثبات، فمع علمه بالواقعة يجوز الحلف و إلا لا يجوز إلا إذا كان الحلف على عدم العلم (27).

______________________________

(22) لظواهر الأدلة، مضافا إلى الإجماع، و أصالة بقاء الخصومة.

(23) لأنه المنساق من ظواهر الأدلة، و ادعي عليه إجماع فقهاء الملة.

(24) لأصالة الصحة، و عدم المانعية عن التأخير بهذا المقدار، مع شمول الإطلاقات له أيضا.

(25) لسقوط حضور المدعى عليه في مجلس الحكم للعذر، و ثبوت غيره مما ذكرناه بقاعدة الميسور.

(26) إجماعا، و نصوصا مستفيضة منها قول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح هشام بن سالم: «لا يحلف الرجل إلا على علمه» (1)، و مثله غيره. مع أن الحلف تأكيد و تثبت للمحلوف عليه، و لا تأكيد و لا تثبيت لغير المعلوم الثابت.

(27) و هو أيضا بت بالنسبة إلى ذات عدم العلم و علم به، لأنه يعلم فيحلف على علمه بعدم العلم به، فيصح أن يقال: إن الحلف في جميع الموارد

ص: 117


1- الوسائل: باب 22 من أبواب الأيمان الحديث: 16.

مسألة 13: لا أثر للحلف لمن كان أجنبيا عن الدعوى مطلقا

(مسألة 13): لا أثر للحلف لمن كان أجنبيا عن الدعوى مطلقا (28)، و يصح بالنسبة إلى مثل الولي الإجباري أو القيم على الصغير أو المتولي للوقف، و له أثر إن صار مورد و لا يتهم موضوع الخصومة مع غيرهم و احتاج رفعها إلى حلفهم (29).

مسألة 14: لا يمين في الحدود مطلقا

(مسألة 14): لا يمين في الحدود مطلقا (30)،

______________________________

على البت و الاختلاف إنما هو باختلاف المتعلق.

(28) لانتفاء موضوع الخصومة بين الحالف و بين غيره، فلا أثر لحلف لا موضوع له، لإثبات حق أو نفيه، كما لو حلف زيد الذي هو أجنبي عن الدعوى بالمرّة على براءة عمرو مثلا.

(29) لشمول دليل ولايتهم على المدافعة عما ولّوا عليها، و صدق المدعى عليه عليهم عرفا، فتشملهم حينئذ أدلة المقام قهرا، نعم مع عدم الصدق العرفي أو الشك فيه لا أثر لحلفهم، فيصير النزاع في صحة حلفهم و عدمها صغرويا.

(30) إجماعا، و نصوصا منها قول أمير المؤمنين عليه السلام في خبر محمد بن أبي نصر: «لا يمين في حد» (1)، و عنه عليه السلام أيضا في خبر غياث بن إبراهيم: «لا يستحلف صاحب الحد» (2)، و يأتي في محله إن شاء اللّه تعالى أنها لا تثبت إلا بالإقرار، أو البينة بالشرائط الآتية.

و لا فرق في ذلك بين أن يكون المورد من حق اللّه تعالى محضا كشرب الخمر، و مشتركا بينه و بين حق الناس كالقذف، لإطلاق الدليل، و بناء حقوق اللّه تعالى- محضا كانت أو مشتركة- على التخفيف و الإغماض، كما هو شأن ذوي الهمم الرفيعة العالية من أوليائه عزّ و جل فضلا عنه تعالى، بلا فرق في ذلك بين اليمين الابتدائية أو اليمين المردودة، لأن الثانية تابعة للأولى، فإذا لم يجز

ص: 118


1- الوسائل: باب 24 من أبواب مقدمات الحدود و أحكامها العامة.
2- الوسائل: باب 24 من أبواب مقدمات الحدود و أحكامها العامة.

و تثبت في غيرها من الدعاوي مالية كانت أو غيرها (31).

مسألة 15: لو علم أن الحالف قصد التورية في حلفه

(مسألة 15): لو علم أن الحالف قصد التورية في حلفه لا يترتب الأثر على هذا الحلف (32).

مسألة 16: يستحب للحاكم موعظة الحالف قبل الحلف

(مسألة 16): يستحب للحاكم موعظة الحالف قبل الحلف و تحذيره عن ما يترتب على الحلف صادقا فضلا من أن يكون كاذبا (33).

______________________________

المتبوع فلا وجه لجريان التابع، مضافا إلى ما مر من الإطلاق، فلو ادعي أنه قذفه بالزنا فأنكر لم يتوجه اليمين على المنكر، لأن مجرد إنكاره شبهة، و قال نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «ادرءوا الحدود بالشبهات» (1)، مضافا إلى الإجماع، و بناء الشريعة على عدم إشاعة الفاحشة، و كفاية الرجوع إلى اللّه تعالى و التوبة و إرضاء المقذوف، على ما يأتي تفصيله.

نعم في الحقوق المشتركة كالسرقة، تثبت اليمين بالنسبة إلى حق الناس فقط، لتركب الموضوع من الحقين، فيعمل بكل واحد من الحكمين، فلا منافاة بينهما في البين، مضافا إلى الاتفاق.

(31) للعموم، و الإطلاق- كما مر- و ظهور الاتفاق، بلا فرق بين المالية منها كالدين و الضمانات و غيرها كالنكاح و الطلاق و القتل.

(32) لخبر صفوان بن يحيى قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يحلف و ضميره على غير ما حلف عليه؟ قال: اليمين على الضمير» (2)، و مثله خبر الأشعري عن الرضا عليه السلام، مضافا إلى الأصل بعد الشك في شمول إطلاقات أدلة الحلف لمثله.

(33) سيرة، و إجماعا، و هما يكفيان في الاستحباب، بل يستظهر من

ص: 119


1- الوسائل: باب 24 من أبواب مقدمات الحدود.
2- الوسائل: باب 21 من أبواب الأيمان.

مسألة 17: لو حلف أن لا يحلف أصلا فابتلي بالحلف لأجل فصل الخصومة

(مسألة 17): لو حلف أن لا يحلف أصلا فابتلي بالحلف لأجل فصل الخصومة يشكل ترتب الأثر عليه (34)، و كذا لو نهى الوالد و منعه عن الحلف (35).

مسألة 18: لو ادعى أحد شيئا على ميت

(مسألة 18): لو ادعى أحد شيئا على ميت و ادعى علم الوارث به أيضا و أنكره الوارث فله إحلاف الوارث (36).

______________________________

النصوص (1)، و يشهد له الاعتبار أيضا، لأن عظمته جل جلاله أجل من أن يحلف به تعالى في مقابل شي ء من الممكنات صادقا فضلا عن الكذب، و إنما أذن تعالى في الحلف باسمه الأقدس تسهيلا للأنام في فصل المنازعة و الخصام، و عن بعض دعوى التجربة أن الحلف باللّه كاذبا يوجب الفقر و انقطاع النسل، أعاذ اللّه تعالى جميع المسلمين من ذلك.

(34) لما ذكرنا في كتاب اليمين (2)، فلا وجه للإعادة هنا.

و احتمال جريان قاعدة نفي الضرر، فينحل بها اليمين السابق أو النذر، فيقع الحلف بلا محذور.

مشكل: لأنه متوقف على تقديم قاعدة نفي الضرر على إطلاق أدلة الحلف و جريانها في مثل هذه الموارد، التي ألزم المكلف الضرر باختياره على نفسه أول الدعوى.

(35) تقدم تفصيل ذلك في كتاب اليمين، فلا وجه للتكرار هنا (3).

(36) لأن الوارث منكر لدعوى المدعي علمه به، فتشمله قاعدة: «البينة على المدعي و اليمين على المدعى عليه» فتسقط الدعوى الثانية بحلف الوارث على عدم العلم، و تثبت الدعوى الاولى حتى تتم الحجة على ثبوتها أو نفيها.

ص: 120


1- الوسائل: باب 1 الحديث: 1 و باب: 3 و 4 من أبواب الأيمان.
2- تقدم في ج: 22 صفحة: 273.
3- راجع ج: 22 صفحة: 257.

مسألة 19: يجوز الحلف على الأعم مع كون مورد الدعوى هو الأخص

(مسألة 19): يجوز الحلف على الأعم مع كون مورد الدعوى هو الأخص (37)، و أما العكس فلا يجوز (38).

مسألة 20: لو كان المنكر معسرا و ادعى عليه مال و اقتنع المدعي لحلفه يجوز له الحلف تورية

(مسألة 20): لو كان المنكر معسرا و ادعى عليه مال و اقتنع المدعي لحلفه يجوز له الحلف تورية (39).

______________________________

(37) لأن الأعم شامل للأخص عقلا، و شرعا، و عرفا، فيجزي الحلف عليه لا محالة، كما إذا ادعى عليه شخص أنه أقرضه مائة دينار مثلا، و أنكره و حلف على أنه لا حق لك عليّ.

(38) لأن نفي الأخص لا يستلزم بوجه من الوجوه نفي الأعم.

(39) لعدم تحقق الكذب منه حينئذ مع قضاء حاجته بذلك، و لا منافاة مع ما تقدم في مسألة 15، لأن التورية هناك متعلق بالحق الثابت الذي يمكن أداؤه فعلا، بخلاف المقام فإنه لا يمكن له أداؤه فعلا، لفرض إعساره، و هو بان على الأداء بعد رفع الإعسار، و إنما عرض لغرض من الأغراض الصحيحة العقلائية.

ص: 121

الفصل السابع في أحكام اليد و ما يتعلق بها

اشارة

الفصل السابع في أحكام اليد و ما يتعلق بها

______________________________

اليد: في الفقه يبحث عنها في موردين.

الأول: في المعاملات مستندا إلى ما نسب إلى نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» (1).

الثاني: في المقام، و كلاهما من القواعد النظامية العقلائية قررتها الشريعة الإسلامية.

و المراد باليد في كلا المقامين الاستيلاء العرفي، فيكون المراد فيهما واحدا، فمن استولى على مال الغير يجب رده إليه. و من استولى على مال فهو لنفسه إلا أن تدل حجة معتبرة على خلافه. و لا بد من بيان أمور:

الأول: اليد هي الاحتواء و الإحاطة، و لها مراتب كثيرة مختلفة جدا، كالخاتم في إصبعه، و الدراهم في جيبه، و الدنانير في صندوقه، كلها نحو استيلاء، و كذا الأثاث في بيته و الكتاب في مكتبته، و الشجر في بستانه، إلى غير ذلك، و جميعها أمارة للملك ما لم تكن حجة على الخلاف. و تتصور اليد و الاستيلاء بالنسبة إلى المنفعة و الانتفاع و الحق، كما هو معلوم.

الثاني: دليل اعتبار اليد، السيرة العامة بين الناس، و يكفي في اعتبارها و كون اليد أمارة للملكية، عدم ورود الردع من الشارع في هذا الأمر العام البلوى، لما أثبتناه في محله من أن الأمور الابتلائية في جميع الأزمان يكفي في اعتبارها عدم ثبوت ردع من الشرع، مع أنه يدل على الاعتبار، الإجماع، و النصوص منها

ص: 122


1- مستدرك الوسائل: باب 1 من أبواب الغصب و في كنز العمال: ج: 10 الحديث: 257 (كتاب الغصب).

الفصل السابع في أحكام اليد و ما يتعلق بها

مسائل في أحكام اليد

مسألة 1: ما كان تحت يد شخص و استيلائه يحكم بملكيته له

(مسألة 1): ما كان تحت يد شخص و استيلائه يحكم بملكيته له (1)، سواء كان من الأعيان أم المنافع أو الحقوق أو غيرها (2)، فإذا كان في يده دار موقوفة و يدعي توليتها يحكم بكونه كذلك (3).

______________________________

ما عن الصادق عليه السلام في معتبر غياث: «إذا رأيت شيئا في يدي رجل يجوز لي أن أشهد أنه له؟ قال: نعم- إلى أن قال- لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق» (1)، و قريب منه غيره.

الثالث: اختلف العلماء في أنها أصل أو أمارة، و قد أثبتنا في الأصول أن هذا النزاع ليس له ثمرة عملية و لا علمية، من شاء فليراجع كتابنا (تهذيب الأصول).

الرابع: يصح فرض الاستيلاء و اليد بالنسبة إلى الفضاء أيضا، فمن ملك دارا أو بستانا مثلا فضاؤه له و كذا هواؤه.

(1) لأمارة اليد على الملكية، كما تقدم.

(2) لإطلاق الأدلة، و الإجماع، و السيرة.

(3) لأنه مستول على المنفعة و ذات يد عليها، فيعتبر قوله فيها، ما لم تكن حجة معتبرة على الخلاف، كما هو المفروض.

ص: 123


1- الوسائل: باب 25 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 2.
مسألة 2: لا يعتبر في دلالة اليد على الملكية و نحوها التصرفات المتوقفة على الملك

(مسألة 2): لا يعتبر في دلالة اليد على الملكية و نحوها التصرفات المتوقفة على الملك (4).

مسألة 3: إذا كان في يده شي ء فمات و شك أنه له و لم يسمع منه دعوى الملكية

(مسألة 3): إذا كان في يده شي ء فمات و شك أنه له و لم يسمع منه دعوى الملكية يحكم بأنه له و يرثه وارثه (5)، ما لم يعترف بعدم الملكية (6)، بل يحكم بملكية ما في يده و لو لم يعلم أنه له (7).

مسألة 4: يد الوكيل و الأمين و المستعير و الأجير بل الغاصب يد المالك

(مسألة 4): يد الوكيل و الأمين و المستعير و الأجير بل الغاصب يد المالك (8).

______________________________

(4) للأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق، فلو كان شي ء في يده يحكم بأنه ملكه و لو لم يكن متصرفا فيه.

(5) أما أنه ملكه، فلظاهر يده ما لم يعلم الخلاف. و أما أنه لوارثه فلقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «كلما تركه الميت فهو لوارثه» (1).

(6) لسقوط يده عن أمارة الملكية، مع تصريحه بالخلاف.

(7) لظاهر اليد ما لم تكن قرينة معتبرة على الخلاف.

فالأقسام ثلاثة: ما يعلم بأنه ليس له، ما يعلم بأنه له، لا يعلم بشي ء، و في الأول لا أثر لليد بخلاف الأخيرين، و عليه يحمل خبر جميل بن صالح قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل وجد في منزله دينارا، قال: يدخل منزله غيره؟

قلت: نعم كثير، قال: هذا لقطة، قلت: فرجل وجد في صندوقه دينارا، قال:

يدخل أحد يده في صندوقه غيره أو يضع فيه شيئا؟ قلت: لا، قال: فهو له» (2)، و حينئذ فلو قال: إني لا أعلم أن ما تحت يدي ملكي أم لا، يحكم بملكيته، و تقدم في كتاب اللقطة بعض الكلام فراجع.

(8) لصدق أنه ذو اليد عرفا، و لا أثر لليد العارض المترتب على يد

ص: 124


1- الوسائل: باب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة الحديث: 4.
2- الوسائل: باب 3 من أبواب اللقطة الحديث: 1.
مسألة 5: اليد إما مختصة أو مشتركة

(مسألة 5): اليد إما مختصة أو مشتركة، فإذا كان شي ء في يد اثنين يكون كل واحد منهما مالكا نصفه المشاع (9).

مسألة 6: إذا تنازعا في شي ء فإما أن يكون تحت يد أحدهما فالقول قوله مع يمينه

(مسألة 6): إذا تنازعا في شي ء فإما أن يكون تحت يد أحدهما فالقول قوله مع يمينه و على غير ذي اليد إقامة البينة (10)، أو كان تحت يدهما فكل منهما بالنسبة إلى النصف مدع و منكر، حيث أن يد كل منهما على النصف (11)،

______________________________

المالك، فيجري عليه أحكام يد المالك.

(9) لصدق أن يد كل منهما عليه، فيحكم بمالكية كل منهما للنصف الاشاعي، ما لم تكن قرينة معتبرة على الخلاف، و المفروض عدمها.

(10) أما أن القول قوله فلظاهر يده، و أما أن عليه اليمين فلقطع الخصومة، و لا تقطع إلا بها أو بالبينة، و أما أن على غير ذي اليد إقامة البينة فلإطلاق قوله عليه السلام: «البينة على المدعي و اليمين على المدعى عليه» (1).

(11) أي المشاع منه، و يلزمه كون يده ثابتة على الكل، إذ لا يعقل كون النصف المشاع تحت اليد إلا بذلك، فيكون كل منهما مدعيا بالنسبة إلى ما في يد الآخر، و مدعى عليه بالنسبة إلى ما في يده، و المشهور بين الفقهاء أنه مع عدم البينة في البين تجري عليه قاعدة «البينة على المدعي و اليمين على المدعى عليه»، فمع عدم البينة- كما هو المفروض- يحلف كل منهما على نفي ما يدعيه الآخر، ثمَّ ينصف المال بينهما.

و عن جمع منهم المحقق رحمه اللّه أنه ينصف المال أولا من دون حاجة إلى اليمين، لما أرسل عن نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أن رجلين تنازعا في دابة ليس لأحدهما بينة فجعلها النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بينهما نصفين» (2)، و يمكن اختلاف الفرضين

ص: 125


1- الوسائل: باب 3 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 3.
2- سنن البيهقي ج: 10 باب 3 من كتاب الدعوى و البينات.

أو كان بيد ثالث فإن صدّق أحدهما المعين يصير بمنزلة ذي اليد فحينئذ يكون منكرا و الآخر مدعيا (12)، و إذا صدقهما بأن قال تمامه لكل منهما فحينئذ يلغى تصديقه و يكون المورد مما لا يد لهما عليه (13)، و أما لو قال إنهما مشتركان فيه فيصير بمنزلة أنه في يدهما (14)، و لو صدّق أحدهما لا بعينه ينصف بينهما بعد حلفهما (15)،

______________________________

بحسب الموارد، فيصير النزاع بين المشهور و غيرهم صغرويا، و لا بد من ملاحظة كيفية تقرير الدعوى و سائر جهاتها الخارجية، حتى يظهر الحال و يحرز أنه من المدعي و المنكر أو من التداعي، إذ الشاهد يرى ما لا يراه الغائب.

(12) فيجري حينئذ حكم المدعي و المنكر، فإن أقام المدعي بينة يأخذ العين و لا يحلف المنكر فتكون له.

(13) أما إلغاء تصديقه لفرض التضاد بعد عدم صحة فرض مالكين مستقلين لشي ء واحد في عرض واحد، كما هو المشهور. و أما كون المورد مما لا يدلهما عليه فلكونه لازم سقوط تصديقه لهما، فيجري عليه حكم ما لا يد لأحدهما عليه على ما تقدم.

(14) فيجري عليه حكم ما مر.

(15) أما النصف: فلما عن علي عليه السلام: «في رجل أقر عند موته لفلان و فلان، لأحدهما عندي ألف درهم، ثمَّ مات على تلك الحال، فقال علي عليه السلام:

أيهما أقام البينة فله المال، و إن لم يقم واحد منهما البينة فالمال بينهما نصفان» (1)، و مثله غيره.

و أما الحلف: فلعموم ما دل على أن المدعى عليه يحلف مع عدم البينة (2)، و كل منهما من المدعى عليه. و سكوت الحديث عن ذكر الحلف، لعله

ص: 126


1- الوسائل: باب 25 من أبواب أحكام الوصايا.
2- الوسائل: باب 7 من أبواب كيفية الحكم.

و إذا كذّبهما و قال: إنه لي يبقى في يده و على كل منهما اليمين (16)، و أما إذا لم يكن في يدهما و لا يد غيرهما و لم تكن بينة فالأحوط التصالح (17).

مسألة 7: لو ادعى شخص شيئا في يد آخر و أقام بينة و انتزعه منه بعد حكم الحاكم

(مسألة 7): لو ادعى شخص شيئا في يد آخر و أقام بينة و انتزعه منه بعد حكم الحاكم ثمَّ أقام المدعى عليه بينة على أنه له، فإن ادعى انه له فعلا و أقام البينة على ذلك ينتزع من الأول و يرد إلى المدعي الثاني (18)، و أما لو ادعى أنه كان له حين الدعوى الاولى و أقام البينة على ذلك يتفحص الحاكم عن القرائن المعتبرة التي تعين أحدهما و مع العدم فالأحوط أن يتراضيا (19).

مسألة 8: إذا تنازع الزوجان في متاع البيت مع بقاء الزوجية أو بعد زوالها

(مسألة 8): إذا تنازع الزوجان في متاع البيت مع بقاء الزوجية أو بعد زوالها، فما يكون من المتاع للرجال فهو للرجال- كألبسة الرجال- و ما يكون للنساء فللمرأة- كألبسة النساء و نحو ذلك- و ما يكون للرجال و النساء فهو بينهما (20)،

______________________________

لعدم كونه في مقام البيان من كل جهة، و طريق الاحتياط التراضي.

(16) لكونه منكر، و هما مدعيان، و حيث لا بينة، فلكل منهما عليه اليمين.

(17) لا ريب في كونه أحوط، و في المسألة وجوه: القرعة، و التنصيف، و إجراء حكم التداعي، أو حكم المدعي و المنكر، و ليس لكل ذلك دليل يصح الاعتماد عليه، و قد ذكروا تلك الوجوه مع مناقشاتها في المطولات و من شاء فليراجع إليها.

(18) لقيام البينة، و إمكان اختلاف الملكين، فلا موضوع للمعارضة.

(19) إما التفحص: فلأن يستظهر منها اعتبار حكمه اللاحق و عدمه لنقض حكمه السابق. و أما التراضي: فلأن في المسألة وجوه و أقوال لم يذكر لها ما يصح الاعتماد عليه. فراجع المطولات تجدها كذلك.

(20) على المشهور المدعى عليه الإجماع، لقول الصادق عليه السلام في خبر

ص: 127

و إن ادعى الرجل ما للنساء أو العكس يجري عليهما حكم المدعي و المنكر فيقدم قول المدعي مع البينة و مع عدمها يحلف المنكر (21)، و لو تداعيا فيما هو بينهما يقسمانه بعد التحالف (22)،

______________________________

رفاعة النحاس: «إذا طلّق الرجل امرأته و في بيتها متاع فلها ما يكون للنساء، و ما يكون للرجال و النساء قسّم بينهما» (1)، و عنه عليه السلام أيضا: «إذا طلّق الرجل المرأة فادعت إن المتاع لها، و ادعى الرجل أن المتاع له كان له ما للرجال، و لها ما يكون للنساء، و ما يكون للرجال و النساء قسّم بينهما» (2).

هذا إذا لم تكن قرينة معتبرة عرفية على الخلاف، و إلا فيعمل بها، و عليها يحمل ما في بعض الأخبار (3) من أنها للزوجة، و لا فرق بين كون البيت لهما أو لأحدهما أو للغير، و لا بين وقوع النزاع بعد الطلاق أو في حال الزواج، و ما ورد في الرواية من فرض المسألة بعد الطلاق إنما هو من باب المورد، لا أن يكون مقيدا للحكم.

(21) لتحقق موضوع المدعي و المنكر وجدانا، فيترتب عليه حكمهما قهرا.

(22) لتحقق موضوع التحالف، فيترتب عليه الحكم لا محالة.

ثمَّ إن يدهما على أقسام ثلاثة ..

أحدها: اليد المشتركة في البيت و لو لم تستعمل فعلا، كالأثاث المدخر في البيت للضيف مثلا.

ثانيها: اليد الاستعمالية.

الثالثة: اليد الفعلية من كل جهة.

و الأخيرة: مقدمة على الأولين، كتقدم الثاني على الأول، و يمكن أن يجعل

ص: 128


1- الوسائل: باب 8 من أبواب ميراث الأزواج: الحديث: 4 و 1.
2- الوسائل: باب 8 من أبواب ميراث الأزواج: الحديث: 4 و 1.
3- الوسائل: باب 8 من أبواب ميراث الأزواج الحديث: 5.

و لو كان للرجل يد فعلية على مختصات المرأة أو بالعكس يحكم بكون المال لذي اليد إلا أن لغيره إقامة البينة على أنه له (23).

مسألة 9: يجري حكم ما تقدم في المسألة السابقة بالنسبة إلى الشريكين أيضا

(مسألة 9): يجري حكم ما تقدم في المسألة السابقة بالنسبة إلى الشريكين أيضا (24)، و إن كان الأحوط التراضي (25).

مسألة 10: لو ادعى الأب أنه أعار ولده الحي أو الميت شيئا

(مسألة 10): لو ادعى الأب أنه أعار ولده الحي أو الميت شيئا و أنه باق على ملكه لا تسمع منه إلا بالبينة (26)، و مع عدمها يثبت الحلف على المدعى عليه (27).

______________________________

الأخبار مطابقة للقاعدة، لتحقق اليد الفعلية للمرأة على مختصاتها و للرجل على مختصاته، فيصح التعدي من موردها إلى سائر الموارد، لكون الحكم مطابقا للقاعدة حينئذ.

(23) لقاعدة اليد، ما لم تقم بينة على الخلاف.

(24) لكون الحكم موافقا للقاعدة بناء على ما مر.

(25) جمودا على خصوص مورد النص، و احتمال أنه حكم تعبدي خاص بمورده.

(26) لقاعدة أن البينة على المدعي و اليمين على المدعى عليه، كما تقدم.

(27) لما مر من القاعدة.

و أما رواية جعفر بن عيسى، قال: «كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام المرأة تموت فيدعي أبوها أنه كان أعارها بعض ما كان عندها من متاع و خدم، أتقبل دعواه بلا بينة، أم لا تقبل دعواه بلا بينة؟ فكتب إليه: يجوز بلا بينة، قال: و كتبت إليه: أن ادعى زوج المرأة الميتة أو أبو زوجها، في متاعها و خدمها مثل الذي ادعى أبوها من عارية بعض المتاع و الخدم، أ يكون في ذلك بمنزلة الأب في

ص: 129

مسألة 11: لو كانت عين في يد شخصين و لم تكن فيها منازعة بينهما حتى ماتا تنصّف بين الورثة

(مسألة 11): لو كانت عين في يد شخصين و لم تكن فيها منازعة بينهما حتى ماتا تنصّف بين الورثة (28)، إلا إذا ادعى بعضهم على بعض دعوى فتجري عليه قاعدة المدعي و المنكر (29).

مسألة 12: إذا ادعي مالا لا يد لأحد عليه و لا معارض له ليس لأحد مزاحمته

(مسألة 12): إذا ادعي مالا لا يد لأحد عليه و لا معارض له ليس لأحد مزاحمته (30).

______________________________

الدعوى؟ فكتب: لا» (1)، فأوهنها إعراض الأصحاب، إذ لم يثبت العمل بها إلا ظاهر الصدوق، و هو مشكل.

(28) لفرض وجود يدي مورثهما عليها، مع عدم وجود مدع و منكر في البين، فلا يحتاج إلى حلف أيضا.

(29) لانطباقها عليهما حينئذ قهرا.

(30) لأصالة عدم جواز المزاحمة، و قاعدة الصحة، و دعوى الإجماع، و موثقة منصور بن حازم عن الصادق عليه السلام: «عشرة كانوا جلوسا وسطهم كيس فيه ألف درهم، فسأل بعضهم بعضا: أ لكم هذا الكيس؟ فقالوا كلهم: لا، و قال واحد منهم: لي، فلمن هو؟ قال عليه السلام: للّذي ادعاه» (2)، و صحيح البزنطي قال:

«سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الرجل يصيد الطير الذي يسوى دراهم كثيرة، و هو مستوي الجناحين و هو يعرف صاحبه أ يحل له إمساكه؟ فقال إذا عرف صاحبه ردّه عليه، و إن لم يكن يعرفه و ملك جناحه فهو له و إن جاءك طالب لا تتهمه ردّه عليه» (3)، و أما إثبات ملكيته له بمثل هذه الأدلة مشكل، خصوصا قبل وضع اليد.

ص: 130


1- الوسائل: باب 23 من أبواب كيفية الحكم.
2- الوسائل: باب 17 من أبواب كيفية الحكم.
3- الوسائل: باب 15 من أبواب اللقطة.
مسألة 13: لو كان وقفا و لم يعلم مصرفه و لا متوليه و لا يد لأحد عليه

(مسألة 13): لو كان وقفا و لم يعلم مصرفه و لا متوليه و لا يد لأحد عليه كدار أو كتاب أو نحوهما و ادعى أحد أنه متول له يرجع فيه إلى الحاكم الشرعي (31)، و الأحوط للحاكم أن يجعله متوليا مع تحقق الشرائط (32).

______________________________

(31) لصدق عدم معلومية المتولي و المصرف بالنسبة إليه قبل إثبات المدعى لدعواه، و احتمال أنه بمجرد الدعوى يصير متوليا لكونه من المدعي بلا مزاحم، مشكل.

(32) لاحتمال أن أصل الموضوع حينئذ بالنسبة إليه من الدعوى بلا مزاحم.

ص: 131

في تعارض اليدين و البينتين

اشارة

في تعارض اليدين و البينتين

مسألة 1: إذا تعارضت اليد الفعلية مع اليد السابقة أو الملكية السابقة

(مسألة 1): إذا تعارضت اليد الفعلية مع اليد السابقة أو الملكية السابقة تقدم اليد الفعلية (1)، فلو كانت عند زيد فعلا و كانت سابقا تحت يد عمرو أو كانت من ممتلكاته يحكم بأنه لزيد (2)، و على عمرو إن ادعاها إقامة البينة و مع عدمها فله الحلف على زيد (3).

مسألة 2: لو أقر ذو اليد الفعلية بأن ما في يده كان لذي اليد السابقة و انتقل إليه بناقل شرعي

(مسألة 2): لو أقر ذو اليد الفعلية بأن ما في يده كان لذي اليد السابقة و انتقل إليه بناقل شرعي لا تقبل دعواه في النقل إلا بالبينة و مع عدمها يحلف المنكر على بطلان دعواه و تسقط يده عن الاعتبار (4).

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

مهذب الأحكام (للسبزواري)؛ ج 27، ص: 132

______________________________

(1) لأنها دليل معتبر شرعا و عرفا، ما لم تكن قرينة معتبرة على الخلاف، و المفروض عدمها إذ ليس في البين إلا استصحاب بقاء حكم اليد السابقة، و هو باطل، لما ثبت في الأصول من تقدم اليد على الاستصحاب مطلقا. نعم لو أقام ذو اليد السابقة بينة على أن صاحب الفعلية أخذ العين عنه غصبا أو إجارة أو عارية، تقبل بينته و يسقط اعتبار اليد الفعلية، لأن البينة مقدمة على اليد.

(2) لما مر من حجية اليد الفعلية بلا معارض لها في البين.

(3) إما إقامة البينة على عمرو، فلأنه يكون مدعيا لما في يد زيد، و أما مع عدمها يكون له الحلف على زيد، فلقاعدة: «البينة على المدعي و اليمين على من أنكر».

(4) لأنه مقر له، و مدع لانتقال ما في اليد إليه من مالكه، فلا تقبل هذه الدعوى منه إلا بإقامة البينة، و المنكر موجود فعلا، و مع عدمها يحلف المنكر

ص: 132

مسألة 3: إذا تعارضت البينات في شي ء واحد يعمل فيها بالمرجحات المعتبرة

(مسألة 3): إذا تعارضت البينات في شي ء واحد يعمل فيها بالمرجحات المعتبرة (5)، و مع فقدها ينصّف إن كان في يدهما أو لم يكن يد عليه أو كان في يد ثالث (6)

______________________________

و تسقط اليد عن الاعتبار، لأن ظاهر قوله ان يده إنما تكون لهذه الجهة فقط، و سقوطه بالحلف يلازم سقوط يده أيضا.

(5) لأنها المرتكزة في الأذهان، و يدور عليها الخبران المتعارضان، و الظاهر عدم الخصوصية فيهما، بل من باب أنهما طريقان لإحراز الواقع، مع أن بعض المرجحات ورد في أخبار المقام أيضا (1)، و الظاهر بل المقطوع به أنه من باب المثال، فراجع ما ذكرناه في كتابنا (تهذيب الأصول) فلا وجه للتكرار هنا.

(6) لما مر سابقا من عدم الترجيح بلا مرجح بعد قصور شمول أدلة القرعة في المقام، لأنها لا بد في مورد جريانها من الانجبار بعمل الأصحاب، و هو غير معلوم في المقام، مع أنه ورد التنصيف في المقام، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى، و في الأول- أي إذا كان الشي ء في يدهما- يصير بينة كل منهما خارجة بالنسبة إلى يد الآخر، فيرجح من هذه الجهة أو بينة كل منهما لما في يده، و كذا في الصورة الأخيرة ان قلنا بالترجيح حتى مثل ذلك، و لكنه مشكل.

ثمَّ إن المقام من إحدى المسائل التي اختلفت فيها الروايات، و لأجل ذلك اختلفت الأقوال حتى أنهاها بعضهم إلى تسعة بل أزيد، و لعل سر اختلاف الروايات أن المورد يختلف باختلاف القرائن الخارجية الموجبة للاطمئنان، و لم يبينها الإمام عليه السلام لمصالح، مع انه ليس بيان خصوصيات الموضوع من شأنه عليه السلام.

أما الأخبار الواردة في المقام فأقسام:

الأول: قول الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير قال: «سألت أبا

ص: 133


1- الوسائل: باب 12 من أبواب كيفية الحكم 1 و 5 و غيرهما.

.....

______________________________

عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يأتي القوم فيدعي دارا في أيديهم و يقيم البينة و يقيم الذي في يده الدار البينة أنه ورثها عن أبيه، و لا يدري كيف كان أمرها؟ قال:

أكثرهم بينة يستحلف و تدفع إليه، و ذكر أن عليا عليه السلام أتاه قوم يختصمون في بغلة، فقامت البينة لهؤلاء أنهم أنتجوها على مذودهم. و لم يبيعوا و لم يهبوا [و قامت البينة لهؤلاء بمثل ذلك] فقضى عليه السلام بها لأكثرهم بينة و استحلفهم» (1).

الثاني: خبر إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام: «إن رجلين اختصما إلى أمير المؤمنين عليه السلام في دابة في أيديهما، و أقام كل واحد منهما البينة أنها نتجت عنده، فأحلفهما علي عليه السلام فحلف أحدهما و أبى الآخر أن يحلف، فقضى بها للحالف، فقيل له: فلو لم تكن في يد واحد منهما و أقاما البينة؟ فقال: أحلفهما، فأيهما حلف و نكل الآخر جعلتها للحالف، فإن حلفا جميعا جعلتها بينهما نصفين. قيل: فإن كانت في يد أحدهما و أقاما جميعا البينة؟ قال: اقضى بها للحالف الذي هي في يده» (2).

الثالث: خبر غياث عنه عليه السلام أيضا: «أن أمير المؤمنين عليه السلام اختصم إليه رجلان في دابة، كلاهما أقاما البينة أنه أنتجها، فقضى بها للذي هي في يده، و قال: لو لم يكن في يده جعلتها بينهما نصفين» (3)، و قريب منه خبر جابر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (4).

الرابع: خبر منصور قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل في يده شاة فجاء رجل فادعاها، فأقام البينة العدول أنها ولدت عنده و لم يبع و لم يهب، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: حقها للمدعي و لا اقبل من الذي في يده بينة، لأن اللّه عزّ و جل إنما أمر أن تطلب البينة من المدعي، فإن كانت له بينة و إلا فيمين الذي هو في يده،

ص: 134


1- الوسائل: باب 12 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 1.
2- الوسائل: باب 12 من أبواب كيفية الحكم.
3- الوسائل: باب 12 من أبواب كيفية الحكم.
4- سنن البيهقي ج: 10 صفحة: 256.

.....

______________________________

هكذا أمر اللّه عزّ و جل» (1).

الخامس: ما في المرسل عن علي عليه السلام: «في البينتين تختلفان في الشي ء الواحد، يدعيه الرجلان أنه يقرع بينهما فيه إذا عدلت بينة كل واحد منهما، و ليس في أيديهما، و أما إذا كان في أيديهما فهو فيما بينهما نصفان، و إن كان في يد أحدهما فالبينة فيه على المدعي و اليمين على المدعى عليه» (2).

السادس: صحيح الحلبي قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن رجلين شهدا على أمر، و جاء آخران فشهدا على غير ذلك فاختلفوا؟ قال عليه السلام: يقرع بينهم فأيهم قرع فعليه اليمين، و هو أولى بالحق» (3).

السابع: موثق سماعة (4)، قال: «إن رجلين اختصما إلى علي عليه السلام في دابة، فزعم كل واحد منهما أنها نتجت على مذوده، و أقام كل واحد منهما بينة سواء في العدد، فأقرع بينهما سهمين فعلم السهمين، ثمَّ قال: (اللهم رب السماوات السبع و رب الأرضين السبع و رب العرش العظيم، عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم أيهما كان صاحب الدابة، و هو أولى بها، فأسألك أن يقرع و يخرج سهمه)، فخرج سهم أحدهما فقضى له بها»، و قريب منه خبر ابن سنان عنه أيضا (5).

الثامن: خبر تميم: «أن رجلين ادعيا بعيرا فأقام كل واحد منهما بينة فجعله أمير المؤمنين عليه السلام بينهما» (6).

التاسع: الرضوي: «فإذا ادعى رجل على رجل عقارا أو حيوانا أو غيره، و أقام بذلك بينة، و أقام الذي في يده شاهدين، فإن الحكم فيه أن يخرج الشي ء من يد مالكه الى المدعي، لأن البينة عليه» (7).

ص: 135


1- الوسائل: باب 12 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 14.
2- مستدرك الوسائل: باب 10 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 1.
3- الوسائل: باب 12 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 11 و 12.
4- الوسائل: باب 12 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 11 و 12.
5- الوسائل: باب 12 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 15 و 4.
6- الوسائل: باب 12 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 15 و 4.
7- مستدرك الوسائل: باب: 10 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 3.

.....

______________________________

العاشر: خبر زرارة: «رجل شهد له رجلان، بأن له عند رجل خمسين درهما، و جاء آخران فشهدا أن له عنده مائة درهم و كلهم شهدوا في موقف، قال عليه السلام: أقرع بينهم ثمَّ استحلف الذين أصابتهم القرعة باللّه إنهم يشهدون بالحق» (1).

الحادي عشر: خبر العطار: «في رجل كانت له امرأة، فجاء رجل بشهود شهدوا أن هذه المرأة امرأة فلان، و جاء آخران فشهدا أنهما امرأة فلان، فاعتدل الشهود و عدلوا، قال عليه السلام: يقرع بين الشهود فمن خرج اسمه فهو المحق، و هو أولى بها» (2).

الثاني عشر: خبر السكوني عن الصادق عن آبائه عليهم السلام: «أن عليا عليه السلام قضى في رجلين ادعيا بغلة، فأقام أحدهما شاهدين و الآخر خمسة، فقال عليه السلام: لصاحب الخمسة خمسة أسهم، و لصاحب الشاهدين سهمين» (3).

الثالث عشر: ما عن الصادق عليه السلام في خبر الثقفي: «في رجل ادعى على امرأة أنه تزوجها بولي و شهود، و أنكرت المرأة ذلك، فأقامت أخت هذه المرأة على رجل آخر البينة أنه تزوجها بولي و شهود، و لم يوقتا وقتا، أن البينة بينة الزوج، و لا تقبل بينة المرأة، لأن الزوج قد استحق بضع هذه المرأة و تريد أختها فساد النكاح، فلا تصدق و لا تقبل بينتها إلا بوقت قبل وقتها أو دخول بها» (4).

إلى غير ذلك من الأخبار، و لا وجه للعمل بكل واحد من هذه الأخبار مع قطع النظر عن جميعها، بل لا بد من رد بعضها إلى بعض، و مطلقاتها إلى مقيداتها، و متشابهاتها إلى محكماتها، و طرح نادرها و ضعافها، ثمَّ الأخذ بالمتحصل من الجميع، كما هو الشأن في جميع الأخبار المتعارضة الواردة في موارد كثيرة من الفقه، و يمكن حمل اختلاف هذه الأخبار على اختلاف

ص: 136


1- الوسائل: باب 12 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 7 و 8.
2- الوسائل: باب 12 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 7 و 8.
3- الوسائل: باب 12 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 10.
4- الوسائل: باب 12 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 13.

.....

______________________________

الخصوصيات بالموضوع التي لا يضبطها ضابطة كلية، و حينئذ تسقط هذه الأخبار عن الاستدلال في كل مورد. و لا بد أولا من بيان أمور:

الأول: قد بينا في الأصول أن التعارض بين الأمارة- بيّنة كانت أو غيرها- لا يوجب سقوطها مطلقا، بل هي باقية على الحجية الاقتضائية في نفي الثالث و إعمال المرجحات، و إنما الساقط هي الحجية الفعلية فقط في مورد المعارضة، فالفعلية بالمعارضة ساقطة لا الواقعية الاقتضائية.

الثاني: اصطلحوا على البينة تارة: بالداخلية، و هي بينة ذي اليد المتشبثة بها، و الخارجية أخرى: و هي غير المتشبثة بها، و المشهور بين الفقهاء أنه عند تعارض البينة الداخلية و الخارجية، تقدم البينة الخارجية و تلغى البينة الداخلية، و ادعوا على ذلك الإجماع، و تمسكوا بخبر منصور عن الصادق عليه السلام: «رجل في يده شاة فجاء رجل فادعاها، فأقام البينة العدول أنها ولدت عنده و لم يهب و لم يبع، و جاء الذي في يده بالبينة مثلهم عدول أنها ولدت عنده و لم يهب و لم يبع، فقال عليه السلام: حقها للمدعي، و لا أقبل من الذي في يده بينة، لأن اللّه تعالى أمر أن يطلب البينة من المدعي، فإن كانت له بينة و إلا فيمين الذي هو في يده، هكذا أمر اللّه عزّ و جل» (1)، و ما يدل على تقديم بينة الداخل (2)، محمول أو مطروح.

الثالث: الترجيح في الأمارات المتعارضة- بينة كانت أو غيرها- في الجملة من الفطريات العقلائية في شؤونهم العرفية و الاجتماعية، فما ورد في ترجيح الأخبار المتعارضة- كما بيناه في الأصول- و البينات المتعارضة كما في المقام ليس أمرا تعبديا، بل من العرفيات الدائرة بين أهل العرف، و منه يعلم صحة التعدي من المرجحات المنصوصة إلى كل ما يراه ثقات أهل الخبرة مرجحا، و يعتمد عليه في الترجيح.

الرابع: بعد تحقق الترجيح في إحدى البيّنتين يعمل بها، لإطلاق ما دل

ص: 137


1- الوسائل: باب 12 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 14.
2- الوسائل: باب 12 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 5 و 3.

و لكن الأحوط التصالح و التراضي مطلقا (7)، و إن كان في يد أحدهما و قلنا بترجيح اليد الداخلة يكون له (8)، و إلا فيصير كما لا يد عليه، و المورد يختلف باختلاف الخصوصيات و القرائن التي لا بد من إحاطة الحاكم الحاضر للخصومة بها (9).

مسألة 4: لو شهدت إحدى البينتين بالملك الفعلي و الأخرى بالملك سابقا

(مسألة 4): لو شهدت إحدى البينتين بالملك الفعلي و الأخرى بالملك سابقا مع عدم تضمن شهادتها للملك الفعلي، تقدم البينة على الملك الفعلي (10)،

______________________________

على حجية البينة، و لا يحتاج إلى التحليف حينئذ، فما في بعض الأخبار من الاحتياج إليه (1)، لا بد من حمله على الندب أو طرحه.

الخامس: الظاهر شمول حكم تعارض البيّنتين لما إذا كان مورده عينا أو دينا أو حقا، و إن كان مورد جملة من الأخبار هو الأول- كما عرفت- و لكن المعلوم أنه من باب الغالب لا الخصوصية.

السادس: الفرق بين التعارض في المقام. و ما ورد في الأخبار المتعارضة، أن الثاني بعد التكافؤ من كل جهة ورد فيه التخيير، بخلاف المقام إذ لم يحتمل أحد تخيير الحاكم بل لا بد من الرجوع إلى القرعة حينئذ أو التنصيف، بحسب الخصوصيات المحفوفة بالمقام، أو مما يفيض اللّه تعالى علم الفراسة لمن يشاء.

(7) لما عرفت من كثرة الاختلاف في الأدلة.

(8) لكونها مرجحة حينئذ على غيرها.

(9) لأن الحاضر يرى ما لا يراه الغائب، كما هو المرتكز في الأذهان.

(10) لوجود المقتضي و عدم المانع، بعد فرض عدم تضمن شهادة السابق

ص: 138


1- الوسائل: باب 12 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 2.

و لو تضمنت شهادة السابق أو الأسبق للملك الفعلي أيضا يعمل بالقرائن الموجبة للاطمئنان بتقديم إحداهما (11).

مسألة 5: إذا ادعى شيئا لا يد لأحد عليه

(مسألة 5): إذا ادعى شيئا لا يد لأحد عليه، و أقام بينة عند حاكم فحكم له و ادعاه شخص آخر و أقام بينة عند حاكم آخر فحكم له، لا بد حينئذ من تجديد أصل المرافعة عند أحدهما- أو عند حاكم آخر- مع بيان التفصيل (12).

مسألة 6: لا فرق في تعارض البينات بين أن يكون التخاصم بين اثنين أو أكثر، و تكون لكل واحد منهم بينة

(مسألة 6): لا فرق في تعارض البينات بين أن يكون التخاصم بين اثنين أو أكثر، و تكون لكل واحد منهم بينة (13).

______________________________

للملكية الفعلية.

(11) لفرض انحصار الأمر في حصول الظن الاجتهادي الفقهي في ذلك، و نسب إلى المشهور تقديم الأسبق لسبقه، و هو على إطلاقه مشكل، و أما صحيح عبد اللّه بن سنان عن علي عليه السلام: «كان إذا اختصم إليه الخصمان في جارية، فزعم أحدهما أنه اشتراها، و زعم الآخر أنه أنتجها، فكانا إذا أقاما البينة جميعا، قضى بها للذي أنتجت عنده» (1)، فهو من القرينة على ترجيح بينة المنتج، لأن الإنتاج قرينة عرفية على تقديم بينة المنتج. و مع عدم وجود القرينة يحكم بالقرعة، و الاحتياط في التصالح و التراضي.

(12) لعدم تحقق فصل الخصومة بعد، و لا بد من الاستئناف حينئذ.

(13) لجريان جميع ما تقدم فيها، فلا وجه للإعادة بالتكرار.

ص: 139


1- الوسائل: باب 12 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 15.

الفصل الثامن في أقسام وصول حكم قاض إلى قاض آخر

اشارة

الفصل الثامن في أقسام وصول حكم قاض إلى قاض آخر

مسألة 1: لا يعتبر حكم الحاكم و لا أثر له إلا بالإنشاء لفظا

(مسألة 1): لا يعتبر حكم الحاكم و لا أثر له إلا بالإنشاء لفظا، فلا عبرة بالإنشاء كتبا (1)، فلو كتب حاكم إلى حاكم آخر الحكم و أراد الإنشاء بالكتابة لا يجوز للثاني إنفاذه (2)، حتى مع علمه بأن الكتابة له و علم بقصده أيضا (3).

مسألة 2: وصول حكم الحاكم بعد تحقق إنشائه خارجا إلى حاكم آخر إما بالكتابة أو القول

(مسألة 2): وصول حكم الحاكم بعد تحقق إنشائه خارجا إلى حاكم آخر إما بالكتابة أو القول.

أما الأولى:- بأن يكتب إلى حاكم آخر حكمه- فلا عبرة بها و إن علم أن الكتابة منه (4).

______________________________

(1) للأصل، و الإجماع، و النص، فعن علي عليه السلام في خبر السكوني: «أنه كان لا يجيز كتاب قاض إلى قاض في حد و لا غيره، حتى ولّيت بنوا أمية فأجازوا بالبينات» (1)، و مثله غيره.

(2) لأنه باطل، و لا يجوز إنفاذ الباطل بالضرورة.

(3) لإطلاق ما مر من الدليل الشامل لهذه الصورة أيضا، و لكن في إطلاق الحكم تأمل، لأنه يمكن أن يقال إن المتيقن من إجماعهم و المنصرف من النص- على فرض اعتباره- غير صورة اليقين بحكمه بكل جهة.

(4) لما مر من الأصل، و الإجماع، و النص، و قلنا إن في إطلاقه تأمل.

ص: 140


1- الوسائل: باب 28 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 1.

أما الثاني .. فتارة: يكون شهادة على إنشائه السابق فقط.

و أخرى: يكون بحضور الثاني.

و ثالثة: يكون بالبينة.

ففي الاولى: لا يقبل إلا بشهادة عادل آخر (5)، و أولى بذلك ما إذا قال ثبت عندي كذا (6).

و في الثانية: (7) يجب إنفاذه و إن كان خارجا عن المقام موضوعا (8).

و أما الثالثة: فيجب الإنفاذ على الحاكم الآخر (9)، و كذا إن علم حكم الحاكم بالتواتر أو إقرار المتخاصمين أو القرائن القطعية (10).

______________________________

(5) أما عدم قبول قول نفسه، فللأصل بعد عدم دليل يدل عليه من عقل أو نقل. و أما القبول مع ضم شاهد آخر، فلما دلّ على اعتبار البينة و قبولها الشامل بعمومه و إطلاقه للمقام أيضا.

(6) لعدم كونه حكما حتى يجب إنفاذه، و يحرم ردّه بل هو إخبار عن موضوع خارجي، ربما يكتفى فيه بقول الثقة أيضا، كما في جملة من الموضوعات الخارجية.

(7) أي ما إذا كان الحاكم الثاني حاضرا في مجلس حكم الحاكم الأول عند إنشائه.

(8) أما خروجه الموضوعي عن المقام، لأن إنشاء الحكم لدى الحاكم الثاني شي ء، و إيصال الحكم المنشأ إليه شي ء آخر، و هما موضوعان مختلفان لغة و عرفا و شرعا. و أما وجوب إنفاذه، فلما دلّ على وجوب إنفاذ حكم الحاكم الجامع للشرائط، الشامل بعمومه و إطلاقه للمقام أيضا.

(9) لحجية البينة شرعا، الشامل عموم حجيتها للمقام أيضا.

(10) لحجية التواتر الموجب للقطع عند العقلاء، و كذا القرائن المعتبرة الموجبة للعلم، و تقدم في كتاب الإقرار أيضا حجيته، إذا صدر من أهله و في محله.

ص: 141

مسألة 3: كل حاكم جامع للشرائط إذا حكم بحكم كذلك يجب إنفاذه و يحرم رده

(مسألة 3): كل حاكم جامع للشرائط إذا حكم بحكم كذلك يجب إنفاذه و يحرم رده (11)، سواء وصل ذلك إلى الحاكم الثاني أو لا (12)، و لا أثر للوصول إلى الحاكم الثاني في ذلك (13)، و إنما يظهر أثره في إبلاغ حكم الحاكم الأول إلى الأطراف لو كان بسط يد الحاكم الثاني أكثر من الأول، أو في التأكيد و التثبت و نحوها (14).

مسألة 4: يجب الإنفاذ- على ما مر- مطلقا

(مسألة 4): يجب الإنفاذ- على ما مر- مطلقا (15)، إلا في الثبوت بالبينة فلا ينفذ بها من هذه الجهة (16)،

______________________________

(11) إجماعا من المسلمين، و نصوصا منهم، منها قول أبي عبد اللّه عليه السلام:

«.. فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه، فإنما استخف بحكم اللّه، و علينا رد، و الرادّ علينا الرادّ على اللّه، و هو على حد الشرك باللّه» (1).

(12) لإطلاق الأدلة، و عمومها الشامل لكل منهما، مضافا إلى الإجماع.

(13) للأصل، و ظهور الإطلاق، و الاتفاق، إلا في موارد تأتي إليها الإشارة.

(14) لأنه بعد ترتب وجوب الإنفاذ و حرمة الرد على إنشاء حكم الأول، لا بد من وجود أثر للإنهاء إلى الثاني، و أثره إما تقوية الحكم إن كان الثاني أقوى من الأول عند الناس، أو نشره في الأطراف إن كان أبسط يدا من الأول، أو إجبار الناس على العمل به إن كان أقدر، أو غير ذلك مما يتصور.

(15) سواء كان في حقوق اللّه تعالى، أم حقوق الناس، لعموم الدليل الشامل لكل منهما.

(16) لدعوى الإجماع من الفقهاء، و سيرتهم العملية على التفرقة بينهما من هذه الجهة.

ص: 142


1- الوسائل: باب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث: 1.

و أما من حيث أقامه الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فيجوز الإنفاذ بها أيضا (17)، و يعتبر في البينة هنا كل ما يعتبر في سائر الموارد (18)، من الشرائط و شهودها بأن الحاكم حكم بذلك (19)، و يكفي علمهما بذلك (20).

مسألة 5: لو أخبر الحاكم الأول بخصوصيات المتخاصمين

(مسألة 5): لو أخبر الحاكم الأول بخصوصيات المتخاصمين و تمام جهاتهما و تمام ما يتعلق بمجلس الحكم و شرائط تحققه إلى حاكم آخر لا يكفي إلا بضم بينة أخرى تشهد كذلك (21).

مسألة 6: لا فرق فيما مر بين ثبوت الحكم لدى الحاكم الأول بالحلف أو بالبينة أو بشاهد واحد و يمين

(مسألة 6): لا فرق فيما مر بين ثبوت الحكم لدى الحاكم الأول بالحلف أو بالبينة أو بشاهد واحد و يمين و لا بين حكمه على الحاضر و الغائب (22)، و لا بد في الجميع من ضبط تمام الخصوصيات و الجهات الجزئية و إيصالها إلى الحاكم الثاني (23).

______________________________

(17) لإطلاق أدلة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و عمومها الشامل لهذه الصورة.

(18) لعموم أدلة اعتبار تلك الشرائط، و إطلاقها الشامل للمقام و غيره.

(19) للأصل، و الإطلاق، و الإجماع.

(20) كما في سائر الموارد، لأن للعلم حجية ذاتية، و تشمله جميع الأدلة.

(21) لأصالة عدم الاعتبار إلا ما خرج بالدليل، و لم يخرج منه إلا البينة.

نعم لو حصل العلم للحاكم للحاكم الثاني بحكم الأول من هذه الجهات و الخصوصيات، فله العمل بعلمه، و يمكن أن يجمع بين الكلمات بذلك، فراجعها تجدها متشتتة و مختلفة.

(22) لإطلاق الأدلة، و عمومها الشامل لجميع ما يتصور من الفروض في المقام، من غير دليل على الخلاف.

(23) لفرض أنه كمرآة يحكي عن الأول، و كأنه وقعت المخاصمة لدى الثاني بجميع الجهات و الخصوصيات، كما في نقل جميع القضايا التي تترتب

ص: 143

مسألة 7: يجب على الحاكم الثاني إيقاف الحكم لو لم يتضح له الأمر و لو بجزئي من جزئياتها

(مسألة 7): يجب على الحاكم الثاني إيقاف الحكم لو لم يتضح له الأمر و لو بجزئي من جزئياتها (24)، فلا بد له من استبانته لجميع ذلك بحجة معتبرة (25).

مسألة 8: لا فرق فيما مر بين بقاء الحاكم الأول على حياته أو موته

(مسألة 8): لا فرق فيما مر بين بقاء الحاكم الأول على حياته أو موته و لا بين بقاء كل الشرائط و بين زوال بعضها لعروض جنون أو نسيان (26). نعم لو ظهر فسق الحاكم الأول بعد إنشاء الحكم جامعا للشرائط حين الإنشاء فالأحوط للحاكم الثاني استئناف النظر (27).

مسألة 9: لو أقرّ المدعى عليه عند الحاكم الثاني بأنه المحكوم عليه

(مسألة 9): لو أقرّ المدعى عليه عند الحاكم الثاني بأنه المحكوم عليه و هو المشهود عليه ألزمه الحاكم (28)،

______________________________

عليها الآثار على جميع أجزائها و جزئياتها.

(24) لأنه مع عدم الاتضاح يكون من الحكم بغير ما أنزل اللّه تعالى، و هو محرم بالأدلة الأربعة، كما تقدم.

(25) لاعتبار ذلك في تنفيذ كل حكم إلهي، عقلا و نقلا.

(26) للعموم، و الإطلاق، و الأصل، الدال كل ذلك على اعتبار الحكم بعد صدوره جامعا للشرائط، فيجب تنفيذه، و يحرم نقضه إلا أن يعلم أن الحكم كان لمصلحة وقتية لا دائمية.

(27) لما نسب إلى جمع من بطلان أصل الحكم بظهور الفسق، و لكن لا دليل لهم من عقل، أو نقل، بل ظاهر الأصل، و العموم، و الإطلاق على الخلاف، إلا إذا ثبت أن ثبوت الفسق كان حين إنشاء الحكم، و حينئذ لا فرق بينه و بين سائر الموانع. لو ثبت كونها حين الإنشاء.

(28) لوجود المقتضي لذلك بإقراره، و فقد المانع عنه، فلا بد له من إلزامه به.

ص: 144

و لو أنكر و كان شهادة الشهود على عينه لم يسمع إنكاره و الزم به (29)، و كذا لو شهد الشهود بالأوصاف الملازمة له عند العرف بحيث يوجب حصول الاطمئنان العادي به (30)، و إن لم يكن من هذا و لا ذاك يقبل قوله بيمينه و على المدعي إقامة البينة بأنه هو (31).

______________________________

(29) للإجماع، و لأنه إنكار بعد تمامية الحجة من كل جهة على الثبوت، إلا إذا رجع قوله إلى جرح الشهود، فلا بد له حينئذ من إثبات الجرح في الشهود حين الشهادة.

(30) لظهور الإجماع، و حجية الظواهر الموجبة للاطمئنان عند العقلاء، ما لم يعلم الخلاف.

(31) أما أن القول قوله بيمينه، فلفرض عدم ثبوت ذلك بالنسبة إليه بعد، فمقتضى الأصل عدم كونه هو المشهود عليه، فيقبل قوله باليمين، و أما أن على المدعي إقامة البينة، فلأصالة عدم قبول كل دعوى إلا بحجة معتبرة، و إن استظهر من القرائن أن الحكم كان على المتهم، يبطل الحكم من أصله لذلك، كما مر.

ص: 145

الفصل التاسع في المقاصّة و ما يتعلق بها

اشارة

الفصل التاسع في المقاصّة و ما يتعلق بها و هي جائزة (1) بشروطها الآتية.

______________________________

و هي بمعنى الاقتفاء و الأخذ.

(1) بالأدلة الأربعة، فمن الكتاب آيات، منها قوله تعالى فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ (1)، و منها قوله تعالى فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ (2)، و منها قوله تعالى وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها (3)، و غيرهما من الآيات المباركة، و من السنة أخبار مستفيضة منها صحيح أبي بكر:

«قلت له: رجل لي عليه دراهم فيجحدني، و حلف عليها، أ يجوز لي إن وقع له قبلي دراهم أن آخذ منه بقدر حقي؟ قال: نعم» (4)، و منها خبر جميل (5): «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل يكون له على الرجل الدين فيجحد، فيظفر من ماله بقدر الذي جحده، أ يأخذه و إن لم يعلم الجاحد بذلك؟ قال: نعم»، إلى غير ذلك من الأخبار، و من الإجماع إجماع المسلمين، و من العقل قاعدة السلطنة على أموالهم، و بعد امتناع وصول المالك إلى العين، يسلط على نفس المالية عقلا.

ص: 146


1- سورة البقرة: 194.
2- سورة النحل: 126.
3- سورة الشورى: 40.
4- الوسائل: باب 83 من أبواب ما يكتسب به.
5- الوسائل: باب 83 من أبواب ما يكتسب به.

مسألة 1: يعتبر في المقاصة ثبوت أصل الحق شرعا

(مسألة 1): يعتبر في المقاصة ثبوت أصل الحق شرعا، و تحقق المطالبة من صاحبه، و جحود من عليه الحق أو مماطلته، و أن لا يكون المال المقتص منه مورد حق آخر (2).

مسألة 2: لا تجوز المقاصة إن لم يجحد الطرف أو لم يماطل عن الأداء عند المطالبة

(مسألة 2): لا تجوز المقاصة إن لم يجحد الطرف أو لم يماطل عن الأداء عند المطالبة (3).

مسألة 3: تجوز المقاصة بلا فرق بين أن يكون الحق على غيره من عين أو دين أو منفعة

(مسألة 3): تجوز المقاصة بلا فرق بين أن يكون الحق على غيره من عين أو دين أو منفعة أو مطلق الحق إذا كان جاحدا أو مماطلا (4)، و كذا لو كان غاصبا و أنكر لنسيانه (5).

مسألة 4: لو كان المقتص منه منكرا لاعتقاده الحقية أو كان لا يدري بحقية المدعي فلا تجوز المقاصة حينئذ

(مسألة 4): لو كان المقتص منه منكرا لاعتقاده الحقية أو كان لا يدري بحقية المدعي فلا تجوز المقاصة حينئذ (6).

مسألة 5: لا يجوز للمالك المقاصة من مال المقتص منه مع تمكنه من أخذ عين ماله

(مسألة 5): لا يجوز للمالك المقاصة من مال المقتص منه مع تمكنه من أخذ عين ماله (7)، و مع عدم إمكان ذلك جاز له المقاصة من ماله الآخر (8)،

______________________________

(2) لما تقدم من الأخبار، مضافا إلى الإجماع، و أصالة عدم جواز التصرف في مال الغير، إلا بعد تحقق ما مر من الشرائط.

(3) بضرورة من الدين، بل عند العقلاء أجمعين، و سيأتي حكم الشك في الجحود أو المماطلة في مسألة 18.

(4) أما أصل الجواز، فلما مر من الأدلة الأربعة، و أما التعميم للعين و الدين و المنفعة و مطلق الحق، فلظهور الإطلاق، و الاتفاق.

(5) لوجود المقتضي لها و فقد المانع عنها، فتشملها الإطلاقات، و العمومات.

(6) للأصل، بعد الشك في شمول الأدلة لهذه الصورة.

(7) للأصل، و الإجماع، و ظواهر الأدلة.

(8) لإطلاق الأدلة، و عمومها الشامل لهذه الصورة.

ص: 147

فإذا كان من جنس ماله يصح له الأخذ بمقداره و إن لم يكن كذلك يصح الأخذ بقدر قيمته، و إن لم يمكن المقاصة إلا ببيعه جاز له البيع و أخذ مقدار قيمة ماله (9). ورد الزائد من حقه (10)، و لو تلف الزائد في يده من غير إفراط و تفريط و لا تأخير في الرد لم يضمن (11)، و إلا ضمن (12).

مسألة 6: إذا توقف أخذ حقه على التصرف في الزائد من حقه جاز

(مسألة 6): إذا توقف أخذ حقه على التصرف في الزائد من حقه جاز (13).

مسألة 7: لو كان المطلوب مثليا يقتص بالمثل مع الإمكان على الأحوط

(مسألة 7): لو كان المطلوب مثليا يقتص بالمثل مع الإمكان على الأحوط (14)، و مع عدمه يقتص من غيره بالقيمة (15).

______________________________

(9) كل ذلك لظهور الإطلاق، و الاتفاق، الشاملين لجميع هذه الصور، و هو يقتضي الإذن الشرعي في البيع إن اقتضته الحاجة و الضرورة، لأن الإذن في الشي ء إذن في لوازمه.

(10) لأصالة بقاء الزائد على ملك مالكه، و عدم جواز التصرف في ذلك إلا بما أذن له الشارع، و مقتضى قاعدة اليد ذلك أيضا.

(11) لأن صاحب الحق أمين شرعي حينئذ، و الأمين لا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط، كما مر في كتاب الرهن و الوديعة و غيرهما مكررا.

(12) لقاعدة اليد بعد عدم دليل على الخلاف.

(13) لأن ذلك من اللوازم العرفية للمقاصة مع الاحتياج إليه، فيشمل الإذن فيه أيضا.

(14) لإطلاق أدلة المثلية في المثل و القيمة في القيميات، و لكن يمكن الإشكال في المثلية بأن موردها الضمانات- اختيارية كانت أو لا- ففي شمولها لمثل الاقتصاص إشكال، إذ المناط فيه تدارك أصل المال مطلقا، و لذلك عبرنا بالاحتياط.

(15) لأصالة عدم حق المقاصة إلا بذلك، و التمسك بالإطلاقات تمسك

ص: 148

مسألة 8: تجوز المقاصة و لو استلزمت المشقة على صاحب الحق

(مسألة 8): تجوز المقاصة و لو استلزمت المشقة على صاحب الحق (16)، و لا يجوز إن استلزم ضررا على المقتص منه (17)، و في دخول داره بغير إذنه يبنى على الاسترضاء منه على الأحوط (18).

مسألة 9: تجوز المقاصة لو كان الحق دينا و كان المديون جاحدا أو مماطلا

(مسألة 9): تجوز المقاصة لو كان الحق دينا و كان المديون جاحدا أو مماطلا و إن أمكن الأخذ منه بالرجوع إلى الحاكم (19).

مسألة 10: لو تمكّن من أخذ حقه من دون بيع أموال المقتص منه لا يجوز له بيعها

(مسألة 10): لو تمكّن من أخذ حقه من دون بيع أموال المقتص منه لا يجوز له بيعها (20)، كما لو تمكن من إجارتها لاستيفاء ماله من مال الإجارة لا يجوز له بيعها كذلك (21).

______________________________

بالدليل في الموضوع المشكوك، و أما مع عدم التمكن عرفا فيصح مطلقا، تمسكا بالإطلاق حينئذ.

(16) لأنها حصلت من نفسه لنفسه، و من إقدامه عليها.

(17) لحديث نفي الضرر و الضرار (1)، بعد عدم كون أدلة المقاصة واردة في مقام البيان من هذه الجهة، حتى نتمسك بإطلاقها.

(18) يمكن أن يقال: إن ذلك من اللوازم العرفية للمقاصة، فالإذن فيها إذن شرعي في ذلك عرفا، لكن الأحوط ما ذكرناه.

(19) لإطلاق الأدلة- كما تقدم- الشامل لصورتي إمكان الرجوع إلى الحاكم، و عدمه.

(20) لأصالة عدم الولاية له على ذلك، و أصالة عدم الإذن له فيه.

(21) للشك في شمول الإذن في البيع حينئذ، فيرجع إلى أصالة عدم جواز التصرف في مال الغير.

ص: 149


1- الوسائل: باب 12 من أبواب إحياء الموات.

مسألة 11: الأحوط وجوبا عدم جواز المقاصة من المال الذي عنده وديعة

(مسألة 11): الأحوط وجوبا عدم جواز المقاصة من المال الذي عنده وديعة (22).

______________________________

(22) للأصل، و العموم الدال على عدم جواز التصرف في الوديعة و تشديد الأمر فيه، و خصوص صحيح ابن عمار عن الصادق عليه السلام قال: «قلت له:

الرجل يكون لي عليه حق فيجحدنيه، ثمَّ يستودعني مالا، ألي أن آخذ مالي عنده؟ قال عليه السلام: لا، هذه الخيانة» (1)، و في خبر فضيل بن يسار (2)، قال: «كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام و دخلت امرأة و كنت أقرب القوم إليها، فقالت لي: اسأله، فقلت:

عما ذا؟ فقالت: إن ابني مات و ترك مالا كان في يد أخي فأتلفه، ثمَّ أفاد مالا فأودعنيه، فلي أن آخذ منه بقدر ما أتلف من شي ء؟ فأخبرته بذلك، فقال عليه السلام:

لا، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، و لا تخن من خانك».

و لكن نسب إلى المشهور الجواز للعمومات، و الإطلاقات المتقدمة، و حديث نفي الضرر (3)، و صحيح أبي العباس البقباق: «أن شهابا ما رآه في رجل ذهب له بألف درهم و استودعه بعد ذلك ألف درهم، قال أبو العباس فقلت له:

خذها مكان الألف التي أخذ منك، فأبى شهاب، قال فدخل شهاب على أبي عبد اللّه عليه السلام فذكر له ذلك، فقال عليه السلام: أما أنا فأحب أن تأخذ و تحلف» (4)، و في خبر علي بن سليمان قال: «كتبت اليه: رجل غصب مالا أو جارية، ثمَّ وقع عنده مال بسبب وديعة أو قرض، مثل خيانة أو غصب، أ يحل له حبسه عليه أم لا؟

فكتب: نعم، يحل له ذلك إن كان بقدر حقه، و إن كان أكثر فيأخذ منه ما كان عليه، و يسلم الباقي إليه إن شاء اللّه»(5).

و فيه: أن الأول و الثاني و الثالث من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية،

ص: 150


1- الوسائل: باب 83 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 11 و 3.
2- الوسائل: باب 83 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 11 و 3.
3- الوسائل: باب 12 من أبواب إحياء الموات.
4- الوسائل: باب 83 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 2 و 9.
5- الوسائل: باب 83 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 2 و 9.

مسألة 12: لا تجوز المقاصة في صورة عدم علمه بالحق

(مسألة 12): لا تجوز المقاصة في صورة عدم علمه بالحق (23)، فإذا كان له دين و احتمل أداءه يرجع إلى الحاكم و كذا مع جهل المديون (24).

مسألة 13: إذا كان حق الاقتصاص ثابتا شرعا تبرأ ذمة المقتص منه

(مسألة 13): إذا كان حق الاقتصاص ثابتا شرعا تبرأ ذمة المقتص منه (25)، سواء كان ذلك بالمثل أم القيمة و إذا تمكّن بعد ذلك من العين يأخذها و يرد ما أخذه إلى المالك (26).

مسألة 14: إذا كان المال مشتركا بين المديون و غيره لا يجوز التقاص منه إلا برضا شريكه

(مسألة 14): إذا كان المال مشتركا بين المديون و غيره لا يجوز التقاص منه إلا برضا شريكه (27)،

______________________________

بل استنكار العرف لذلك واضح، و أما صحيح البقباق و خبر سليمان فيمكن أن يحمل على إذن الشارع فيهما بالخصوص، و احتمال كونه من الحكم الذي يشمل الجميع أول الكلام.

(23) لأصالة عدم ثبوت هذا الحق إلا أن يدل عليه دليل بالخصوص، و هو مفقود.

(24) لما يستفاد من مجموع أدلة صحة التقاص أن موردها ما إذا ثبت بحجة شرعية، لا مجرد الأصول المعذرة، فلا بد من الرجوع إلى الحاكم الشرعي، كما سيأتي في مسألة 41.

(25) لأن جعل الاقتصاص شرعا طريق إلى براءة الذمة، و مقتضى المرتكزات أن هذا نحو معاوضة قهرية، قررها الشارع تسهيلا على الأمة، و لا يفرقون في ذلك بين المثل و القيمة.

(26) لكشف ذلك أن المعاوضة كانت ما دامية لا دائمية، فتنفسخ المعاوضة قهرا، و يدخل كل عوض في ملك مالكه.

و توهم: أن ذلك مناف للإطلاق، و الأصل.

(غير صحيح) للشك في أصل الموضوع، فكيف يرجع إلى الإطلاق، و الاستصحاب؟! فإذا احتمل أنه ما دامي، لا وجه للرجوع إليهما للشبهة الموضوعية.

(27) لعدم جواز التصرف في مورد حق الغير و ماله- بالأدلة الأربعة كما

ص: 151

فلو أخذ أثم و إن وقع التقاص (28).

مسألة 15: لو اقتص من المال المشترك المشاع صار شريكا مع الشركاء

(مسألة 15): لو اقتص من المال المشترك المشاع صار شريكا مع الشركاء إن كان المال بقدر حقه (29)، أو أقل منه، و إلا صار شريكا مع المديون و شريكه (30)، و يجوز له إفراز حصته مع رضا الشريك (31).

مسألة 16: إذا كان له الحق و لم يطالبه- حياء أو خوفا أو غير ذلك لا يصح له التقاص

(مسألة 16): إذا كان له الحق و لم يطالبه- حياء أو خوفا أو غير ذلك لا يصح له التقاص (32).

مسألة 17: يجوز الاحتساب عوضا عما عليه مقاصة إذا كان بقدره أو أقل

(مسألة 17): يجوز الاحتساب عوضا عما عليه مقاصة إذا كان بقدره أو أقل (33).

مسألة 18: إذا شك في أن غريمه جاحد و مماطل لا يجوز التقاص

(مسألة 18): إذا شك في أن غريمه جاحد و مماطل لا يجوز التقاص

______________________________

تقدم في كتاب الغصب- إلا برضاه.

(28) أما الإثم، فللتصرف في مورد حق الغير، و أما وقوع التقاص، فلفرض استيلائه على مال المقتص منه.

(29) لعدم تحقق الإفراز و القسمة بعد، فتتحقق الشركة لا محال بعد انتقال المال المقتص إلى صاحب الحق.

(30) لفرض كون بعض المال للمديون، و بعضه للشريك، فتتحقق الشركة معهما لا محالة.

(31) لوجود المقتضي لصحة الإفراز حينئذ، و فقد المانع عنها بعد رضاء الشركاء.

(32) للأصل في كل منهما، إلا إذا كان في البين دليل، و هو مفقود، لأن المنساق من الأدلة إنما هو فيما إذا ثبت الحق و جحد.

(33) لشمول إطلاق الدليل لكل طريق وصل إلى صاحب الحق حقه، و الاحتساب يعد من ذلك عرفا، و هذا من لوازم المقاصة الصحيحة الشرعية، و المفروض تحققها، فإذا كان بقدره يتهاتران، و لو كان أقل تبرأ الذمة بقدره، لشمول الإطلاقات لهذه الصورة، مضافا إلى ظهور الإجماع.

ص: 152

من ماله (34)، إلا إذا أحرز الجحود أو المماطلة (35).

مسألة 19: لا يصح التقاص من مال تعلق به حق الغير

(مسألة 19): لا يصح التقاص من مال تعلق به حق الغير (36).

مسألة 20: يعتبر في مورد التقاص أن يكون ذا حق

(مسألة 20): يعتبر في مورد التقاص أن يكون ذا حق (37)، فلا يصح لغير ذي الحق إلا الولي أو الوكيل عن ذي الحق أو الحاكم في مورد ولاية (38).

مسألة 21: إذا تبين أن ما أخذه مقاصة كان للغير

(مسألة 21): إذا تبين أن ما أخذه مقاصة كان للغير و لم يكن من أموال الغريم- يجب ردّه، و لو تلف حينئذ ردّ عوضه (39).

مسألة 22: لا يجوز لآحاد الفقراء و السادة المقاصة ممن عليه الزكاة أو الخمس

(مسألة 22): لا يجوز لآحاد الفقراء و السادة المقاصة ممن عليه الزكاة أو الخمس سواء كانا في ذمته أم في عين ماله (40)،

______________________________

(34) للأصل، و ظهور الدليل في مورد الجحود و المماطلة.

(35) لما مر من اعتباره سابقا، كما تقدم في مسألة 2.

(36) من الحقوق المانعة من التصرف- كما تقدم في كتاب البيع- كحق الغرماء في المال المجحود عليه، و مال الميت الذي ديونه أكثر من تركته، و حق الرهانة، و حق التحجير، و غيرها مما تعلق به حق الغير بالمورد، فلا يجوز التصرف في مورد حق الغير إلا بإذنه و رضاه، كما تقدم في كتاب الغصب و غيره.

(37) للأصل، و الإجماع، بل الضرورة الفقهية.

(38) إذ لا معنى للولاية العرفية أو الشرعية للصغير أو المجنون أو السفيه إلا ذلك.

نعم، في الوكيل لا بد و أن يكون وكيلا مفوضا، و أما الوكيل في جهة خاصة فليس له المقاصة، و أما الحاكم الشرعي، فإن مقتضى ولايته جواز المقاصة في مورد ولايته، إذ لا معنى للولاية إلا ذلك.

(39) لقاعدة اليد، مضافا إلى الإجماع، بل الضرورة الفقهية.

(40) للأصل، و عدم الولاية لهم على ذلك، مضافا إلى الإجماع.

ص: 153

إلا بإذن الحاكم الشرعي (41).

مسألة 23: يجوز للحاكم الشرعي التقاص في الأوقاف العامة

(مسألة 23): يجوز للحاكم الشرعي التقاص في الأوقاف العامة إذا لم تعرف لها متول و لا يجوز ذلك لغيره (42).

مسألة 24: لو ظهر بعد المقاصة الخطأ في ما ادعاه، يجب عليه رد ما أخذه

(مسألة 24): لو ظهر بعد المقاصة الخطأ في ما ادعاه، يجب عليه رد ما أخذه أو رد عوضه- مثلا أو قيمة- إذا تلف (43)، و عليه غرامة ما أضر الغريم بلا فرق بين الخطأ في الحكم أو الموضوع (44).

مسألة 25: في الأوقاف العامة التي يجوز للحاكم الشرعي التقاص فيها

(مسألة 25): في الأوقاف العامة التي يجوز للحاكم الشرعي التقاص فيها مع تحقق شرائطه يجوز له جعل ما أخذه تقاصا وقفا بنحو ما كان، فإذا رجع المأخوذ منه عن جحوده و مماطلته يرجع المأخوذ إلى صاحبه و يكون الوقف من المنقطع الآخر (45).

مسألة 26: إنما تتحقق المقاصة بالأخذ من مال الغريم

(مسألة 26): إنما تتحقق المقاصة بالأخذ من مال الغريم و لا تتحقق بمجرد النية (46).

______________________________

(41) لأن ذلك من الأمور الحسبية، التي لا إشكال في ولايته عليها، و قد تقدم التفصيل في كتاب الزكاة.

(42) أما غير الحاكم فللأصل، و أما الحاكم فلمكان ولايته كما تقدم.

(43) للإجماع، و لقاعدة اليد.

(44) لتحقق التسبيب منه، فيكون ضامنا لما تقدّم في سابقة.

(45) لإطلاق أدلة المقاصة الشامل للمقام أيضا، و احتمال انصرافها عنه بدوي و لا يعتنى به، و عموم ولايته على الأمور الحسبية التي يكون المقام منها، فتصح الوقفية إلى زمان رجوع العين الموقوفة، و بعده ترجع إلى المالك، و يكون من المنقطع الآخر حينئذ، و تقدم في كتاب الوقف صحته. و ما تقدم من التوهم في مسألة 13 جار هنا مع الجواب عنه، فلا وجه للتكرار.

(46) للأصل، و الإجماع، و ظواهر الأدلة، فإذا كان مال الغريم- كداره- في

ص: 154

مسألة 27: لا تتوقف صحة التقاص على إذن الحاكم الشرعي مطلقا

(مسألة 27): لا تتوقف صحة التقاص على إذن الحاكم الشرعي مطلقا (47).

مسألة 28: موضوع التقاص إنما هو قبل التخاصم لدى الحاكم الشرعي و فصله للخصومة

(مسألة 28): موضوع التقاص إنما هو قبل التخاصم لدى الحاكم الشرعي و فصله للخصومة، و أما بعده فلا تجوز المقاصة (48).

مسألة 29: لو تمكّن من المقاصة من جنس حقه، فالأحوط عدم الجواز من غير الجنس

(مسألة 29): لو تمكّن من المقاصة من جنس حقه، فالأحوط عدم الجواز من غير الجنس (49)،

______________________________

يده مثلا أو في يد شخص آخر، فنوى الغارم تملّكه بالتقاص لا يصير ملكا له.

نعم قد مر سابقا جواز احتساب الدين مقاصا، لشمول الإطلاقات له، و هو غير ما نحن فيه، لأنه نحو من الأخذ، و كذا لا تصح المقاصة ببيع ما بيد الغير من أموال الغريم بلا أخذ منه بعنوان التقاص.

(47) سواء كان من العين أم من بدلها، و كذا لو توقف على بيعها أو غيره من التصرفات، كل ذلك لظواهر الإطلاقات، و أصالة البراءة عن إذنه.

(48) إجماعا، و نصا، قال نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «ذهبت اليمين بدعوى المدعي فلا دعوى له» (1)، و عن الصادق عليه السلام: «ذهبت اليمين بحق المدعي فلا دعوى له» (2)، و تقدم في أول الكتاب ما يدل على ذلك، فلو اقتص بعد حكم الحاكم بعدمها، لم يملك للنهي، و لعدم الولاية على ذلك.

(49) اقتصارا في الحكم المخالف للأصل على المتيقن، بعد عدم إحراز العموم، و الإطلاق في الأدلة من هذه الجهة.

و توهم إمكان استفاد التعميم من إطلاق قول نبينا الأعظم لزوجة أبي سفيان- كما يأتي-: «خذي ما يكفيك من أمواله».

باطل، لأن إطلاق قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ليس في مقام البيان من هذه الجهة حتى

ص: 155


1- الوسائل: باب 9 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 2 و 1.
2- الوسائل: باب 9 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 2 و 1.

و لو لم يتمكن منه جاز له المقاصة من غير الجنس من أي نوع كان (50).

مسألة 30: يجوز للشريكين التقاص بقدر حقهما إذا غصب شخص مالا مشتركا بينهما

(مسألة 30): يجوز للشريكين التقاص بقدر حقهما إذا غصب شخص مالا مشتركا بينهما (51)، بلا فرق بين التقاص بالجنس أو بغيره (52)، و إذا أخذ أحدهما حقه لا يكون شريكا مع الآخر (53)، بل لا يجوز لكل واحد المقاصة لحق شريكه (54).

مسألة 31: تجوز للزوجة المقاصة من الزوج بمقدار نفقتها

(مسألة 31): تجوز للزوجة المقاصة من الزوج بمقدار نفقتها إن امتنع الزوج عن أدائها و لم يمكنها المراجعة إلى الحاكم الشرعي (55).

______________________________

يتمسك بإطلاقه، مع أن حكمه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من باب ولايته و إذنه.

(50) لشمول أدلة المقاصة لهذه الصورة بلا إشكال، فلو كان الحق عينا يجوز التقاص من المنفعة أو الحق، إذا تمكن منها، أو بالعكس، بعد فرض عدم التمكن من الجنس.

(51) لوجود المقتضي و فقد المانع في كل منهما، فتشمله الإطلاقات، و العمومات بلا محذور مدافع.

(52) لشمول العموم، و الإطلاق لكل منهما مع تحقق الشرط.

(53) للأصل، و اختصاص المقاصة بأحدهما دون الآخر، و ليس ذلك من وفاء الدين حتى تتحقق الشركة فيه.

(54) لعدم الولاية على ذلك، و أصالة عدم ثبوت هذا الحق له.

(55) لثبوت الحق، و تحقق الجحود، فيثبت موضوع المقاصة، و عن نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لزوجة أبي سفيان: «خذي ما يكفيك من أمواله» (1).

و أما نفقة الأقارب فإن قلنا انه من مجرد الحكم التكليفي فقط، فلا بد من الرجوع إلى الحاكم الشرعي، و لا تجوز المقاصة، و إلا فيجوز، و سيأتي في

ص: 156


1- سنن أبي داود باب: 79 من كتاب البيوع الحديث: 3532.

مسألة 32: تجوز المقاصة في جميع أقسام الحقوق المالية

(مسألة 32): تجوز المقاصة في جميع أقسام الحقوق المالية، فلو كان عنده وثيقة (أو صك) فغصبها، جاز له أخذ مثلها و بيعها و كذا في غير ذلك (56).

مسألة 33: لا يجوز التقاص من مستثنيات الدين إن لم يكن عنده غيرها

(مسألة 33): لا يجوز التقاص من مستثنيات الدين إن لم يكن عنده غيرها (57).

مسألة 34: لا تجوز المقاصة في مورد نسيان الغريم للمال رأسا

(مسألة 34): لا تجوز المقاصة في مورد نسيان الغريم للمال رأسا (58).

مسألة 35: لو كان صاحب الحق مديونا لشخص يجوز له أن يوكله

(مسألة 35): لو كان صاحب الحق مديونا لشخص يجوز له أن يوكله في أخذ حقه من الغريم الجاحد مقاصة (59).

مسألة 36: يستحب الدعاء بما ورد عند التقاص

(مسألة 36): يستحب الدعاء بما ورد عند التقاص (60)، و قيل يجب، و هو أحوط (61).

______________________________

النفقات بعض الكلام.

(56) للإطلاق، و ظهور الاتفاق الشامل لجميع ذلك، فيشمل ما لو كان الدين حاصلا من الاقتراض أو الضمانات أو الديات أو غير ذلك، فجحد الطرف و ماطل.

(57) لفرض أن الشارع استثناها من تعلق حق الديّان بها- كما تقدم في كتاب الدين- فلا موضوع للتقاص فيها حينئذ.

(58) لعدم صدق الجحود عرفا.

(59) للعموم، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق، كما مر.

(60) كما ورد في خبر الحضرمي عن الصادق عليه السلام: «اللهم إني آخذ هذا المال مكان مالي الذي أخذه مني، و إني لم آخذ الذي أخذته خيانة و لا ظلما» (1)، و قريب منه خبره الآخر (2).

(61) لذهاب جمع إلى الوجوب، منهم صاحب النافع، و الإيضاح.

ص: 157


1- الوسائل: باب 83 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 5 و 4.
2- الوسائل: باب 83 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 5 و 4.

مسألة 37: لو كان ثبوت الحق خلافيا بين المجتهدين لا يجوز المقاصة

(مسألة 37): لو كان ثبوت الحق خلافيا بين المجتهدين لا يجوز المقاصة و لا بد من الترافع إلى الحاكم الشرعي (62).

مسألة 38: يجوز التقاص في الدية، بخلاف القصاص و الحدود و التعزيرات

(مسألة 38): يجوز التقاص في الدية (63)، بخلاف القصاص و الحدود و التعزيرات، فلا بد فيها من المراجعة إلى الحاكم الشرعي (64).

مسألة 39: لو أبرأ الدائن حق الغريم عن الدين

(مسألة 39): لو أبرأ الدائن حق الغريم عن الدين، لا يجوز له التقاص بعد ذلك (65)، و لو شك في الإبراء يجوز له التقاص (66).

مسألة 40: لو بذل الغريم دينه بعد المقاصة و أراد المال الذي أخذ منه تقاصا

(مسألة 40): لو بذل الغريم دينه بعد المقاصة و أراد المال الذي أخذ منه تقاصا، لا يجب على المقاص القبول (67).

مسألة 41: لا ريب في ثبوت التقاص إذا ثبت الحق بالعلم أو الحجة الشرعية

(مسألة 41): لا ريب في ثبوت التقاص إذا ثبت الحق بالعلم أو الحجة الشرعية، و هل يثبت ذلك بالأصول المعتبرة؟ فيه إشكال (68).

______________________________

(62) لعدم ثبوت الحق بدون اتحاد نظر المقتص و من يقتص منه، فلا يتحقق موضوع المقاصة حينئذ، فلا بد من الترافع إلى الحاكم الشرعي ليفصل بينهما.

(63) لأنها من الحقوق المالية.

(64) لأن تعيينها من وظيفة الحاكم الشرعي، فلا يجوز للغير تصديها.

(65) لزوال الحق بالإبراء.

(66) لاستصحاب بقاء الحق، بعد عدم دليل على الخلاف.

(67) للشك في شمول ما دل على وجوب قبول الدين إذا دفعه المديون لمثل المقام، و قد تقدم التفصيل في كتاب الدين.

(68) لصحة دعوى ظهور الأدلة في الأولين.

ثمَّ إن المحقق و غيره من الفقهاء (رحمهم اللّه تعالى) تعرضوا لمسائل القسمة في المقام، و تعرضنا لها بعد كتاب الشركة (1)، فلا وجه للإعادة هنا.

ص: 158


1- راجع المجلد العشرين صفحة: 35.

خاتمة في اختلاف العقود و الإيقاعات

اشارة

خاتمة في اختلاف العقود و الإيقاعات

مسألة 1: لو اختلفا في صحة العقد و فساده

(مسألة 1): لو اختلفا في صحة العقد و فساده يقدّم قول مدعي الصحة إلا أن يثبت الخلاف (1).

مسألة 2: إذا اختلفا في الجواز و اللزوم يقدّم قول مدعي اللزوم

(مسألة 2): إذا اختلفا في الجواز و اللزوم يقدّم قول مدعي اللزوم (2).

مسألة 3: لو اختلفا في التسليم و عدمه يقدم قول منكره

(مسألة 3): لو اختلفا في التسليم و عدمه يقدم قول منكره (3).

مسألة 4: إذا اختلف المتبايعان في زيادة الثمن و نقيصته

(مسألة 4): إذا اختلف المتبايعان في زيادة الثمن و نقيصته، فمع تلف المبيع يقدم قول المشتري مع يمينه (4)، و مع بقائه يقدم قول البائع (5).

______________________________

(1) لأصالة الصحة المعمول بها في أبواب العقود، كما تقدم مكررا، فلا ملزم للتكرار.

(2) لأصالة اللزوم التي تقدم في أول كتاب البيع، إلا أن يثبت الخلاف، و المفروض عدمه.

(3) لأصالة عدم التسليم كما مر في باب التسليم، و لا حاجة للتكرار هنا خوفا من الإطالة.

(4) لأصالة عدم الزيادة في العوض عما يعترف المشتري به، إلا إذا ثبت بحجة شرعية، و المفروض عدمه.

(5) إجماعا، و نصا، ففي خبر البزنطي عن الصادق عليه السلام: «في الرجل يبيع الشي ء، فيقول المشتري: هو بكذا و كذا، بأقل مما قال البائع، فقال: القول قول

ص: 159

مسألة 5: لو اختلفا في المبيع بالأقل و الأكثر، يقدّم قول مدعي الأقل

(مسألة 5): لو اختلفا في المبيع بالأقل و الأكثر، يقدّم قول مدعي الأقل (6)، و إن كان من المتباينين فهو من التداعي (7).

مسألة 6: لو ادعى أحد المتعاقدين على الآخر شرطا و أنكره الآخر

(مسألة 6): لو ادعى أحد المتعاقدين على الآخر شرطا و أنكره الآخر، يقدم قول المنكر (8).

مسألة 7: إذا اتفقا على أصل العوض و اختلفا في أنه عوض العين حتى يكون بيعا، أو عوض المنفعة حتى تكون إجارة

(مسألة 7): إذا اتفقا على أصل العوض و اختلفا في أنه عوض العين حتى يكون بيعا، أو عوض المنفعة حتى تكون إجارة، يقدم قول مدعي الإجارة (9).

مسألة 8: لو اختلفا في عقد، فادعى من نقل عنه المال البيع، و ادعى المنقول إليه المال الهبة

(مسألة 8): لو اختلفا في عقد، فادعى من نقل عنه المال البيع، و ادعى المنقول إليه المال الهبة، يقدم قول مدعي الهبة (10)،

______________________________

البائع مع يمينه إذا كان الشي ء قائما بعينه» (1)، و في خبر عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إذا التاجران صدقا بورك لهما، فإذا كذبا و خانا لم يبارك لهما، و هما بالخيار ما لم يفترقا، فإن اختلفا فالقول قول رب السلعة، أو يتتاركا» (2).

(6) لأصالة عدم وقوع البيع على الأكثر.

(7) لأن كلا منهما يدعي خلاف ما يدعيه الآخر، فلا بد من إثبات كل منهما دعواه، و إلا يحكم بالانفساخ، أو القرعة، على ما فصلناه سابقا.

(8) للأصل، إلا أن يثبت المدعي دعواه بحجة معتبرة شرعية، هذا إذا كان الشرط شرطا مستقلا أو مرددا بين الأقل و الأكثر، و أما لو تردد بين المتباينين فيكون من التداعي، كما مر.

(9) لأصالة عدم نقل العين إلا بدليل معتبر، هذا إذا لم يرجع تقرير الدعوى إلى التداعي، و إلا فيجري عليه حكمه.

(10) لأصالة عدم اشتغال ذمة المنقول إليه بما يدعيه الناقل من العوض،

ص: 160


1- الوسائل: باب 11 من أبواب أحكام العقود الحديث: 1 و 2.
2- الوسائل: باب 11 من أبواب أحكام العقود الحديث: 1 و 2.

مع اليمين (11)، و لو انعكس فعلى مدعي الهبة الإثبات (12).

مسألة 9: إذا كان مال معين و ادعى كل واحد من الشخصين أنه اشتراه بماله من زيد و دفع إليه الثمن

(مسألة 9): إذا كان مال معين و ادعى كل واحد من الشخصين أنه اشتراه بماله من زيد و دفع إليه الثمن.

فتارة: يعترف البائع أن المال لأحدهما المعين فيكون له (13)، و للآخر إحلاف البائع (14).

و أخرى: يعترف لكل منهما فيحكم بالشركة حينئذ (15).

و ثالثة: يعترف لأحدهما بلا تعيين فيكون من المال الذي لا يد لأحد عليه، يقرع بينهما (16)،

______________________________

إلا إذا ثبت ذلك بالبينة، و لا تجري أصالة احترام مال الغير، لفرض عدم إحراز موضوعها، هذا كله في الهبة المجانية، و أما الهبة المعوضة، فكل منهما يعترفان بثبوت العوض اما لأجل البيع أو لأجل الهبة المعوضة.

نعم الآثار الخاصة في كل منهما تندفع بالأصل، لو لم يكن معارضا.

(11) لأنها لقطع الخصومة.

(12) لأصالة بقاء المال على ملكية المنقول إليه، و عدم زوالها إلا بحجة معتبرة، و المفروض عدمها.

(13) لأن اعتراف صاحب المال حجة عند العقلاء.

(14) لقطع الخصومة.

(15) لمقتضى اعتراف ذي اليد لكل منهما، بعد عدم معروفية وجود مالكين عرضين لمال واحد.

نعم، لو كانت قرينة في البين على أنه باع من أحدهما أولا، ثمَّ اشتراه منه و باعه الآخر، يكون للثاني حينئذ.

(16) لأنها لكل أمر مشكل، و المقام منه، و يحتمل التقسيط أيضا، كما مر في كتاب الوديعة، فلا وجه للإعادة.

ص: 161

هذا إذا لم تكن بينة في البين، و لو أقام كل منهما البينة على مدعاه فالترجيح لبينة من يعترف له صاحب المال، و لو أقام غير المقر له البينة دونه حكم له بالمال (17).

مسألة 10: لو اتفقا في الإذن في التصرف و اختلفا في وجهه

(مسألة 10): لو اتفقا في الإذن في التصرف و اختلفا في وجهه فادعى المالك أنه كان على وجه الإجارة و ادعى القابض أنه كان على وجه الوديعة يقدم قول المالك (18) و كذا في العكس (19).

مسألة 11: لو اختلف الزوجان في أن النكاح الواقع بينهما كان دائميا أو انقطاعيا يحكم بالأول

(مسألة 11): لو اختلف الزوجان في أن النكاح الواقع بينهما كان دائميا أو انقطاعيا يحكم بالأول (20)،

______________________________

(17) لأنها حجة شرعية أقوى من اعتراف صاحب المال، فيستكشف بها سقوط اعترافه عن الاعتبار.

و في المسألة فروض أخرى تعرضنا لها في أحكام تعارض اليد و البينة.

(18) لأصالة احترام المال، التي هي من الأصول العقلائية المقررة، و تقدم التفصيل في كتاب الإجارة (1).

(19) لاعتراف المالك بعدم عوض للمال.

(20) لأصالة عدم ذكر المدة بعد عدم كون النكاح الدائم و المنقطع من المتباينين، بل هما حقيقة واحدة تختلف في بعض الخصوصيات.

إن قيل: أولا أنهما متباينان، فتبطل الزوجية ما لم يثبت أحدهما بالحجة الشرعية، و ثانيا: أنه مثبت بالنسبة إلى الدوام.

قلنا: أما المتباينان، فقد مر في كتاب النكاح أنهما طبيعة واحدة تختلف في بعض الخصوصيات. و أما الإثبات، فلا وجه له، لأنا نقول: يترتب على الأصل المذكور وجوب النفقة و سائر الأحكام بلا واسطة.

ص: 162


1- راجع ج: 19 صفحة: 190.

سواء كان مدعي الدوام الزوج و مدعي الانقطاع الزوجة أو بالعكس (21).

مسألة 12: لو ادعى شخص زوجية امرأة و هي لا تعترف بها، و ادعى شخص آخر زوجيتها كذلك مع وجود البينة لكل منهما على دعواه

(مسألة 12): لو ادعى شخص زوجية امرأة و هي لا تعترف بها، و ادعى شخص آخر زوجيتها كذلك مع وجود البينة لكل منهما على دعواه، فلا بد من ملاحظة الترجيح في البينتين (22)، و مع التساوي يقرع بينهما (23)، و يحلف على الزوجية (24).

مسألة 13: لو ثبتت الزوجية باعتراف الزوجين و ادعى آخر زوجية المرأة

(مسألة 13): لو ثبتت الزوجية باعتراف الزوجين و ادعى آخر زوجية المرأة، فمع إقامة البينة لدعواه يحكم له بها (25)، و إلا يحلف أحدهما (26).

______________________________

هذا كله إذا لم تكن قرينة معتبرة على الخلاف، و إلا فتتبع القرينة بلا إشكال.

(21) لشمول الأصل لكل منهما.

(22) لما ذكرناه في الأصول من أن الأخذ بالراجح مطابق للقواعد العقلائية، و لا يختص بمورد دون مورد، مع أنه قد ورد عن علي عليه السلام في خبر عبد الرحمن عن الصادق عليه السلام: «كان علي عليه السلام إذا أتاه رجلان [يختصمان] بشهود عدلهم سواء و عددهم، أقرع بينهم على أيهما تصير اليمين- إلى أن قال- ثمَّ يجعل الحق للذي يصير عليه اليمين إذا حلف» (1).

(23) لتحقق الإشكال، و القرعة لكل أمر مشكل، كما مر.

(24) لما تقدم في الرواية السابقة، مع أنه لقطع الخصومة.

(25) لفرض حجية البينة بلا معارض.

(26) لفرض أنهما منكران لزوجية الآخر، فأي منهما حلف تسقط الدعوى، كما تقدم.

ص: 163


1- الوسائل: باب 12 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 5.

مسألة 14: لو اختلف الزوجان بعد العقد في أن الشرط المذكور في ضمنه مما لا يوجب الخيار أو مما يوجبه

(مسألة 14): لو اختلف الزوجان بعد العقد في أن الشرط المذكور في ضمنه مما لا يوجب الخيار أو مما يوجبه (27)، يقدم قول منكر الخيار (28).

مسألة 15: إذا اختلفت الورثة فقال بعضهم ان تركة الميت- كلها أو بعضها- وقف

(مسألة 15): إذا اختلفت الورثة فقال بعضهم ان تركة الميت- كلها أو بعضها- وقف، و قال الآخرون ليس بوقف و إنما هي ميراث، فإن كان في مدعي الوقف عدلان و شهدا بالوقفية يحكم بها (29)، و إن لم يكن كذلك بل كان في مدعي الميراث عدلان و شهدا بعدم الوقفية يحكم بعدمها في تمام التركة (30)، و إن لم يكن في البين عدل فمن يعترف بالوقفية يكون إقراره بالنسبة إلى نفسه معتبرا (31)، و تقسم البقية على ما سواهم بالسهام.

مسألة 16: لو اختلفت ورثة الميت مع شخص

(مسألة 16): لو اختلفت ورثة الميت مع شخص، فادعت الورثة أن العين و المنفعة ميراث، و ادعى الشخص أن العين مؤجرة لديه عشر سنين مثلا فلا تكون المنفعة ميراثا، يقدم قول مدعى الإجارة إن كانت العين تحت يده (32)،

______________________________

(27) تقدم في كتاب النكاح أنه يجوز اشتراط كل شرط سائغ في ضمن عقد النكاح، لكن تخلّفه لا يوجب الخيار فيه، إلا إذا كان مفاد الشرط الالتزام بوجود صفة في أحد الزوجين، كبكارة الزوجة و إيمان الزوج مثلا.

(28) لأصالة اللزوم الجارية في كل عقد مطلقا، إلا إذا ثبت خلافه، و المفروض أنه لم يثبت ذلك شرعا.

(29) لفرض ثبوت الوقفية بالبينة حينئذ، فتسقط دعوى الإرث حينئذ.

(30) لفرض ثبوت عدم الوقفية بالبينة.

(31) لعموم «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»، كما تقدم في كتاب الإقرار (1).

(32) لقاعدة اليد، إن لم تكن بينة على الخلاف، كما هو المفروض.

ص: 164


1- الوسائل: باب 3 من أبواب الإقرار الحديث: 2 و 16.

مع الحلف (33) و إن لم تكن تحت يده فقد تقدم حكمه (34).

مسألة 17: لو اختلف الزوجان في أن الطلاق الواقع بينهما كان جامعا للشرائط أو لا

(مسألة 17): لو اختلف الزوجان في أن الطلاق الواقع بينهما كان جامعا للشرائط أو لا، يقدم قول من يقول بعدم جمعه للشرائط (35).

مسألة 18: إذا ادعت المطلّقة الحامل أنها وضعت فانقضت عدتها و أنكر الزوج، أو العكس

(مسألة 18): إذا ادعت المطلّقة الحامل أنها وضعت فانقضت عدتها و أنكر الزوج، أو العكس بأن ادعى الوضع فأنكرت هي، أو ادعت الحمل و أنكر الزوج ذلك، أو ادعت الحمل و الوضع معا و أنكرهما، يقدم قول الزوجة في الجميع مع حلفها (36).

مسألة 19: لو اختلف الزوجان في الرجعة في الطلاق و عدتها، فادعتها الزوجة و أنكرها الزوج يقدم قول الزوج

(مسألة 19): لو اختلف الزوجان في الرجعة في الطلاق و عدتها، فادعتها الزوجة و أنكرها الزوج يقدم قول الزوج (37)، و إن ادعاها الزوج و أنكرتها الزوجة فنفس هذا الادعاء رجوع منه (38).

مسألة 20: لو ادعت الزوجة أن زوجها ارتدّ عن فطرة و لو أعتدت هي عدتها و تزوجت بزوج آخر، و أنكر الزوج ذلك

(مسألة 20): لو ادعت الزوجة أن زوجها ارتدّ عن فطرة و لو أعتدت هي عدتها و تزوجت بزوج آخر، و أنكر الزوج ذلك يقدم قول الزوج (39).

______________________________

(33) لأجل فصل الخصومة و قطعها.

(34) تقدم في الفصل السابع، فلا وجه للتكرار.

(35) لأصالة بقاء النكاح، إلا إذا ثبت زواله بوجه معتبر شرعي، و هو مفقود.

(36) إجماعا، و نصوصا تقدم بعضها في كتاب الطلاق، فلا وجه للإعادة بالتكرار هنا.

(37) للأصل، إلا أن تقيم الزوجة البينة عليها فعلا أو قولا.

(38) إن كان في العدة، كما تقدم في كتاب الطلاق.

(39) لأصالة بقاء الزوجية و الإسلام، و عدم حصول البينونة، إلا إذا ثبت بحجة معتبرة.

ص: 165

مسألة 21: لو اختلفا في الوصية انها تمليكية أو عهدية

(مسألة 21): لو اختلفا في الوصية انها تمليكية أو عهدية يكون من التداعي (40) و إذا أمكن إرجاعها إلى الأقل و الأكثر يكون من المدعي و المنكر (41) فيقدم قول المنكر للزيادة مع يمينه (42).

مسألة 22: إذا ادعى الوصي بشي ء وصية من الميت و أنكرها ورثة الميت

(مسألة 22): إذا ادعى الوصي بشي ء وصية من الميت و أنكرها ورثة الميت لا يقبل قول الوصي إلا بحجة شرعية بلا فرق في ذلك بين الدعوى في أصل الوصية أو في المقدار الموصى به قلة أو كثرة (43).

______________________________

(40) لادعاء كل منهما غير ما يدعيه الآخر.

(41) مثل ما لو ادعى الموصى له الوصية بوقف داره و بستانه، و ادعى ولي الميت أنه أوصى بوقف داره فقط، هذا في الوصية العهدية، و أما في التمليكية فالأمر أوضح.

(42) أما تقدم قول منكر الزيادة فللأصل، و أما اليمين فلأجل فصل الخصومة.

(43) لأصالة عدم ثبوت الدعوى في جميع ذلك، إلا بحجة معتبرة، و المفروض عدمها في المقام.

و هناك مسائل أخرى مورد الاختلاف أوردنا كلا منها في الكتاب الخاص بها.

و الحمد للّه رب العالمين و صلّى اللّه على محمد و آله الطيبين الطاهرين

ص: 166

بسم اللّه الرحمن الرحيم

كتاب الشهادات و فيه فصول

اشارة

كتاب الشهادات و فيه فصول

الفصل الأول في ما يعتبر في الشاهد

اشارة

الفصل الأول في ما يعتبر في الشاهد و هو أمور:

______________________________

سم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه عالم الغيب و الشهادة و الصلاة و السلام على محمد و آله المبشرين بالخير و السعادة.

الشهادة: من الشهود، بمعنى الحضور، و الأصل فيها قول نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد سئل عن الشهادة: «هل ترى الشمس؟ على مثلها فاشهد أو دع» (1)، و قول الصادق عليه السلام: «لا تشهدن بشهادة حتى تعرفها كما تعرف كفك» (2).

و هي من الموضوعات العرفية، و بهذا المعنى جعلت موضوعا لأحكام

ص: 167


1- الوسائل: باب 20 من أبواب الشهادات: 3 و 1.
2- الوسائل: باب 20 من أبواب الشهادات: 3 و 1.

الأول: الكمال بالبلوغ و العقل

اشارة

الأول: الكمال بالبلوغ و العقل (1)، فلا يعتبر شهادة الصبي غير المميّز مطلقا (2)، و لا الصبية و إن كانت مميّزة (3) و كذا الصبي المميّز (4). نعم لو بلغ الصبي عشرا و كان مميّزا و شهدوا بالقتل و لم يفرقوا و لم يرجعوا إلى أهلهم، ففي بعض الأخبار القبول حينئذ و لكنه مشكل (5).

______________________________

كثيرة، لا أن يكون لها معنى تعبديا شرعيا.

(1) بضرورة من الدين- إن لم يكن من العقلاء- فيهما، مضافا إلى نصوص خاصة في الصبي غير المميّز، منها صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: «في الصبي يشهد على الشهادة، فقال: إن عقله حين يدرك أنه حق جازت شهادته» (1)، و في خبر السكوني عن الصادق عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن شهادة الصبيان إذا أشهدوهم و هم صغار، جازت إذا كبروا ما لم ينسوها» (2)، فتدلان على اعتبار البلوغ في الأداء، و إن كان التحمل حين الصباوة مع بقائه عنده إلى حين البلوغ، و قريب منهما غيرهما.

(2) لا تحملا، و لا أداء، للأصل، و الإجماع، و ظواهر الأدلة، كما تقدم. نعم في الصبي المميز تفصيل سيأتي.

(3) للأصل، و ما مر من الإطلاق، و الاتفاق.

(4) لما مر في سابقة بلا فرق.

(5) مقتضى الأصل، و الإجماع عدم القبول مطلقا، لكن عن إسماعيل بن جعفر: «إذا كان للغلام عشر سنين جاز أمره، و جازت شهادته» (3)، و هو غير مسند إلى المعصوم عليه السلام حتى يصلح للأخذ بإطلاقه أو لتقييد غيره، فلا اعتبار به، و عن جميل قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: تجوز شهادة الصبيان؟ قال: نعم، في

ص: 168


1- الوسائل: باب 21 من أبواب الشهادات الحديث: 1.
2- الوسائل: باب 21 من أبواب الشهادات الحديث: 2.
3- الوسائل: باب 22 من أبواب الشهادات الحديث: 3.
مسألة 1: لا اعتبار بشهادة المجنون

(مسألة 1): لا اعتبار بشهادة المجنون بلا فرق فيه بين الأدواري و غيره، و تقبل حال إفاقته منه مع وجود سائر الشرائط فيه (6).

مسألة 2: لا تقبل شهادة من غلب عليه السهو و النسيان أو الغفلة و البلاهة

(مسألة 2): لا تقبل شهادة من غلب عليه السهو و النسيان أو الغفلة و البلاهة على نحو لا يلتفت الناس إلى قوله لا تحملا و لا أداء (7).

______________________________

القتل يؤخذ بأول كلامه، و لا يؤخذ بالثاني منه» (1)، و قريب منه خبر محمد بن حمران، و عن علي عليه السلام في خبر طلحة بن زيد: «شهادة الصبيان جائزة بينهم ما لم يتفرقوا أو يرجعوا إلى أهلهم» (2)، و يظهر من الشيخ اعتبار اجتماعهم على المباح.

و وجه الإشكال إمكان حمل مثل هذه الأخبار على صورة حصول العلم، مع تحقق موجبات حصوله خارجا، فلا وجه للتمسك بإطلاقها حينئذ.

و نعم ما قال المحقق رحمه اللّه: «و التهجم على الدماء بخبر الواحد خطر».

أقول: إذا كان التهجم على الدماء بخبر الواحد فيه خطر، فيكون ذلك بقول الفقيه- ما لم يكن إجماع معتبر- أشد خطرا و أعظم.

و الأخبار كما ترى تختص بالقتل، فإلحاق الجرح لا بد و أن يكون بدليل آخر، و هو مفقود كما لا يخفى. نعم لو حصل لأحد القطع بالحكم يعمل بقطعه.

(6) لشمول العمومات له، مع وجود المقتضي و فقد المانع.

(7) لأصالة عدم صحة الاعتماد في أموال الناس و دمائهم و أعراضهم، إلّا على ركن وثيق و دليل ثابت معتبر أنيق، و هذا من أحكام الفطرة التي يحكم بها ذوو العقول مطلقا، مضافا إلى انصراف أدلة قبول الشهادة عن مثل ذلك.

و نعم ما قال علي عليه السلام في تفسير قوله تعالى مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ قال: «ممن ترضون دينه و أمانته و صلاحه و عفته و تيقظه فيما يشهد به و تحصيله و تمييزه، فما كل صالح مميزا، و لا محصلا، و لا كل

ص: 169


1- الوسائل: باب 22 من أبواب الشهادات الحديث: 1، 6.
2- الوسائل: باب 22 من أبواب الشهادات الحديث: 1، 6.

الثاني: الإيمان

اشارة

الثاني: الإيمان (8)، فلا تقبل شهادة غير المؤمن، و أما المؤمن فتقبل شهادته و إن كان مخالفا في الفروع مع الطرف (9)، و تقبل شهادة المسلم على غير المسلم و لا تقبل شهادة غير المسلم على المسلم (10).

مسألة 3: تقدم في كتاب الوصية أنه تقبل شهادة الذمي على المسلم في الوصية إن لم يكن شاهدان عادلان من المسلمين

(مسألة 3): تقدم في كتاب الوصية أنه تقبل شهادة الذمي على المسلم في الوصية إن لم يكن شاهدان عادلان من المسلمين (11)، و المتيقن من ذلك ما إذا تعلّقت الوصية بالمال، و أما ثبوت الوصاية بذلك فهو مشكل (12)، و لا يختص الحكم بأرض الغربة دون غيرها (13).

______________________________

محصل مميز صالح» (1).

(8) للأصل، و الإجماع، و المنساق من مجموع الأدلة، و ما يظهر منه الخلاف (2)، محمول أو مطروح.

(9) لوجود المقتضي و فقد المانع، فتشمله إطلاقات الأدلة، و عموماتها.

(10) للإجماع، بل الضرورة الفقهية في كل منهما، و ما يأتي من النصوص.

(11) كتابا (3)، و سنة، و إجماعا، على ما مر في كتاب الوصية في مسألة 26 من (فصل في الولي و الناظر) (4)، فلا وجه للإعادة بالتكرار.

(12) للزوم الاقتصار على المتيقن في الحكم المخالف للأصل، بعد عدم إحراز كون الإطلاقات واردة مورد بيان غير الوصية بالمال.

(13) للأصل، و الإطلاق.

و ما يستفاد من الآية الشريفة إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ (5)، من اعتبار الغربة إنما ورد مورد الغالب، فلا يستفاد منها

ص: 170


1- الوسائل: باب 41 من أبواب الشهادات الحديث: 23.
2- راجع الوسائل: باب 41 من أبواب الشهادات.
3- سورة المائدة: 106.
4- راجع ج: 22 صفحة: 234.
5- سورة المائدة: 106.

و في إلحاق المسلم غير المؤمن به إن كان عدلا في مذهبه وجه (14)، و لا يلحق بالذمي الفاسق من أهل الإيمان (15).

مسألة 4: تقبل شهادة المؤمن- إن كان جامعا للشرائط

(مسألة 4): تقبل شهادة المؤمن- إن كان جامعا للشرائط على جميع الناس من جميع الملل (16).

______________________________

التقييد، و مثلها قول أبي عبد اللّه عليه السلام «إذا مات الرجل بأرض غربة فلم يجد مسلمين يشهدهما، فرجلان من أهل الكتاب» (1).

ثمَّ إنه لا يعتبر الحلف مطلقا في قبول شهادة الذمي هنا، لظواهر ما مر من الإطلاقات.

نعم لو كان في البين شك لا يزول إلّا بالحلف، فيعمل بالآية المباركة تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَ لَوْ كانَ ذا قُرْبى وَ لا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللّهِ إِنّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (2).

و مقتضى الجمود على ظاهر الآية الشريفة، و النصوص، و إن كان الاقتصار بعد فقد المسلمين على الذميين، فالمركب من المسلم و الذمي يبقى تحت الأصل، و لكن يمكن اعتبار شهادتهما بالفحوى.

(14) بدعوى حصول القطع بالمناط، و لا أثر له لمن لم يحصل القطع به.

(15) للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق، و بطلان القياس.

(16) للإطلاق، و الاتفاق، و قوله تعالى وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ (3)، و قول النبي الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا تقبل شهادة أهل دين على غير أهل دين إلّا المسلمين، فإنهم عدول على أنفسهم و على

ص: 171


1- الوسائل: باب 40 من أبواب الشهادات الحديث: 2.
2- سورة المائدة: 106.
3- سورة البقرة: 143.

و لا تقبل شهادة الحربي مطلقا (17)، بل لا تقبل شهادة كل ملة حتى على أهل ملتهم (18).

الثالث: العدالة

اشارة

الثالث: العدالة (19)، و هي ملكة الاجتناب عن الكبائر و منها الإصرار

______________________________

غيرهم» (1)، و عن الصادق عليه السلام: «تجوز شهادة المسلمين على جميع أهل الملل» (2).

(17) للأصل، و الإجماع، و عدم اللياقة للقبول.

(18) على المشهور، للأصل، و إطلاق أدلة اعتبار الإيمان و العدالة. نعم في خبر سماعة عن الصادق عليه السلام قال: «سألته عن شهادة أهل الملة؟ فقال عليه السلام: لا تجوز إلّا على أهل ملتهم- الحديث-» (3)، و هو مخالف للمشهور و إن عمل به بعض.

(19) إجماعا، و نصوصا مستفيضة، بل متواترة، منها ما عن الصادق عليه السلام في رواية مسمع: «أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يحكم في زنديق إذا شهد عليه رجلان عدلان مرضيان، و شهد له ألف بالبراءة جازت شهادة الرجلين و أبطل شهادة الألف» (4)، و في صحيحة عبد اللّه بن أبي يعفور قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم و عليهم؟ فقال: إن تعرفوه بالستر و العفاف و كف البطن و الفرج و اليد و اللسان، و يعرف باجتناب الكبائر التي أو عد اللّه عليها النار، من شرب الخمر و الزنا و الربا و عقوق الوالدين و الفرار من الزحف، و غير ذلك- الحديث-» (5)، و يمكن الاستدلال بالآية الشريفة:

ص: 172


1- مستدرك الوسائل: باب 32 من أبواب الشهادات.
2- الوسائل: باب 38 من أبواب الشهادات الحديث: 1 و 2.
3- الوسائل: باب 38 من أبواب الشهادات الحديث: 1 و 2.
4- الوسائل: باب 5 من أبواب حد المرتد الحديث: 2.
5- الوسائل الحديث: باب 41 من أبواب الشهادات.

على الصغائر و ترك منافيات المروة الدالة على عدم المبالاة في الدين (20).

مسألة 5: لا تقبل شهادة مجهول الحال فضلا عن الفاسق

(مسألة 5): لا تقبل شهادة مجهول الحال فضلا عن الفاسق، كما لا تقبل شهادة منكر ضروري الدين من فروعه فكيف بأصوله (21).

______________________________

إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ (1)، بالفحوى.

(20) لما تقدم تفصيل ذلك كله في (فصل شرائط إمام الجماعة) (2)، فلا وجه للإعادة بالتكرار هنا.

إنما البحث في أن العدالة في الشهادة مأخوذة بنحو الموضوعية، أو بنحو الطريقية للصدق، ظواهر الأدلة كظاهر المشهور هي الاولى، و صرّح بعض مشايخنا (رحمة اللّه عليه) (3) في مباحثه الشريفة بالثانية، ناقلا لها عن شيخه رحمه اللّه صاحب الكفاية، فتكون مثل العدالة في الراوي التي استقر عليه رأي المتأخرين في أنها عبارة عن مطلق الوثاقة بالصدق و إن لم يكن عادلا من جهة أخرى.

و المناقشة فيما ذكره ظاهرة، لكونه خلاف ظاهر الأدلة المتقدمة في صلاة الجماعة، و ظاهر الإجماع، و السيرة. و ببالي أن أفاضل بحثه الشريف أشكلوا عليه، و بعد ذلك عدل عن إبداء هذا القول لكثرة التهاجم عليه (قدس اللّه نفسه الشريفة).

(21) اما الأول: فللأصل، و الإجماع.

و أما الثاني: فلظواهر النصوص بل ضرورة الدين، و كذا الأخيران على ما فصّل في كتاب الطهارة عند بيان أقسام الكفر (4)، فلا وجه للتكرار بعد ذلك.

ص: 173


1- سورة المائدة: 106.
2- راجع ج: 8 صفحة: 106- 139.
3- هو المحقق آية اللّه العظمى الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني قدّس سرّه.
4- راجع ج: 1 صفحة: 372- 376.
مسألة 6: كل عادل ارتكب كبيرة مع العمد و الاختيار تسقط عدالته

(مسألة 6): كل عادل ارتكب كبيرة مع العمد و الاختيار تسقط عدالته و لا تقبل شهادته إلّا بعد التوبة و حصول ملكة العدالة (22).

مسألة 7: كل معصية ترددت بين كونها كبيرة أو صغيرة لا تقبل شهادة مرتكبها

(مسألة 7): كل معصية ترددت بين كونها كبيرة أو صغيرة لا تقبل شهادة مرتكبها إلّا بعد التوبة (23).

مسألة 8: لا تقبل شهادة القاذف و لا فاعل الغناء و لا مستمعه إلّا بعد التوبة

(مسألة 8): لا تقبل شهادة القاذف و لا فاعل الغناء و لا مستمعه إلّا بعد التوبة (24)، و توبة القاذف أن يكذب نفسه عند من سمع ذلك منه، أو عند الحاكم الشرعي (25)،

______________________________

(22) لتحقق الفسق حين ارتكاب المعصية، فيزول موضوع قبول الشهادة، و لا يعود إلّا بعد التوبة حتى تحصل به الملكة.

(23) لأصالة عدم تكفيرها بشي ء إلّا بالتوبة المعلوم محوها بها، بخلاف سائر المكفّرات، فإن الشك في التكفير بها يجزي في جريان الأصل.

و لكن يمكن الإشكال في هذا الأصل، بأنه من الشك في أصل الموضوع في بعض الصور، كما إذا صلّى بعدها مثلا فإنها لو كانت من اللمم تمحى، و لو كانت كبيرة تبقى، و الشك فيها يجزي في أصالة عدمها.

(24) لأن كل ذلك من الكبائر، مضافا إلى الإجماع، و لكن إن تحقق من القاذف لعان أو بينة على دعواه في القذف، أو أقر المقذوف بذلك، فلا معصية منه في البين، فضلا عن أن تكون كبيرة.

و يأتي في الحدود ما يتعلق بالقذف، و تقدم في اللعان إنه كإقامة البينة، كما تقدم ما يتعلق بالغناء في المكاسب المحرمة (1).

(25) إجماعا، و نصوصا، منها صحيح عبد اللّه بن سنان قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المحدود إذا تاب، أتقبل شهادته؟ فقال عليه السلام: إذا تاب، و توبته أن

ص: 174


1- راجع ج: 16 صفحة: 109- 119.

و إن كان صادقا يورى في تكذيب نفسه (26).

مسألة 9: لا بأس باتخاذ الحمام للأغراض الصحيحة غير المنهية عنها شرعا

(مسألة 9): لا بأس باتخاذ الحمام للأغراض الصحيحة غير المنهية عنها شرعا (27)، كما لا بأس باللعب به و تطيره (28).

______________________________

يرجع مما قال، و يكذب نفسه عند الإمام و عند المسلمين، فإذا فعل فإن على الإمام أن يقبل شهادته بعد ذلك» (1)، و في صحيح الكناني قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن القاذف بعد ما يقام عليه الحد ما توبته؟ قال: يكذب نفسه، قلت:

أ رأيت إن أكذب نفسه و تاب أتقبل شهادته؟ قال: نعم» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار، و الاستمرار عليه هو الإصلاح المذكور في الآية المباركة وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ أَصْلَحُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3).

(26) بناء على اعتبار التورية في الكذب الجائز، و إلا فلا يحتاج إليها.

(27) للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق، و نصوص خاصة، منها قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «ليس من بيت فيه حمام إلّا لم يصب أهل ذلك البيت آفة من الجن» (4)، و يظهر من جملة من الأخبار استحباب ذلك (5).

(28) لأصالة الإباحة، و إطلاق الأدلة، و إجماع الأجلة، و عن الصادق عليه السلام في شهادة من يلعب بالحمام: «لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق» (6)، و مثله غيره، فتقبل شهادة متخذها و اللاعب بها إن كان غافلا.

ص: 175


1- الوسائل: باب 37 من أبواب الشهادات الحديث: 1.
2- الوسائل: باب 36 من أبواب الشهادات الحديث: 1.
3- سورة النور: 5.
4- الوسائل: باب 31 من أبواب أحكام الدواب الحديث: 8 و 3.
5- الوسائل: باب 31 من أبواب أحكام الدواب الحديث: 8 و 3.
6- الوسائل: باب 54 من أبواب الشهادات الحديث: 1 و 3.

نعم هو مكروه بل قد يحرم كما إذا كان في البين رهان (29).

مسألة 10: لا تردّ شهادة ذوي الحرف المكروهة

(مسألة 10): لا تردّ شهادة ذوي الحرف المكروهة، كبيع الصرف و الأكفان و بيع الطعام و من اتخذ الذبح و النحر مكسبا، و كذا عمل الحجامة و الحياكة و نحوهما، و كذا ذوي العاهات الخبيثة- كالجذام و البرص و السرطان- (30).

الرابع: ارتفاع التهمة

الرابع: ارتفاع التهمة (31).

______________________________

(29) أما الكراهة، فلأن فيه تضييع الوقت فيما لا يعني، و ليس ذلك من شأن المسلم بل العاقل.

و أما الحرمة في صورة الرهان فلأنه قمار و كل قمار حرام، كما تقدم في المكاسب المحرمة، و كذا إذا قرن بمفسدة شرعية أخرى.

(30) كل ذلك للعمومات، و الإطلاق، و الأصل، و لأن المناط إنما هو ما في الراسخ في القلب من العدالة و التقوى، لا الصفات العارضة مما تعرض تارة، و تزول أخرى.

(31) إجماعا، و نصوصا مستفيضة، منها ما عن الصادق عليه السلام في خبر ابن سنان في ما يرد من الشهود قال: «الظنين و المتهم، قلت: فالفاسق و الخائن؟

قال عليه السلام: ذلك يدخل في الظنين» (1)، و مثله ما عن الحلبي (2)، و غيره من الأخبار، و لا بد أولا من بيان الأصل العملي، ثمَّ الأصل اللفظي، ثمَّ بيان مورد التهمة.

أما الأول: فمقتضى الأصل عدم ترتب الأثر على الشهادة مطلقا، إلّا فيما تطابقت عليه الأدلة. نعم في الشبهة الموضوعية التي تكون الشبهة فيها من موارد التهمة، يمكن جريان أصالة الصحة، أو استصحاب عدم الحدوث.

و أما الثاني: فقد ذكرنا في الأصول أنه إذا ورد العام ثمَّ ورد خاص

ص: 176


1- الوسائل: باب 30 من أبواب الشهادات الحديث: 1 و 5 و 6.
2- الوسائل: باب 30 من أبواب الشهادات الحديث: 1 و 5 و 6.

الخامس: طهارة المولد

اشارة

الخامس: طهارة المولد (32). و إن ظهر منه الإسلام و العدالة (33).

______________________________

منفصل، و تردد الخاص بين الأقل و الأكثر بحسب الشبهة الموضوعية، يكون العام حجة في غير معلوم التخصيص، ففي مورد التردد يرجع إلى عمومات قبول شهادة العادل، فتصير النتيجة متحدة مع جريان أصالة الصحة.

و أما الأخير: فليس المراد مطلق التهمة قطعا، بل لا بد و أن تنطبق على موارد خاصة، بحيث يظهر منهم الإجماع عليها، و في غيره يرجع إلى عمومات قبول الشهادة، فينطبق الأصلان مع التأمل في التهمة الواردة في الأدلة و ملاحظة الكلمات، و يرجع في غيرها إلى العمومات، و الإطلاقات، فاتحد الكل معنى و إن اختلف لفظا و تعبيرا.

(32) نصوصا، و إجماعا، منها قول الصادق عليه السلام في الصحيح: «لا تجوز شهادة ولد الزنا» (1)، و مثله غيره.

(33) للإطلاق الشامل لكل منهما، و تقدم في كتاب الطهارة ما يتعلق به، فراجع (2)، و أما خبر ابن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: «سألته عن ولد الزنا هل تجوز شهادته؟ قال: نعم، تجوز شهادته و لا يؤمّ»(3)، فقصور سنده، و إعراض المشهور عنه، و موافقته للتقية (4)، أسقطه عن الاعتبار.

كما أن إجمال قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا تجوز إلّا في الشي ء اليسير إذا رأيت منه صلاحا» (5)، و موافقته في الجملة للعامة أوهنه، فلا فرق في عدم قبول شهادته بين اليسير و غيره.

ص: 177


1- الوسائل: باب 31 من أبواب الشهادات الحديث: 3.
2- راجع ج: 1 صفحة: 380.
3- الوسائل: باب 31 من أبواب الشهادات الحديث: 7 و 5.
4- المغني لا بد قدامة ج: 12 صفحة: 73 ط: بيروت.
5- الوسائل: باب 31 من أبواب الشهادات الحديث: 7 و 5.
مسألة 11: ولد الزنا إما معلوم أو مجهول و له فراش معلوم

(مسألة 11): ولد الزنا إما معلوم أو مجهول و له فراش معلوم و لكن تناله الألسن أو يكون الفراش غير معلوم أيضا، و الأول لا تقبل شهادته بخلاف الثاني، و الأحوط في الأخير عدم القبول أيضا (34).

مسألة 12: للتهمة المانعة عن قبول الشهادة موارد

(مسألة 12): للتهمة المانعة عن قبول الشهادة موارد.

الأول: كل من جرّ نفعا بشهادته عينا أو منفعة أو حقا (35).

______________________________

(34) أما الأول: فللأدلة المانعة التي تقدم بعضها.

و اما الثاني: فلإطلاق أدلة قبول الشهادة مع استجماع سائر الشرائط، بعد الشك في شمول دليل المخصص له.

و أما الأخير: فللأصالة عدم ترتب الأثر على الشهادة، بعد عدم صحة التمسك بالأدلة اللفظية من جهة الشك في الموضوع.

(35) لقولهم عليهم السلام في ما يرد من الشهادة: «المتهم»، الوارد في جملة من الأخبار (1)، مضافا إلى الإجماع، و في خبر سماعة قال: «سألته عما يرد من الشهود؟ قال: المريب، و الخصم، و الشريك، و دافع مغرم، و الأجير، و العبد، و التابع، و المتهم، كل هؤلاء ترد شهادتهم» (2)، فلا يقبل شهادة الشريك في المال المشترك، و أما في غيره فتقبل شهادته، لصحيح ابان قال: «سئل أبو عبد اللّه عن شريكين شهد أحدهما لصاحبه؟ قال: تجوز شهادته، إلّا في شي ء له فيه نصيب» (3)، و ما دلّ على قبول شهادة الشريك (4)، محمول على غير المال المشترك.

و من موارد جر النفع شهادة صاحب الدين، إذا شهد للمحجور عليه بمال يتعلق دينه به، لما تقدم من عدم اعتبار شهادة الخصم، و كذا شهادة الشريك لبيع

ص: 178


1- الوسائل: باب 20 من أبواب الشهادات الحديث: 3 و 5 و 6.
2- الوسائل: باب 32 من أبواب الشهادات الحديث: 3.
3- الوسائل: باب 27 من أبواب الشهادات الحديث: 3 و 4.
4- الوسائل: باب 27 من أبواب الشهادات الحديث: 3 و 4.

الثاني: من دفع بها ضررا عن نفسه (36).

الثالث: شهادة ذي العداوة الدنيوية على عدوه (37)، و تقبل شهادته له إذا لم توجب العداء أو الفسق (38)، و أما موارد العداوة الدينية فلا تمنع عن قبول الشهادة مطلقا سواء كان له أم عليه و سواء انجرت إلى الخصومة أم لا (39).

الرابع: من احترف السؤال بالكف في مجامع الناس و أسواقهم و أبواب دورهم و منازلهم (40).

______________________________

الشقص الذي فيه له الشفعة، إلى غير ذلك من موارد جر النفع، الذي يستلزم الاتهام.

(36) لما تقدم في سابقة بلا فرق، و ذلك كشهادة أحد العاقلة بجرح شهود الجناية، و شهادة الوكيل و الوصي بجرح الشهود على الموكل و الموصي، إلى غير ذلك من موارد دفع الضرر عن نفسه.

(37) نصوصا، و اتفاقا، منها قول أبي جعفر عليه السلام في صحيح محمد بن مسلم: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لم تجز شهادة الصبي، و لا خصم، و لا متهم، و لا ظنين» (1)، و المنساق منه إنما هو الخصومات الدنيوية، و لو بقرينة الإجماع، و عنهم عليهم السلام: «لا تقبل شهادة ذي شحناء أو ذي مخزية في الدين» (2).

(38) لوجود المقتضي و فقد المانع، فتشملها الإطلاقات، و العمومات- كما تقدم- لا محالة.

(39) كل ذلك لإطلاقات أدلة الشهادة، و عموماتها، و ادعى القطع به في الجواهر.

(40) لقول أبي جعفر عليه السلام في صحيح محمد بن مسلم: «ردّ رسول

ص: 179


1- الوسائل: باب 30 من أبواب الشهادات
2- الوسائل: باب 32 من أبواب الشهادات

الخامس: المتبرع بالشهادة في حقوق الناس الخاصة فإنه لا تقبل شهادته (41)،

______________________________

اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شهادة السائل الذي يسأل في كفه، قال أبو جعفر عليه السلام: لأنه لا يؤمن على الشهادة، و ذلك لأنه إن اعطى رضي، و إن منع سخط» (1)، و يدل عليه الإجماع أيضا، و المراد من السؤال في الكف إنما هو من احترف ذلك، لا مجرد صرف وجوده.

ثمَّ إن البحث في المقام من جهات:

الأولى: الكلام إنما هو في صورة تحقق العدالة، و أما مع عدمها، فلا تصح لعدم العدالة، و لا تصل النوبة إلى الاستثناء.

الثانية: مقتضى الأصل عدم حرمة نفس السؤال بالكف، مع عدم انطباق أي عنوان من العناوين الفاسدة عليه.

نعم لا ريب في كراهة ذلك، بل كراهة مطلق السؤال من غير اللّه تعالى، كما تشهد بها النصوص (2)، و انغرست في أذهان ذوي الإباء من النفوس، و قد تقدم بعض الكلام في ذلك (3).

الثالثة: ترتفع المرجوحية عند الاضطرار بقدر رفع الضرورة، لأن الضرورات تبيح المحذورات، نصا (4)، و إجماعا، و حينئذ لا يمنع عن قبول شهادته، كما هو معلوم.

(41) ادعي عليه الإجماع تارة، و نسب إلى قطع الأصحاب أخرى، و علل بالتهمة و بالحرص على الشهادة ثالثة، و بأن الشهادة قبل الاستشهاد من أشراط

ص: 180


1- الوسائل: باب 35 من أبواب الشهادات الحديث: 2.
2- الوسائل: باب 32 من أبواب الصدقة.
3- راجع ج: 22 صفحة: 122.
4- الوسائل: باب 1 من أبواب القيام في الصلاة.

و لا بأس بذلك في حقوق اللّه تعالى و الحقوق العامة (42).

مسألة 13: النسب لا يمنع عن قبول الشهادة و إن كان قريبا

(مسألة 13): النسب لا يمنع عن قبول الشهادة و إن كان قريبا كالأب لولده و عليه، و الولد لوالده، و الأخ لأخيه و عليه. و كذا سائر الأقرباء مطلقا (43).

مسألة 14: المشهور عدم قبول شهادة الولد على والده

(مسألة 14): المشهور عدم قبول شهادة الولد على والده (44).

______________________________

الساعة، و لا تقوم الساعة إلّا على شرار خلق اللّه تعالى (1).

(42) لأن عمدة دليلهم على المنع دعوى الإجماع، و قطع الأصحاب، و المتيقن منهما هو الأول، فتأمل و لا تغفل، فيرجع فيما سواه إلى عموم قبول الشهادة، و إطلاقه يشمل حتى لو استأذن الشاهد في هذا المجلس، أو شهد هذه الشهادة في مجلس آخر، فلا مانع من القبول حينئذ.

(43) كل ذلك للإطلاق، و الاتفاق، و نصوصا خاصة، منها صحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: «سألته عن شهادة الوالد لولده، و الولد لوالده، و الأخ لأخيه؟ فقال: تجوز» (2)، و في موثق سماعة قال: «سألته عن شهادة الوالد لولده، و الولد لوالده، و الأخ لأخيه؟ قال: نعم» (3)، و مثلهما غيرهما.

(44) ادعي عليه الإجماع تارة: و استدل بقول الصادق عليه السلام: «لا تقبل شهادة الولد على والده» (4).

و أخرى: بأنه خلاف المعروف الذي أمر اللّه تعالى بقوله عز و جل:

وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً (5).

و ثالثة: و الشهادة على الوالد ليست معروفة، بل قد تعد عقوقا، و بأصالة عدم ترتب الأثر.

و رابعة: بعد الشك في شمول الأدلة اللفظية لها، لأن التمسك بها تمسك

ص: 181


1- كنز العمال ج: 18 باب أشراط الصغرى الحديث: 721.
2- الوسائل: باب 26 من أبواب الشهادات الحديث: 3 و 4 و 6.
3- الوسائل: باب 26 من أبواب الشهادات الحديث: 3 و 4 و 6.
4- الوسائل: باب 26 من أبواب الشهادات الحديث: 3 و 4 و 6.
5- سورة لقمان: 15.

.....

______________________________

بالدليل في الموضوع المشكوك.

و نوقش في الأولى: بعدم الثبوت.

و فيه: أن مدعي الإجماع الشيخ و المرتضى، و قد اعتمدوا عليهما إلّا في موارد دلّ دليل معتبر على الخلاف.

و في الثانية: بالضعف و المعارضة بما يأتي.

و فيه: أن الانجبار و الموافقة مع الأصل أخرجاه من الضعف إلى القوة.

و في الثالثة: أنها حينئذ إحياء للحق و لحدود اللّه تعالى، فكيف لا يكون من المعروف؟! و في الأخير: أنه محكوم بالإطلاقات و العمومات، بعد تحقق الصدق العرفي، كما هو معلوم بالوجدان.

و ما نسب إلى جمع منهم الشهيد من الجواز، تمسكا بإطلاق قوله تعالى:

كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَ لَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ (1)، و قول أبي الحسن الرضا عليه السلام: «أقم الشهادة للّه و لو على نفسك أو الوالدين» (2)، و قول الصادق عليه السلام في الصحيح: «أقيموا الشهادة على الوالدين و الولد» (3).

مخدوش: إذ فيه أن الآية المباركة (سياقها) تشعر بأن المراد منها بيان الشهادة في أصول الدين، بقرينة قوله تعالى شُهَداءَ لِلّهِ، فتكون من سنخ قوله تعالى لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ (4)، و الشك فيه يجزي في عدم صحة التمسك بإطلاقها، و الخبران يحملان على ذلك أيضا، بعد هجر العمل بإطلاقهما، و إعراض المشهور عن ذلك.

و يمكن حملهما أيضا على ما إذا كان الوالد غير مبال بدينه و أحكام

ص: 182


1- سورة النساء: 135.
2- الوسائل: باب 3 من أبواب الشهادات الحديث: 1.
3- الوسائل: باب 19 من أبواب الشهادات الحديث: 3.
4- سورة المجادلة: 22.
مسألة 15: تقبل شهادة الزوج لزوجته و عليها و بالعكس كذلك

(مسألة 15): تقبل شهادة الزوج لزوجته و عليها و بالعكس كذلك (45)، و لا تعتبر في شهادة الزوجة الضميمة فضلا عن الزوج (46). نعم لو لم يحصل الاطمئنان النوعي من قول امرأة واحدة تحتاج إلى الضميمة (47).

______________________________

الشريعة، بحيث تكون شهادة الولد موجبة لارشاده فيشمله عموم العلة الوارد في قول نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الصحيح عن الصادق عليه السّلام قال: «جاء رجل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: إن أمي لا تدفع يد لامس، فقال: فاحبسها، قال: قد فعلت، قال: فامنع من يدخل عليها، قال: فعلت، قال: قيدها فإنك لا تبرها بشي ء أفضل من أن تمنعها من محارم اللّه عز و جل» (1).

و على هذا، لا فرق بين الوالد و الوالدة، و لعل مراد المشهور من عدم القبول غير هذه الصورة، و مما ذكرنا يظهر الحال في الأم، فإنه لا فرق بين الوالد و الوالدة في هذه الصورة- كما عرفت- فيكون هذا من الجمع العرفي بين القولين، كما مر.

(45) للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق، و نصوص خاصة، منها قول أبي عبد اللّه عليه السلام في الصحيح: «تجوز شهادة الرجل لامرأته، و المرأة لزوجها، إذا كان معها غيرها» (2)، و موثقة سماعة قال: «سألته عن شهادة الرجل لامرأته؟ قال: نعم، و المرأة لزوجها؟ قال: لا، إلّا أن يكون معها غيرها» (3).

(46) للأصل، و الإطلاق، و نسب ذلك إلى أكثر القدماء، و عامة المتأخرين، و ما ورد في الخبرين السابقين من اعتبار الضميمة، محمول على الغالب من عدم حصول الاطمئنان النوعي من قول امرأة واحدة، فيصير النزاع بينهم في المقام لفظيا، و يبتني على ذلك شهادتها لزوجها في الوصية، فمع عدم الاحتياج إلى الضميمة يثبت الربع بشهادتها فقط، و مع الاحتياج إليها لا يثبت شي ء بدونها.

(47) الوجه في ذلك واضح، فلا يحتاج إلى الإعادة.

ص: 183


1- الوسائل: باب 48 من أبواب حد الزنا الحديث: 1.
2- الوسائل: باب 5 من أبواب الشهادات الحديث: 1 و 2.
3- الوسائل: باب 5 من أبواب الشهادات الحديث: 1 و 2.
مسألة 16: تقبل شهادة الصديق لصديقه و عليه

(مسألة 16): تقبل شهادة الصديق لصديقه و عليه، شديدة كانت الصداقة أو ضعيفة (48). و تقبل شهادة الضيف أيضا كذلك (49).

مسألة 17: الأحوط عدم قبول شهادة الأجير لمن استأجره

(مسألة 17): الأحوط عدم قبول شهادة الأجير لمن استأجره (50). و لو تحمل حال الإجارة و أدى بعد المفارقة تصح (51).

______________________________

(48) لظهور الإطلاق و الاتفاق فيهما، و لأن العدالة الموجودة تمنع عن المساهلة و المسامحة.

(49) للإطلاق، و الإجماع، و قول الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير: «لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفا صائنا» (1)، و إطلاقه يشمل ما إذا كان له ميل إلى المشهود له، كما ذكره الفقهاء أولا.

(50) نسب المنع إلى أكثر المتقدمين، لأخبار مستفيضة، منها قول الصادق عليه السلام: «كان أمير المؤمنين عليه السلام لا يجيز شهادة الأجير» (2)، و في موثقة سماعة قال: «سألته عما يردّ من الشهود؟ قال: المريب، و الخصم، و الشريك، و دافع مغرم، و الأجير» (3)، إلى غير ذلك من الروايات.

و نسب إلى المشهور بين المتأخرين الصحة، للعمومات، و الإطلاقات، و ظهور قول الصادق عليه السلام: «و يكره شهادة الأجير لصاحبه، و لا بأس بشهادته لغيره، و لا بأس بها له بعد مفارقته» (4).

و لكن العمومات و الإطلاقات مخصصة و مقيدة بالمستفيضة، فتحمل الكراهة على البطلان جمعا.

(51) للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق، و ما تقدم من قول الصادق عليه السلام.

ص: 184


1- الوسائل: باب 29 من أبواب الشهادات الحديث: 3 و 2.
2- الوسائل: باب 29 من أبواب الشهادات الحديث: 3 و 2.
3- الوسائل: باب 32 من أبواب الشهادات الحديث: 3.
4- الوسائل: باب 29 من أبواب الشهادات الحديث: 3.
مسألة 18: المناط في الشرائط المعتبرة في الشهادة حال الأداء لا حال التحمل

(مسألة 18): المناط في الشرائط المعتبرة في الشهادة حال الأداء لا حال التحمل فلو تحمل فاقدا للشرط فأدّاها جامعا لها تصح شهادته (52).

______________________________

(52) للإطلاق، و الاتفاق، و نصوص خاصة في الجملة منها ما عن الصادق عليه السلام: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن شهادة الصبيان إذا شهدوا و هم صغار جازت إذا كبروا، ما لم ينسوها، و كذلك اليهود و النصارى إذا أسلموا جازت شهادتهم» (1)، و في صحيح محمد بن مسلم قال: «سألته عن الصبي، و العبد، و النصراني يشهدون شهادة فيسلم النصراني، أ تجوز شهادته؟

قال: نعم» (2)، و في صحيحه الآخر عن أحدهما عليه السلام قال: «سألته عن نصراني اشهد على شهادة ثمَّ أسلم بعد، أ تجوز شهادته؟ قال: نعم، هو على موضع شهادته» (3)، إلى غير ذلك من الأخبار.

و أما صحيح جميل قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن نصراني اشهد على شهادة ثمَّ أسلم بعد أ تجوز شهادته؟ قال: لا» (4)، فهو شاذ معرض عنه، و محمول على التقية، و معارض مع المستفيضة الدالة على القبول، فالأقسام أربعة:

الأول: وجود الشرائط من حين الأداء إلى حين التحمل، تقبل بلا إشكال.

الثاني: فقدانها في الحالتين، فلا تقبل كذلك.

الثالث: وجودها حين الأداء و فقدها حين التحمل، فتقبل.

الرابع: عكس ذلك فلا تقبل، بلا فرق في ذلك كله بين فقد الشرائط جميعها أو بعضها.

ص: 185


1- الوسائل: باب 39 من أبواب الشهادات الحديث: 8.
2- الوسائل: باب 39 من أبواب الشهادات الحديث: 4 و 6.
3- الوسائل: باب 39 من أبواب الشهادات الحديث: 4 و 6.
4- الوسائل: باب 39 من أبواب الشهادات الحديث: 7.
مسألة 19: لا يتوقف تحمل الشهادة على الاستشهاد و استدعاء من المشهود له أو عليه

(مسألة 19): لا يتوقف تحمل الشهادة على الاستشهاد و استدعاء من المشهود له أو عليه (53)، فإذا سمع ما تصح الشهادة به- كالإقرار و العقد و الإيقاع و نحوها- تقبل الشهادة بما سمع، و كذا لو رأى ما تصح الشهادة به، كالقتل و الجناية و نحوهما (54)، فيندرج حينئذ فيما دلّ على وجوب أدائها عينا أو كفاية كغيره من الشهود (55)، فمع توقف إقامة الحق على شهادته وجبت الشهادة، و مع العدم يتخير بين الإقامة و السكوت (56).

مسألة 20: كل فاسق تاب لا يترتب عليه آثار العدالة بعد التوبة بلا فصل

(مسألة 20): كل فاسق تاب لا يترتب عليه آثار العدالة بعد التوبة بلا فصل ما لم يحصل فيه ملكة العدالة (57).

______________________________

(53) لإطلاق الأدلة، و إجماع الفرقة، و أصالة البراءة عن الشرطية.

(54) كل ذلك لوجود المقتضي للقبول و فقد المانع عنه، بعد إحراز عدالة الشاهد، و أنه لا يساهل و لا يتسامح فيما سمع أو رأى.

(55) لأن انطباق الحكم على تحقق الموضوع قهري، كما هو معلوم.

(56) كما هو الشأن في جميع موارد إقامة الشهادات، على ما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

ثمَّ إنه لو تبيّن فقدان الشهود لبعض شرائط صحة الشهادة بعد حكم الحاكم، فإما أن يكون ذلك قبل الشهادة و حكم الحاكم، أو يكون بعدهما، و في الأول: لا موضوع للحكم، لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه، و في الثاني: لا أثر للتبيين، لأنه حكم بالطرق الظاهرية، فينفذ حكمه و لا أثر لتبين الخلاف. نعم لو كان بعد الحكم و قبل الإنفاذ، فيأتي في الحدود إن شاء اللّه تعالى، كما تقدم في (مسألة 48) من الفصل الخامس من كتاب القضاء ما يرتبط بالمقام.

(57) لأن حالة عدم العصيان أعم من حصول ملكة العدالة، كما هو واضح، و ما هو شرط لترتب آثار العدالة إنما هو الثاني دون الأول، و إلا فالناس كلهم عدول في حال عدم ارتكابهم المعصية.

ص: 186

الفصل الثاني فيما يعتبر في الشهادة

اشارة

الفصل الثاني فيما يعتبر في الشهادة

مسألة 1: يعتبر فيها اليقين و العلم القطعي

(مسألة 1): يعتبر فيها اليقين و العلم القطعي (1)، و لا فرق فيه بين أن يستند حصول العلم إلى المبادئ الحسية و الحواس الظاهرية أو إلى مبادئ أخرى مما تكون متعارفة بين الناس و موجبة لحصول العلم و اليقين لديهم و لم يردع عنها الشرع (2).

______________________________

(1) تقدم ما يعتبر في الشاهد، و البحث هنا في ما يعتبر في تحقق أصل الشهادة، و المناط كله هو اليقين و العلم، لقوله تعالى وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ (1)، و قوله تعالى إِلّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ (2)، و غيرهما من الآيات المباركة، و قول نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين سئل عن الشهادة فقال: «هل ترى الشمس؟ على مثلها فاشهد أو دع» (3)، و قول الصادق عليه السلام: «لا تشهد بشهادة حتى تعرفها كما تعرف كفك» (4)، مضافا إلى إجماع المسلمين، و أصالة عدم الاعتبار إلا بعد العلم و اليقين، و أن الشهادة من الحضور، و المنساق منه هو الحضور في المدارك الحسية الظاهرية.

(2) لأن المراد بالعلم و اليقين و الشهود في الكتاب و السنة، ما يوجب

ص: 187


1- سورة الإسراء: 36.
2- سورة الزخرف: 86.
3- الوسائل: باب 20 من أبواب الشهادات الحديث: 2.
4- تقدم في صفحة: 167.

.....

______________________________

سكون النفس و هو الاطمئنان، لا العلم و اليقين المنطقي، الذي يكون مقابلا له، فكما أن الحجج المعتبرة الشرعية من الأمارات و الظواهر و القواعد العامة و الخاصة، و الأصول المعتبرة الحكمية أو الموضوعية، أعم من العلم المنطقي، و إلا لاختل النظام و تعطل الكتاب و السنة عن الاستفادة، و انقرضت الأحكام من بين الأنام لقلة العلم المنطقي، خصوصا مع ازدياد الشبهات بمرور الأعصار و الأيام، فكذا في المقام، فيكون المراد بقوله تعالى: (العلم، و الحق) كما مر، و بقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: (الشمس)، و بقول الصادق عليه السّلام: (كالكف) في معنى الشهادة، كما مر، الوضوح في الحجية و الاعتبار و الاستناد و الاطمئنان و سكون النفس إليه فعلا، بل هذا هو المراد من العلم في عرف العامة مطلقا، فتنزّل الأدلة الشرعية عليه، إلّا مع القرينة على الخلاف، و هي مفقودة.

و استدل من قال بالاختصاص بالعلم الحاصل من المدارك الحسية بأمور:

الأول: الأصل، أي أصالة عدم الحجية إلّا في مورد العلم.

الثاني: الإجماع.

الثالث: ظواهر الأدلة.

و الأول محكوم بالإطلاقات و العمومات. و الثاني على فرض اعتباره أول الدعوى في هذه المسألة الخلافية العامة البلوى، و مرّ أن المراد بالأخير ما يوجب الاطمئنان و سكون النفس.

الرابع: قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في موثق السكوني: «لا تشهد بشهادة لا تذكرها، فإنه من شاء كتب كتابا و نقش خاتما» (1).

و فيه أن مفهومه جوازها بما ذكرها، و هو مطلق يشمل جميع أنحاء الذكر.

الخامس: مكاتبة جعفر بن عيسى، قال: «جعلت فداك، جاءني جيران لنا بكتاب زعموا أنهم أشهدوني على ما فيه، و في الكتاب اسمي بخطي قد عرفته، و لست أذكر الشهادة، و قد دعوني إليها، فاشهد لهم على معرفتي أن اسمي في

ص: 188


1- الوسائل: باب 8 من أبواب الشهادات الحديث: 4.

نعم لو حصل له العلم من الجفر و الرمل و نحوهما مما يكون غير متعارف لا اعتبار به (3).

مسألة 2: كل ما حصل به العلم و لم يردع عنه الشرع تجوز الشهادة به

(مسألة 2): كل ما حصل به العلم و لم يردع عنه الشرع تجوز الشهادة به في كل مورد حصل للشاهد العلم بالمشهود به من دون اختصاص بمورد دون آخر (4).

______________________________

الكتاب و لست أذكر الشهادة؟ أو لا تجب الشهادة عليّ حتى اذكرها، كان اسمي (بخطي) في الكتاب أو لم يكن؟ فكتب: لا تشهد» (1).

و فيه: أن السائل فرض في السؤال عدم معرفة الشهادة فلم تتم الحجة على الشهادة لديه، و لا ريب في أن الاسم و الخاتم أعم من ذلك، خصوصا مع عدم معرفة صاحبهما بأصل الشهادة، و يشهد للتعميم خبر عمر بن يزيد قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يشهدني على شهادة فاعرف خطي و خاتمي، و لا أذكر من الباقي قليلا و لا كثيرا، فقال لي: إذا كان صاحبك ثقة و معه رجل ثقة فاشهد له» (2).

(3) لأن هذا هو المتيقن مما استدلوا به على المنع مما تقدم.

(4) لوجود المقتضي و فقد المانع، فتشمله الأدلة بلا محذور و مدافع.

و ما يظهر من جمع- منهم المحقق رحمه اللّه في الشرائع- من الاختصاص بموارد تسعة: النسب، و الملك المطلق، و الوقف، و النكاح، و الموت، و الولاء، و العتق، و الرق، و الولاية، فإن أرادوا التخصيص بها فلا وجه له، و إن أرادوا الغالب، مع أنه ذكر أغلب الموارد في رواية يونس عن الصادق عليه السلام قال: «سألته عن البينة إذا أقيمت على الحق، أ يحل للقاضي أن يقضي بقول البينة إذا لم

ص: 189


1- الوسائل: باب 8 من أبواب الشهادات الحديث: 2.
2- الوسائل: باب 8 من أبواب الشهادات الحديث: 1.

مسألة 3: في كل مورد حصل للشاهد العلم بنفس السبب دون المسبب

(مسألة 3): في كل مورد حصل للشاهد العلم بنفس السبب دون المسبب تصح له الشهادة بالأول دون الآخر (5).

مسألة 4: في موارد الحجج الشرعية

(مسألة 4): في موارد الحجج الشرعية تأسيسية كانت أو إمضائية، و قواعدها خاصة كانت أو عامة، و كذا الأصول المعتبرة موضوعية كانت أو حكمية- تصح الشهادة بما ينساق منها من الاعتذار الظاهري (6).

______________________________

يعرفهم من غير مسألة؟ فقال: خمسة أشياء يجب على الناس الأخذ فيها بظاهر الحكم: الولايات، و التناكح، و الذبائح، و الشهادات، و المواريث، فإذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت شهادته و لا يسأل عن باطنه» (1)، فيستفاد منها أن الحصر في الخمسة ليس حقيقيا، بل هو غالبي، كما مر.

(5) فيقول- مثلا- استفاض عندي أن هذا وقف، و لا يقول: هذا وقف، لفرض حصول العلم له بالاستفاضة دون أصل الوقفية، فلا بد و أن يشهد بما هو المعلوم دون غيره.

(6) لأنه المعلوم بعد فرض حجيتها و اعتبارها بما أقيم عليها من الأدلة العلمية القاطعة، فيكون المشهود به علميا قطعيا، فيشهد أن هذا ملكه بمقتضى يده أو تصرفه مثلا، و لا يشهد بالملكية الواقعية، و لكن عن الصادق عليه السلام في خبر ابن وهب: «الرجل يكون في داره ثمَّ يغيب عنها ثلاثين سنة، و يدع فيها عياله، ثمَّ يأتينا هلاكه و نحن لا ندري ما أحدث في داره، و لا ندري ما أحدث له من الولد، إلا إنا لا نعلم أنه أحدث في داره شيئا، و لا حدث له ولد، و لا تقسم هذه الدار على ورثته الذين ترك في الدار، حتى يشهد شاهد عدل أن هذه الدار دار فلان بن فلان، مات و تركها ميراثا بين فلان و فلان، أو نشهد على هذا؟ قال: نعم، قلت: الرجل يكون له العبد و الأمة فيقول: أبق غلامي أو أبقت أمتي، فيؤخذ

ص: 190


1- الوسائل: باب 22 من أبواب كيفية الحكم.

دون الحكم الواقعي (7).

مسألة 5: لو ثبت شي ء بالاستفاضة و شهد الشاهد بها تقبل الشهادة

(مسألة 5): لو ثبت شي ء بالاستفاضة و شهد الشاهد بها تقبل الشهادة (8)، و أما متعلقها فلا تقبل الشهادة به (9).

مسألة 6: لو وجد الحاكم شهادة الشهود مكتوبة في ورقة موقّعة بخاتمهم لا يصح الاعتماد عليه

(مسألة 6): لو وجد الحاكم شهادة الشهود مكتوبة في ورقة موقّعة بخاتمهم لا يصح الاعتماد عليه (10)، و كذا لا يجوز للشاهد الشهادة بمضمون ورقة وجدها (11)،

______________________________

بالبلد، فيكلفه القاضي البينة أن هذا غلام فلان لم يبعه و لم يهبه، أ فنشهد على هذا إذا كلفناه و نحن لم نعلم أنه أحدث شيئا؟ فقال: كلما غاب من يد المرء المسلم غلامه أو أمته، أو غاب عنك لم تشهد به» (1)، و عنه عليه السلام أيضا: «الرجل يكون له العبد و الأمة قد عرف ذلك فيقول: أبق غلامي أو أمتي، فيكلفونه القضاة شاهدين بأن هذا غلامه أو أمته و لم يبع و لم يهب، أ نشهد على هذا إذا كلفناه؟

قال: نعم» (2)، و يمكن حملهما على صورة وجود القرينة الموجبة للعلم مع أن الأخير معارض بما في ذيل الأول.

(7) لعدم العلم به إلّا للّه الذي هو عالم السر و الخفيات.

نعم في الأحكام الضرورية الأولية الواقعية، تصح الشهادة العلمية القطعية، كما هو معلوم.

(8) لوجود المقتضي- و هو السماع بالنسبة إلى الاستفاضة- و فقد المانع، فتشمله الأدلة.

(9) لعدم تحقق العلم به. نعم إن دلّ دليل من الخارج على تحقق المتعلق بنفس الاستفاضة، فالظاهر الجواز.

(10) لأعمية الشهادة من مطابقة الخط و الخاتم لواقع المشهود به.

(11) للأصل، و ما تقدم من مكاتبة جعفر بن عيسى (3).

ص: 191


1- الوسائل: باب 17 من أبواب الشهادات الحديث: 2.
2- الوسائل: باب 17 من أبواب الشهادات الحديث: 3.
3- تقدم في صفحة: 188.

إلّا إذا حصل العلم و اليقين بصحتها من كل جهة (12).

مسألة 7: إذا سمع الأعمى صوتا و علم بصاحبه تجوز شهادته فيه تحملا و أداء

(مسألة 7): إذا سمع الأعمى صوتا و علم بصاحبه تجوز شهادته فيه تحملا و أداء، و كذا لو شهد الأصم فعلا و كذا الأخرس إن عرف الحاكم إشارته (13)، و مع الجهل يحتاج إلى مترجمين عدلين (14).

مسألة 8: لو غلب على الشاهد السهو أو النسيان لعارض من مرض أو غيره

(مسألة 8): لو غلب على الشاهد السهو أو النسيان لعارض من مرض أو غيره لا يجوز الاعتماد على شهادته (15).

______________________________

(12) بحيث يصح الاعتماد عليه من كل جهة، فحينئذ يجوز لوجود المقتضي و فقد المانع، و كذا الكلام في مثل المسجلات الصوتية أو التصويرية.

(13) كل ذلك لإطلاق الأدلة، و عمومها، و ما دلّ على أن إشارة الأخرس كنطقه مع الافهام عرفا (1). نعم لا تقبل شهادة الأعمى في المبصرات، و الأصم في المسموعات، إذا كان ذلك حين التحمل.

(14) لأصالة عدم الاعتبار إلّا بذلك.

(15) لفرض عدم إحراز الحاكم الشرعي الشهادة على ما هي عليه، إلّا إذا احتفت بقرائن خارجية توجب صحتها، و عدم عروض السهو و النسيان في خصوصياتها.

ص: 192


1- راجع صفحة: 114.

الفصل الثالث في الحقوق

اشارة

الفصل الثالث في الحقوق و هي مع كثرتها على قسمين (1).

حق اللّه تعالى و حق الآدمي، و لكل منهما افراد، يأتي تفصيل الأول في كتاب الحدود.

و الكلام هنا في الثاني و هو على أقسام

اشارة

و الكلام هنا في الثاني و هو على أقسام:

الأول: ما لا يثبت إلّا بشاهدين عدلين ذكرين فقط

الأول: ما لا يثبت إلّا بشاهدين عدلين ذكرين فقط، فلا يثبت بالنساء مطلقا كأصل الطلاق (2)، و كذا الخلع و المبارأة إذا لم يرجع الاختلاف فيهما إلى الاختلاف في المال (3).

______________________________

(1) هذا الحصر ليس بعقلي، بل و لا شرعي صحيح، لأن الحق إما حق اللّه تعالى، أو حق الآدمي، أو مشترك بينهما.

نعم يقع الكلام في القسم الأخير في أنه هل يلحق بحق اللّه، أو الآدمي، أو يترتب عليه حكم كل واحد منهما؟

(2) للأصل، و الإجماع، و النصوص منها، قول الصادق عليه السلام في رواية داود بن الحصين: «كان علي عليه السلام لا يجيز في الطلاق إلّا شاهدين عدلين»، و تقدم في كتاب الطلاق بعض الكلام، فراجع.

(3) لأنه حينئذ طلاق عرفا، و شرعا، و لغة، و لا يثبت الطلاق إلّا بشاهدين عدلين. نعم لو رجع الاختلاف إلى الاختلاف في المال يمكن أن يدخل في القسم الآتي بعد ذلك، لو عممنا الاختلاف المالي حتى إلى هذه الجهة، و لم نخصصه بما كان مدلولا مطابقيا للدعوى، و يأتي التفصيل بعد ذلك.

ص: 193

الثاني: ما يكون من حقوق الآدمي غير المالية و لا المقصود منها المال

الثاني: ما يكون من حقوق الآدمي غير المالية و لا المقصود منها المال، لا تقبل شهادة النساء فيها لا منفردات و لا منظمات كالإسلام، و البلوغ، و الولاء، و الجرح، و التعديل، و العفو عن القصاص، و الوكالة، و الوصاية، و الرجعة، و عيوب النساء الظاهرة، و النسب، و الهلال (4).

______________________________

(4) نسب هذا الضابط إلى المشهور، و يظهر منهم الإجماع عليه.

و ناقش في هذه الكلية جمع- منهم المحقق الأردبيلي- و الظاهر أنه لا وجه للمناقشة، إذا لوحظ القدر المتيقن من الإجماع، كما هو الشأن في الأخذ بالإجماع في سائر الموارد، مع تردد مورده بين الأقل و الأكثر، و في مورد الشك يرجع إلى أصالة عدم الاعتبار إن لم يكن عموم- نحرز كونه في مورد البيان- في البين.

و منه يظهر إلحاق بعضهم الخمس، و الزكاة، و الكفارة بما ذكر، إذ الشك في كون الموارد المزبورة منها يكفي في عدم الإلحاق، ما لم يكن دليل معتبر في البين، و قد ورد في جملة منها- مضافا إلى ما مر من الإجماع- روايات خاصة مثل صحيحة محمد بن مسلم: «لا تجوز شهادة النساء في الهلال، و لا في الطلاق» (1)، و مثله غيره من الصحاح، و في موثق السكوني عن جعفر عن آبائه عن علي عليهم السلام: «كان يقول: شهادة النساء لا تجوز في طلاق، و لا نكاح، و لا حدود إلّا في الديون، و ما لا يستطيع الرجال النظر إليه» (2)، فإنها صريحة في- عدم قبول شهادتهن إلّا في الموارد المستثناة. و هناك روايات أخرى ستأتي في موردها إن شاء اللّه تعالى، و سيأتي خبر يونس المعمول به لدى الأصحاب ما تثبت به القاعدة الكلية، إلّا ما خرج بالدليل.

ص: 194


1- الوسائل: باب 24 من أبواب الشهادات الحديث: 42.
2- الوسائل: باب 24 من أبواب الشهادات الحديث: 8.
الثالث: كل ما كان مالا- أو المقصود منه المال

الثالث: كل ما كان مالا- أو المقصود منه المال يثبت بشاهدين، و بشاهد و امرأتين، و بشاهد و يمين المدعي، و بامرأتين و يمين المدعي (5)، كمطلق الدين الشامل للقرض و كل ما في الذمة من ثمن المبيع و الصداق و السلف و الغصب و المعاوضات مطلقا و الوصية له و الجناية الموجبة للدية- كالخطإ و شبه العمد- و قتل الأب ولده و المسلم في الذمة، و كل ما كان مورد الدعوى مالا أو مقصودا به المال فكل ذلك يثبت بما ذكر (6).

______________________________

(5) نصا، و اتفاقا، قال الصادق عليه السلام في رواية يونس: «استخراج الحقوق بأربعة وجوه: بشهادة رجلين عدلين، فإن لم يكونا رجلين فرجل و امرأتان، فإن لم تكن امرأتان فرجل و يمين المدعي، فإن لم يكن شاهد فاليمين على المدعى عليه» (1)، و هذا موافق لسهولة الشريعة، فيسقط التمسك بأصالة عدم الاعتبار مع مثل هذه الأخبار، التي تقدم بعضها في القضاء، و يأتي في الحدود بعضها الآخر.

و قصور السند منجبر بعمل الأصحاب، و الاعتماد عليه، و مثل يونس لا يروى إلّا عن ثقة أو من الإمام عليه السلام، فلا وجه للإشكال بضعف السند و غيره، مع أن الإمام عليه السلام في مقام تأسيس قاعدة كلية جارية في جميع الموارد، إلّا ما خرج منها بدليل مخصوص تخصص به القاعدة الكلية لو كان في مقام البيان من كل جهة، أي من جهة النفي المطلق و الإثبات في مورد خاص، و نعم ما قال صاحب الجواهر: «المستفاد من النصوص ثبوت كل حق من حقوق الآدميين بالشاهد و اليمين، إلّا ما خرج بأدلة مخصوصة من إجماع أو غيره، و من ذلك ينفتح لك باب عظيم في محال الخلاف، و الظاهر قيام المرأتين مع اليمين مقامه في ذلك كقيام المرأتين مع الشاهد مقامه في موضوعه».

(6) لما مر من النص، و الإجماع، و إطلاقهما يشمل جميع ما ذكر،

ص: 195


1- الوسائل: باب 15 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 2.

مسألة 1: تقبل شهادة النساء في النكاح إن كان معهن الرجل

(مسألة 1): تقبل شهادة النساء في النكاح إن كان معهن الرجل (7). و لا تقبل شهادتهن في القصاص (8).

______________________________

و إطلاق صحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام: «تجوز شهادة النساء مع الرجل في الدين؟ قال: نعم» (1)، كما يثبت بشهادة امرأتين مع اليمين، للأدلة الدالة على قيام امرأتين مقام الرجل، و جملة من الأخبار منها إطلاق قول أبي الحسن عليه السلام: «إذا شهد لصاحب الحق امرأتان و يمينه فهو جائز» (2)، و مثله غيره.

(7) لقول أبي الحسن الرضا عليه السلام في الموثق: «تجوز شهادتهن في النكاح إذا كان معهن رجل» (3)، و ما يدل على القبول مطلقا. كما في رواية زرارة قال:

«سألت أبا جعفر عليه السلام عن شهادة النساء تجوز في النكاح؟ قال: نعم» (4)، و غيره من الأخبار لا بد و أن يحمل على ذلك، كما أن ما دلّ على عدم القبول (5)، يقيد بما إذا لم يكن معهن رجل.

(8) لجملة من النصوص، منها قول علي عليه السلام في الموثق: «لا تجوز شهادة النساء في الحدود و لا في القود» (6)، و مثله غيره.

و ما يظهر منه القبول مثل صحيح ابن حمران عن الصادق عليه السلام: «أ تجوز شهادة النساء في الحدود؟ فقال عليه السلام: في القتل وحده، إن عليا عليه السلام كان يقول: لا يبطل دم امرئ مسلم» (7)، يحمل على ما إذا كانت موردها الدية دون القصاص جمعا.

و أما ما في ذيل رواية عبد الرحمن عن الصادق عليه السلام: «تجوز شهادة النساء في الحدود مع الرجال» (8)، فمحمول على كون الشهادة للرجل مستقلا، و إن النساء بمنزلة الضميمة غير المستقلة.

ص: 196


1- الوسائل: باب 24 من أبواب الشهادات الحديث: 2 و 31 و 7 و 11 و 42 و 29 و 1 و 21.
2- الوسائل: باب 24 من أبواب الشهادات الحديث: 2 و 31 و 7 و 11 و 42 و 29 و 1 و 21.
3- الوسائل: باب 24 من أبواب الشهادات الحديث: 2 و 31 و 7 و 11 و 42 و 29 و 1 و 21.
4- الوسائل: باب 24 من أبواب الشهادات الحديث: 2 و 31 و 7 و 11 و 42 و 29 و 1 و 21.
5- الوسائل: باب 24 من أبواب الشهادات الحديث: 2 و 31 و 7 و 11 و 42 و 29 و 1 و 21.
6- الوسائل: باب 24 من أبواب الشهادات الحديث: 2 و 31 و 7 و 11 و 42 و 29 و 1 و 21.
7- الوسائل: باب 24 من أبواب الشهادات الحديث: 2 و 31 و 7 و 11 و 42 و 29 و 1 و 21.
8- الوسائل: باب 24 من أبواب الشهادات الحديث: 2 و 31 و 7 و 11 و 42 و 29 و 1 و 21.

مسألة 2: تقبل شهادتهن في الحقوق المتعلقة بالأموال

(مسألة 2): تقبل شهادتهن في الحقوق المتعلقة بالأموال، كالخيار و الشفعة و الأجل و فسخ العقد المتعلق بالمال و نحو ذلك (9)، و كذا تقبل شهادتهن في الوقف إذا عدّ من حقوق الآدمي عرفا (10).

مسألة 3: كل ما يعسر اطلاع الرجال عليه غالبا كالولادة و العذرة

(مسألة 3): كل ما يعسر اطلاع الرجال عليه غالبا كالولادة و العذرة و الحيض و عيوب النساء الباطنية كالقروح و الجروح في الفرج و القرن و الرتق دون الظاهرة كالعمى و العرج تقبل شهادة الرجال و النساء فيه منفردات و منضمات (11).

______________________________

(9) لأن كل ذلك من حق الآدمي المتعلق بالمال، فيشملها عموم الدليل على كل حال، كما تقدم.

(10) لثبوت الموضوع عرفا، فيشمله الحكم قهرا، و في مورد الشك يرجع إلى أصالة عدم ترتب الأثر، بعد عدم صحة التمسك بالأدلة لكون الشبهة موضوعية.

(11) أما الثبوت بالرجال في موارد جواز النظر، فلعموم أدلة قبول شهادتهم الشاملة للمقام أيضا. و أما الثبوت بالنساء منضمات و منفردات، فلإطلاق الإجماع، و المستفيضة من النصوص، منها قول الصادق عليه السلام في رواية ابن محبوب: «تجوز شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه، و يشهدوا عليه» (1)، و بمفهومه يستدل على عدم الجواز فيما هو ظاهر، و مثل رواية عبد اللّه ابن سنان عنه عليه السلام أيضا قال: «تجوز شهادة النساء وحدهن بلا رجال في كل ما لا يجوز للرجال النظر إليه» (2)، إلى غير ذلك من الروايات.

ص: 197


1- الوسائل: باب 24 من أبواب الشهادات الحديث: 5 و 10.
2- الوسائل: باب 24 من أبواب الشهادات الحديث: 5 و 10.

مسألة 4: كل موضع تقبل شهادة النساء منفردات لا تقبل بأقل من أربع

(مسألة 4): كل موضع تقبل شهادة النساء منفردات لا تقبل بأقل من أربع (12).

نعم تقبل شهادة المرأة الواحدة بلا يمين في ربع الوصية و ميراث المستهل و الاثنين في النصف و الثلاث في ثلاثة أرباع و الأربع في الجميع (13)،

______________________________

(12) على المشهور بين الفقهاء للأصل، و إمكان دعوى القطع مما وصل إلينا من الكتاب (1)، و السنة- كما مر- من أن كل امرأتين عدلين بمنزلة عدل واحد.

و ما نسب إلى المفيد قبولها عن امرأتين مسلمتين مستورتين فيما لا تراه الرجال- كالعذرة و الولادة و الاستهلال و عيوب النساء و الحيض و النفاس لا وجه له.

و أما قول الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير: «تجوز شهادة امرأتين في استهلال» (2)، و قول الصادق عليه السلام في خبر عبد اللّه: «تجوز شهادة القابلة وحدها في المنفوس» (3)، فلا بد من حمله على القبول في الجملة و لو بعد الانضمام، أو ردّه إلى أهله.

(13) إجماعا، و نصا، ففي صحيح ابن يزيد قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل مات و ترك امرأته و هي حامل، فوضعت بعد موته غلاما، ثمَّ مات الغلام بعد ما وقع إلى الأرض فشهدت المرأة التي قبلتها أنه استهل و صاح حين وقع إلى الأرض- ثمَّ مات- قال عليه السلام: على الإمام أن يجيز شهادتها في ربع ميراث الغلام» (4)، و به يقيد الروايات الدالة في إعطاء تمام الإرث بشهادة القابلة (5).

ص: 198


1- كما في سورة البقرة: 282.
2- الوسائل: باب 24 من أبواب الشهادات الحديث: 41 و 10.
3- الوسائل: باب 24 من أبواب الشهادات الحديث: 41 و 10.
4- الوسائل: باب 24 من أبواب الشهادات الحديث: 6 و 2 و 10.
5- الوسائل: باب 24 من أبواب الشهادات الحديث: 6 و 2 و 10.

و لا يلحق بها في ذلك رجل واحد بل لا يثبت به أصلا (14).

و هنا مسائل

اشارة

و هنا مسائل:

الأولى: ليست الشهادة شرطا في صحة شي ء من العقود و الإيقاعات سوى الطلاق و الظهار

الأولى: ليست الشهادة شرطا في صحة شي ء من العقود و الإيقاعات سوى الطلاق و الظهار (15).

نعم يستحب في العتق و النكاح (16)، و غيرهما.

______________________________

و تقدم في كتاب الوصية ما يتعلق بالمقام. فراجع.

و الظاهر عدم الاختصاص بالقابلة، و إنما ذكر من باب الغالب و المثال، فيثبت الربع بشهادة مطلق المرأة و لو لم تكن قابلة، كما يدل عليه صحيح محمد بن مسلم قال: «سألته تجوز شهادة النساء وحدهن؟ قال عليه السلام: نعم، في العذرة و النفساء» (1)، و غيره من الأخبار.

(14) للأصل، و الإجماع، و اختصاص الدليل بالمرأة، و حرمة القياس.

(15) للأصل، و إطلاق أدلتها، و تقدم في كتاب الطلاق و الظهار دليل اعتبارها فيهما.

(16) أما النكاح فلقول أبي عبد اللّه عليه السلام في الموثق: «سن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في ذلك الشاهدين تأديبا و نظرا، لئلا ينكر الولد و الميراث» (2)، و ما يدلّ على الخلاف (3)، محمول على التقية، أو على ما تقدم.

و أما العتق فلما ورد من الشهادة في عتق الصادق عليه السلام غلمانه (4)، كما أن المشهور- بل الآية المباركة (5)، و الأخبار (6)- استحباب الشهادة في الدين أيضا.

ص: 199


1- الوسائل: باب 24 من أبواب الشهادات الحديث: 19 و 35.
2- الوسائل: باب 24 من أبواب الشهادات الحديث: 19 و 35.
3- الوسائل: باب 11 من أبواب المتعة الحديث: 11.
4- الوسائل: باب 6 من أبواب العتق.
5- سورة البقرة: 282.
6- راجع الوسائل: باب 50 من أبواب الدعاء ج: 4.
الثانية: تقدم في كتاب القضاء أن حكم الحاكم و شهادة الشاهد لا يغيران الواقع عما هو عليه

الثانية: تقدم في كتاب القضاء أن حكم الحاكم و شهادة الشاهد لا يغيران الواقع عما هو عليه فالمال باق على ملك المحكوم عليه في مورد الشهادة إذا كان ماله واقعا و إن شهد الشاهد بأنه ملك للمحكوم له (17)، فإن كانت حقا نفذ الحكم ظاهرا و واقعا و إلا نفذ في الظاهر فقط و لا يباح للمشهود له ما حكم الحاكم له مع علمه ببطلان الشهادة سواء كان الشاهدان عالمين ببطلان الشهادة أو معتقدين بصحتها (18).

الثالثة: يجب كفاية أداء الشهادة إذا طلبت منه

الثالثة: يجب كفاية أداء الشهادة إذا طلبت منه (19)،

______________________________

و لكن يمكن أن يقال: أن جميع ذلك للاستيثاق و الوثوق، كما ورد في البيع كذلك «1»، فيكون مثل الكتابة.

(17) بضرورة من الفقه إن لم يكن من المذهب، قال نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و تبعه جميع الأئمة الهداة عليهم السلام: «أيها الناس إنما أنا بشر و أنتم تختصمون، و لعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، و إنما أقضي على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له من حق أخيه بشي ء فلا يأخذ به، فإنما اقطع له قطعة من النار» «2».

(18) لأنه لا معنى لطريقية الشهادة و الحكم إلّا ذلك، كما هو واضح.

(19) للكتاب، و السنة، و الإجماع، قال تعالى وَ لا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ «3»، و أما السنة فكثيرة منها ما عن الصادق عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «نهى عن كتمان الشهادة» «4».

و أما كون الوجوب كفائيا، فلظهور الإجماع في أنه لا يتعين إلّا مع عدم

______________________________

(1) سورة البقرة: 282.

(2) الوسائل: باب 2 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 3.

(3) سورة البقرة: 283.

(4) الوسائل: باب 2 من أبواب الشهادات الحديث: 4.

ص: 200

إن لم يكن فيه ضرر (20)، و الأحوط وجوب التحمل إذا ادعى إليه من له أهلية ذلك (21).

الرابعة: وجوب أداء الشهادة يختص بمورد الاستشهاد

الرابعة: وجوب أداء الشهادة يختص بمورد الاستشهاد و مع عدمه فهو بالخيار إن شاء شهد و إن شاء لم يشهد (22).

______________________________

غيره، كما هو الشأن في جميع الواجبات الكفائية.

(20) لقاعدة رفع الضرر المقيدة للأدلة المتقدمة.

(21) على المشهور- و لم يخالف فيه إلّا ابن إدريس- لقوله تعالى وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا (1)، بقرينة قول الصادق عليه السلام في الصحيح: «قبل الشهادة» (2)، و قول أبي الحسن في قوله تعالى وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا قال: «من كان في عنقه شهادة، فلا يأب إذا دعي لإقامتها، و ليقمها و لينصح فيها، و لا تأخذه فيها لومة لائم و ليأمر بالمعروف و لينه عن المنكر» (3)، إلى غير ذلك من الأخبار، و احتمال حمل جميع ذلك على مجرد المجاملة و الأخلاق خلاف الظاهر.

و دليل كون الوجوب كفائيا الإجماع، كما مر في سابقة.

(22) لقول أبي جعفر عليه السلام في الصحيح: «إذا سمع الرجل الشهادة و لم يشهد عليها، فهو بالخيار، إن شاء شهد و إن شاء سكت» (4)، و قريب منه غيره.

ص: 201


1- سورة البقرة: 282.
2- الوسائل: باب 1 من أبواب الشهادات الحديث: 1.
3- الوسائل: باب 2 من أبواب الشهادات الحديث: 7.
4- الوسائل: باب 5 من أبواب الشهادات الحديث: 1.
الخامسة: لو كان أحد طرفي النزاع ظالما للآخر وجب أداء الشهادة إن لم يكن محذور شرعي في البين

الخامسة: لو كان أحد طرفي النزاع ظالما للآخر وجب أداء الشهادة إن لم يكن محذور شرعي في البين (23).

______________________________

(23) لصحيح محمد بن مسلم (1)، عن أبي جعفر عليه السّلام: «إذا سمع الرجل الشهادة و لم يشهد عليها فهو بالخيار ان شاء شهد و إن شاء سكت، إلّا إذا علم من الظالم فيشهد، و لا يحل له إلّا أن يشهد»، و التقييد بعدم محذور شرعي كالضرر و الحرج، فلقاعدة نفي كل منهما.

ص: 202


1- الوسائل: باب 5 من أبواب الشهادات الحديث: 4.

الفصل الرابع في الشهادة على الشهادة

اشارة

الفصل الرابع في الشهادة على الشهادة

مسألة 1: تقبل الشهادة على الشهادة في حقوق الناس عقوبة كانت كالقصاص- أو غيرها كالطلاق و النسب

(مسألة 1): تقبل الشهادة على الشهادة في حقوق الناس عقوبة كانت- كالقصاص- أو غيرها كالطلاق و النسب و الأموال- كالدين و القرض و الغصب و عقود المعاوضات- و عيوب النساء التي لا يطلع عليها الرجال غالبا كعيوبها الباطنية و الولادة و الاستهلال و كذا كل حق آدمي (1).

مسألة 2: لا تقبل الشهادة على الشهادة في الحدود

(مسألة 2): لا تقبل الشهادة على الشهادة في الحدود (2)،

______________________________

(1) كل ذلك لإطلاق الإجماع، و النصوص، منها رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: «في الشهادة على شهادة الرجل و هو بالحضرة في البلد، قال عليه السلام: نعم، و لو كان خلّف سارية يجوز ذلك إذا كان لا يمكنه أن يقيمها هو لعلة تمنعه عن أن يحضره و يقيمها، فلا بأس بإقامة الشهادة على شهادته» (1)، و غير ذلك من الروايات، و للتسهيل في إحقاق حقوق الآدمي مهما أمكن، و إطلاق أدلة قبول شهادة العدلين الشامل للشهادة على الشهادة أيضا.

(2) لظهور الإجماع، و النصوص، منها قول علي عليه السلام في الموثق: «إنه كان لا يجيز شهادة على شهادة في حد» (2)، و عن أبي جعفر عليه السلام: «لا تجوز شهادة على شهادة في حد، و لا كفالة في حد» (3)، مع أن حقوق اللّه تعالى مبنية على

ص: 203


1- الوسائل: باب 44 من أبواب الشهادات الحديث: 1.
2- الوسائل: باب 54 من أبواب الشهادات الحديث: 1 و 2.
3- الوسائل: باب 54 من أبواب الشهادات الحديث: 1 و 2.

و كذا في التعزيرات (3)، فلا أثر للشهادة على الشهادة في الحدود مطلقا بل لا بد فيها من شهادة الأصل سواء كانت حق اللّه محضا- كالزنا و اللواط- أو مشتركة بينه عز و جل و بين الآدمي كحد القذف و السرقة فلا تقطع اليد بالشهادة على الشهادة في السرقة (4).

مسألة 3: لا تقبل الشهادة على الشهادة في الحدود بالنسبة إلى إجراء الحد فقط

(مسألة 3): لا تقبل الشهادة على الشهادة في الحدود بالنسبة إلى إجراء الحد فقط، و أما سائر الأحكام الشرعية المترتبة على الموضوع فتقبل الشهادة على الشهادة فيها (5)، ففي السرقة لا تقطع يد السارق و لكن يؤخذ المال منه و كذا في جميع الموارد (6).

______________________________

التخفيف في الدنيا، و نرجو أن تكون في الآخرة بالأولى، و عن نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله:

«ادرؤا الحدود عن المسلمين ما استطعتم» (1).

(3) لأنها أيضا من حقوق اللّه تعالى، المبنية على التخفيف، و إن اختص لفظ النص بالحد كما تقدم، و لكن الظاهر أنه أعم منها كما يأتي.

(4) لصدق حق اللّه في الجملة، فلا بد و أن يخفف فيه و يغمض عنه، و كل مورد شك في أنه من حق اللّه تعالى- حتى لا تقبل شهادة الفرع- أو من حق الآدمي حتى تقبل، فمقتضى الأصل عدم ترتب الأثر، بعد عدم صحة التمسك بعموم أدلة قبول الشهادة، لكون الشبهة موضوعية.

(5) لوجود المقتضي و فقد المانع بعد صحة التفكيك، فتشملها العمومات، و الإطلاقات الدالة على قبول الشهادة و البينة حينئذ، فتحرم أم الملوط و أخته و بنته على اللائط، و إن لم يجز قتله، و التفكيك بين اللوازم و الملزومات شائع في الفقه.

(6) سواء كانت مع الواسطة أم بغيرها إن كانت الواسطة مبيّنة، لما مر من الإطلاق، و العموم.

ص: 204


1- السنن الكبرى للبيهقي ج: 8 باب: 30 من كتاب الحدود.

مسألة 4: تقبل شهادة الفرع في سائر حقوق اللّه تعالى غير خصوص الحد

(مسألة 4): تقبل شهادة الفرع في سائر حقوق اللّه تعالى غير خصوص الحد كالزكاة و الخمس و الأوقاف للمساجد و الجهات العامة و الأهلة بالنسبة إلى اللوازم (7).

مسألة 5: يختص القبول بخصوص الشهادة على الشهادة فقط

(مسألة 5): يختص القبول بخصوص الشهادة على الشهادة فقط و لا اعتبار بالثالثة فضلا عن الرابعة (8).

مسألة 6: يعتبر في الشهادة على الشهادة ما يعتبر في شهادة الأصل من العدد و الأوصاف

(مسألة 6): يعتبر في الشهادة على الشهادة ما يعتبر في شهادة الأصل من العدد و الأوصاف (9)، فلا يثبت بشهادة واحد (10)، فلو شهد على كل واحد اثنان أو شهد اثنان على شهادة كل واحد تقبل (11)، و كذا لو شهد شاهد أصل و هو مع آخر على شهادة أصل آخر، و كذا لو شهد شاهدان على شهادة المرأة فيما جازت شهادتها (12).

مسألة 7: لا تقبل الشهادة على الشهادة في النساء فيما لا تقبل شهادتهن فيه لا منفردات و لا منضمات

(مسألة 7): لا تقبل الشهادة على الشهادة في النساء فيما لا تقبل شهادتهن فيه لا منفردات و لا منضمات (13)،

______________________________

(7) لعموم أدلة الشهادة، و إطلاقها الشامل للجميع إلّا ما خرج بالدليل، و هو خصوص الحد.

(8) للأصل، و الإجماع، و حديث عمرو بن جميع عن أبي جعفر عليه السلام: «لا تجوز شهادة على شهادة على شهادة» (1).

(9) للإجماع، و ظواهر الأدلة، و أصالة عدم الاعتبار إلّا بذلك.

(10) للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق.

(11) لعموم أدلة قبول الشهادة، و أدلة المقام الشامل لذلك، مضافا إلى ظهور الإجماع.

(12) كل ذلك لإطلاق ظواهر الأدلة، مضافا إلى الاتفاق.

(13) لأنه إذا لم يكن للأصل أثر، فالفرع أولى بأن لا يؤثر.

ص: 205


1- الوسائل: باب 44 من أبواب الشهادات الحديث: 6.

بل لا تقبل فيما تقبل شهادتهن فيه أيضا (14).

مسألة 8: لا تقبل شهادة الفرع إلّا إذا كان الأصل معذورا عن الحضور لعذر مقبول

(مسألة 8): لا تقبل شهادة الفرع إلّا إذا كان الأصل معذورا عن الحضور لعذر مقبول (15).

مسألة 9: لو شهد شاهد الفرع على شهادة الأصل فأنكر الأصل ذلك يشكل الاعتماد على مثل هذه الشهادة أصلا و فرعا

(مسألة 9): لو شهد شاهد الفرع على شهادة الأصل فأنكر الأصل ذلك يشكل الاعتماد على مثل هذه الشهادة أصلا و فرعا (16).

______________________________

(14) للأصل، و ظواهر النصوص الواردة في الشهادة على الشهادة في اعتبار رجلين، مثل قول أبي جعفر عليه السلام في الموثق: «إن عليا عليه السلام كان لا يجيز شهادة رجل على شهادة رجل، إلّا شهادة رجلين على شهادة رجل» (1)، و مثله غيره بعد عدم صحة التمسك بالعمومات و الإطلاقات من جهة الشك في الموضوع.

(15) للأصل، و دعوى الإجماع، و ظاهر بعض الأخبار، كخبر ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: «في الشهادة على شهادة الرجل و هو بالحضرة في البلد، قال: نعم، و لو كان خلّف سارية يجوز ذلك إذا كان لا يمكنه أن يقيمها هو لعلة تمنعه عن أن يحضره و يقيمها، فلا بأس بإقامة الشهادة على شهادته» (2)، و لتفرع الفرع للأصل المقتضي، لأنه لا موضوع للفرع مع التمكن من الأصل.

(16) أما الأصل فللإنكار، و أما الفرع فللشك في شمول أدلة اعتبار الشهادة على الشهادة لمثل ذلك.

لكن عن الصادق عليه السلام في الصحيح: «رجل شهد على شهادة رجل فجاء الرجل فقال: إني لم أشهده؟ قال: تجوز شهادة أعدلهما، و إن كانت عدالتهما واحدة لم تجز شهادته» (3)، و قريب منه صحيح ابن سنان (4).

و أشكل عليه بأنه لا موضوع للمعارضة، لفرض أنه مع وجود الأصل لا

ص: 206


1- الوسائل: باب 44 من أبواب الشهادات الحديث: 4 و 2.
2- الوسائل: باب 44 من أبواب الشهادات الحديث: 4 و 2.
3- الوسائل: باب 46 من أبواب الشهادات الحديث: 1 و 3.
4- الوسائل: باب 46 من أبواب الشهادات الحديث: 1 و 3.

مسألة 10: لو شهد الأصل و تحمّل الفرع في حال جامعيتهما للشرائط

(مسألة 10): لو شهد الأصل و تحمّل الفرع في حال جامعيتهما للشرائط ثمَّ فسق الأصل و أدّى الفرع الشهادة حكم بها الحاكم (17)، و لكن الأحوط خلافه (18).

______________________________

تصل النوبة إلى الفرع، لاشتراط اعتبار الأخير بعدم الأول، فلا موضوع للتعارض حتى يرجح بالأعدلية. و عن جمع من الفقهاء طرح الفرع و الأخذ بالأصل فيما إذا كان ذلك قبل الحكم، و العمل بالصحيح. فيما إذا كان ذلك بعده، جمعا بينه و بين قاعدة اشتراط اعتبار الفرع بعدم الأصل، و لكنه جمع بلا شاهد، مع أنه إن كان بعد الحكم فظاهرهم الإجماع على نفوذ الحكم، و يقتضيه الاستصحاب أيضا.

و عن جمع العمل بالصحيحين لجامعيتهما للشرائط سندا و عملا، و إن المتيقن من القاعدة غير المقام. و كيف كان، من أراد التفصيل فليراجع المطولات. و لا بد للحاكم الشرعي الذي تقع لديه هذه الواقعة من التأمل و النظر حتى يحصل له الاطمئنان بشي ء يصح الاعتماد عليه.

(17) للأصل و ظاهر الإطلاق.

(18) لاحتمال انصراف ما دل على اعتبار شهادة الفرع عن هذا.

ص: 207

ختام فيه مسائل

اشارة

ختام فيه مسائل

مسألة 1: يعتبر في شهادة البينة مطلقا تواردهما على شي ء واحد

(مسألة 1): يعتبر في شهادة البينة مطلقا تواردهما على شي ء واحد (1)، فمع الاتفاق عليه تعتبر و مع عدمه لا أثر لها (2)، و المناط اتحاد المعنى دون اللفظ (3)، فلو شهد أحدهما أنه غصب و الآخر بأنه أخذ منه قهرا، أو شهد أحدهما أنه باعه منه أو اشترى منه و الآخر بأنه أخذ منه بعوض تقبل (4)، بخلاف صورة الاختلاف في المعنى بأن شهد أحدهما بالبيع و الآخر بأنه أقر بالبيع، أو شهد أحدهما بأنه غصبه من زيد و الآخر بأنه ملك من زيد لم تقبل (5).

______________________________

(1) للضرورة الفقهية إن لم تكن مذهبية أو دينية.

(2) أما الأول: فللإطلاق، و الاتفاق.

و أما الثاني: فلأصالة عدم ترتب الأثر، مضافا إلى الإجماع.

(3) لأن اللفظ طريق محض إلى المعنى، و لا اعتبار بمجرد اللفظ في محاورات العقلاء بعد تمامية الظهور في المعنى. و الاقسام أربعة:

الأول: الاتفاق لفظا و معنى.

الثاني: الاتفاق معنى في عرف المحاورات، و الاختلاف لفظا.

الثالث: الاختلاف فيهما معا.

الرابع: الاتفاق لفظا و الاختلاف معنى، و ما هو المعتبر في المحاورات إنما هو الأولان فقط دون الأخيرين.

(4) لاتحاد المعنى، و إن اختلف اللفظ.

(5) لعدم اتحاد المعنى في الشهادة عليه، لاختلاف البيع و الإقرار به عرفا

ص: 208

مسألة 2: تسقط الشهادتان مع تحقق التكاذب بينهما عرفا

(مسألة 2): تسقط الشهادتان مع تحقق التكاذب بينهما عرفا (6).

مسألة 3: إذا شهد أحدهما بأنه سرق نصابا غدوة و الآخر بأنه سرقه عشية لا يحكم بالقطع

(مسألة 3): إذا شهد أحدهما بأنه سرق نصابا غدوة و الآخر بأنه سرقه عشية لا يحكم بالقطع و لا برد المال (7).

مسألة 4: إذا اتفق الشاهدان على فعل مخصوص و اختلفا في بعض خصوصياته

(مسألة 4): إذا اتفق الشاهدان على فعل مخصوص و اختلفا في بعض خصوصياته كزمانه أو مكانه أو صفة من صفاته بحيث يوجب اختلاف الفعلين عرفا، لا أثر لشهادتهما (8)،

______________________________

و لغة و شرعا، و لأن الغصب منه أعم من كونه ملكا كذلك، و يصح للحاكم الشرعي تصحيح شهادتيهما و القبول مع اجتماع الشرائط و فقد الموانع، و يختلف ذلك باختلاف الخصوصيات و الجهات الشخصية في الواقعة.

(6) للعلم بعدم صحة اعتبارهما معا، و اعتبار أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح، فلا بد من التساقط حينئذ، و التساقط في المقام يتصور على وجهين:

الأول: سقوط مطلق الحجية من كل جهة فعلا و اقتضاء، فيصير الموضوع كأن لم تكن بينة و لا شاهد واحد في البين أصلا.

الثاني: سقوط البينة من حيث كونها بينة فعلا، و بقاء الشاهد الواحد على اقتضاء الحجية.

و الثاني معلوم، و إثبات الأول يحتاج إلى دليل، و هو مفقود، و على هذا فيمكن إثبات الحكم لدى الحاكم بشاهد واحد و يمين، إلّا أن يقال: بانصراف ما دلّ على اعتبار الشاهد الواحد و اليمين عن مثل المقام، و هو أول الكلام، و أولى بذلك ما إذا لم يتحقق تكاذب في البين، كما لا يخفى.

(7) لعدم تمامية الحجية الشرعية. نعم لو ضم إلى أحدهما يمين المدعي يثبت الغرم، دون القطع، لما مر من اختصاص الشاهد و اليمين بحقوق الناس دون حقوق اللّه تعالى.

(8) لتحقق المعارضة، فتسقط بها لا محالة عقلا و عرفا و شرعا، فيصير

ص: 209

فلا يقطع و لا يثبت الغرم (9). نعم إذا حلف المدعي مع كل واحد منهما يثبت الغرم بالنسبة إليهما و لا يثبت القطع (10).

مسألة 5: لو صدق تعارض أصل الشهادتين أو البينتين تسقطان بالمعارضة

(مسألة 5): لو صدق تعارض أصل الشهادتين أو البينتين تسقطان بالمعارضة، فلا تثبت بذلك القطع، و لا الغرم في السرقة مثلا (11).

مسألة 6: إذا تمت الشهادة عند الحاكم الشرعي و ماتا أو جنّا أو أغمي عليهما قبل الحكم

(مسألة 6): إذا تمت الشهادة عند الحاكم الشرعي و ماتا أو جنّا أو أغمي عليهما قبل الحكم حكم بهما الحاكم، و كذا لو فسقا أو كفرا بعد

______________________________

الموضوع من هذه الجهة كما لم تقم حجة عليه حينئذ، بلا فرق فيه بين حق اللّه تعالى و حق الناس، لفرض عدم تمامية الحجية بالمعارضة، كما إذا قال أحدهما:

سرق هذا المتاع الخاص غدوة، و قال الآخر: سرقه عشية، أو قال أحدهما: سرق ثوبا أبيض، و قال الآخر: سرق ثوبا أسود، و نظائر ذلك من الاختلاف في الخصوصيات.

(9) لعدم ثبوت الحجية لكل واحد منهما، مع أن الحد يدرأ بالشبهة، كما مر مكررا.

(10) أما ثبوت الغرم لكل واحد منهما مع حلف المدعي، فلما مر من ثبوت حقوق الناس بشاهد واحد و يمين المدعي. و أما عدم ثبوت القطع، فلما مر من عدم ثبوت حقوق اللّه تعالى إلّا بالبينة.

(11) أما سقوط الحجية الفعلية بالمعارضة، فلأنه الأصل في تعارض الحجج مطلقا، على ما أثبتناه في الأصول، و أما عدم القطع و الغرم، فلعدم الحجة عليهما مطلقا في البين، فيكون كل منهما من الحكم بلا دليل.

و خلاصة المقال: أنه تارة: تصدق المعارضة عرفا، و أخرى: يشك في صدقها و عدم الصدق، و ثالثة: يصدق عدمها عرفا. و في الأولين لا أثر للحكم مطلقا بخلاف الأخير، إن لم تصدق العمومات و الإطلاقات في الثاني، و إلا فيحكم بمفادها.

ص: 210

الحكم نفذ الحكم (12).

مسألة 7: لو اختل إحدى الشروط بعد التحمل و قبل الأداء

(مسألة 7): لو اختل إحدى الشروط بعد التحمل و قبل الأداء فلا وجه للاعتماد عليها (13).

مسألة 8: لو شهد جماعة و فيهم من هو جامع للشرائط يصح الاجتزاء بشهادتهم

(مسألة 8): لو شهد جماعة و فيهم من هو جامع للشرائط يصح الاجتزاء بشهادتهم و إن لم يعرفهم الحاكم الشرعي بأشخاصهم بعد علمه بأن فيهم عدول و جامع للشرائط (13).

مسألة 8: لو شهد جماعة و فيهم من هو جامع للشرائط يصح الاجتزاء بشهادتهم

(مسألة 8): لو شهد جماعة و فيهم من هو جامع للشرائط يصح الاجتزاء بشهادتهم و إن لم يعرفهم الحاكم الشرعي بأشخاصهم بعد علمه بأن فيهم عدول و جامع للشرائط (14).

مسألة 9: لا فرق فيما تقدم بين حقوق اللّه تعالى محضا- كالزنا و اللواط- و حقوق الآدمي في غير الفسق و الكفر

(مسألة 9): لا فرق فيما تقدم بين حقوق اللّه تعالى محضا- كالزنا و اللواط- و حقوق الآدمي في غير الفسق و الكفر (15)، و أما فيهما فلا يثبت الحد فيهما (16)، و يلحق بها الحقوق المشتركة بينهما كالقذف و السرقة (17).

مسألة 10: إذا شهدا لمن يرثانه فمات قبل الحكم فانتقل المشهود به إليهما

(مسألة 10): إذا شهدا لمن يرثانه فمات قبل الحكم فانتقل المشهود به إليهما لم يحكم بشهادتهما (18).

______________________________

(12) كل ذلك للإطلاق، و الاتفاق، و الاستصحاب.

(13) للأصل بعد عدم دليل على الاعتماد حينئذ، كما مر في أول الكتاب.

(14) للإطلاقات، و العمومات الشاملة لصورة العلم الإجمالي أيضا كشمولها لصورة العلم التفصيلي.

(15) لظاهر الإطلاق، و الاتفاق الشامل لهما.

(16) لظهور الإجماع، و بنائها على التخفيف، و درئها بالشبهة.

(17) لجريان البناء على التخفيف، و الدرء بالشبهة فيها أيضا.

(18) نسب ذلك إلى المشهور، و استدل عليه بالإجماع، و بأنه يقتضي الحكم لهما بشهادتهما، و يمكن الإشكال في الثاني باختلاف الجهة و الحيثية.

و في الأول بإسناده إلى هذا الدليل، فلا يصح عليه التعويل، و أشكل منه عدم الحكم لشركائهما بهذه الشهادة.

ص: 211

مسألة 11: لو رجع الشاهدان- أو أحدهما- عن الشهادة بعد الإقامة و قبل الحكم

(مسألة 11): لو رجع الشاهدان- أو أحدهما- عن الشهادة بعد الإقامة و قبل الحكم فلا حكم و لا غرم (19)، و إن اعترفا بالتعمد بالكذب فسقا و إلا فلا (20)، و لو كان المشهود به الزنا و اعترف الشهود بالتعمد حدّوا للقذف (21)، و لو ادّعوا: الوهم و الغفلة فلا حدّ للقذف (22).

______________________________

(19) للأصل، و الإجماع، و النص، قال الصادق عليه السلام: «في الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم و قد قضي على الرجل: ضمنوا ما شهدوا به و غرموا، و إن لم يكن قضي طرحت شهادتهم، و لم يغرموا الشهود شيئا» (1).

(20) اما الأول: فلعموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز، مضافا إلى الإجماع.

و اما الثاني: فللأصل، و الأحوط عدم قبول شهادة الثاني لو رجع إلى تلك الشهادة، لقول أبي جعفر عليه السلام في الصحيح قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل شهد عليه رجلان بأنه سرق، فقطع يده حتى إذا كان بعد ذلك جاء الشاهدان برجل آخر، فقالا: هذا السارق و ليس الذي قطعت يده إنما شبّهنا ذلك بهذا، فقضي عليهما أن غرمهما نصف الدية، و لم يجز شهادتهما على الآخر» (2)، و مثله غيره إن لم يحمل على مجرد الإرشاد إلى أفضلية ذلك في مقابل العمومات، و الإطلاقات الدالة على القبول.

(21) لوجود المقتضي و فقد المانع، فتشمله العمومات الدالة على حد القذف.

(22) لتحقق العذر و ثبوت الغفلة، و لا وجه لحد المعذور الغافل.

و أما مرسل ابن محبوب عن الصادق عليه السلام: «في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا، ثمَّ رجع أحدهم بعد ما قتل الرجل، قال عليه السلام: إن قال الرابع

ص: 212


1- الوسائل: باب 10 من أبواب الشهادات الحديث: 1.
2- الوسائل: باب 14 من أبواب الشهادات الحديث: 1.

مسألة 12: إذا رجع الشاهدان بعد الحكم و الاستيفاء و تلف المشهود به لم ينقض الحكم

(مسألة 12): إذا رجع الشاهدان بعد الحكم و الاستيفاء و تلف المشهود به لم ينقض الحكم (23). و لكن عليهما الغرم (24).

مسألة 13: لو رجعا بعد الحكم و قبل الاستيفاء ففي حدود اللّه تعالى ينقض الحكم

(مسألة 13): لو رجعا بعد الحكم و قبل الاستيفاء ففي حدود اللّه تعالى ينقض الحكم (25)، و كذا في المشترك بينها و بين الناس كحدّ القذف و السرقة (26)،

______________________________

[الراجع] أو همت، ضرب الحد و أغرم الدية، و إن قال، تعمدت، قتل» (1)، فمع قصور سنده لا بد من حمله على المقصّر أو طرحه.

(23) للأصل، و الإجماع، و النصوص، منها قول علي عليه السلام: «ان النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: من شهد عندنا ثمَّ غيّر، أخذناه بالأول و طرحنا الأخير» (2)، و عن الصادق عليه السلام: «كان أمير المؤمنين عليه السلام يأخذ بأول الكلام دون آخره»، بناء على نسخة الوافي (3)، و التهذيب، و لكن في الوسائل عنه عليه السلام أيضا: «لا يؤخذ بأول الكلام دون آخره» (4)، و على كل تقدير يمكن القول بإجمال هذا الحديث.

أما نسخة الوافي فلاحتمال أن يكون المراد به مورد الشهادة، و أما على نسخة الوسائل فلاحتمال أن يكون المراد به موردا. يكون ذيل الكلام قرينة مبينة لصدره، فيخرج عن الاستدلال في المقام. و إن أمكن تأييد نسخة الوافي بما تقدم من قول النبي صلّى اللّه عليه و آله.

(24) مثلا و قيمة، أو دية أو قصاصا، أو نحو ذلك، لقاعدة تسبيب ذلك كله للضمان.

(25) لتحقق الشبهة و بنائها على التخفيف.

(26) لما تقدم مكررا، كما في سابقة من تحقق الشبهة.

ص: 213


1- الوسائل: باب 12 من أبواب الشهادات الحديث: 1.
2- الوسائل: باب 11 من أبواب الشهادات الحديث: 4.
3- الوافي المجلد التاسع الطبعة الحجرية صفحة: 136.
4- الوسائل: باب 4 من أبواب آداب القاضي الحديث: 3.

و لا ينقض بالنسبة إلى غير الحدّ من سائر الآثار كحرمة الموطوء و أخته و بنته و حرمة أكل لحم البهيمة الموطوءة و قسمة مال المحكوم بالردة و اعتداد زوجته (27).

مسألة 14: لا ينقض الحكم فيما عدى ما تقدم من الحقوق

(مسألة 14): لا ينقض الحكم فيما عدى ما تقدم من الحقوق (28)، و لو رجع الشاهدان بعد الاستيفاء في حقوق الناس لم ينقض الحكم و إن كانت العين باقية (29)، و لكن الأحوط التراضي (30).

مسألة 15: إن كان المشهود به قتلا أو جرحا موجبا للقصاص و استوفى ثمَّ رجعوا و قالوا: تعمدنا

(مسألة 15): إن كان المشهود به قتلا أو جرحا موجبا للقصاص و استوفى ثمَّ رجعوا و قالوا: تعمدنا، اقتص منهم (31)، و إن قالوا: أخطأنا، فعليهم الدية في أموالهم (32)،

______________________________

(27) لأن ذلك كله حكم شرعي، فإذا ثبت لا يزول إلّا بدليل، و هو مفقود إلّا أن يقال: إن الحكم الشرعي ما دامي لا أن يكون دائميا.

(28) لإطلاق دليل الصحة، و استصحابها، و المرسل المنجبر عن أحدهما عليهما السلام قال: «في الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم و قد قضي على الرجل:

ضمنوا ما شهدوا به و غرموا، و إن لم يكن قضي طرحت شهادتهم و لم يغرموا الشهود شيئا» (1).

(29) على المشهور، لما تقدم في سابقة من غير فرق.

(30) لما نسبه المحقق الثاني إلى الرواية عن جميل عن الصادق عليه السلام «في شاهد الزور، قال: إن كان الشي ء قائما بعينه ردّ على صاحبه، و إن لم يكن قائما ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل» (2)، و هي قاصرة سندا بل و دلالة في المقام، لكونها في شاهد الزور لا الرجوع عن الشهادة.

(31) لفرض تحقق القتل العمدي، فيترتب عليه حكمه قهرا.

(32) لأن المورد داخل في قتل الخطأ، فيترتب عليه حكمه، فيكون

ص: 214


1- الوسائل: باب 10 من أبواب الشهادات الحديث: 1.
2- الوسائل: باب 11 من أبواب الشهادات الحديث: 2.

و إذا أقر بعضهم بالتعمد و بعضهم بالخطإ، فعلى الأول القصاص، و على الثاني الدية بقدر نصيبه، و لولي الدم قتل المقرين بالعمد أجمع ورد الفاضل عن دية صاحبه، و له قتل بعضهم و يرد الباقون قدر جنايتهم (33).

______________________________

الموردان من الموضوعات التي لا تعرف إلّا من قبل المقر غالبا، فيكون ذلك أمارة عرفية غالبية على إحراز الصدق.

(33) كل ذلك للإجماع، و لقاعدة: «قوة السبب على المباشر»، و لما يأتي من عمومات القصاص، و ما يأتي في كتاب القصاص من حكم المشتركين في القتل عمدا و خطأ، و خصوص أخبار خاصة، ففي خبر محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل شهد رجلان بأنه سرق فقطع يده، حتى إذا كان بعد ذلك جاء الشاهدان برجل آخر، فقالا: هذا السارق و ليس الذي قطعت يده، إنما شبّهنا ذلك بهذا، فقضى عليهما أن غرمهما نصف الدية، و لم يجز شهادتهما على الآخر» (1)، و في خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام: «في رجلين شهدا على رجل أنه سرق فقطعت يده، ثمَّ رجع أحدهما فقال: شبّه علينا، غرما دية اليد من أموالهما خاصة، و قال في أربعة شهدوا على رجل أنهم رأوه مع امرأة يجامعها. و هم ينظرون، فرجم ثمَّ رجع واحد منهم، قال عليه السلام: يغرم ربع الدية إذا قال: شبّه عليّ، و إذا رجع اثنان و قالا شبّه علينا غرما نصف الدية، و إن رجعوا كلهم و قالوا: شبّه علينا غرموا الدية، فإن قالوا: شهدنا بالزور قتلوا جميعا» (2)، و في مرسل ابن محبوب عن الصادق عليه السلام: «في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا ثمَّ رجع أحدهم، قال عليه السلام: إن قال الرابع:

أوهمت، ضرب الحد و أغرم الدية، و إن قال: تعمدت، قتل» (3).

ص: 215


1- الوسائل: باب 14 من أبواب الشهادات الحديث: 1 و 2.
2- الوسائل: باب 14 من أبواب الشهادات الحديث: 1 و 2.
3- الوسائل: باب 12 من أبواب الشهادات الحديث: 1 و 2.

مسألة 16: إذا كان المشهود به مما يوجب الحدّ- رجما أو قتلا و استوفى ذلك

(مسألة 16): إذا كان المشهود به مما يوجب الحدّ- رجما أو قتلا- و استوفى ذلك ثمَّ رجع أحد الشهود بعد الاستيفاء و قال: كذبت متعمدا، و صدّقه الباقون و قالوا: تعمدنا، كان لولي الدم حينئذ قتلهم بعد رد ما فضل من دية المرجوم. و إن شاء قتل واحدا و على الباقين تكملة ديته بالحصص بعد وضع نصيب المقتول. و إنشاء قتل أكثر من واحد ورد الأولياء ما فضل من دية صاحبهم و أكمل الباقون ما يعوز به بعد وضع نصيب من قتل، و إن لم يصدّقه الباقون مضى إقراره في نفسه فقط فللولي قتله بعد رد فاضل الدية عليه و له أخذ الدية عليه و له أخذ الدية منه بحصته (34).

مسألة 17: إذا ثبت أنهم شهدوا بالزور، نقض الحكم و استعيد المال منه مع الإمكان

(مسألة 17): إذا ثبت أنهم شهدوا بالزور، نقض الحكم و استعيد المال منه مع الإمكان (35)،

______________________________

(34) كل ذلك هو المجمع عليه، و ذكره المحقق في الشرائع، و يكون مطابقا للعمومات، و الأصول التي تقدم بعضها، و يأتي التعرض لبعضها الآخر في محله إن شاء اللّه تعالى.

و أما خبر ابن نعيم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن أربعة شهدوا على رجل بالزنا، فلما قتل رجع أحدهم عن شهادته؟ فقال: يقتل الرابع (الراجع)، و يؤدي الثلاثة إلى أهله ثلاثة أرباع الدية» (1)، فلا وجه للعمل به، إذ لا معنى لمؤاخذة أحد بإقرار غيره، فلا بد و أن يحمل على بعض المحامل.

(35) أما نقض الحكم فلظهور بطلانه، بل تسميته بالنقض مسامحة، لعدم تحققه من الأول، مضافا إلى الإجماع.

و أما استعادة المال فللأصل، و الإجماع، و النص، كصحيح ابن مسلم عن الصادق عليه السلام: «في شاهد الزور ما توبته؟ قال: يؤدي من المال الذي شهد عليه

ص: 216


1- الوسائل: باب 11 من أبواب الشهادات الحديث: 1.

و مع عدمه يضمن الشهود (36)، و لو كان المشهود به قتلا ثبت عليهم القصاص (37)، و كان حكمهم حكم الشهود إذا رجعوا و أقروا بالتعمد (38)، و لو باشر الولي القصاص و اعترف هو خاصة بالتزوير كان القصاص عليه لا على الشهود (39)، و لو أقر الشهود به أيضا (40).

مسألة 18: لو حكم الحاكم فقامت بينة بالجرح المطلق بلا تقيّد بوقت لم ينقض الحكم

(مسألة 18): لو حكم الحاكم فقامت بينة بالجرح المطلق بلا تقيّد بوقت لم ينقض الحكم (41)،

______________________________

بقدر ما ذهب من ماله إن كان النصف أو الثلث، إن كان شهد هذا و آخر معه» (1)، و في موثق جميل عن الصادق عليه السلام أيضا «في شاهد الزور قال: إن كان الشي ء قائما بعينه ردّ على صاحبه، و إن لم يكن قائما ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل» (2). و طريق الثبوت لا بد و أن يكون علم الحاكم به لا البينة، لأنها تدخل في موضوع التعارض، و لا الإقرار لأنه يدخل في موضوع الرجوع.

(36) للأصل، و الإجماع، و النص، كما تقدم.

(37) لثبوت التسبيب عرفا، فتشمله الأدلة قهرا، مضافا إلى ظهور الإجماع شرعا.

(38) لما تقدم في المسألة السابقة.

(39) لصدق مباشرة القتل ظلما بالنسبة إلى الولي، فيترتب عليه حكمه.

(40) لتقديم المباشر على السبب حينئذ عرفا، مع احتمال كونه على الجميع، و طريق الاحتياط التصالح و التراضي مع أولياء الدم.

(41) لأصالة الصحة، و استصحابها بعد احتمال حدوث منشأ الجرح بعد الحكم.

ص: 217


1- الوسائل: باب 11 من أبواب الشهادات الحديث: 2.
2- الوسائل: باب 11 من أبواب الشهادات الحديث: 2.

و مع إثبات كونه قبل الشهادة و وقوعها في حال الفسق نقض الحكم (42)، و تكون الدية للمحدود في بيت المال و لا قود على الحاكم (43).

مسألة 19: لو شهدا بالطلاق ثمَّ رجعا بعد حكم الحاكم لم ينقض حكمه

(مسألة 19): لو شهدا بالطلاق ثمَّ رجعا بعد حكم الحاكم لم ينقض حكمه (44)، فإن كان الرجوع بعد دخول الزوج لم يضمنا شيئا (45). و إن كان قبله ضمنا نصف المهر المسمّى (46).

______________________________

(42) لظهور كونه بلا مدرك، فلا وجه لاعتباره.

(43) إجماعا، و نصا، قال علي عليه السلام في خبر الأصبغ: «إن ما أخطأت القضاة في دم أو قطع فهو على بيت مال المسلمين» (1).

(44) للأصل، و الاستصحاب، و ظهور الاتفاق.

(45) للأصل بعد عدم تفويتهما لشي ء في مورد الشهادة، و قد اشتهر بينهم قاعدة «أن البضع لا يضمن بالتفويت».

(46) إن كان لها المهر المسمى، لظهور الإجماع، و قاعدة التسبيب، لأن الطلاق قبل الدخول صار موجبا للتنصيف و الشهود صاروا سببا لذلك، فيلزمهم ضمان ما دفعه المشهود عليه بسبب شهادتهم.

و نسب إلى نهاية الشيخ ضمانهما لتمام المهر، و لعله رحمه اللّه استند إلى صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: «في رجلين شهدا على رجل غائب عن امرأته أنه طلّقها، فاعتدت المرأة و تزوجت، ثمَّ إن الزوج الغائب قدم فزعم أنه لم يطلقها، و أكذب نفسه أحد الشاهدين، فقال: لا سبيل للأخير عليها، و يؤخذ الصداق من الذي شهد و رجع فيرد على الأخير، و يفرّق بينهما و تعتد من الأخير و لا يقربها الأول حتى تنقضي عدتها» (2)، و موثق ابن عبد الحميد عن الصادق عليه السلام: «في شاهدين شهدا على امرأة بأن زوجها طلّقها فتزوجت، ثمَّ جاء زوجها فأنكر

ص: 218


1- الوسائل: باب 10 من أبواب آداب القاضي الحديث: 1.
2- الوسائل: باب 13 من أبواب الشهادات الحديث: 3.

و الاحتياط في التصالح و التراضي (47).

مسألة 20: لو شهد الشاهدان- زورا- بموت الزوج فتزوجت المرأة بعد ما أعتدت ثمَّ جاءها الزوج الأول

(مسألة 20): لو شهد الشاهدان- زورا- بموت الزوج فتزوجت المرأة بعد ما أعتدت ثمَّ جاءها الزوج الأول يفرّق بينهما و تعتد، من الأخير و يضمن الشاهدان الصداق للزوج الثاني و يضربان الحدّ (48)، و كذا لو شهدا بطلاقها و تزوجت بعد ما اعتدّت (49).

مسألة 21: يجب تعزير شهود الزور بما يراه الحاكم

(مسألة 21): يجب تعزير شهود الزور بما يراه الحاكم و يشهّرون في

______________________________

الطلاق، قال عليه السلام: يضربان الحد و يضمنان الصداق للزوج، ثمَّ تعتد ثمَّ ترجع إلى زوجها الأول» (1). و فيه: أن إطلاق الضمان لا ينافي تقييدهما بما في مورد القواعد و عمل الأصحاب، و نعم ما قال في الجواهر ما حاصله: إن الخروج بهما عما تقتضيه القواعد مناف لأصول المذهب و قواعده. حتى أن الشيخ وافق المشهور في مبسوطه، و قال في موضع آخر ما محصله: لو فرض العمل بمجرد الأخبار مع قطع النظر عن القواعد المعمولة لزم تأسيس فقه جديد. مع أن النهاية ليس كتابا موضوعا للفتوى بل كتاب جمع فيه متون الأحاديث كما لا يخفى.

(47) خروجا عن خلاف مثل الشيخ، و جمعا بين القواعد و الأخبار.

(48) كل ذلك لقول الصادق عليه السلام في الصحيح: «في امرأة شهد عندها شاهدان بأن زوجها مات فتزوجت، ثمَّ جاء زوجها الأول؟ قال عليه السلام: لها المهر بما استحل من فرجها الأخير، و يضرب الشاهدان الحد، و يضمنان المهر لها بما غرا الرجل، ثمَّ تعتد و ترجع إلى زوجها الأول» (2)، و تقتضيه قاعدة: «المغرور يرجع إلى من غره»- كما تقدم- أيضا.

(49) لما تقدم من موثق ابن عبد الحميد، المحمول على شهادة الزور بما ورد فيه من القرينة.

ص: 219


1- الوسائل: باب 13 من أبواب الشهادات الحديث: 1.
2- الوسائل: باب 13 من أبواب الشهادات الحديث: 2.

محله (50)، و ليس منه الغالط و المخطئ و من ردّت شهادته للمعارضة أو نحو ذلك (51).

مسألة 22: لو رجع الشاهدان معا ضمنا بالسوية

(مسألة 22): لو رجع الشاهدان معا ضمنا بالسوية، و إن رجع أحدهما ضمن النصف، و لو ثبت المشهود به بشاهد و امرأتين فرجعوا ضمن الرجل النصف و ضمنت كل واحدة الربع (52).

مسألة 23: لو شهد أكثر مما تثبت به الدعوى

(مسألة 23): لو شهد أكثر مما تثبت به الدعوى كما إذا شهد ثلاثة من الرجال في المال و القصاص أو خمسة في الزنا فرجع شاهد واحد فلا ضمان عليه (53).

مسألة 24: لو ثبت الحق بشهادة واحد و يمين المدعي ثمَّ رجع الشاهد عن شهادته

(مسألة 24): لو ثبت الحق بشهادة واحد و يمين المدعي ثمَّ رجع الشاهد عن شهادته ضمن النصف (54)، و لو أكذب الحالف نفسه اختص بالضمان (55)، و لا غرم على الشاهد (56).

______________________________

(50) للنص، و الإجماع، و الاعتبار، قال الصادق عليه السلام في الموثق: «يجلدون حدا ليس له وقت، فذلك إلى الإمام و يطاف بهم حتى يعرفهم الناس» (1).

(51) لظهور الدليل في الاختصاص، مضافا إلى الأصل، و الإجماع.

(52) كل ذلك لقاعدتي السببية و العدل و الانصاف.

(53) لأصالة البراءة بعد عدم إحراز السببية، للضمان، لعدم استناد الحاكم في حكمه إلى الزائد مما هو المعتبر في الحكم.

(54) لفرض أنه شاهد واحد، و المدعى يثبت به و بغيره، فينتصف لا محالة بعد فرض أن الحكم مستند إليهما معا.

(55) لأن تمام الضمان جاء من أصل دعواه و يمينه، فيؤخذ به.

(56) للأصل مع أنه مغرور من دعوى المدعي و حلفه.

ص: 220


1- الوسائل: باب 11 من أبواب بقية الحدود الحديث: 1.

مسألة 25: لا فرق في الضمان فيما تقدم بين شهود ذات الشي ء و شهود التذكية

(مسألة 25): لا فرق في الضمان فيما تقدم بين شهود ذات الشي ء و شهود التذكية (57).

مسألة 26: لو أعاد الشاهدان ما شهدا به بعد الرجوع عن شهادتهما قبل حكم الحاكم

(مسألة 26): لو أعاد الشاهدان ما شهدا به بعد الرجوع عن شهادتهما قبل حكم الحاكم لا تقبل شهادتهما (58).

مسألة 27: لو شهد شاهدان بالوصية لزيد و شهد من ورثة الميت عدلان آخران أنه رجع عن وصيته و أوصى لخالد

(مسألة 27): لو شهد شاهدان بالوصية لزيد و شهد من ورثة الميت عدلان آخران أنه رجع عن وصيته و أوصى لخالد بعين ما أوصى به للأول فإن كان المال في يد الوارث- مشاعا أو مفروزا- لا تقبل شهادة الرجوع (59). و إلا فتقبل (60).

مسألة 28: إذا شهد شاهدان لزيد بالوصية و شهد شاهدان آخران بالرجوع عنها و الوصية لعمرو

(مسألة 28): إذا شهد شاهدان لزيد بالوصية و شهد شاهدان آخران بالرجوع عنها و الوصية لعمرو فإن حلف عمرو فالمال له (61)، و إن لم يحلف فالمرجع هو القرعة (62).

مسألة 29: لو أوصى بوصيتين منفردتين فقامت البينة على أنه رجع

(مسألة 29): لو أوصى بوصيتين منفردتين فقامت البينة على أنه رجع

______________________________

(57) لفرض تحقق السببية في شهود التذكية أيضا.

و دعوى: أن السبب هو الحكم لا التذكية.

ساقطة: لأنه لو لا التذكية لم تتحقق سببية الحكم أصلا.

(58) للأصل بعد الشك في شمول اعتبار الشهادة لمثل ذلك.

(59) لأنه من شهادة الشريك. فلا تقبل من جهة الاتهام، كما تقدم.

(60) لأنها بمنزلة البينة الداخلة، فيرجع من هذه الجهة على البينة الأخرى ما لم يثبت للبينة الأخرى ترجيح على شهادة الرجوع.

(61) لترجيح هذه البينة بواسطة حلف المشهود له على البينة السابقة.

(62) لفرض عدم الترجيح في البين و إشكال الأمر، و هي لكل أمر مشكل، و إن كان قاعدة العدل و الانصاف، تقتضي تصالحهما بالتنصيف.

ص: 221

عن إحداهما تقبل الشهادة (63)، فترجع إلى القرعة في التعيين (64).

مسألة 30: إذا تكرر التخاصم في شي ء واحد

(مسألة 30): إذا تكرر التخاصم في شي ء واحد يجوز إقامة الشهادة في كل واحد منه و لو كانت البينة واحدة (65).

مسألة 31: إذا شهدا أنه وقف على مسجد أو جهة عامة فحكم ثمَّ رجعا عن الشهادة

(مسألة 31): إذا شهدا أنه وقف على مسجد أو جهة عامة فحكم ثمَّ رجعا عن الشهادة ضمنا القيمة (66)، و لا يرد الوقف بالرجوع (67)، و كذلك في العتق أيضا (68).

______________________________

(63) للعمومات، و الإطلاقات، كما تقدم.

و دعوى: أنها مجملة فلا اعتبار بها.

مخدوشة: لأن مثل هذا الإجماع لا يضر باعتبار الشهادة، كما إذا قامت البينة على نجاسة أحد الإناءين غير المعين، فيجب الاجتناب عنهما.

(64) لأنها لكل أمر مشكل، و المقام منه.

(65) لعمومات اعتبار البينة، و الإطلاقات، و ظهور الاتفاق، و ذلك مثل ما استأنف المتخاصمان النزاع عند الحاكم الشرعي الآخر لغرض شرعي، و قامت البينة التي أقيمت في المخاصمة الاولى، و للمقام نظائر كثيرة.

(66) لأن ذلك بمنزلة إتلاف مال الغير، إذ الوقف لا يرجع ملكا، فيضمنان القيمة.

(67) لما تقدم في كتاب الوقف من أنه لا ينقلب ملكا لأحد إلّا في موارد خاصة، و ليس المقام منها. فراجع هناك و لا وجه للتكرار هنا.

(68) لأن العتق بمنزلة التلف، فيضمن القيمة للمولى وقت الحكم، على ما مر التفصيل في الضمان.

و هناك فروع كثيرة أخرى تركنا التعرض لها اشتغالا بالأهم، و اللّه تعالى هو المعين في كل حين و المستعان في كل الأزمان و هو المؤيد و الموفق و المسدد.

ص: 222

بسم اللّه الرحمن الرحيم

كتاب الحدود و التعزيرات

اشارة

كتاب الحدود و التعزيرات الحمد للّه رب العالمين و الصلاة على أشرف خلقه محمد و آله الطيبين الطاهرين.

______________________________

الحد و التعزير كل منهما عقوبة خاصة شرعية عند ارتكاب جرائم مخصوصة، و هما من الواجبات النظامية العامة، و من فروع القاعدة العقلية الدالة على أن جعل القانون بلا جعل عقوبة على مخالفته، يوجب صيرورة جعل أصل القانون لغوا، مع أن في الحدود حفظ مال النوع و عرضه، كما أن في القصاص حفظ النوع أيضا، و لا بد من تقديم أمور:

الأول: مادة (ح د د) بمعنى المنع، و منه سمي الحديد حديدا لمناعته و صلابته، كما أن مادة (ع ز ر) تستعمل بمعنى المنع أيضا، كما في قوله تعالى:

لِتُؤْمِنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُعَزِّرُوهُ (1)، و قوله تعالى وَ عَزَّرُوهُ وَ نَصَرُوهُ (2)، أي منعتموه و ما زلتم تمنعوه من كيد الكفار و المنافقين، و لا ريب في أن إقامة الحد و التعزير توجب منع الناس عن الاقدام على ارتكاب موجباتها.

الثاني: المشهور بين الفقهاء (رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين) أن كلما فيه عقوبة مقدرة تسمّى حدا، و ما ليس كذلك يسمّى تعزيرا، و لا بد و أن يكون

ص: 223


1- سورة الفتح: 9.
2- سورة الأعراف: 157.

..........

______________________________

ذلك بحسب الغالب، و إلا فقد وردت في الشرع تعزيرات خاصة في موارد مخصوصة، محدودة بكميات معينة شرعية ضبطوها في موارد خمسة، تأتي الإشارة إليها في ما بعد إن شاء اللّه تعالى.

و لذا قسّموا الحدّ إلى قسمين: الحدّ بالمعنى الأخص، و الأعم. و الثاني:

يشمل التعزيرات أيضا، فالحدّ و التعزير و القصاص من المفاهيم المبيّنة العرفية و اللغوية و الشرعية، و الكل مشترك في أنها من الواجبات النظامية التي قررها الشارع الأقدس.

الثالث: موجبات الحدّ ستة: الزنا و ما يتبعه، و القذف، و شرب الخمر، و السرقة، و قطع الطريق.

و موجب الثاني ارتكاب المحرم الذي لم يعين الشارع له حدا مخصوصا، بل وكّله إلى نظر الحاكم الشرعي.

الرابع: أصل المجازاة على ارتكاب المبغوض في الجملة من الفطريات، كما نشاهد بين الوالد و الولد و المالك و المملوك و الخادم و المخدوم و الرئيس و المرءوس، إلى غير ذلك، و انما حدد الشارع أصل ارتكاب المبغوض و عقوبته بشي ء خاص و كمية مخصوصة، كما في جميع الموضوعات العرفية التي تكون متعلقة لأحكام خاصة.

الخامس: قد ورد في فضل إقامة الحد أخبار كثيرة من الفريقين، فعن نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «إقامة حدّ خير من مطر أربعين صباحا» (1)، و عن أبي جعفر عليه السلام في موثق حنان بن سدير: «حدّ يقام في الأرض أزكى فيها من مطر أربعين ليلة و أيامها» (2).

أقول: لا بد و أن تحمل هذه الأخبار على ما إذا لم يضر المطر، و لا يكون من العذاب، كما ورد عن الكاظم في صحيح الحجاج: «و لإقامة الحد فيه أنفع

ص: 224


1- الوسائل: باب 1 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 4.
2- الوسائل: باب 1 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 2.

.....

______________________________

في الأرض من القطر أربعين صباحا» (1)، و يمكن حمل اختلاف الأخبار في كمية المطر على مراتب اختلاف المرتدعين عن المنكرات بواسطة إقامة الحدود.

السادس: الحدّ بمنزلة التوبة المقبولة، فكل من حدّ لا يعاقب على ما حدّ عليه يوم القيامة، إجماعا، و نصا، ففي الصحيح: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل أقيم عليه الحدّ في الدنيا، أ يعاقب عليه في الآخرة؟ فقال عليه السلام: اللّه أكرم من ذلك» (2).

السابع: كل حدّ محدود من اللّه عز و جل من حيث الكم و الكيف و سائر الجهات و الخصوصيات، و جعل تعالى لكل من تعدى ذلك الحدّ حدا، قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إن اللّه عز و جل جعل لكل شي ء حدّا و جعل على من تعدى حدّا من حدود اللّه عز و جل حدّا» (3)، و عن الصادق عليه السلام أيضا في الموثق: «إن لكل شي ء حدا، و من تعدى ذلك الحدّ كان له حدّ» (4)، و عن نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «من بلغ حدّا في غير حدّ فهو من المعتدين» (5). و تقتضيه أصالة الحرمة و الاحترام في المسلم إلّا ما خرج بالدليل، فالسارق مثلا تقطع يده و يؤخذ مال الغير منه، و أما أنه يؤخذ سائر أمواله و يهتك بغير ما اذن اللّه تعالى فيه، فمقتضى الأصل، و إطلاق مثل هذه الروايات، عدم جوازه.

إن قيل: يستفاد جواز ذلك من دليل الحدّ بالفحوى.

يقال: لو لا إطلاق مثل هذه الروايات، و كون أحكام الحدود مخالفة لأصالة احترام النفس و العرض و المال، التي هي من الأصول النظامية.

الثامن: يحرم تعطيل الحدّ بعد ثبوته شرعا، لظهور الإجماع، و النص، قال علي عليه السلام: «اللهم إنه قد ثبت عليها أربع شهادات، و إنك قلت لنبيك صلّى اللّه عليه و آله فيما

ص: 225


1- الوسائل: باب 1 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 3 و 7.
2- الوسائل: باب 1 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 3 و 7.
3- الوسائل: باب 2 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 2.
4- الوسائل: باب 3 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 6 و 2.
5- الوسائل: باب 3 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 6 و 2.

.....

______________________________

أخبرته من دينك: يا محمد من عطّل حدّا من حدودي فقد عاندني و طلب بذلك مضادتي» (1)، و يأتي ما يدل عليه أيضا إن شاء اللّه تعالى.

التاسع: مما اتفقت عليه آراء العقلاء، سواء كانوا معتقدين بالأديان السماوية أم لا، حرمة الأمور الخمسة- التي اصطلحوا عليها بالأصول الخمسة النظامية- قتل النفس المحترمة بغير حق، و الزنا، و الظلم، و السرقة، و ترك الصنائع التي يتوقف عليها حفظ النظام. و يذكر حكم الظلم و الأخير في أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و حكم البقية في الحدود و القصاص.

العاشر: الحد مغاير للتعزير شرعا، و لكنه قد يطلق على التعزير أيضا، و في مورد التردد إن علم المراد بالقرائن الخارجية أو الداخلية من إجماع أو غيره فهو، و إلا فمقتضى الأصل عدم ترتب الأحكام الخاصة للحدّ كما هو الشأن في جميع موارد الدوران بين المطلق و المقيد في سائر الموارد.

و ذكر الفقهاء: من خواص الحدود أمورا خمسة: درءها بالشبهة، و عدم اليمين في الحدّ، و عدم الكفالة فيه، و للإمام العفو عن الحدّ الثابت بالإقرار دون البينة، و عدم الشفاعة فيه بعد ثبوته. و يأتي شرح ذلك مع بعض خواص اخرى إن شاء اللّه تعالى.

الحادي عشر: من القواعد التي أرسلوها إرسال المسلّمات، و جعلوها مما استدل بها لا عليها قوله صلّى اللّه عليه و آله: «تدرء الحدود بالشبهات» (2)، و البحث فيها من جهات:

الاولى: أن الشبهة إما موضوعية أو حكمية أو مفهومية، و كل منها إما أن تزول بأدنى الالتفات و الفحص، أو تبقى، و الظاهر خروج القسم الأول بجميع أقسامه عن مورد البحث، لأن المنساق من موارد استعمالاتها الشبهة المستقرة

ص: 226


1- الوسائل: باب 1 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 6.
2- الوسائل: باب 24 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 4.

.....

______________________________

منها في الجملة، كما في جميع موارد استعمالات الشك، و الشبهة في الفقه من أوله إلى آخره- خصوصا إن عدّ ذلك من عدم المبالاة في الدين عند المتشرعة- و الشك في صحة استعمالها في مجرد الحاصل الزائل يكفي في عدم صحة التمسك بالدليل، لعدم إحراز الموضوع حينئذ، و من شرائط التمسك بالدليل إحراز موضوعه، فالمراد بها في المقام ما هو المراد بها في مورد الرجوع إلى البراءة العقلية و النقلية في الشبهات الحكمية و الموضوعية، فلو لم يكن المقرّ جازما في إقراره، فإن كانت في البين قرائن دالة عليه أو لم يكن اللفظ ظاهرا في المقر به، و كذا في البينة يكون ذلك كله شبهة دارئة للحد.

الثانية: الشبهة قد تكون حاصلة في الحال، و قد تحصل من الفحص و السؤال، و مقتضى إطلاق ما رواه الفريقان عن نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله الشمول لكلا القسمين، و في الحديث: «إن ماعز بن مالك أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال له: إني قد زنيت، فأعرض عنه حتى قالها أربعا، فلما كان في الخامسة قال: زنيت، قال صلّى اللّه عليه و آله: و تدري ما الزنا؟ قال: نعم، أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا، قال صلّى اللّه عليه و آله: ما تريد إلى هذا القول؟ قال: أريد أن تطهرني، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أدخلت ذلك منه ذلك منها كما يغيب الميل في المكحلة و العصا في الشي ء أو الرشاء في البئر؟ قال: نعم يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فأمر برجمه» (1)، و في الوسائل: «فلما أن وجد مس الحجارة خرج يشتد، فلقيه الزبير فرماه بساق بعير فعلقه به، فأدركه الناس فقتلوه، فأخبروا النبي صلّى اللّه عليه و آله بذلك فقال: هلّا تركتموه، ثمَّ قال صلّى اللّه عليه و آله: لو استتر ثمَّ تاب كان خيرا له» (2)، و قريب منه ما عن علي عليه السلام (3).

الثالثة: في الدليل عليها بناء على ما ذكرناه في تقرير الموضوع، تكون من

ص: 227


1- السنن الكبرى للبيهقي ج: 7 باب: لا يقام عليه الحد حتى يعترف أربع مرات ج: 8 صفحة: 227.
2- الوسائل: باب 15 من أبواب حد الزنا الحديث: 2 و 1.
3- الوسائل: باب 26 من أبواب حد الزنا الحديث: 2 و 5.

.....

______________________________

صغريات الشبهة التحريمية بالنسبة إلى الحاكم، فيصح الاستدلال عليها بالأدلة الأربعة، التي استدلوا بها في ذلك المقام، فمن العقل بقاعدة قبح العقاب بلا بيان، و من الكتاب الآيات النهاية عن التعرض لما لا يعلم حكما أو موضوعا (1)، و من السنة بالمتواترة الدالة على عدم التعرض لما لا يعلم حكمه (2)، و من الإجماع بما تكرر في كلماتهم من دعوى الإجماع في المقام، مضافا إلى أصالة الاحتياط في الدماء، كما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

الرابعة: يمكن استفادة القاعدة من الأخبار الكثيرة الواردة في سقوط الحد، منها ما في صحيح محمد بن مسلم قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل دعوناه إلى جملة ما نحن فيه من جملة الإسلام فأقر به، ثمَّ شرب الخمر و زنى و أكل الربا، و لم يتبين له شي ء من الحلال و الحرام، أقيم عليه الحد إذا جهله؟

قال عليه السلام: لا، إلّا أن تقوم عليه بينة أنه كان أقر بتحريمها» (3)، فيستفاد منه أنه لا بد في ثبوت الحد من العلم، و العمد مطلقا، و لا ريب في أنهما لا يجتمعان مع الشبهة و الجهل، و في صحيح الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أخذوه و قد حمل كارة من ثياب، و قال: صاحب البيت أعطانيها؟ قال عليه السلام: يدرأ عنه القطع إلّا أن تقوم عليه البينة» (4)، و هو صريح في ما قلناه، و في خبر جميل عن أحدهما عليهما السلام: «في رجل دخل في الإسلام فشرب خمرا و هو جاهل، قال عليه السلام: لم أكن أقيم عليه الحد إذا كان جاهلا، و لكن أخبره بذلك و أعلمه، فإن عاد أقمت عليه الحد» (5)، و إطلاقه يشمل مورد الشبهة أيضا، و الروايات الواردة في هذا المضمون كثيرة جدا.

و بالجملة: القاعدة مما يستدل بها في الفقه لا أن يستدل عليها، كما لا

ص: 228


1- راجع تهذيب الأصول ج: 2 صفحة: 164 و 176.
2- راجع تهذيب الأصول ج: 2 صفحة: 167 و 176.
3- الوافي المجلد التاسع صفحة: 76 باب: من أتى ما يوجب الحد بجهالة.
4- الوافي المجلد التاسع صفحة: 76 باب: من أتى ما يوجب الحد بجهالة.
5- الوسائل: باب 8 من أبواب حد السرقة الحديث: 1.

.....

______________________________

يخفى على من راجع المطولات، و حينئذ يكون قوله عليه السلام: «تدرء الحدود بالشبهات» (1)، أو قوله صلّى اللّه عليه و آله: «ادرؤوا الحدود بالشبهات ما استطعتم» (2)، كما ورد عن طرق العامة، قد ورد موافقا للقاعدة، فيكون البحث عن السند فيها لغوا، لما ثبت في محله من أن القواعد المعتبرة مطلقا نظامية كانت أو غيرها، يكون الردع الصريح الصحيح مانعا عنها، و لا يحتاج إلى ورود التقرير فضلا عن وروده أيضا في المستفيضة بالدلالات الضمنية بالسنة مختلفة، و اللّه العالم.

ص: 229


1- الوسائل: باب 24 من أبواب مقدمات الحدود.
2- السنن الكبرى للبيهقي ج: 8 صفحة: 238 باب: ما جاء في درء الحدود بالشبهات.

الحد و موجباته ستة

اشاره

الحد و موجباته ستة.

الأول: الزنا.

الثاني: ما يتبعه من السحق و اللواط.

الثالث: القذف.

الرابع: شرب الخمر.

الخامس: السرقة.

السادس: قطع الطريق (1).

______________________________

(1) هذا الحصر استقرائي شرعي، يأتي التعرض لأدلته الخاصة بعد ذلك إن شاء اللّه تعالى، كما يأتي أن موجب التعزير ارتكاب كل محرم لم يجعل الشارع له عقوبة خاصة، و لكنه أذن فيها، كما أن تعيين مورد التعزير في أربع- و هي البغي، و الردة، و إتيان البهيمة، و ارتكاب ما سوى ذلك من المحارم- من باب أن القسم الأخير يشمل كثير من موارده.

ص: 230

الأول: الزنا

اشارة

الأول: الزنا و فيه فصول:

الفصل الأول في بيان موضوعه شرعا
اشارة

الفصل الأول في بيان موضوعه شرعا

و فيه مسائل
اشارة

و فيه مسائل:

مسألة 1: الزنا الموجب للحد هو إدخال الرجل ذكره الأصلي في فرج امرأة

(مسألة 1): الزنا الموجب للحد هو إدخال الرجل ذكره الأصلي في فرج امرأة محرمة عليه ذاتا بلا مجوز شرعا (1).

______________________________

الزنا من الكبائر نصا (1)، و إجماعا، بل ضرورة من الدين، و البحث فيه.

تارة: في بيان موضوعه.

و اخرى: في طريق إثباته.

و ثالثة: في أقسام الحدّ.

و رابعة: في كيفية إيقاعه.

و خامسة: في اللواحق.

(1) الزنا من المفاهيم المبينة العرفية عند جميع المذاهب و الأديان، بل عند من ينكرها أيضا- لأن لكل قوم نكاحا صحيحا و نكاحا غير صحيح و وطؤ الشبهة ملحق بالصحيح كما يأتي، و تقدم في كتاب النكاح أيضا- و لكن يعتقد بوطي يترتب عليه الأثر، و وطئ يؤتى به لمجرد قضاء الشهوة فقط، و ليس من الموضوعات الشرعية و لا المتشرعة.

و خرج بقيد الأصلي ذكر الخنثى، الذي لم يعلم أنه ذكر أو شي ء زائد في

ص: 231


1- الوسائل: باب 1 و 2 من أبواب النكاح المحرم.
مسألة 2: الدخول الموجب لجملة من الأحكام- و منها الحد في المقام- غيبوبة الحشفة قبلا أو دبرا و لو لم ينزل

(مسألة 2): الدخول الموجب لجملة من الأحكام- و منها الحد في المقام- غيبوبة الحشفة قبلا أو دبرا و لو لم ينزل (2).

______________________________

الجسم، كما خرج بقيد الحرمة كل من جاز وطؤها شرعا لتحقق العقد الشرعي- دواما أو انقطاعا- و وطؤ الشبهة موضوعا أو حكما.

و أقسام الوطي بالشبهة أربعة.

الأول: اعتقاد الحلية.

الثاني: الظن المعتبر بها.

الثالث: الظن غير المعتبر بها.

الرابع: مجرد الاحتمال من أي منشئ حصل، و كل منها إما في الحكم أو في الموضوع أو فيهما معا، كما مر التفصيل في كتاب النكاح. و مورد ملك الواطئ لوطي الموطوءة ذاتا أو منفعة، كالمملوكة و المحللة.

و خرج بقيد الحرمة الذاتية ما هو حلال ذاتا و محرم عارضا، كالوطي في حال الحيض و الإحرام و الاعتكاف و الصوم. و تقدم تفصيل ذلك كله في محالها المناسبة لها، فجميع ذلك ليس من الزنا، و لا يترتب عليه أحكامه.

(2) إجماعا، و نصوصا، منها صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام:

«متى يجب الغسل على الرجل و المرأة؟ فقال: إذا أدخله فقد وجب الغسل، و المهر، و الرجم» (1)، و هو يشمل الرجل و المرأة، كما أن ما اشتمل على لفظ الفرج (2)، أيضا كذلك بقرينة غيره.

و الدخول و الإدخال من الموضوعات المبينة العرفية ذات مراتب مشككة، و يكفي صرف وجوده العرفي و هو إدخال الحشفة، و الشارع الأقدس قرر ذلك أيضا.

و ما توهم من كلمات بعض القدماء الاختصاص بالقبل محمول أو مطروح.

ص: 232


1- الوسائل: باب 6 من أبواب الجنابة الحديث: 1 و 7.
2- الوسائل: باب 6 من أبواب الجنابة الحديث: 1 و 7.

و في مقطوعها يكفي صدق دخول مقدارها (3).

مسألة 3: يشترط في ثبوت الحد على كل من الزاني و المزني بها أمور
اشارة

(مسألة 3): يشترط في ثبوت الحد على كل من الزاني و المزني بها أمور.

الأول: البلوغ

الأول: البلوغ فلا حد على الصغير و الصغيرة (4).

______________________________

و أما عدم اعتبار الإنزال، فلإطلاق الأدلة الشامل لمطلق الدخول و لو لم ينزل.

(3) لأن الظاهر أن التحديد بقدر الحشفة إنما هو لأجل الصدق العرفي لذلك و عدم التشكيك في ذلك، لا لموضوعية خاصة في الحشفة بحيث لو لم تكن لا يترتب الأثر أصلا. نعم الأحوط في غير الحد ترتب الأثر في مقطوعها، و لو لم يكن الدخول بقدر تمامها من جهة الصدق عرفا، و لاحتمال ترتب الأثر على مجرد الصدق العرفي في المقطوع، و أما في الحد فلأجل أنه يدرأ بالشبهة، و عدم دخول مقدارها أصلا شبهة دارئة للحد، كما تقدم.

(4) للأصل، و الإجماع، بل الضرورة الفقهية، و ما دل على درء الحد بالشبهة كما مر، و حديث رفع القلم (1)، و نصوص خاصة منها قول أبي جعفر عليه السلام في الصحيح: «الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليتم و زوجت و أقيمت عليها الحدود التامة لها و عليها، قلت: الغلام إذا زوّجه أبوه و دخل بأهله و هو غير مدرك، أ تقام عليه الحدود على تلك الحال؟ قال عليه السلام: أما الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجال فلا، و لكن يجلد في الحدود كلها على مبلغ سنّه، فيؤخذ بذلك ما بينه و بين خمس عشر سنة، و لا تبطل حدود اللّه في خلقه و لا تبطل حقوق المسلمين بينهم» (2).

ص: 233


1- الوسائل: باب 4 من أبواب مقدمة العبادات الحديث: 10.
2- الوسائل: باب 6 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 1.
الثاني: العقل

الثاني: العقل فلا حد على المجنون و المجنونة (5).

الثالث: العلم بالحرمة حال وقوع الفعل اجتهادا أو تقليدا

الثالث: العلم بالحرمة حال وقوع الفعل اجتهادا أو تقليدا فلا حد على الجاهل بالتحريم (6).

______________________________

(5) لما مر في سابقة من الأصل، و الإجماع من غير فرق، و في صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: «في امرأة مجنونة زنت، قال عليه السلام: «إنها لا تملك أمرها، ليس عليها شي ء» (1)، فعموم التعليل الوارد فيه يشمل المجنون أيضا.

و ما في خبر ابان بن تغلب، قال: «أبو عبد اللّه عليه السلام: إذا زنى المجنون أو المعتوه جلد الجلد، و إن كان محصنا رجم» (2)، ففيه مضافا إلى مخالفته للإجماع، لا يصلح لمعارضته بما هو مؤيد بالقواعد العقلية، و عموم ما دلّ على رفع القلم حتى يفيق (3)، مع أنه يمكن حمله على الجنون الأدواري إذا فعل ما يوجب الحد في دور إفاقته.

(6) لأن تحمل الحد نحو تكليف، و بمنزلة التوبة الفعلية، و كل تكليف مشروط به، مضافا إلى الأصل، و الإجماع، و نصوص خاصة مثل قول الصادق عليه السلام في الصحيح: «لو أن رجلا دخل في الإسلام و أقر به، ثمَّ شرب الخمر و زنى و أكل الربا، و لم يتبين له شي ء من الحلال و الحرام، لم أقم عليه الحد إذا كان جاهلا، إلّا أن تقوم عليه البينة أنه قرأ السورة التي فيها الزنا و الخمر و أكل الربا، و إذا جهل ذلك أعلمته و أخبرته، فإن ركبه بعد ذلك جلدته و أقمت عليه الحد» (4)، مع أنه موافق للقاعدة، لأن تحمل الحد كإقامته تكليف، و كل تكليف مشروط بالعلم.

ص: 234


1- الوسائل: باب 21 من أبواب حد الزنا الحديث: 1 و 2.
2- الوسائل: باب 21 من أبواب حد الزنا الحديث: 1 و 2.
3- الوسائل: باب 4 من أبواب مقدمة العبادات الحديث: 10.
4- الوسائل: باب 14 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 1.

و لو نسي أو غفل حال العمل به يدرأ عنه الحد (7).

الرابع: الاختيار

الرابع: الاختيار فلا حد على المكره و المكرهة (8).

مسألة 4: يسقط الحد بادعاء الزوجية

(مسألة 4): يسقط الحد بادعاء الزوجية و لا يكلّف المدعي بالبينة أو اليمين (9).

مسألة 5: لو زنى المجنون الأدواري في دور إفاقته لا يسقط عنه الحد

(مسألة 5): لو زنى المجنون الأدواري في دور إفاقته لا يسقط عنه الحد (10).

______________________________

و توهم: أن اشتراط التكليف بالعلم دور باطل.

لا وجه له: لأن الدور في مقام الثبوت، لا في مقام الإثبات و الكشف، فلا وجه لتوهمه.

(7) لأنهما من الشبهة، و الحد يدرأ بها، مضافا إلى الإجماع، و حديث الرفع (1).

(8) للأصل، و الإجماع، و نصوص خاصة منها ما عن أبي جعفر عليه السلام في الصحيح: «قال أمير المؤمنين عليه السلام في امرأة أقرت على نفسها أنه استكرهها رجل على نفسها: هي مثل السائبة لا تملك نفسها فلو شاء لقتلها، فليس عليها جلد و لا نفي و لا رجم» (2)، و عنه عليه السلام أيضا: «أن عليها أتي بامرأة مع رجل فجر بها، فقالت:

استكرهني و اللّه يا أمير المؤمنين، فدرأ عنها الحد» (3).

(9) لأن هذه شبهة، فيشمله ما مر من درء الحدود بالشبهات، مضافا إلى الإجماع، و إطلاق ما مرّ عن علي عليه السلام.

(10) لوجود المقتضي و فقد المانع، فتشمله العمومات، و الإطلاقات، مضافا إلى قول أبي جعفر عليه السلام في الصحيح: «في رجل وجب عليه حدّ فلم يضرب حتى خولط، فقال: إذا أوجب على نفسه الحد و هو صحيح لا علة به من

ص: 235


1- الوسائل: باب 56 من أبواب جهاد النفس الحديث: 1.
2- الوسائل: باب 18 من أبواب حد الزنا الحديث: 1 و 4.
3- الوسائل: باب 18 من أبواب حد الزنا الحديث: 1 و 4.
مسألة 6: الجاهل القاصر أو المقصر موضوعا أو حكما مع إمكان إزالة الجهل و الشبهة عن نفسه لا يجري عليه أحكام وطئ الشبهة

(مسألة 6): الجاهل القاصر أو المقصر موضوعا أو حكما مع إمكان إزالة الجهل و الشبهة عن نفسه لا يجري عليه أحكام وطئ الشبهة خصوصا إن أمكن ذلك بسهولة (11)، نعم غير الملتفت إليها يجري عليه حكمها بل يكون منه موضوعا (12).

مسألة 7: في المسائل الخلافية إذا اعتقد المرتكب- اجتهادا أو تقليدا- الحلية و اعتقد الحاكم الشرعي الحرمة

(مسألة 7): في المسائل الخلافية إذا اعتقد المرتكب- اجتهادا أو تقليدا- الحلية و اعتقد الحاكم الشرعي الحرمة يتحقق الشبهة (13)، فلا حد عليه (14)،

______________________________

ذهاب عقله أقيم عليه الحد كائنا ما كان» (1).

(11) لظهور أدلة الوطي بالشبهة- كما تقدم في كتاب النكاح (2)- في غير ذلك، مع دعواهم الإجماع على أن الجاهل الملتفت إلى السؤال كالعامد، إلّا ما خرج بالدليل.

(12) لصدق الموضوع عرفا، فيترتب عليه الأثر قهرا.

ثمَّ إن العقد على من هو محرم مع العلم بالحرمة لا يوجب الحلية، و لا يكون من وطئ الشبهة للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق، بل ضرورة الفقه، و إنما تعرض له الفقهاء في المقام لردّ بعض فقهاء العامة، الذي له نظائر كثيرة من مثل هذه الفتوى.

(13) لأن المنساق من الأدلة إنما هو تحقق الاشتباه بالنسبة إلى المرتكب، و قد تحقق.

(14) لعدم تحقق موضوع الحد، لأن موضوعه تعمّد المرتكب لموجبه عن علم بالحرمة، و لم يتحقق ذلك كما هو واضح، و اعتقاد الحاكم الشرعي بالحرمة لا أثر له، بعد كون المدار على علم المرتكب بالحرمة.

ص: 236


1- الوسائل: باب 26 من أبواب حد الزنا الحديث: 1.
2- راجع مجلد الرابع و العشرين- فصل في الوطي بالشبهة.

و لو اعتقد المرتكب الحرمة و فعل عن علم و عمد يحدّ و إن اعتقد الحاكم الشرعي الحلية (15).

مسألة 8: كل مورد تحقق فيه توهم الحلية لا حدّ فيه

(مسألة 8): كل مورد تحقق فيه توهم الحلية لا حدّ فيه كما إذا وجد الشخص على فراشه امرأة فتوهمها زوجته فواقعها و كذا لا حدّ عليها إن تحقق هذا التوهم فيها أيضا و إلا فيحدّ العامد الملتفت دون المتوهم الغافل (16).

مسألة 9: لو تشبهت امرأة نفسها بالزوجة و وطأها فعليها الحدّ دون من وطأها

(مسألة 9): لو تشبهت امرأة نفسها بالزوجة و وطأها فعليها الحدّ دون من وطأها (17).

______________________________

(15) لتحقق موضوع الحد في المحدود اجتهادا أو تقليدا، فتشمله عمومات الحد، و إطلاقاته، و لا وجه لتقديم اجتهاد الحاكم عليه، لأنه من الترجيح بلا مرجح، إلّا إذا ثبت بطلان اجتهاد المرتكب أو تقليده بالدليل القطعي.

نعم لو حصلت الشبهة للحاكم الشرعي في إجراء الحدّ في مثل ذلك، يعمل برأيه.

(16) أما عدم الحدّ بالنسبة إلى المتوهم، فللأصل، و إطلاق دليل درء الحد بالشبهة كما تقدم، مضافا إلى الاتفاق، و أما الحد بالنسبة إلى العامد الملتفت، فلوجود المقتضي و فقد المانع، فتشمله الأدلة بلا محذور.

(17) أما كون الحد على المشتبهة، فلوجود المقتضي و فقد المانع. و أما عدم الحد على من وطأها فلفرض تحقق الشبهة.

و نسب إلى علي عليه السلام: «اضرب الرجل حدا في السر، و اضرب المرأة حدا في العلانية» (1)، و هو قاصر سندا، مهجور لدى الأصحاب، مخالف للقواعد، فلا

ص: 237


1- الوسائل: باب 38 من أبواب حد الزنا.
مسألة 10: لو ادعيا الإكراه أو ادعى ذلك أحدهما

(مسألة 10): لو ادعيا الإكراه أو ادعى ذلك أحدهما فلا حدّ على مدعي الإكراه (18).

مسألة 11: كل ما يصلح لأن تكون شبهة يسقط الحد معها

(مسألة 11): كل ما يصلح لأن تكون شبهة يسقط الحد معها سواء كانت للطرفين أم لطرف واحد (19).

______________________________

يصلح للاعتماد عليه.

(18) لما مرّ من حديث الرفع، و الأصل، و الإجماع، مضافا إلى قول أبي جعفر في الصحيح: «إن عليا عليه السلام أتى بامرأة مع رجل فجر بها، فقالت: استكرهني و اللّه يا أمير المؤمنين، فدرأ عنها الحد و لو سئل هؤلاء عن ذلك لقالوا: لا تصدّق، و قد و اللّه فعله أمير المؤمنين عليه السلام» (1).

(19) لعدم ورود تحديد معين فيها، بل تكون موكولة إلى من يدعيها:

بحيث يمكن عرفا قبولها منه، و لا يمتنع ذلك عادة بأن علم كذبه فيها.

ص: 238


1- الوسائل: باب 18 من أبواب حد الزنا الحديث: 1.
الإحصان و ما يتعلق به
اشارة

الإحصان و ما يتعلق به

مسألة 1: يعتبر في الإحصان الموجب للرجم أمور
اشارة

(مسألة 1): يعتبر في الإحصان الموجب للرجم أمور.

الأول: وطئ أهله قبلا

الأول: وطئ أهله قبلا (1).

______________________________

مادة (ح- ص- ن) بمعنى المنع، و قد اصطلح على هذا القسم من الزنا به، لأنه مع وجود مورد إعمال الشهوة الجنسية للطرفين بنحو الحلال، يكون ذلك مانعا لهما عن إعمال الحرام، فيشتد الحدّ و العقوبة لا محالة، و لذا عبّر عن حده بحد اللّه الأكبر (1)، أو الرجم.

(1) ليعلم أولا أن مقتضى الأصل عدم ثبوت موجب الإحصان، إلّا ما دلّ عليه دليل مخصوص، مع أنه مقتضى أصالة الاحترام و الاحتياط في النفوس و الدماء، التي هي من أهم الأصول النظامية العقلائية، ففي كل مورد شك تحقق موجب الإحصان يكون مقتضى الأصل و الاحتياط عدمه، ما لم يثبت ذلك بدليل معتبر.

أما اعتبار الوطي بأهله فللأصل، و الاحتياط، و الإجماع، و النصوص منها ما عن أبي جعفر عليه السلام في صحيح ابن جابر قال: «قلت ما المحصن رحمك اللّه؟

قال عليه السلام: «من كان له فرج يغدو عليه و يروح فهو محصن» (2)، و منها صحيحة رفاعة قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يزني قبل أن يدخل بأهله، أ يرجم؟

قال عليه السلام: لا» (3).

ص: 239


1- الوسائل: باب: 1 من أبواب حد الزنا: 1.
2- الوسائل: باب 2 من أبواب حد الزنا الحديث: 1.
3- الوسائل: باب 7 من أبواب حد الزنا الحديث: 1.

و لا يكفي الوطؤ في الدبر (2)، فضلا عن مجرد العقد عليها و الخلوة معها خلوة تامة (3)، و كذا لا يكفي الجماع فيما بين الفخذين أو الدخول في ما دون الحشفة و لو في القبل أو دون قدرها من مقطوعها، أو شك في الدخول و عدمه لم يتحقق الإحصان لا في الرجل و لا في المرأة (4)، و لا يعتبر الإنزال (5)، و لا سلامة الخصيتين بعد صدق الدخول (6).

الثاني: البلوغ في الواطئ

الثاني: البلوغ في الواطئ (7)،

______________________________

و أما اعتبار كون الوطي في القبل فهو المنساق من الأدلة، و تصريح الأجلة، و موافق للأصل و الاحتياط.

(2) احتياطا في الدماء، و ظهور الإجماع.

و ما يقال: من أنه يصدق عليه أن «له فرج يغدو عليه و يروح» كما مر.

مخدوش: بعد الانصراف إلى القبل.

(3) كل ذلك لأصالة عدم تحقق موجب الرجم، و أصالة الاحتياط في الدماء بالنسبة إلى كل واحد من الطرفين.

(4) لما تقدم من الأصلين في سابقة.

(5) لإطلاق الأدلة من غير تقييد، خصوصا إطلاق قول الصادق عليه السلام في الصحيح: «إذا أدخله وجب الغسل، و المهر، و الرجم» (1)، و قوله عليه السلام: «إذا التقى الختانان فقد وجب الجلد»(2)، إلى غير ذلك من الروايات، فالمناط كله صدق الدخول.

(6) لإطلاق الأدلة الواردة مورد البيان.

(7) للإجماع، و حديث رفع القلم (3)، مضافا إلى الأصل، و الاحتياط في الدماء.

ص: 240


1- الوسائل: باب 6 من أبواب الجنابة الحديث: 1.
2- الوسائل: باب 10 من أبواب حد الزنا الحديث: 17.
3- الوسائل: باب 4 من أبواب مقدمة العبادات الحديث: 10.

فلا إحصان في إيلاج الطفل و لو كان مراهقا (8)، كما لا تحصن المرأة إلّا إذا كانت بالغة (9)، فإذا وطأها في حال عدم البلوغ ثمَّ زنى بالغا لم يكن محصنا (10)، و لو كانت الزوجية باقية مستمرة (11).

الثالث: العقل

الثالث: العقل أي: يكون عاقلا حين الدخول بأهله (12)،

______________________________

(8) لإطلاق الدليل الشامل للمراهق أيضا.

(9) لاشتراك معنى الإحصان فيهما إجماعا، و نصا، ففي صحيح أبي عبيدة عن الصادق عليه السلام: «سأله عن امرأة تزوجت برجل و لها زوج؟ فقال: إن كان زوجها مقيما معها في المصر الذي هي فيه تصل إليه و يصل إليها، فإن عليها ما على الزاني المحصن الرجم، و إن كان زوجها الأول غائبا أو مقيما معها في المصر الذي هي فيه لا يصل إليها و لا تصل إليه، فإن عليها ما على الزانية غير المحصنة» (1)، و في جملة من الأخبار: المحصن و المحصنة يرجم (2)، فيشترط فيها جميع ما يشترط فيه.

(10) لأصالة عدم ثبوت موجب الإحصان، و أصالة الاحترام في دم كل إنسان، إلّا ما ثبت إباحته بالدليل و البرهان.

(11) لفقد شرط تحقق الإحصان، فلا يترتب عليه حكمه.

(12) لصحيح حماد بن عيسى عن الصادق عن آبائه عن علي عليه السلام: «لا حدّ على مجنون حتى يفيق، و لا على صبي حتى يدرك، و لا على النائم حتى يستيقظ» (3)، مضافا إلى عمومات رفع القلم عنه (4)، و دعوى الإجماع.

و أما خبر ابن تغلب، قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا زنى المجنون أو المعتوه جلد الحدّ و إن كان محصنا رجم» (5)، فلا بد من حمله على ما تقدم، أو على

ص: 241


1- الوسائل: باب 27 من أبواب حد الزنا الحديث: 1.
2- الوسائل: باب 1 من أبواب حد الزنا الحديث: 3.
3- الوسائل: باب 8 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 1 و 2.
4- الوسائل: باب 8 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 1 و 2.
5- الوسائل: باب 21 من أبواب حد الزنا الحديث: 2.

فإذا تزوج بامرأة في حال صحته و لم يدخل بها حتى جن فوطئها ثمَّ زنى سالما و بالغا لا يتحقق الإحصان (13).

الرابع: الحرية

الرابع: الحرية فلا رجم على العبد و الأمة (14).

الخامس: أن يكون الوطؤ في فرج مباح له

الخامس: أن يكون الوطؤ في فرج مباح له بالعقد الدائم الصحيح أو ملك اليمين (15)،

______________________________

التعزير- كما قد يطلق أحدهما على الآخر على ما سيأتي في النصوص- لكونه مخالفا للمشهور، و معارضا بما هو أقوى منه.

(13) لقاعدة: «ان انتفاء الشرط يقتضي انتفاء المشروط».

(14) للأصل، و الاحتياط، و الإجماع، و النصوص منها قول الصادق عليه السلام في صحيح أبي بصير: «لا يحصن الحر المملوكة و لا المملوك الحرة» (1).

و أما صحيح الحلبي: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل الحر أ يحصن المملوكة؟ فقال: لا يحصن الحر المملوكة، و لا يحصن المملوك الحرة، و اليهودي يحصن النصرانية، و النصراني يحصن اليهودية» (2)، فلا بد من قراءته بنحو يوافق صحيح أبي بصير، و لا يقع التعارض بينهما، أي برفع الحرة و نصب المملوك فيكون مثل صحيح أبي بصير.

و في صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في مكاتبة زنت- إلى أن قال- و أبى أن يرجمها، و أن ينفيها قبل أن يبين عتقها» (3)، و عن الصادق عليه السلام في الصحيح: «في العبد يتزوج الحرة ثمَّ يعتق فيصيب فاحشة، قال عليه السلام: لا رجم عليه حتى يواقع الحرة بعد ما يعتق»(4)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(15) إجماعا، و نصوصا منها قول أبي إبراهيم عليه السلام في الموثق: «إنما هي

ص: 242


1- الوسائل: باب 2 من أبواب حد الزنا الحديث: 7 و 8.
2- الوسائل: باب 2 من أبواب حد الزنا الحديث: 7 و 8.
3- الوسائل: باب 31 من أبواب حد الزنا الحديث: 2.
4- الوسائل: باب 7 من أبواب حد الزنا الحديث: 5.

فلا يتحقق الإحصان بالزنا و وطئ الشبهة و لا الوطي بنكاح المتعة (16).

السادس: أن يكون متمكنا من وطئها متى شاء و أراد

السادس: أن يكون متمكنا من وطئها متى شاء و أراد فيغدو عليها و يروح (17).

مسألة 2: إذا لم يتمكن من وطئ زوجته

(مسألة 2): إذا لم يتمكن من وطئ زوجته لبعدها عنه أو غيبته عنها أو لأجل مانع كالحبس أو منع الظالم عن اجتماعهما أو مرض لا يقدر معه على وطئها- لا يكون محصنا (18).

______________________________

على الشي ء الدائم عنده» (1)، و عن موسى بن جعفر عليهما السلام: «الحر تحته المملوكة هل عليه الرجم إذا زنى؟ قال عليه السلام: نعم» (2)، و نحوهما غيرهما من الروايات.

(16) للأصل، و الاحتياط، و الإجماع في الجميع، مضافا إلى النصوص في المتعة منها قول الصادق عليه السلام: «في رجل يتزوج المتعة، أ تحصنه؟ قال: لا إنما ذاك على الشي ء الدائم عنده» (3)، و قريب منه موثق ابن عمار، فلو كانت عنده متعة يتمتع بها لا يتحقق الإحصان.

(17) للأصل، و الاحتياط، و الإجماع، و النص، كصحيح ابن جابر عن أبي جعفر عليه السلام: «قلت له: ما المحصن رحمك اللّه؟ قال: من كان له فرج يغدو عليه و يروح فهو محصن» (4)، و في موثق أبي بصير: «لا يكون محصنا حتى يكون عنده امرأة يغلق عليها بابه» (5)، و قريب منهما غيرهما.

(18) كل ذلك للأصل، و الاحتياط، و إطلاق ما تقدم من قوله عليه السلام: «يغدو عليه و يروح»، و في صحيح حريز قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المحصن؟

فقال: الذي يزني و عنده ما يغنيه» (6)، و عن أبي جعفر عليه السلام في صحيح أبي عبيدة قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الرجل الذي له امرأة بالبصرة ففجر بالكوفة،

ص: 243


1- الوسائل: باب 2 من أبواب حد الزنا الحديث: 2 و 5.
2- الوسائل: باب 2 من أبواب حد الزنا الحديث: 2 و 5.
3- الوسائل: باب 2 من أبواب حد الزنا الحديث: 11.
4- الوسائل: باب 2 من أبواب حد الزنا الحديث: 3 و 1.
5- الوسائل: باب 2 من أبواب حد الزنا الحديث: 6 و 4.
6- الوسائل: باب 2 من أبواب حد الزنا الحديث: 6 و 4.
مسألة 3: المناط في تحقق الإحصان القدرة الفعلية على الوطي

(مسألة 3): المناط في تحقق الإحصان القدرة الفعلية على الوطي سواء كان حاضرا أم مسافرا (19).

مسألة 4: الإحصان في المرأة كالإحصان في الرجل

(مسألة 4): الإحصان في المرأة كالإحصان في الرجل فيعتبر في إحصانها كل ما يعتبر في إحصانه (20)،

______________________________

أن يدرأ عنه الرجم و يضرب حد الزاني، قال: و قضى في رجل محبوس في السجن و له امرأة حرة في بيته في المصر، و هو لا يصل إليها فزنى في السجن، قال: عليه الحد و يدرأ عنه الرجم» (1)، و عن الصادق عليه السلام في صحيح محمد بن مسلم: «المغيب و المغيبة ليس عليهما رجم، إلّا أن يكون الرجل مع المرأة و المرأة مع الرجل» (2)، و كذا لو لم يقدر على وطئها لعلة، و إن قدر على وطئ غيرها فالمناط كله التسلط على الجماع من كل جهة مع الزوجة الدائمة أو المملوكة أو هما معا، و من ذلك يظهر عدم تحقق الإحصان بالتحليل.

(19) لما تقدم من قوله عليه السلام في الصحيح: «من كان له فرج يغدو عليه و يروح فهو محصن»، و هو عبارة أخرى عما قلنا من القدرة الفعلية.

و أما تحديد عدم الإحصان بالسفر الشرعي كما في رواية عمر بن يزيد:

«ففي أي حد سفره لا يكون محصنا؟ قال عليه السلام: إذا قصّر و أفطر فليس بمحصن» (3)، و عنه عليه السلام أيضا: «الحد في السفر الذي إن زنى لم يرجم، إن كان محصنا، قال عليه السلام: إذا قصّر و أفطر» (4)، فلا وجه له لقصورهما عن الاعتماد عليهما.

(20) للإطلاق، و الاتفاق، و الأصل، و الاحتياط، و نصوصا منها ما عن الصادق عليه السلام في الصحيح: «سأله عن امرأة تزوجت برجل و لها زوج؟ فقال: إن كان زوجها مقيما معها في المقصر الذي هي فيه تصل إليه و يصل إليها، فإن عليها

ص: 244


1- الوسائل: باب 3 من أبواب حد الزنا الحديث: 2 و 1.
2- الوسائل: باب 3 من أبواب حد الزنا الحديث: 2 و 1.
3- الوسائل: باب 4 من أبواب حد الزنا الحديث: 1 و 2.
4- الوسائل: باب 4 من أبواب حد الزنا الحديث: 1 و 2.

فلا ترجم غير البالغة و غير المدخول بها و المجنونة و المنقطعة و من لم يكن معها زوجها يغدو عليها و يروح (21).

مسألة 5: لا يشترط الإسلام في الإحصان في كل واحد منهما

(مسألة 5): لا يشترط الإسلام في الإحصان في كل واحد منهما (22)، فلو وطأ غير المسلم زوجته الدائمة ثمَّ زنى يرجم (23)، و يشترط صحة العقد عندهم و إن بطل عندنا (24).

مسألة 6: لا تخرج المطلّقة الرجعية عن الإحصان

(مسألة 6): لا تخرج المطلّقة الرجعية عن الإحصان (25)، فلو زنى أو زنت في الطلاق الرجعي كان عليهما الرجم مع تحقق سائر الشرائط (26)، و لو تزوجت عالمة بالحال فطاوعته بالدخول كان عليها الرجم (27)،

______________________________

ما على الزاني المحصن الرجم، و إن كان زوجها الأول غائبا أو مقيما معها في المصر الذي هي فيه لا يصل إليها و لا تصل إليه، فإن عليها ما على الزانية غير المحصنة» (1).

(21) لما تقدم من الأصل، و الأدلة.

(22) للاتفاق، و الإطلاق، و النص الخاص، قال الصادق عليه السلام في الصحيح:

«و النصراني يحصن اليهودية، و اليهودي يحصن النصرانية» (2).

(23) لوجود المقتضي للرجم حينئذ و فقد المانع عنه، فيشمله الحكم لا محالة.

(24) لقوله صلّى اللّه عليه و آله: «لكل قوم نكاح» (3)، فيكفي ذلك في الرجم.

(25) لأن المطلّقة الرجعية بحكم الزوجة، كما تقدم في الطلاق.

(26) لتحقق الموضوع شرعا، فيشمله الحكم قهرا.

(27) إجماعا، و نصا، ففي صحيح الكناسي: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن

ص: 245


1- الوسائل: باب 27 من أبواب حد الزنا الحديث: 1.
2- الوسائل: باب 5 من أبواب حد الزنا الحديث: 1.
3- الوسائل: باب 83 من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث: 2.

و كذا الزوج الثاني إن علم التحريم و العدّة (28)، و لو جهلا أو جهل أحدهما يختص الحدّ بالعالم دون الجاهل (29)، و لو ادعى الجهل بالحكم أو الموضوع قبل منه إن أمكن ذلك في حقه (30).

مسألة 7: يخرج الزوجان بالطلاق البائن عن الإحصان كالخلع و المبارأة

(مسألة 7): يخرج الزوجان بالطلاق البائن عن الإحصان (31)، كالخلع و المبارأة فلو راجع المخالع ليس عليه الرجم إلّا بعد الدخول (32).

______________________________

امرأة تزوجت في عدتها؟ قال: إن كانت تزوجت في عدة طلاق لزوجها عليها الرجم، و ان كانت تزوجت في عدة ليس لزوجها عليها الرجعة، فإن عليها حد الزاني غير المحصن» (1)، و به يقيد إطلاق ما ورد في بعض الروايات (2)، بالطلاق الرجعي.

(28) لتحقق الزنا منه شرعا فيثبت الحكم قهرا، و الحكم هو الحدّ مع عدم تحقق شرط الإحصان، و الرجم مع تحققه.

(29) أما الأول: فلأن الجهل شبهة، و يدرأ الحد بالشبهة، كما تقدم.

و أما الثاني: فلوجود المقتضي للحد و فقد المانع، فيشمله الحكم قهرا.

(30) لأن ذلك شبهة و يدرأ الحد بالشبهة- كما مر- مضافا إلى الإجماع.

(31) لحصول البينونة بالطلاق و انقطاع العصمة بينهما.

(32) لأنها حينئذ زوجة جديدة، بعد انقطاع العصمة و حصول البينونة بالطلاق البائن.

ثمَّ إن ما ورد في موثق عمار عن الصادق عليه السلام: «عن رجل كانت له امرأة فطلّقها أو ماتت فزنى، قال: عليه الرجم، و عن امرأة كان لها زوج فطلّقها أو مات ثمَّ زنت عليها الرجم؟ قال: نعم» (3)، و مثله رواية علي بن جعفر (4)، لا بد و أن يحمل على الطلاق الرجعي، لما تقدم من خبر الكناسي. و الزنا بعد موت الزوج

ص: 246


1- الوسائل: باب 27 من أبواب حد الزنا الحديث: 3 و 8.
2- الوسائل: باب 27 من أبواب حد الزنا الحديث: 3 و 8.
3- الوسائل: باب 27 من أبواب حد الزنا الحديث: 8.
4- الوسائل: باب 6 من أبواب حد الزنا الحديث: 1.
مسألة 8: إن ارتد المحصن عن فطرة فلا إحصان

(مسألة 8): إن ارتد المحصن عن فطرة فلا إحصان (33)، و لو ارتد عن ملة فإن زنى في عدة زوجته فهو محصن و إلا فليس محصنا (34).

مسألة 9: يجب الحد- جلدا أو رجما- على الأعمى

(مسألة 9): يجب الحد- جلدا أو رجما- على الأعمى (35)، فإن ادعى الشبهة مع احتمالها في حقه يقبل قوله فيها (36).

مسألة 10: يجب التعزير في الاستمتاعات الحاصلة بغير الدخول بلا مجوز شرعي

(مسألة 10): يجب التعزير في الاستمتاعات الحاصلة بغير الدخول بلا مجوز شرعي من التقبيل و المضاجعة و المعانقة و غير ذلك (37)،

______________________________

و الزوجة لا يوجب سوى الحد- دون الرجم- إجماعا.

(33) لبينونة زوجته منه بمجرد الارتداد إجماعا، و نصا، فلا زوجة له حتى يتحقق الإحصان، ففي صحيح محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر عن المرتد؟ فقال: من رغب عن الإسلام و كفر بما أنزل على محمد صلّى اللّه عليه و آله بعد إسلامه فلا توبة له، و قد وجب قتله و بانت منه امرأته» (1)، و غيره من الروايات.

(34) لتوقف تحقق البينونة على انقضاء العدة، و في رواية أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا ارتد الرجل المسلم عن الإسلام بانت منه امرأته، كما تبين المطلّقة، فإن قتل أو مات قبل انقضاء العدة فهي ترثه في العدة، و لا يرثها إن ماتت و هو مرتد عن الإسلام» (2)، و قريب منها غيرها.

(35) للاتفاق، و الإطلاق الشامل له أيضا.

(36) لإطلاق الأدلة الدالة على درء الحد بالشبهة، الشامل للأعمى و البصير كما هو واضح على الخبير.

(37) للأصل، و الاحتياط، و الشهرة، بل دعوى الإجماع، و صحيح حريز عن الصادق عليه السلام: «أن عليا عليه السلام حدّ رجلا و امرأة في لحاف واحد، فجلد كلا منهما مائة سوط إلّا سوطا» (3)، و مثله غيره، فيستفاد منه أن الحكم هو التعزير،

ص: 247


1- الوسائل: باب 1 من أبواب حد المرتد الحديث: 2.
2- الوسائل: باب 6 من أبواب موانع الإرث: 4 و 5.
3- الوسائل: باب 10 من أبواب الزنا: 19.

و لا تحديد في التعزير بل هو موكول إلى نظر الحاكم الشرعي (38).

______________________________

و نظره الأقدس تعلّق في خصوص المورد مائة سوط إلّا سوطا، لجهة خارجية رآه عليه السلام بالعيان، و أدركه بالوجدان، بقرينة الإجماع على عدم تعين هذا المقدار، بل هو موكول إلى نظر الحاكم.

و بإزاء هذا الصحيح أخبار أخرى يظهر منها الحدّ فيه كقول الصادق عليه السلام:

«إذا وجد الرجل و المرأة في لحاف واحد جلدا مائة» (1)، و غيره من الروايات، و لكن أسقطها عن الاعتبار إعراض المشهور عنها، و موافقتها للعامة، بقرينة موثق عبد الرحمن بن الحجاج (2)، قال: «كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فدخل عليه عباد البصري و معه أناس من أصحابه، فقال له: حدثني عن الرجلين إذا أخذ في لحاف واحد، فقال له: كان علي عليه السلام إذا أخذ الرجلين في لحاف واحد ضربهما الحدّ، فقال له عباد: إنك قلت لي: غير سوط، فأعاد عليه ذكر الحديث حتى أعاد ذلك مرارا، فقال: غير سوط، فكتب القوم الحضور عند ذلك، ذلك الحديث».

(38) أما عدم التحديد فللأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق، و أما الإيكال إلى نظر الحاكم الشرعي، فلأن ذلك من الحسبة و لا ريب في ولايته عليها.

ص: 248


1- الوسائل: باب 10 من أبواب الزنا: 5.
2- الوسائل: باب 10 من أبواب الزنا: 2.
الفصل الثاني في ما يثبت به الزنا
اشارة

الفصل الثاني في ما يثبت به الزنا يثبت الزنا بأمرين: الإقرار، و البينة.

أما الأول الإقرار
اشارة

أما الأول ففيه مسائل:

مسألة 1: يشترط في الإقرار كمال المقر

(مسألة 1): يشترط في الإقرار كمال المقر بالبلوغ و العقل، و الاختيار و القصد (1)،

______________________________

(1) هذه كلها من الشرائط العامة بضرورة الفقه لكل قول معتبر- إخبارا كان أو إنشاء، عقدا كان أو إيقاعا- و تقدم ذكرها مكررا من أول الفقه إلى هنا، و مر ما يتعلق بذلك في كتاب الإقرار(1)، فراجع فلا وجه للتطويل بلا طائل بالتكرار و الإعادة.

ثمَّ إنه لو كان الإقرار بحق عن إكراه، كما إذا أكرهه الحاكم الشرعي العالم بوقوع الزنا مثلا ليقرّ على الزنا، فالظاهر شمول الأدلة له، و كان الإكراه لمصلحة يراها غالبة على رجحان الستر.

و دعوى: شمول أدلة رفع الإكراه (2)، حتى في الإكراه بالحق.

باطلة: لأنها لا تشمل الإكراه بحق مطلقا، إجماعا، و نصوصا الواردة في أبواب متفرقة في الفقه، كما في إكراه الحاكم الشرعي المالك على بيع ما

ص: 249


1- راجع ج: 21 صفحة: 240.
2- الوسائل: باب 37 من أبواب قواطع الصلاة الحديث: 2.

فلا عبرة بإقرار الصبي و إن كان مراهقا و لا بإقرار المجنون حال الجنون و لا بإقرار المكره و السكران و الساهي و الغافل و النائم و الهازل و نحوهم (2).

مسألة 2: يكفي في الإقرار الظهور العرفي

(مسألة 2): يكفي في الإقرار الظهور العرفي بحيث لا يحتمل الخلاف احتمالا مقبولا لدى المتعارف (3).

مسألة 3: يعتبر في الإقرار بالزنا تكرار الإقرار أربعا

(مسألة 3): يعتبر في الإقرار بالزنا تكرار الإقرار أربعا (4).

______________________________

احتكره (1)، و إكراهه للزوج على الإنفاق للزوجة (2)، و الإكراه على الإقرار بكلمتي الشهادة، كما عن جمع من الفقهاء، منهم المحقق في الشرائع، فإذا أحرز تحقق الموضوع بالقرائن و أكره على الإقرار إتماما للحجة و لبعض المصالح، يعتبر مثل هذا الإقرار. نعم إذا كان نفس الإقرار من حيث هو بالإكراه مع عدم إحراز الموضوع بجهة من الجهات لا أثر لهذا الإقرار، و يمكن أن يستفاد ذلك من صحيح ابن خالد عن الصادق عليه السلام: «رجل سرق سرقة فكابر عنها، فضرب فجاء بها بعينها، هل يجب عليه القطع؟ قال: نعم، و لكن لو اعترف و لم يجئ بالسرقة لم تقطع يده، لأنه اعتراف على العذاب» (3)، كما يشهد لذلك أيضا إطلاق قول علي عليه السلام: «ليّ الواجد بالدين يحلّ عقوبته» (4).

(2) كل ذلك للضرورة المذهبية، إن لم تكن دينية بل عقلائية.

(3) لابتناء الحجة على ذلك عند الناس في المحاورات، فتشملها الإطلاقات، و العمومات، و الأدلة اللبية، كالإجماع و السيرة.

(4) للأصل، و الاحتياط، و ظاهر نصوص الفريقين منها قوله عليه السلام: «لا يرجم الزاني حتى يقرّ أربع مرات بالزنا إذا لم يكن شهود» (5)، و في موثق أصبغ

ص: 250


1- الوسائل: باب 27- 29 من أبواب آداب التجارة.
2- الوسائل: باب 1 من أبواب النفقات الحديث: 4.
3- الوسائل: باب 7 من أبواب حد السرقة.
4- الوسائل: باب 8 من أبواب الدين و القرض الحديث: 4.
5- الوسائل: باب 12 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 5.

و إن كان في مجلس واحد (5).

______________________________

بن نباتة: «جاءت امرأة إلى أمير المؤمنين عليه السلام و أقرت بالزنا مكررا، و في كل مرة كان عليه السلام يعرض عنها حتى أقرت أربع مرات، فأجرى عليها الحد» (1)، و عن طرق العامة: «ان ماعز بن مالك جاء إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال: يا رسول اللّه إني قد زنيت فأعرض عنه، ثمَّ جاءه فقال: إني قد زنيت، قال ذلك أربع مرات، فقال صلّى اللّه عليه و آله: أ بك جنون؟! قال: لا يا رسول اللّه، قال: فهل احصنت؟ قال: نعم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لعلك قبّلت أو غمزت أو نظرت، قال: لا يا رسول اللّه، قال:

أ نكحتها؟ لا تكني قال: نعم، كما يغيب المرود في المكحلة و الرشا في البئر، قال:

فهل تدري ما الزنا؟ قال: نعم أتيت منها حراما كما يأتي الرجل من امرأته حلالا، قال صلّى اللّه عليه و آله: ما تريد بهذا القول؟ قال أريد أن تطهرني، فأمر به فرجم» (2)، إلى غير ذلك من الروايات.

و أما ما في صحيح الفضيل عن الصادق عليه السلام: «من أقر على نفسه عند الامام بحق حدّ من حدود اللّه تعالى مرة واحدة، حرا كان أو عبدا، حرة كانت أو أمة، فعلى الإمام أن يقيم الحدّ على الذي أقر به على نفسه كائنا من كان، إلّا المحصن فإنه لا يرجم حتى يشهد عليه أربع شهود» (3)، فاعرض عنه لموافقته للعامة، أو أنه محمول.

(5) لإطلاق الأدلة، و إطلاق كلماتهم في مورد إجماعاتهم. و نسب إلى الشيخ رحمه اللّه و ابن حمزة اعتبار اختلاف المجلس للإجماع، و لما يظهر من قضية ماعز المتقدمة، و للاحتياط في الدماء.

و الكل مخدوش.

ص: 251


1- الوسائل: باب 16 من أبواب حد الزنا.
2- السنن الكبرى للبيهقي، ج: 8 صفحة: 226 و 227.
3- الوسائل: باب 32 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 1.

و الأحوط كونه في أربع مجالس (6)، و لو أقر دون الأربعة لا يثبت الحد، و الحاكم يرى رأيه في تعزيره (7)، و لا فرق في ما ذكر بين الرجل و المرأة (8).

مسألة 4: لو احتاج المقر في إقراره إلى الترجمة

(مسألة 4): لو احتاج المقر في إقراره إلى الترجمة فلا بد فيها من شاهدين عدلين (9). و إشارة الأخرس المفهمة كالنطق (10)، و إذا احتاجت إلى الترجمة فيكون بشاهدين أيضا (11).

مسألة 5: إذا قال: «زنيت بفلانة العفيفة» لم يثبت حد الزنا

(مسألة 5): إذا قال: «زنيت بفلانة العفيفة» لم يثبت حد الزنا

______________________________

أما الأول: فلا اعتبار به مع ذهاب الأكثر إلى الخلاف.

و أما الثاني: فقضية في واقعة لا يستفاد منها الحكم الكلي.

و أما الأخير: فموهون بإطلاقات الأدلة، و تصريحات الأجلة.

(6) ظهر وجه مما مر آنفا، فلا وجه للإعادة.

(7) أما عدم ثبوت الحد فلقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه، و لظواهر النصوص، و الإجماع.

و أما التعزير فلأنه نحو تجر و انتهاك لحرمات اللّه تعالى.

(8) للإطلاق، و الاتفاق، و قاعدة الاشتراك، إلّا ما خرج بالدليل، و هو مفقود.

(9) لأنها بينة على إقرار الناطق أربع مرات بالزنا. نعم لو حصل الاطمئنان المتعارف للحاكم الشرعي بصدق المترجم يكفي فيه قول الثقة الواحد.

(10) للإطلاق، و الاتفاق، و قد ذكرت هذه المسألة مرارا كثيرة في الفقه من أوله إلى آخره.

(11) لأن إشارة الأخرس مثل النطق، و قد عرفت أنه لا بد من إقامة البينة على إقرار الناطق في الزنا أربع مرات فكذا في الأخرس، و ليس هذا من القياس، بل هو من صدق الكلي على الافراد، و القطع بعدم الفرق.

ص: 252

إلا إذا كررها أربعا (12)، بل لا يثبت القذف بذلك للمرأة أيضا (13). نعم لو قال: «زنيت بها و هي أيضا زانية بزنائي بها» يثبت حد القذف عليه حينئذ (14).

مسألة 6: إذا أقر أربعا إنه وطأ امرأة و لم يعترف بالزنا

(مسألة 6): إذا أقر أربعا إنه وطأ امرأة و لم يعترف بالزنا لا حد عليه و إن ثبت أن المرأة لم تكن زوجته (15)،

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

مهذب الأحكام (للسبزواري)؛ ج 27، ص: 253

______________________________

(12) لما مر من اعتبار التكرار أربع مرات نصا، و فتوى، فلا أثر للواحد.

(13) لعدم كون إقراره على نفسه بالزنا قذفا لها بذلك، لاحتمال الاشتباه أو الإكراه لها.

نعم للحاكم الشرعي تعزيره بما يراه لتحقق هتك عرض المرأة عرفا، و في صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر الباقر عليه السلام: «في رجل قال لامرأته: يا زانية، أنا زنيت بك قال عليه السلام: عليه حدّ واحد لقذفه إياها، و أما قوله أنا زنيت بك فلا حدّ فيه، إلّا أن يشهد على نفسه أربع شهادات بالزنا عند الإمام» (1).

إن قلت: ان ظاهر هذا التعبير هو القذف عرفا، فيثبت حدّه أيضا، مع إطلاق ما نسب إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله: «لا تسألوا الفاجر من فجر بك، فكما هان عليها الفجور يهون عليها أن ترمي البري ء المسلم» (2)، و كذا ما نسب إلى علي عليه السلام:

«إذا سألت الفاجرة من فجر بك؟ فقالت: فلان، جلدتها حدين، حدا لفجوره بها، و حدا لفريتها على الرجل المسلم» (3).

قلت: أما صدق القذف عرفا، فمع وجود ما مر من احتمال الاشتباه و الإكراه احتمالا صحيحا فممنوع، و أما النبوي و العلوي فلا بد من تقييدهما بغيرهما على فرض اعتبار السند.

(14) لصدق القذف لغة و عرفا، فيتبعه الحكم شرعا.

(15) لأن الوطء أعم من الزنا، فلا يثبت الحكم المختص بالخاص بالإقرار بالعلم، فمقتضى الأصل و الاحتياط عدم الحد.

ص: 253


1- الوسائل: باب 13 من أبواب حد القذف الحديث: 1.
2- الوسائل: باب 41 من أبواب حد الزنا الحديث: 1 و 2.
3- الوسائل: باب 41 من أبواب حد الزنا الحديث: 1 و 2.

و إذا ادعى زوجيتها و أنكرت هي الوطء و أصل الزوجية فليس عليه حد و لا مهر (16).

مسألة 7: لو ادعى أربعا إنه وطأ امرأة و ادعت المرأة بأنه اشتبه عليها أو أكرهها على الزنا

(مسألة 7): لو ادعى أربعا إنه وطأ امرأة و ادعت المرأة بأنه اشتبه عليها أو أكرهها على الزنا فلا حدّ على كل واحد منهما و عليه المهر (17).

مسألة 8: إذا أقر بما يوجب الحدّ و لم يبيّنه لا يكلف بالبيان

(مسألة 8): إذا أقر بما يوجب الحدّ و لم يبيّنه لا يكلف بالبيان (18).

______________________________

(16) أما عدم الحد، فلعدم الإقرار بالزنا. و أما عدم المهر فلإنكارها أصل الزوجية.

(17) أما عدم الحدّ على الرجل، فلعدم الإقرار بالزنا، و الإقرار بالوطي أعم منه كما عرفت، و هو لا يؤخذ بإقرار المرأة. و أما عدم الحد على المرأة، فلفرض اعترافها بالإكراه أو الشبهة. و أما المهر، فلأصالة الصحة في فعل المسلم ما لم يثبت خلافه، و المفروض عدم ثبوته.

(18) للأصل، و الإجماع، و الاحتياط، و درء الحد بالشبهة كما مر، و لظاهر جملة من النصوص، منها قول نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «من أصاب منكم من هذه القاذورات شيئا فليستر بستر اللّه، فإنه من يبدلنا صفحته أقمنا عليه الحد» (1)، و عن علي عليه السلام: «ما أقبح في الرجل منكم أن يأتي بعض هذه الفواحش فيفضح نفسه على رؤوس الملأ، أ فلا تاب في بيته؟ فو اللّه لتوبته في ما بينه و بين اللّه أفضل من إقامتي الحد عليه» (2)، و ما دلّ على ترديد النبي صلّى اللّه عليه و آله و خليفته لمن أقر في الجملة (3).

و ظهور مثل هذه الأخبار في استحباب الإخفاء و الستار مما لا يخفى على أولي الأبصار. و ما دلّ على عدم جواز تعطيل حدود اللّه تعالى (4)، إنما هو بعد

ص: 254


1- السنن الكبرى للبيهقي ج: 8 صفحة: 230 باب ما في جاء في الاستتار بستر اللّه عز و جل.
2- الوسائل: باب 16 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 5.
3- راجع الوسائل: 15 و 16 من أبواب حد الزنا.
4- الوسائل: باب 1 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 1.

بل يضربه الحاكم حتى ينهى عن نفسه (19).

مسألة 9: لو أقر أربعا بالزنا بامرأة حدّ دونها

(مسألة 9): لو أقر أربعا بالزنا بامرأة حدّ دونها (20)، و إن صرّح بأنها طاوعته على الزنا يحدّ للقذف أيضا (21)، و كذا لو أقرت أربعا بأنه زنى بي و أنا طاوعته حدّت دونه (22).

مسألة 10: لو حملت المرأة التي لا زوج لها لم تحدّ إلّا بما يثبت به زناها

(مسألة 10): لو حملت المرأة التي لا زوج لها لم تحدّ إلّا بما يثبت به زناها (23)،

______________________________

الثبوت من كل جهة، فلا يشمل مثل المقام.

(19) لصحيح ابن قيس عن أبي جعفر عليه السلام: «ان أمير المؤمنين عليه السلام أمر على رجل أقر على نفسه بحدّ و لم يسم، أن يضرب حتى ينهى عن نفسه» (1)، و السند صحيح، و المتن صريح، و عمل المشهور به ثابت، فيتعين الفتوى به.

و نسب إلى ابن إدريس أنه لا يتجاوز المئة و لا ينقص عن ثمانين، و الحق أن ذلك موكول إلى نظر الحاكم الشرعي المتصدّي لذلك، لاستظهار سائر الخصوصيات المحفوفة بالموضوع التي لا تظهر إلّا للمباشر و الفقيه الناظر لها.

(20) أما حدّ الزنا على نفسه، فلوجود المقتضي و فقد المانع، و أما عدم الحدّ عليها، فلأنه لا يؤخذ أحد بإقرار غيره، مضافا إلى الأصل، و الاحتياط، و ظهور الإجماع.

(21) إن تحققت شرائط القذف.

(22) لما مر في سابقة من غير فرق، فتحدّ حدّان أحدهما للزنا، و الآخر للقذف، كما هو كذلك في الرجل.

(23) أما الأول: فلأصالة الصحة، و مقتضى الأصل العقلي و النقلي البراءة من الحدّ بالنسبة إليها و بالنسبة إلى الحاكم، و أصالة الاحتياط بالنسبة إلى الحدّ كما مر.

ص: 255


1- الوسائل: باب 11 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 1.

و ليس لأحد سؤالها و لا التفتيش عن حالها (24).

مسألة 11: إذا أقر بما يوجب الرجم ثمَّ أنكر سقط الرجم

(مسألة 11): إذا أقر بما يوجب الرجم ثمَّ أنكر سقط الرجم (25)، و مثله الإقرار على نفسه بالقتل (26)، و لو أقر بغيرهما لم يسقط بالإنكار (27).

مسألة 12: لو أقر بحدّ- رجما كان أو غيره- ثمَّ تاب

(مسألة 12): لو أقر بحدّ- رجما كان أو غيره- ثمَّ تاب يتخير الإمام عليه السلام بين العفو عنه أو إقامة الحد عليه (28)،

______________________________

و أما الثاني: فلوجود المقتضي لثبوت الحد حينئذ و فقد المانع عنه، بالإقرار أربعا، أو البينة كما يأتي.

(24) لأصالة اعتصام المسلمة عن ارتكاب الزنا، و أصالة الصحة.

(25) إجماعا، و نصوصا، منها قول الصادق عليه السلام في الموثق: «من أقر على نفسه أقمته عليه، إلّا الرجم فإنّه إذا أقر على نفسه ثمَّ جحد لم يرجم» (1)، و مثله غيره.

(26) لأصالة الاحتياط في الدماء، و في المرسل عن أحدهما عليهما السلام: «إذا أقر الرجل على نفسه بالقتل قتل، إذا لم تكن علة، فإن رجع و قال: لم أفعل ترك، و لم يقتل» (2).

(27) على المشهور للنصوص، منها قول الصادق عليه السلام في الموثق: «إذا أقر الرجل على نفسه بحدّ أو فرية ثمَّ جحد جلد» (3)، و تقتضيه قاعدة: «عدم سماع الإنكار بعد الإقرار».

(28) إجماعا، و نصوصا، منها قول الصادق عليه السلام: «جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فأقر بالسرقة، فقال له: أ تقرأ شيئا من القرآن؟ قال: نعم سورة البقرة، قال عليه السلام: قد وهبت يدك لسورة البقرة، فقال الأشعث: أ تعطل حدّا من حدود اللّه تعالى؟ فقال: و ما يدريك ما هذا؟ إذا قامت البينة فليس للإمام أن يعفو، و إذا أقر الرجل على نفسه فذاك إلى الإمام إن شاء عفا و إن شاء قطع» (4)،

ص: 256


1- الوسائل: باب 12 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 3 و 4 و 2.
2- الوسائل: باب 12 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 3 و 4 و 2.
3- الوسائل: باب 12 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 3 و 4 و 2.
4- الوسائل: باب 18 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 3.

و يثبت التخيير للحاكم الشرعي الجامع للشرائط النائب عن الإمام (29).

و أما الثاني ففيه مسائل كذلك:

______________________________

و قريب منه رواية طلحة بن زيد (1)، و عن أبي الحسن الثالث عليه السلام: «و أما الرجل الذي اعترف باللواط، فإنه لم يقم عليه البينة، و إنما تطوع بالإقرار من نفسه، و إذا كان للإمام الذي من اللّه أن يعاقب عن اللّه، كان له أن يمنّ عن اللّه، أما سمعت قول اللّه هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ (2)، و لا بد من تقييدهما بالتوبة بقرينة الإجماع على اعتبارها.

(29) لظهور الأدلة في التخيير من أنه حكم شرعي كسائر التخييرات الشرعية، لا فرق فيها بين الإمام و غيره.

ص: 257


1- الوسائل: باب 3 من أبواب حد السرقة الحديث: 5.
2- الوسائل: باب 18 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 4.
الثاني ثبوت الزنا بالبينة
اشارة

ثبوت الزنا بالبينة

مسألة 13: يعتبر في البينة التي يثبت بها الزنا أن لا تكون أقل من أربعة رجال، أو ثلاثة رجال و امرأتين

(مسألة 13): يعتبر في البينة التي يثبت بها الزنا أن لا تكون أقل من أربعة رجال (30)، أو ثلاثة رجال و امرأتين (31)،

______________________________

(30) للأصل، و الاحتياط، و النصوص المستفيضة إن لم تكن متواترة، منها قول علي عليه السلام في الصحيح: «لا يرجم رجل و لا امرأة حتى يشهد عليه أربعة شهود على الإيلاج و الإخراج» (1)، و قول أبي عبد اللّه عليه السلام في الموثق: «لا يرجم الرجل و المرأة حتى يشهد عليهما أربعة شهداء على الجماع و الإيلاج و الإدخال كالميل في المكحلة» (2)، و قريب منه قوله عليه السلام في صحيح الحلبي (3)، إلى غير ذلك من الروايات.

و في الكتاب العزيز وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً (4)، و كذا قوله تعالى:

وَ اللّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ (5).

(31) لظاهر النصوص، منها قول الصادق عليه السلام في الموثق: «لا يجوز في الرجم شهادة رجلين و أربع نسوة، و يجوز في ذلك ثلاثة رجال و امرأتان»(6)، و عن الرضا عليه السلام في موثق ابن الفضيل: «و تجوز شهادتهن في حدّ الزنا إذا كان

ص: 258


1- الوسائل: باب 12 من أبواب حد الزنا: الحديث: 2 و 4 و 1.
2- الوسائل: باب 12 من أبواب حد الزنا: الحديث: 2 و 4 و 1.
3- الوسائل: باب 12 من أبواب حد الزنا: الحديث: 2 و 4 و 1.
4- سورة النور: 4.
5- سورة النساء: 15.
6- الوسائل: باب 24 من أبواب الشهادات الحديث: 10.

و لا يثبت الزنا بشهادة النساء منفردات و لا شهادة رجل و ست نساء و لا تقبل شهادة رجلين و أربع نساء في الرجم (32)، و لكن يثبت بها الجلد دون الرجم (33).

______________________________

ثلاثة رجال و امرأتان، و لا تجوز شهادة رجلين و أربع نسوة في الزنا و الرجم» (1)، إلى غير ذلك من الروايات.

و نسب المنع إلى العماني و المفيد و غيرهما للأصل، و إطلاق ما دلّ على عدم قبول شهادتهن في الحدود و القتل (2)، و قول الصادق عليه السلام في صحيح محمد ابن مسلم: «إذا شهد ثلاثة رجال و امرأتان لم يجز في الرجم» (3).

و الكل مخدوش: إذ الأصل لا مورد له مع الدليل الخاص، كما أن الإطلاق مقيد به أيضا، و الأخير محمول على التقية، لكونه موافقا لمذهب أكثرهم (4).

(32) كل ذلك للأصل، و الاحتياط في الدماء، و ظهور الإجماع.

(33) كما عن جمع- منهم الشيخ و الفاضل و الشهيدان- بل نسب إلى المشهور لقول الصادق عليه السلام و الصحيح: «في رجل محصن فجر بامرأة فشهد عليه ثلاثة رجال و امرأتان وجب عليه الرجم، و إن شهد عليه رجلا و أربع نسوة فلا تجوز شهادتهم، و لا يرجم و لكن يضرب حد الزاني» (5).

و أما قوله عليه السلام: «و لا تجوز شهادة رجلين و أربع نسوة في الزنا و الرجم» (6)، المؤيد بعموم ما دلّ على عدم قبول شهادتهن مطلقا (7)، فلا وجه

ص: 259


1- الوسائل: باب 24 من أبواب الشهادات الحديث: 7.
2- الوسائل: باب 24 من أبواب الشهادات الحديث: 29 و 30 و 28.
3- الوسائل: باب 24 من أبواب الشهادات الحديث: 29 و 30 و 28.
4- راجع المغني لابن قدامة ج: 30 صفحة: 175.
5- الوسائل: باب 30 من أبواب حد الزنا الحديث: 1.
6- الوسائل: باب 24 من أبواب الشهادات الحديث: 7 و 29.
7- الوسائل: باب 24 من أبواب الشهادات الحديث: 7 و 29.
مسألة 14: إذا شهد ما دون الأربعة و ما بمنزلتها لا يثبت به الحدّ

(مسألة 14): إذا شهد ما دون الأربعة و ما بمنزلتها لا يثبت به الحدّ و لا الرجم بل يحدّون للفرية (34).

مسألة 15: يعتبر في شهادة الشهود ذكر المشاهدة للولوج في الفرج

(مسألة 15): يعتبر في شهادة الشهود ذكر المشاهدة للولوج في الفرج كالميل في المكحلة- أو الإخراج منه بلا عقد و لا شبهة و لا إكراه (35)، و لا يكفي مجرد اليقين بالزنا على الأحوط (36).

______________________________

للاعتماد عليه، إذ العموم مخصص بما مر و قوله عليه السلام: «في الزنا و الرجم» يحتمل أن يكون «و الرجم» عطف تفسير للزنا.

(34) أما عدم الثبوت، فلقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه. و أما الحدّ للفرية، فلما يأتي في القذف.

(35) للأصل، و الاحتياط، و الإجماع، و النصوص، منها قول الصادق عليه السلام في الصحيح: «حد الرجم أن يشهد عليه أربع أنهم رأوه يدخل و يخرج» (1)، و قوله عليه السلام أيضا: «لا يرجم الرجل و المرأة حتى يشهد عليهما أربعة على الجماع و الإيلاج و الإدخال كالميل في المكحلة» (2)، و تقدم قول النبي صلّى اللّه عليه و آله في قصة ماعز (3).

(36) لظهور النصوص في اعتبار الموضوعية في رؤية الإدخال و الإخراج، و كالميل في المكحلة في المقام، و إن اعتمدنا على يقين الشاهد في غير المقام، و ذلك لبناء الحدود على التخفيف، و الدرء بالشبهة، فلا بد من التثبت من كل الجهات، لتندفع جميع الشبهات و المشكلات.

ص: 260


1- الوسائل: باب 12 من أبواب حد الزنا الحديث: 1.
2- الوسائل: باب 12 من أبواب حد الزنا الحديث: 4.
3- تقدم في صفحة: 251.
مسألة 16: لا يعتبر في الشهادة ذكر المكان و الزمان و سائر الخصوصيات و الجهات

(مسألة 16): لا يعتبر في الشهادة ذكر المكان و الزمان و سائر الخصوصيات و الجهات بل يكفي الشهادة بالإدخال و الإخراج أو كالميل في المكحلة (37)، و لكن لو ذكروا الخصوصيات و اختلفت شهادتهم فيها مثل ما إذا شهد أحدهم أنه زنى يوم الخميس، و الآخر بأنه يوم الجمعة أو شهد أنه زنى في مكان خاص كذا، و شهد الآخر في مكان آخر غيره أو بفلانة، و الآخر بغيرها لم تسمع شهادتهم و لا يحدّ المشهود عليه و إنما يحدّ الشهود للقذف (38).

مسألة 17: لا بد من توارد الشهود على شي ء واحد

(مسألة 17): لا بد من توارد الشهود على شي ء واحد إذا ذكر بعضهم خصوصية خاصة و لا يكفي إطلاق البقية على الأحوط (39).

______________________________

(37) لإطلاق الأدلة الواردة في مقام البيان، مع أن المناط كله عدم سبب الحلية، و رؤية الميل في المكحلة، و رؤية الباقي لغو لا أثر له، و المفروض أنه قد تحقق الأولان، فلا وجه للأخير كما هو واضح على الخبير.

(38) أما عدم سماع الشهادة، فللأصل، و الاحتياط، أو الشبهة كما مر، و أما عدم الحد فلعدم ثبوت الموضوع له ببطلان الشهادة. و أما القذف، فلتحقق موضوعه شرعا، فيترتب عليه حكمه قهرا.

(39) كما عن جمع بل نسب إلى الإجماع، و يقتضيه الأصل، و الاحتياط، و في موثق عمار الساباطي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل يشهد عليه ثلاثة رجال أنه قد زنى بفلانة، و يشهد الرابع أنه لا يدري بمن زنى؟ قال عليه السلام: لا يحدّ و لا يرجم» (1). لكن بعد شهادة الأربعة بالرؤية كالميل في المكحلة الذي به قوام الزنا، لزوم التوارد على ما هو خارج عنه من لزوم ما لا يلزم، كما لا يخفى.

و الحديث يمكن أن يحمل على خصوص مورده، مع إجمال فيه أيضا.

ص: 261


1- الوسائل: باب 12 من أبواب حد الزنا الحديث: 6.
مسألة 18: إذا حضر بعض الشهود و شهد بالزنا دون بعضها الآخر و كان في غيبة

(مسألة 18): إذا حضر بعض الشهود و شهد بالزنا دون بعضها الآخر و كان في غيبة، حدّ من شهد بالزنا (40)، و لم ينتظر مجي ء البقية لإتمام البينة (41)، فإذا شهد ثلاثة منهم على الزنا و قالوا سيأتي الرابع حدّوا (42). نعم لا يعتبر حضورهم دفعة واحدة و لا شهادتهم كذلك و لا وحدة مكان الشهادة (43)، فلو شهد واحد و جاء الآخر بلا فصل فشهدوا هكذا حتى تمَّ الأربعة يثبت الزنا و لا حدّ على الشهود (44).

مسألة 19: لا يعتبر تواطؤ الشهود على الشهادة قبل إقامتها

(مسألة 19): لا يعتبر تواطؤ الشهود على الشهادة قبل إقامتها (45)،

______________________________

(40) إجماعا، و نصا، فعن علي عليه السلام في الموثق: «في ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا فقال علي عليه السلام: أين الرابع؟ قالوا: الآن يجي ء، فقال علي عليه السلام:

حدوهم، فليس في الحدود نظر ساعة» (1)، و قريب منه غيره، و أن ذلك من الفرية أيضا كما سيأتي.

(41) للأصل، و الاحتياط، و الإجماع، و ما تقدم في حديث علي عليه السلام من أنه: «ليس في الحدود نظر ساعة»، و في خبر عباد قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا و قالوا: الآن نأتي بالرابع؟ قال عليه السلام: يجلدون حدّ القاذف ثمانين جلدة كل رجل منهم» (2).

(42) كما هو مورد قول علي عليه السلام و كذا في غيره، لأن المورد من باب المثال، بل يكون في غيره بالأولى.

(43) كل ذلك لإطلاق الأدلة، و ظهور تسالم أعيان الملة بعد صدق شهادة أربعة بالرؤية، كالميل في المكحلة عرفا، كما مر.

(44) لتحقق الشهادة حينئذ، فتشملها العمومات و الإطلاقات.

(45) لظهور إطلاق الأدلة الشامل لصورة التواطي على الإقامة قبلها،

ص: 262


1- الوسائل: باب 12 من أبواب حد الزنا الحديث: 8 و 9.
2- الوسائل: باب 12 من أبواب حد الزنا الحديث: 8 و 9.

فلو تمت شهادة الأربعة بلا علم كل منهم بشهادة البقية يثبت الزنا (46).

مسألة 20: لو حضروا جميعا للشهادة فشهد بعضهم و نكل البعض عنها

(مسألة 20): لو حضروا جميعا للشهادة فشهد بعضهم و نكل البعض عنها حد غير الناكل ممن شهد للفرية (47).

مسألة 21: إذا شهد أربعة بالزنا و كانوا جميعا أو بعضهم غير مرضيين

(مسألة 21): إذا شهد أربعة بالزنا و كانوا جميعا أو بعضهم غير مرضيين حدوا للقذف (48)، و يختلف ذلك باختلاف الخصوصيات و الجهات فلا بد للحاكم من التثبت التام فيها (49).

مسألة 22: لا يقدح تقادم الزنا في إقامة الشهادة و قبولها

(مسألة 22): لا يقدح تقادم الزنا في إقامة الشهادة و قبولها (50).

______________________________

و صورة عدم التواطي عليها.

(46) لتحقق البينة الشرعية لدى الحاكم، فيثبت بها الحدّ، لوجود المقتضي له حينئذ و فقد المانع.

(47) لوجود المقتضي له حينئذ و فقد المانع عنه، فلا بد من إقامته، مضافا إلى قول أمير المؤمنين عليه السلام: «لا أكون أول الشهود الأربعة على الزنا، أخشى أن ينكل بعضهم» (1).

(48) لإطلاق ما عن الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير: «في أربعة شهدوا على رجل بالزنا فلم يعدلوا، قال عليه السلام: يضربون الحد»(2)، و هذا حكم احتياطي منه عليه السلام بالنسبة إلى البعض أيضا، لحفظ النظام و صونا للأعراض و دماء الأنام.

(49) و قد يكون منشأ الرد ظاهرا، و قد يكون مستورا، و قد يكون تفريط منهم في البين، و قد لا يكون، و كذا بالنسبة إلى سائر الجهات.

و بالجملة: الحاضر يرى ما لا يراه الغائب، فيعمل الحاكم برأيه و اجتهاده.

(50) لإطلاق الأدلة الشامل للقديم و الحديث، و ما في بعض الأخبار من التحديد إلى خمسة أشهر، كما في مرسلة ابن أبي عمير عن أحدهما عليهما السلام: «و إن

ص: 263


1- الوسائل: باب 12 من أبواب حد القذف الحديث: 2.
2- الوسائل: باب 12 من أبواب حد القذف الحديث: 4.
مسألة 23: تقبل شهادة الأربعة على الاثنين فما زاد

(مسألة 23): تقبل شهادة الأربعة على الاثنين فما زاد (51)، فلو قالوا:

إن فلانا و فلانا زنيا أو هذه الجماعة زنوا قبلت و يترتب عليه الأثر.

مسألة 24: إذا كملت الشهادة يثبت الحدّ

(مسألة 24): إذا كملت الشهادة يثبت الحدّ، و لا يثبت بتصديق المشهود عليه دون الأربعة (52)، و كذا لا يسقط بتكذيبه (53).

مسألة 25: لو تاب قبل الثبوت بالبينة أو الإقرار سقط الحدّ

(مسألة 25): لو تاب قبل الثبوت بالبينة أو الإقرار سقط الحدّ رجما كان أو جلدا (54)، و لا يسقط إن تاب بعده (55)،

______________________________

كان أمرا قريبا لم يقم عليه؟ قال: لو كان خمسة أشهر أو أقل و قد ظهر منه أمر جميل، لم يقم عليه الحد» (1)، محمول أو مطروح.

(51) لعموم الأدلة، و إجماع فقهاء الملة.

(52) للإطلاق، و ظهور الاتفاق، و نسب إلى غيرنا السقوط بذلك، لأن التصديق بما دون الأربع كالإقرار بما دون الأربع، يكون مسقطا للحد. و فيه: أنه قياس مع الفارق، فلا اعتبار به.

(53) للأصل، و الاتفاق، و الإطلاق حتى من غيرنا.

(54) إجماعا، و نصا، فعن أحدهما عليهما السلام: «في رجل سرق أو شرب الخمر أو زنى فلم يعلم بذلك منه، و لم يؤخذ حتى تاب و صلح، قال عليه السلام: إذا صلح و عرف منه أمر جميل لم يقم عليه الحد» (2)، و تقتضيه قاعدة درء الحدود بالشبهة.

(55) للأصل، و الإطلاق، و قول الصادق عليه السلام: «في رجل أقيمت عليه البينة بأنه زنى ثمَّ هرب قبل أن يضرب، قال عليه السلام: إن تاب فما عليه شي ء، و إن وقع في يد الإمام أقام عليه الحد، و إن علم مكانه بعث إليه» (3).

ص: 264


1- الوسائل: باب 16 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 3.
2- الوسائل: باب 16 من أبواب حد الزنا الحديث: 3 و 4.
3- الوسائل: باب 16 من أبواب حد الزنا الحديث: 3 و 4.

و للإمام أن يعفو بعد الإقرار و ليس له ذلك بعد قيام البينة كما مر (56).

مسألة 26: إذا أخذ و ادعى التوبة قبل الثبوت

(مسألة 26): إذا أخذ و ادعى التوبة قبل الثبوت قبل من غير يمين (57).

مسألة 27: تقبل في الزنا شهادة الحسبة

(مسألة 27): تقبل في الزنا شهادة الحسبة (58)، و لا تتوقف على مطالبة أحد (59).

مسألة 28: الأحوط الأولى تفريق الشهود في الإقامة بعد الاجتماع

(مسألة 28): الأحوط الأولى تفريق الشهود في الإقامة بعد الاجتماع، بل قد يجب (60).

مسألة 29: يستحب للشهود ترك إقامتها مطلقا

(مسألة 29): يستحب للشهود ترك إقامتها مطلقا (61)،

______________________________

(56) تقدم في مسألة 12، و عنه عليه السلام: «إذا قامت البينة فليس للإمام أن يعفو و إذا أقر الرجل على نفسه فذاك إلى الإمام، إن شاء عفا و إن شاء قطع» (1)، و مثله غيره.

(57) لما تقدم من قوله عليه السلام: «إن تاب فما عليه شي ء»، و لدرء الحد بالشبهة.

(58) تقدم مرارا معنى الحسبة (2)، و المراد منها في المقام أداء الشاهد شهادة تحملها لا بتقديم الدعوى و لا طلبا من أحد.

(59) لأنه من حقوق اللّه تعالى لا من حقوق الناس، حتى يتوقف على مطالبة صاحب الحق.

(60) أما الأول: فلكمال الاستظهار في الحدود المبنية على التخفيف، التي تدرأ بالشبهة.

و أما الثاني: ففيما إذا احتمل الحاكم الشرعي تجدد رأي في التفريق.

(61) للستر على المؤمن منهما أمكن ما لم يستلزم ذلك فسادا شرعا،

ص: 265


1- الوسائل: باب 18 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 3 و 4.
2- راجع ج: 22 صفحة: 172- 223.

كما يستحب للشخص ستر نفسه بالتوبة بل هي أفضل من إقامة الحد عليه (62).

مسألة 30: لا تسقط الشهادة بتصديق المشهود عليه و لا بتكذيبه

(مسألة 30): لا تسقط الشهادة بتصديق المشهود عليه و لا بتكذيبه (63).

______________________________

و لقول نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «لو سترته بثوبك كان خيرا لك» (1).

(62) إجماعا، و نصوصا، منها قول علي عليه السلام: «ما أقبح بالرجل منكم أن يأتي بعض هذه الفواحش فيفضح نفسه على رؤوس الاشهاد، أ فلا تاب في بيته؟ فو اللّه لتوبته في ما بينه و بين اللّه أفضل من إقامتي عليه الحدّ» (2).

(63) للأصل، و الإطلاق، و قيل يسقط بتصديقه و لا يحد المقر في الزنا أقل من أربع. و يرده ما تقدم من الأصل، و الإطلاق.

ص: 266


1- السنن الكبرى للبيهقي ج: 8 صفحة: 228.
2- الوسائل: باب 16 من أبواب مقدمات الحدود.
الفصل الثالث في أقسام حد الزنا
اشارة

الفصل الثالث في أقسام حد الزنا و هي خمسة (1):

القسم الأول: القتل
اشارة

القسم الأول: القتل

و هو في موارد
اشارة

و هو في موارد:

الأول: يجب القتل على من زنى بذات محرم نسبي

الأول: يجب القتل على من زنى بذات محرم نسبي (2)،

______________________________

(1) الحصر استقرائي شرعي.

(2) إجماعا، و نصوصا، منها قول نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «من وقع على ذات محرم فاقتلوه» (1)، و عن الصادق عليه السلام: «يضرب عنقه أو رقبته» (2)، و مثله غيره، و عن أحدهما عليهما السلام: «من زنى بذات محرم حتى يواقعها ضرب ضربة بالسيف أخذت منه ما أخذت، و إن كانت تابعة ضربت ضربة بالسيف أخذت منها ما أخذت، قيل له: فمن يضربهما و ليس لهما خصم؟ قال عليه السلام: ذلك على الإمام إذا رفعا إليه» (3)، إلى غير ذلك من الأخبار.

و أما قول الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير: «إذا زنى الرجل بذات محرم حدّ حدّ الزاني إلّا أنه أعظم ذنبا» (4)، فلا بد من حمله أو طرحه.

فمجموع ما وصل إلينا من النصوص أقسام ثلاثة:

الأول: ما يظهر منه القتل كما مر.

ص: 267


1- السنن الكبرى للبيهقي ج: 8 صفحة: 237.
2- الوسائل: باب 19 من أبواب حد الزنا الحديث: 7.
3- الوسائل: باب 19 من أبواب حد الزنا الحديث: 1.
4- الوسائل: باب 19 من أبواب حد الزنا الحديث: 8.

كالبنت و الأخت و الأم و شبهها و لا يلحق بها المحرمات بالرضاع و لا ما يحصل من الزنا و لا المحرمات بالمصاهرة (3).

الثاني: امرأة الأب

الثاني: امرأة الأب، فإنها تلحق بالنسبية فيقتل بالزنا بها (4).

الثالث: يقتل الذمي إذا زنى بالمسلمة مطاوعة كانت أو مكرهة

الثالث: يقتل الذمي إذا زنى بالمسلمة مطاوعة كانت أو مكرهة سواء كان على شرائط الذمة أم لا (5)، بل يجري هذا الحكم في مطلق الكافر (6)،

______________________________

الثاني: ما يظهر منه الجلد، كما في رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام: «أنه رفع إليه رجل وقع على امرأة أبيه فرجمه و كان غير محصن» (1).

الثالث: ما يظهر منه أنه يضرب ضربة بالسيف، فإن عاش يحبس حتى يموت، كما في خبر عمرو بن السمط عن السجاد عليه السلام: «في الرجل يقع على أخته، قال: يضرب ضربة بالسيف بلغت منه ما بلغت، فإن عاش خلّد في الحبس حتى يموت» (2). و لكن الأخيرين موهونان بالإعراض.

(3) كل ذلك للأصل، و الاحتياط، و انسباق خصوص النسبة الخاصة من لفظ ذات المحرم، و تنزيل الرضاع منزلة النسب إنما هو في الجملة لا من كل جهة، و الشك فيه يكفي في عدم التعميم.

(4) لدعوى الإجماع، و النص، كما مر، فعن أمير المؤمنين عليه السلام في موثق إسماعيل بن أبي زياد: «أنه رفع إليه رجل وقع على امرأة أبيه، فرجمه و كان غير محصن» (3).

(5) للإجماع، و ما عن الصادق عليه السلام في موثق حنان بن سدير: «أنه سئل عن يهودي فجر بمسلمة؟ فقال: يقتل» (4)، و إطلاقه يشمل جميع ما قلناه.

(6) للإجماع و لأن «الكفر ملة واحدة»، و للأولوية.

ص: 268


1- الوسائل: باب 19 من أبواب حد الزنا الحديث: 9 و 10.
2- الوسائل: باب 19 من أبواب حد الزنا الحديث: 9 و 10.
3- الوسائل: باب 19 من أبواب حد الزنا الحديث: 9.
4- الوسائل: باب 36 من أبواب حد الزنا الحديث: 1 و 2.

و لو أسلم لا يسقط الحكم (7).

الرابع: من زنى بامرأة مكرها لها

الرابع: من زنى بامرأة مكرها لها (8).

______________________________

(7) للأصل، و الإطلاق، و دعوى الاتفاق، و خبر جعفر «أنه قدم إلى المتوكل نصراني فجر بمسلمة، فأراد أن يقيم عليه الحد فأسلم، فقال يحيى بن أكثم: قد هدم إيمانه شركه و فعله، و قال بعضهم: يضرب ثلاثة حدود، و قال بعضهم يفعل به كذا و كذا، فأمر المتوكل أن يكتب إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام و سؤاله عن ذلك، فلما قدم الكتاب كتب عليه السلام يضرب حتى يموت، فأنكر يحيى بن أكثم و أنكر فقهاء الإسلام ذلك. و قالوا: يا أمير المؤمنين أسأل عن هذا فإنه شي ء لم ينطق به كتاب و لم تجئ به سنّة، فكتب إليه أن فقهاء المسلمين قد أنكروا هذا، و قالوا: لم تجئ به سنّة، و لم ينطق به كتاب، فبين لنا لم أوجبت عليه الضرب حتى يموت؟ فكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ، قال:

فأمر به المتوكل فضرب حتى مات» (1)، و التمسك بحديث الجب (2)، في مقابل هذا الحديث المخصص له، كالاجتهاد في مقابل النص. نعم لا بد و أن يتأمل الحاكم في أن لا تكون في البين خديعة أو مكر.

(8) إجماعا، و نصوصا، منها ما عن أبي جعفر عليه السلام في الصحيح: «رجل اغتصب امرأة فرجها، قال عليه السلام: يقتل محصنا كان أو غير محصن» (3)، و في صحيح زرارة (4)، عن أحدهما عليهما السلام «في رجل غصب امرأة نفسها، قال: يقتل» إلى غير ذلك من الأخبار.

و ما يتوهم منه الخلاف كقول أبي جعفر عليه السلام: «في رجل غصب امرأة

ص: 269


1- الوسائل: باب 36 من أبواب حد الزنا الحديث: 1 و 2.
2- راجع ج: 15 صفحة: 140.
3- الوسائل: باب 17 من أبواب حد الزنا الحديث: 1 و 4.
4- الوسائل: باب 17 من أبواب حد الزنا الحديث: 1 و 4.
مسألة 1: لا يشترط فيما تقدم الإحصان بل يقتل مطلقا

(مسألة 1): لا يشترط فيما تقدم الإحصان بل يقتل مطلقا محصنا كان أو لا، شيخا كان أو شابا، مسلما كان أو كافرا حرا كان أو عبدا (9).

مسألة 2: يصح الاكتفاء فيما تقدم بمجرد القتل

(مسألة 2): يصح الاكتفاء فيما تقدم بمجرد القتل و لا يجب الجمع بينه و بين الجلد (10).

القسم الثاني: الرجم
اشارة

القسم الثاني: الرجم فيجب على الشاب البالغ العاقل المحصن إذا زنى بالبالغة العاقلة و على الشابة البالغة العاقلة المحصنة إذا زنت ببالغ عاقل (11).

______________________________

نفسها، قال: يضرب ضربة بالسيف بالغة منه ما بلغت» (1)، و عن الصادق عليه السلام:

«إذا كابر الرجل المرأة على نفسها ضرب ضربة بالسيف مات منها أو عاش» (2)، فإنه محمول أو مطروح.

(9) كل ذلك للعموم و الإطلاق الشاملين للجميع، و للتصريح في بعض الروايات.

(10) نسب ذلك إلى المشهور، لإطلاقات الأدلة الواردة في مقام البيان، الظاهرة في ذلك.

و نسب إلى ابن إدريس الجمع بين الجلد و القتل، لإطلاق أدلة الزنا و أدلة المقام، و تمسكا بقول الصادق عليه السلام في موثق أبي بصير: «إذا زنى الرجل بذات محرم حدّ حدّ الزاني إلّا أنه أعظم ذنبا» (3).

و فيه: أن إطلاقات أدلة المقام حاكمة و شارحة لأدلة مطلق الزنا، لأنها تجعل الزنا قسمين، فيختلف حكمهما لا محالة، و ليس السبب متعددا حتى يجمع بينهما، و أما قول الصادق عليه السلام، فإن أمكن رده إلى سائر الأخبار المتقدمة فهو، و إلا فلا بد من رده إلى أهله.

(11) إجماعا بالنسبة إلى الرجم، و نصوصا أيضا، منها قول

ص: 270


1- الوسائل: باب 17 من أبواب حد الزنا الحديث: 3 و 4.
2- الوسائل: باب 17 من أبواب حد الزنا الحديث: 3 و 4.
3- الوسائل: باب 19 من أبواب حد الزنا الحديث: 8.
مسألة 3: لو زنى البالغ العاقل المحصن بغير البالغة أو بالمجنونة يرجم الزاني و تعزر المزني بها

(مسألة 3): لو زنى البالغ العاقل المحصن بغير البالغة أو بالمجنونة يرجم الزاني و تعزر المزني بها (12).

______________________________

الصادق عليه السلام في صحيح أبي بصير: «الرجم حدّ اللّه الأكبر، و الجلد حدّ اللّه الأصغر، فإذا زنى الرجل المحصن رجم و لم يجلد» (1)، و عنه عليه السلام أيضا في موثق سماعة: «الحر و الحرة إذا زنيا جلد كل واحد منهما مائة جلدة، فأما المحصن و المحصنة فعليهما الرجم» (2).

و بإزاء هذه الأخبار جملة أخرى من الأخبار تدل على الجمع بين الحدين- الجلد و الرجم- منها قول أبي جعفر عليه السلام في صحيحة محمد بن مسلم:

«المحصن و المحصنة جلد مائة ثمَّ الرجم» (3)، و في صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «في المحصن و المحصنة جلد مائة ثمَّ الرجم» (4)، و قد عمل بالجمع بين الحدّين جمع من الفقهاء، و نسب تارة إلى عامة المتأخرين، و أخرى إلى الشهرة.

و لكنه مخالف للأصل، و الاحتياط، و لما يستفاد من معتبرة أبي العباس عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «رجم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لم يجلد، و ذكروا أن عليا عليه السلام رجم بالكوفة و جلد، فأنكر ذلك أبو عبد اللّه عليه السلام و قال: ما نعرف هذا، أي لم يحدّ رجلا حدّين جلدا و رجما في ذنب واحد» (5)، و قوله عليه السلام في خبر عبد اللّه بن طلحة:

«إذا زنى الشيخ و الشيخة جلدا ثمَّ رجما عقوبة لهما، و إذا زنى النصف من الرجال رجم و لم يجلد إذا كان قد أحصن، و إذا زنى الشاب الحدث السن جلد و نفي سنة من مصره» (6)، و النصف من الرجال هو الوسط منهم. و مثلهما غيرهما، فكيف يجترئ على الحكم بالجمع بين الحدين مع اختلاف الأخبار فيه، و إمكان حمل ما دلّ على الجمع- كما مر- على بعض المحامل.

(12) لوجود المقتضي و فقد المانع عن الرجم و التعزير في كل منهما،

ص: 271


1- الوسائل: باب 1 من أبواب حد الزنا الحديث: 1 و 3 و 8 و 14.
2- الوسائل: باب 1 من أبواب حد الزنا الحديث: 1 و 3 و 8 و 14.
3- الوسائل: باب 1 من أبواب حد الزنا الحديث: 1 و 3 و 8 و 14.
4- الوسائل: باب 1 من أبواب حد الزنا الحديث: 1 و 3 و 8 و 14.
5- الوسائل: باب 1 من أبواب حد الزنا الحديث: 5 و 11.
6- الوسائل: باب 1 من أبواب حد الزنا الحديث: 5 و 11.
مسألة 4: لو زنى المجنون أو غير البالغ بالبالغة العاقلة مع مطاوعتها له

(مسألة 4): لو زنى المجنون أو غير البالغ بالبالغة العاقلة مع مطاوعتها له تحد المزني بها رجما أو غيره و يعزر الزاني (13).

القسم الثالث: الجلد خاصة

القسم الثالث: الجلد خاصة و هو على الزاني غير المحصن إذا لم يتزوج (14).

______________________________

فيشمله الإطلاق، و العموم، و في موثق ابن بكير عن أبي مريم عن الصادق عليه السلام:

«في غلام لم يبلغ الحلم وقع على امرأة أو فجر بالمرأة أي شي ء يصنع بهما؟

قال عليه السلام: يضرب الغلام دون الحدّ، و يقام على المرأة الحد. قلت: جارية لم تبلغ مع رجل يفجر بها؟ قال عليه السلام: تضرب الجارية دون الحدّ، و يقام على الرجل الحد» (1)، إلى غير ذلك من الأخبار.

و عن جمع عدم الرجم، للأصل، و لنقص اللذة في الصغيرة، و فحوى ما يأتي في نفي الرجم عن المحصنة إذا زنى بها صبي، و نقص الحرمة بالنسبة إلى الكاملة.

و الكل مردود ..

أما الأصل: فلأنه لا يقاوم الدليل.

و أما الثاني: فلأنه من مجرد الاستحسان مع منعه من أصله، كمنع الفحوى. و منع الأخير أيضا بعد شمول إطلاق الدليل للكل.

(13) ظهر الديلي مما تقدم في سابقة من غير فرق فلا وجه للتكرار.

(14) للآية المباركة الزّانِيَةُ وَ الزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ (2)، و الإجماع، و النصوص، منها: قول نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «البكر بالبكر جلد مائة و تغريب عام، و الثيب بالثيب جلد مائة و الرجم» (3)، و تقدم ما يتعلق

ص: 272


1- الوسائل: باب 9 من أبواب حد الزنا الحديث: 2.
2- سورة النور: 2.
3- السنن الكبرى للبيهقي ج: 8 صفحة: 222.

و على المرأة غير المحصنة إذا زنت (15)، و على المرأة العاقلة البالغة إذا زنى بها طفل و لو كانت محصنة (16).

القسم الرابع: الجمع بين الجلد و الرجم

القسم الرابع: الجمع بين الجلد و الرجم و هو حد الشيخ و الشيخة إذا كانا محصنين فيجلدان أولا ثمَّ يرجمان (17)، و مع عدم الإحصان فلا رجم بل

______________________________

بذيله، و منها: قول الصادق عليه السلام في معتبرة طلحة بن زيد: «إذا زنى الشاب الحدث السن جلد و نفي سنة من مصره» (1)، خرج منه المحصن نصا كما مر و إجماعا و بقي الباقي، و منها: ما كتبه محمد بن أبي بكر إلى أمير المؤمنين عليه السلام كما في خبر السكوني: «عن الرجل يزني بالمرأة اليهودية و النصرانية، فكتب اليه إن كان محصنا فارجمه، و إن كان بكرا فاجلده مائة ثمَّ انفه» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(15) لما تقدم في سابقة من غير فرق، و عن أبي جعفر عليه السلام في معتبرة محمد بن قيس: «أن أمير المؤمنين عليه السلام قضى في البكر و البكرة إذا زنيا جلد مائة و نفي سنة» (3)، و البكر عبارة عن غير المحصن على المشهور، بل ادعى عليه الإجماع.

(16) لصحيح أبي بصير عن الصادق عليه السلام: «في غلام صغير لم يدرك ابن عشر سنين زنى بامرأة، قال: يجلد الغلام دون الحدّ، و تجلد المرأة الحدّ كاملا، قيل له: فإن كانت محصنة؟ قال: لا ترجم، لأن الذي نكحها ليس بمدرك، فلو كان مدركا رجمت» (4).

(17) إجماعا، و نصوصا بعد رد بعضها إلى بعض و الأخذ بمفاد المجموع، و هي كثيرة منها ما عن أبي جعفر عليه السلام في صحيح محمد بن قيس: «قضى أمير

ص: 273


1- الوسائل: باب 1 من أبواب حد الزنا الحديث: 11.
2- الوسائل: باب 8 من أبواب حد الزنا الحديث: 5.
3- الوسائل: باب 1 من أبواب حد الزنا الحديث: 2.
4- الوسائل: باب 9 الحديث: 1.

و مع عدم الإحصان فلا رجم بل يجلدان فقط (18).

القسم الخامس: الجلد و التغريب و حلق الرأس
اشارة

القسم الخامس: الجلد و التغريب و حلق الرأس و هي على من تزوج امرأة و لم يدخل بها و زنى (19).

______________________________

المؤمنين عليه السلام في الشيخ و الشيخة أن يجلدا مائة، و قضى للمحصن الرجم- الحديث» (1)، و منها ما عن أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح عبد اللّه بن سنان: «الرجم في القرآن قول اللّه عز و جل: إذا زنى الشيخ و الشيخة فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة» (2)، و مثله غيره، و في صحيح الحلبي عنه عليه السلام: «الشيخ و الشيخة جلد مائة و الرجم» (3)، و مقتضى عمومها الجمع بينهما، كما هو المجمع عليه بينهم.

ثمَّ إن مقتضى صحيح عبد اللّه بن سنان أن ما ذكره عليه السلام كان آية من القرآن فحذفت. و لكن أثبتنا في تفسيرنا (مواهب الرحمن) بطلان التحريف في القرآن بجميع الصور المتصورة فيه.

(18) لما مر من إطلاقات الجلد مع عدم الإحصان.

(19) للنصوص في الجملة، منها ما عن ابن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: «عن رجل تزوج امرأة و لم يدخل بها فزنى، ما عليه؟ قال: يجلد الحد، و يحلق رأسه، و يفرق بينه و بين أهله، و ينفى سنة» (4)، و في صحيح حنان: «سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا اسمع، عن البكر يفجر و قد تزوج، ففجر قبل أن يدخل بأهله؟

فقال: يضرب مائة، و يجز شعره، و ينفى من المصر حولا، و يفرّق بينه و بين أهله» (5)، و ليس في بعض النصوص ذكر الجز و الحلق- كصحيح محمد بن قيس المتقدم و غيره- و إن ذكرا في بعضها الآخر فهو يكفي بعد اشتهار العمل به.

ص: 274


1- الوسائل: باب 1 من أبواب حد الزنا الحديث: 2 و 4 و 9.
2- الوسائل: باب 1 من أبواب حد الزنا الحديث: 2 و 4 و 9.
3- الوسائل: باب 1 من أبواب حد الزنا الحديث: 2 و 4 و 9.
4- الوسائل: باب 7 من أبواب حد الزنا الحديث: 8.
5- الوسائل: باب 7 من أبواب حد الزنا الحديث: 7.
مسألة 5: يحلق الرأس و لا يجوز حلق اللحية و لا الحاجب

(مسألة 5): يحلق الرأس و لا يجوز حلق اللحية و لا الحاجب و لا يكفي حلق الناصية فقط بل يحلق الرأس جميعه (20).

مسألة 6: لا جز على المرأة

(مسألة 6): لا جز على المرأة بل و لا تغريب عليها أيضا (21).

مسألة 7: مدة النفي سنة من البلدة التي جلد فيها

(مسألة 7): مدة النفي سنة (22)، من البلدة التي جلد فيها (23).

______________________________

(20) أما وجوب حلق الرأس، فلأنه المنساق من الأدلة، و فتوى الأجلة.

و أما عدم جواز حلق اللحية و الحاجب، فللأصل، و ظهور الاتفاق، و أما حلق جميع الرأس، فلظاهر ما مر من الدليل.

(21) أما الأول: فللإجماع، و لظهور ما تقدم من الأدلة في الرجل.

و أما الثاني: فادعي عليه الإجماع أيضا، و يشهد لذلك كثرة اهتمام الشارع بسترهن و اختفائهن.

و لكن يظهر من بعض الأخبار مثل صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين في البكر و البكرة إذا زنيا جلد مائة و نفي سنة في غير مصرهما» (1)، و قريب منه غيره، و لكنها موهونة بالإعراض، و دعوى الإجماع على الخلاف.

(22) لنصوص كثيرة- تقدم بعضها- منها قوله عليه السلام في صحيح حنان:

«و ينفي حولا من المصر» (2)، و عنه عليه السلام في صحيح الحلبي: «نفي سنة» (3)، و غيرهما من الأخبار.

(23) لما في موثق أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الزاني إذا زنى أ ينفى؟ فقال: نعم، من التي جلد فيها إلى غيرها»(4)، و عنه عليه السلام في الموثق أيضا:

«إذا زنى الرجل ينبغي للإمام أن ينفيه من الأرض التي جلد فيها إلى غيرها، فإنما

ص: 275


1- الوسائل: باب 1 من أبواب حد الزنا الحديث: 2 و 9.
2- الوسائل: باب 1 من أبواب حد الزنا الحديث: 2 و 9.
3- الوسائل: باب 7 من أبواب حد الزنا الحديث: 7.
4- الوسائل: باب 24 من أبواب حد الزنا الحديث: 2.

و تعيين محل النفي منوط بنظر الحاكم (24).

مسألة 8: لا يعتبر في التغريب تحقق المسافة الشرعية

(مسألة 8): لا يعتبر في التغريب تحقق المسافة الشرعية (25)، بل المناط صدق الغربة و التبعيد عرفا (26).

مسألة 9: لو كان محل الحد غير وطنه لا ينفى إلى وطنه

(مسألة 9): لو كان محل الحد غير وطنه لا ينفى إلى وطنه بل ينفى إلى غيره (27)، و لو حد في الفلاة ينفى من محل الحد إلى غير وطنه (28)، و لا فرق في محل الحد بين كونه مصرا أو قرية (29).

______________________________

على الإمام أن يخرجه من المصر الذي جلد فيه» (1)، إلى غير ذلك من الأخبار.

و يحمل عليها ما ورد من المطلقات، كقوله عليه السلام في الصحيح: «النفي من بلدة إلى بلدة» (2).

(24) لأن نظره متبع مطلقا، إن لم يكن فيه دليل بالخصوص.

(25) لعدم دليل على اعتباره، و ما ورد من تبعيد علي عليه السلام: «رجلين من الكوفة إلى البصرة» (3)، قضية في واقعة، لا لأجل اعتبار المسافة.

(26) للأصل، و العمومات المتقدمة، و الإطلاقات بعد صدق الموضوع عرفا.

(27) لأنه الظاهر من الأدلة.

و أما ما ينسب إلى علي عليه السلام من أنه قال: «التغريب فتنة» (4)، فهو قضية في واقعة لم يعلم وجه الصدور منه.

(28) لشمول ما مر من الإطلاق و الاتفاق للفلاة أيضا.

(29) للإطلاق الشامل للقسمين، و ذكر مصر في بعضها، كما في خبر

ص: 276


1- الوسائل: باب 24 من أبواب حد الزنا الحديث: 3 و 1.
2- الوسائل: باب 24 من أبواب حد الزنا الحديث: 3 و 1.
3- الوسائل: باب 24 من أبواب حد الزاني الحديث: 1.
4- ورد مضمونه في كنز العمال ج: 5 صفحة: 233 الحديث: 1708.
مسألة 10: في تكرار الزنا حد واحد مع عدم تخلل الحد في البين

(مسألة 10): في تكرار الزنا حد واحد مع عدم تخلل الحد في البين سواء كان التكرار مرتين أم مرات في يوم واحد أو أيام متعددة قصرت المدة بين الأفراد أو طالت (30)، هذا إذا كان من نوع واحد. و أما التكرار من أنواع مختلفة فيتكرر كما إذا كان أحدهما جلدا و الآخر رجما مثلا (31).

مسألة 11: إذا تكرر من الحر غير المحصن أو الحرة كذلك الزنا

(مسألة 11): إذا تكرر من الحر غير المحصن أو الحرة كذلك الزنا فأقيم الحد ثلاث مرات يقتل في الرابعة (32).

______________________________

عبد اللّه ابن طلحة: «و نفي سنة من مصره» (1)، من باب الغالب لا التقييد.

(30) لأن الحكم إنما تعلق بالطبيعة، و هي واحدة قلّت أفرادها أو كثرت، مثل كفاية الطهارة الواحدة لإحداث متعددة، هذا مع ظهور الإجماع، و بناء الحدود على التخفيف مهما أمكن. و أما ذيل خبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام:

«فإن هو زنى بنسوة شتى في يوم واحد و في ساعة واحدة، فإن عليه في كل امرأة فجر بها حدا» (2)، فمحمول أو مطروح.

(31) لقاعدة تعدد المسبب بتعدد السبب، و انصراف ما تقدم عن المقام، و يأتي ما يدل عليه أيضا.

(32) إجماعا، و نصا، قال الصادق عليه السلام في موثق أبي بصير: «الزاني إذا زنى يجلد ثلاثا و يقتل في الرابعة» (3).

و عن جمع القتل حينئذ في الثالثة، و استدلوا عليه بقول الكاظم عليه السلام في صحيح يونس: «إن أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة» (4)، و ادعى عليه الإجماع أيضا.

ص: 277


1- الوسائل: باب 1 من أبواب حد الزنا الحديث: 11.
2- الوسائل: باب 23 من أبواب حد الزنا.
3- الوسائل: باب 20 من أبواب حد الزنا الحديث: 1.
4- الوسائل: باب 20 من أبواب حد الزنا الحديث: 3.
مسألة 12: المملوك إذا أقيم عليه الحد سبعا قتل في الثامنة

(مسألة 12): المملوك إذا أقيم عليه الحد سبعا قتل في الثامنة (33).

مسألة 13: لو زنى الذمي بالمسلمة يقتله الحاكم الشرعي

(مسألة 13): لو زنى الذمي بالمسلمة يقتله الحاكم الشرعي (34)، و إن زنى بذمية أو كافرة يرى الحاكم المصلحة في أنها هل تقتضي إقامة الحد عليه بحسب شريعة الإسلام أو تقتضي دفعه إلى أهل ملته ليقيموا عليه حدهم (35).

______________________________

أما إجماعهم فموهون بذهاب المشهور بل المجمع عليه، إلى القتل في الرابعة. و أما النص فلا بد من رده إلى أهله، لمخالفته لما ورد من التحفظ في الدماء (1)، و الاحتياط فيها مهما أمكن، أو حمله على التقية.

(33) للإجماع، و صحيح بريد عن الصادق عليه السلام: «إذا زنى العبد جلد خمسين، فإن عاد ضرب خمسين إلى ثمان مرات، فإن زنى ثمان مرات قتل و أدى الإمام قيمته إلى مواليه من بيت المال» (2)، و مثله غيره، و ما يستفاد منه القتل في التاسعة (3)، معرض عنه.

كما أن المملوك و المملوكة يجلدان خمسين جلدة، سواء كانا محصنين أم غير محصنين، لنصوص (4)، تقدم بعضها، كذلك لا نفي و لا جز عليهما لأدلة خاصة (5).

(34) كما تقدم (6)، فلا وجه للتكرار و الإعادة.

(35) لإطلاق قوله تعالى فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ (7)، و أما قوله تعالى:

ص: 278


1- الوسائل: باب 1 و 2 من أبواب القصاص في النفس.
2- الوسائل: باب 32 من أبواب حد الزنا الحديث: 1.
3- الوسائل: باب 32 من أبواب حد الزنا الحديث: 2.
4- راجع جميع ذلك في الوسائل: باب 31 من أبواب حد الزنا.
5- راجع جميع ذلك في الوسائل: باب 31 من أبواب حد الزنا.
6- تقدم في صفحة: 268.
7- سورة المائدة: 42.
مسألة 14: إذا زنى المسلم بكافرة يحكم على المسلم بحكمه جلدا أو رجما

(مسألة 14): إذا زنى المسلم بكافرة يحكم على المسلم بحكمه جلدا أو رجما، و في الكافرة بالخيار كما تقدم (36).

مسألة 15: لا يقام الحد- رجما و لا جلدا- على الحامل

(مسألة 15): لا يقام الحد- رجما و لا جلدا- على الحامل و لو كان حملها من زنا حتى تضع حملها و تخرج من نفاسها إن خيف من الجلد الضرر على الولد (37)،

______________________________

وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَ مُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ (1)، فليس في مقام بيان إطلاق الأحوال مطلقا، بل هو في مقام تشريع الحكم في الجملة غير المنافي لما ذكرناه، و يظهر ذلك مما كتبه علي عليه السلام إلى محمد بن أبي بكر: «في الرجل زنى بالمرأة اليهودية و النصرانية، فكتب عليه السلام إليه: إن كان محصنا فارجمه، و إن كان بكرا فاجلده مائة جلدة ثمَّ انفه، و أما اليهودية فابعث بها إلى أهل ملتها فليقضوا فيها ما أحبوا» (2).

و أما الإشكال بأن الدفع إليهم إحقاق للباطل و تعطيل للحد، فهو من الاجتهاد في مقابل النص، كما أن خبر قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام: «في يهودي أو نصراني أو مجوسي أخذ زانيا أو شارب خمر ما عليه؟ قال: يقام عليه حدود المسلمين إذا فعلوا ذلك في مصر من أمصار المسلمين، أو في غير أمصار المسلمين إذا رفعوا إلى حكام المسلمين» (3)، غير مناف لما قلناه.

(36) أما الأول: فللعمومات، و الإطلاقات الشاملة للمقام أيضا.

و اما الثاني: فلما مر آنفا.

(37) لإطلاق النص، و الفتوى، و إطلاق قوله تعالى:

ص: 279


1- سورة المائدة: 48.
2- الوسائل: باب 8 من أبواب حد الزنا الحديث: 5.
3- الوسائل: باب 29 من أبواب مقدمات الحدود.

و كذا لو لم تكن مرضعة و خيف من الضرر على ولدها، و لو وجد من يتحمله ذلك تحد و لا تؤخر (38).

______________________________

وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (1)، و اقتضاء قاعدة: «نفي العسر و الحرج» في الجملة لذلك كله، و عن نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله فيمن أقرت بالزنا و هي حبلى: «حتى تضعي ما في بطنك، فلما ولدت قال: اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه»(2)، و في حديث آخر عنه صلّى اللّه عليه و آله:

«نرجمها و ندع ولدها صغير السن ليس له من يرضعه؟! فقام رجل من الأنصار فقال: إليّ رضاعه يا نبي اللّه، فرجمها» (3)، و عن الصادق عليه السلام في معتبرة عمار الساباطي: «في محصنة زنت و هي حبلى، قال: تقر حتى تضع ما في بطنها و ترضع ولدها ثمَّ ترجم» (4)، و قريب منها غيرها.

(38) إجماعا، و نصوصا، منها ما تقدم من قول نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله، و حيث ان الحكم موافق لقاعدة نفي العسر و الحرج يشمل الجلد أيضا، و في خبر ميثم قال: «أتت امرأة مجحّ أمير المؤمنين عليه السلام فقالت: يا أمير المؤمنين إني زنيت فطهرني طهرك اللّه، فإن عذاب الدنيا أيسر من عذاب الآخرة الذي لا ينقطع، فقال لها: ممّ أطهرك؟ فقالت: إني زنيت، فقال لها: و ذات بعل أنت إذا فعلت ما فعلت أم غير ذلك؟ قالت: بل ذات بعل، فقال لها: أ فحاضرا كان بعلك إذ فعلت ما فعلت؟ أم غائبا كان عنك؟ قالت: بل حاضرا، فقال لها: انطلقي فضعي ما في بطنك ثمَّ ائتني أطهّرك- إلى أن قال- فلم تلبث أن أتته فقالت: قد وضعت فطهرني- إلى أن قال- فانطلقي فأرضعيه حولين كاملين كما أمرك اللّه فانصرفت المرأة- إلى أن قال- فلما مضى الحولان أتت المرأة فقالت: قد أرضعته حولين فطهرني- إلى أن قال- فانطلقي فاكفليه حتى يعقل أن يأكل و يشرب و لا يتردى

ص: 280


1- سورة الانعام: 164.
2- السنن الكبرى للبيهقي ج: 8 صفحة: 229.
3- السنن الكبرى للبيهقي ج: 8 صفحة: 229.
4- الوسائل: باب 16 من أبواب حد الزنا الحديث: 4.
مسألة 16: يجب الحد على المريض و صاحب القروح و المستحاضة و نحوهم

(مسألة 16): يجب الحد على المريض و صاحب القروح و المستحاضة و نحوهم إن كان قتلا أو رجما (39)، و إن كان الحد غيرهما لا يجلد بل ينتظر البرء (40)،

______________________________

من سطح و لا يتهوى في بئر، فانصرفت و هي تبكي فلما ولّت و صارت حيث لا تسمع كلامه قال: اللهم هذه ثلاث شهادات، فاستقبلها عمرو بن حريث المخزومي، فقال لها: ما يبكيك يا أمة اللّه؟ و قد رأيتك تختلفين إلى علي عليه السلام تسألينه أن يطهرك- إلى أن قال- فقال لها عمرو بن حريث:

ارجعي إليه فأنا أكفله فرجعت فأخبرت أمير المؤمنين عليه السلام بقول عمرو بن حريث فقال علي عليه السلام و هو متجاهل عليها: و لم يكفل عمرو ولدك- إلى أن قال- اللهم إنه قد أثبت عليها أربع شهادات- إلى أن قال- فرجمها أمير المؤمنين» (1).

(39) لإطلاق الأدلة الدالة على أنه لا تعطيل في الحد، و ليس فيه نظر ساعة (2)، مضافا إلى الإجماع، و من كان نفسه في معرض إزهاق الروح لا فرق فيه بين الصحيح و المريض.

(40) لقاعدة نفي الحرج و الضرر، و الإجماع، و خوف السراية، و لنصوص منها قول الصادق عليه السلام في خبر السكوني: «اتي أمير المؤمنين عليه السلام برجل أصاب حدا و به قروح في جسده كثيرة، فقال: عليه السلام أخروه حتى يبرأ لا تنكؤه فتقتلوه» (3)، و عنه عليه السلام أيضا: «اتي أمير المؤمنين عليه السلام برجل أصاب حدا و به قروح و مرض و أشباه ذلك، فقال عليه السلام: أخروه حتى يبرأ لا تنكأ قروحه عليه فيموت، و لكن إذا برأ حددناه» (4)، و عن الصادق عليه السلام في خبر السكوني: «لا يقام

ص: 281


1- الوسائل: باب 16 من أبواب حد الزنا الحديث: 1.
2- الوسائل: باب 25 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 1.
3- الوسائل: باب 13 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 4 و 6.
4- الوسائل: باب 13 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 4 و 6.

و لو لم يتوقع البرء أو رأى الحاكم المصلحة في التعجيل ضربهم بالضغث المشتمل على العدد من سياط أو شماريخ أو نحوهما (41)، و لا يعتبر وصول كل شمراخ أو سوط إلى الجسد فيكفي صدق المسمّى عرفا (42)، و لو برأ قبل الضرب بالضغث حدّ كالصحيح (43)، و لو برأ بعده لم يعد (44).

مسألة 17: لا يؤخر حد الحائض إلى طهرها

(مسألة 17): لا يؤخر حد الحائض إلى طهرها (45)، و يؤخر في النفساء حتى ينقطع دمها على الأحوط (46).

______________________________

الحد على المستحاضة حتى ينقطع الدم عنها» (1)، المحمول على الجلد لما تقدم.

(41) لقاعدة الميسور، و الإجماع، و النصوص، منها قول الصادق عليه السلام في خبر سماعة: «اتي النبي صلّى اللّه عليه و آله برجل كبير البطن قد أصاب محرما فدعا بعرجون فيه مائة شمراخ فضربه مرة فكان الحد» (2)، و قريب منه غيره من الأخبار.

و الظاهر أن ذكر الشمراخ من باب المثال، فيشمل السياط أيضا، و هل يشمل الاسلاك- التي تستعمل في مثل الكهرباء- أو لا؟ وجهان.

(42) للإطلاق الشامل لمجرد وصول البعض أيضا، مع تعذر وصول الجميع عادة.

(43) لوجود المقتضي للمبدل و فقد المانع عنه، فلا تصل النوبة إلى البدل شرعا و عرفا.

(44) لظهور الإطلاق، و الاتفاق.

(45) للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق، بعد عدم كونها مريضة.

(46) لقول علي عليه السلام: «إن أمة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله زنت فأمرني أن أقيم عليها الحد، فأتيتها فإذا هي حديثة بنفاس، فخشيت إن أنا جلدتها أن تموت، فأتيت

ص: 282


1- الوسائل: باب 13 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 3 و 1.
2- الوسائل: باب 13 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 3 و 1.
مسألة 18: لا يسقط الحد باعتراض الجنون أو الارتداد

(مسألة 18): لا يسقط الحد باعتراض الجنون أو الارتداد (47)، فلو ارتكب ما يوجب الحد و هو صحيح ثمَّ جنّ أقيم عليه الحدّ رجما أو جلدا (48).

مسألة 19: لو ارتكب المجنون الأدواري ما يوجب الحدّ في دور إفاقته و صحته أقيم عليه الحد

(مسألة 19): لو ارتكب المجنون الأدواري ما يوجب الحدّ في دور إفاقته و صحته أقيم عليه الحد و لو في دور جنونه و لا ينتظر به الإفاقة (49). و لا فرق بين أن يحس المجنون بالألم أولا (50).

مسألة 20: لا يجلد في شدة البرد و لا شدة الحر

(مسألة 20): لا يجلد في شدة البرد و لا شدة الحر بل يجلد في الشتاء في حر النهار و في الصيف في وقت برده (51).

______________________________

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فذكرت له، فقال صلّى اللّه عليه و آله: «أحسنت اتركها حتى تماثل» (1)، مضافا إلى بناء الحد على التخفيف، و الحديث و إن كان قاصر سندا، و لكنه موافق للقاعدة في صورة خوف الموت، و في غيرها يصلح للاحتياط.

(47) لما مر من الإطلاق، و الاتفاق، و الأصل، و قول أبي جعفر عليه السلام في خبر أبي عبيدة: «في رجل وجب عليه حدّ فلم يضرب حتى خولط، فقال: إن كان أوجب على نفسه الحد و هو صحيح لا علة به من ذهاب عقله، أقيم عليه الحد كائنا ما كان» (2).

(48) لما تقدم من قول أبي جعفر عليه السلام.

(49) أما الأول: فلإطلاق ما مر في قول أبي جعفر عليه السلام، و الأصل، و سائر الإطلاقات.

و أما الثاني: فلعدم صحة تعطيل الحدّ بعد ثبوته.

(50) لإطلاق الدليل الشامل لكلتا الصورتين، مضافا إلى ظهور الإجماع.

(51) إجماعا، و نصوصا، منها قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا كان في البرد

ص: 283


1- كنز العمال ج: 5 صفحة: 254 الحديث: 1810.
2- الوسائل: باب 9 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 1.

و لا يقام الحدّ في أرض العدو (52).

مسألة 21: لا يقام الحدّ في الحرم على من التجأ إليه

(مسألة 21): لا يقام الحدّ في الحرم على من التجأ إليه (53)، بل يضيّق عليه في المطعم و المشرب ليخرج فيقام عليه الحدّ في خارجه (54)، و يقام الحد على من أحدث موجبه فيه (55).

______________________________

ضرب في حر النهار، و إذا كان في الحر ضرب في برد النهار» (1)، و منها ما عن العبد الصالح عليه السلام: «لا يضرب أحد في شي ء من الحدود في الشتاء إلّا في آخر ساعة من النهار، و لا في الصيف إلّا في أبرد ما يكون من النهار» (2)، مع أن الواجب هو الاقتصار على ضرب الحد فقط، لا ما يوجب ضررا آخر و لو كان من الحدّ، و لو خالف يضمن.

(52) لقول الصادق عليه السلام في موثق إسحاق بن عمار: «لا أقيم على رجل حدا بأرض العدو مخافة أن تحمله الحمية فيلحق بالعدو» (3).

(53) لإطلاق قوله تعالى وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً (4)، مع أنه مناف لاحترام الحرم.

(54) لصحيح هشام بن الحكم عن الصادق عليه السلام: «في الرجل يجني في غير الحرم ثمَّ يلجأ إلى الحرم، قال: لا يقام عليه الحدّ، و لا يطعم و لا يسقى، و لا يكلّم، و لا يبايع، فإنه إذا فعل به ذلك يوشك أن يخرج فيقام عليه الحد» (5).

(55) لقوله عليه السلام فيما مر من الصحيح: «و إن جنى في الحرم جناية أقيم عليه

ص: 284


1- الوسائل: باب 7 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 2 و 1.
2- الوسائل: باب 7 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 2 و 1.
3- الوسائل: باب 10 من أبواب مقدمات الحدود.
4- سورة آل عمران: 97.
5- الوسائل: باب 34 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 1.

.....

______________________________

الحد في الحرم، فإنه لم ير للحرم حرمة» (1)، و أما مرسل الفقيه: «لو أن رجلا دخل الكعبة فبال فيها معاندا أخرج من الكعبة و ضرب عنقه» (2)، فيشكل الحكم بمفاده، لقصور سنده، و لو تمَّ فهو الأحوط الأولى.

و المراد من الحرم حرم مكة، و عن بعض إلحاق حرم النبي صلّى اللّه عليه و آله به.

ص: 285


1- الوسائل: باب 34 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 1.
2- الوسائل: باب 46 من أبواب مقدمات الطواف الحديث: 2.
الفصل الرابع في كيفية إيقاع الحدّ
اشارة

الفصل الرابع في كيفية إيقاع الحدّ و فيه مسائل:

مسألة 1: لو اجتمعت حدود على شخص بدئ بما لا يفوت معه الآخر

(مسألة 1): لو اجتمعت حدود على شخص بدئ بما لا يفوت معه الآخر (1)، ففي مورد اجتماع الجلد و الرجم يجلد أولا ثمَّ يرجم، و لا يجب توقع برأ جلده فيما اجتمعا فيه (2)، و لا يجوز التأخير (3).

مسألة 2: لو اجتمع عليه حدّ البكر و المحصن يشكل كون الرجم بعد التغريب

(مسألة 2): لو اجتمع عليه حدّ البكر و المحصن يشكل كون الرجم بعد التغريب (4).

______________________________

(1) للاتفاق، و الإطلاق، و الاعتبار، و النصوص، منها قول أبي جعفر عليه السلام في صحيح زرارة: «أيما رجل اجتمعت عليه حدود فيها القتل، يبدأ بالحدود التي هي دون القتل، ثمَّ يقتل بعد ذلك» (1)، و مثله غيره، و ما عن بعض من الاكتفاء بالقتل لا وجه له لما عرفت.

(2) للأصل، و الإطلاق.

(3) لقول علي عليه السلام: «ليس في الحدود نظر ساعة» (2)، بناء على شموله للمقام.

(4) للشك في جواز التأخير إلى هذا الحد، مع ما مر من أنه «ليس في الحدود نظر ساعة» (3).

ص: 286


1- الوسائل: باب 15 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 1.
2- الوسائل: باب 25 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 1.
3- الوسائل: باب 25 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 1.
مسألة 3: يدفن الرجل للرجم إلى حقويه لا أزيد

(مسألة 3): يدفن الرجل للرجم إلى حقويه لا أزيد (5)، و المرأة إلى وسطها فوق ألحقوه تحت الصدر (6).

مسألة 4: لو هربا من الحفيرة يردّان إن ثبت الزنا بالبينة

(مسألة 4): لو هربا من الحفيرة يردّان إن ثبت الزنا بالبينة (7)،

______________________________

(5) إجماعا و تأسيا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله، و لقول أبي عبد اللّه عليه السلام في موثق سماعة:

«لا يدفن الرجل إذا رجم إلّا إلى حقويه» (1).

(6) لأن نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله حفر للغامدية إلى الصدر (2): «و رجم صلّى اللّه عليه و آله امرأة فحفر لها إلى الثندوة» (3)، و هو المراد من قول الصادق عليه السلام: «تدفن المرأة إلى وسطها» (4)، إذ المنساق منه بقرينة غيره إنما هو فوق ألحقوه تحت الصدر، و المسألة من صغريات الأقل و الأكثر، فما تطابقت عليه هذه النصوص هو الواجب، و في الزائد عن الحد يرجع إلى الأصل.

و ما نقل عن بعض الفقهاء من اختلافهم في التحديد لا دليل لهم على ذلك في مقابل ما ذكرنا، و ما نقل عن نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله أنه لم يحفر للجهنية بل شكّت عليها ثيابها، ثمَّ أمر بها فرجمت (5)، فهو قضية في واقعة يكون هو صلّى اللّه عليه و آله أعلم بما فعل.

ثمَّ إنه هل يكون لنفس الحفيرة من حيث هي موضوعية خاصة، أو لها طريقية لاستيثاق المرجوم، فيكون ربطه بشجرة أو عمود و نحوهما مثلا يجزي؟ وجهان.

(7) للأصل، و ما تقدم من الإطلاق، و ظهور الاتفاق، و ما يأتي من الأخبار.

ص: 287


1- الوسائل: باب 14 من أبواب حد الزنا الحديث: 3.
2- السنن الكبرى للبيهقي ج: 8 باب 19 من كتاب الحدود الحديث: 2.
3- السنن الكبرى للبيهقي ج: 8 باب 11 من كتاب الحدود صفحة: 221.
4- الوسائل: باب 14 من أبواب حد الزنا الحديث: 3.
5- السنن الكبرى للبيهقي باب: 8 من كتاب الحدود صفحة: 218.

و إن ثبت بالإقرار لم يردّا مطلقا (8)،

______________________________

(8) نسب ذلك إلى المشهور للشبهة، و الاحتياط في الدماء، و عن الصادق عليه السلام: «إن كان أقر على نفسه فلا يرد، و إن كان شهد عليه الشهود يرد» (1).

و أما عن جمع من التفرقة بين قبل الإصابة فيرد، و بعد الإصابة و لو بحجارة واحدة فلا يرد تمسكا بأخبار منها خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«المرجوم يفر من الحفيرة فيطلب، قال: لا، و لا يعرض له إن كان أصابه حجر واحد لم يطلب، فإن هرب قبل أن تصيبه الحجارة رد حتى يصيبه ألم العذاب» (2).

و خبر حسين بن خالد: «قال لأبي الحسن عليه السلام: أخبرني عن المحصن إذا هو هرب من الحفيرة هل يرد حتى يقام عليه الحد؟ فقال: يرد و لا يرد، قال:

و كيف ذاك؟ فقال: إذا كان هو المقر على نفسه ثمَّ هرب من الحفيرة بعد ما يصيبه شي ء من الحجارة لم يرد، و إن كان إنما قامت عليه البينة و هو مجحد ثمَّ هرب ردّ و هو صاغر حتى يقام عليه الحد، و ذلك أن ماعز بن مالك أقر عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالزنا فأمر به أن يرجم فهرب من الحفيرة فرماه الزبير بن العوام بساق بعير فعقله، فلحقه الناس فقتلوه، فأخبروا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بذلك، فقال: فهلا تركتموه، إذا هو هرب يذهب، فإنما هو الذي أقر على نفسه، و قال لهم: أما لو كان علي عليه السلام حاضرا معكم لما ضللتم، و وداه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من بيت مال المسلمين» (3).

مخدوش: بوهن الأخبار بالإعراض، مع إمكان حمل الإصابة- و لو في

ص: 288


1- الوسائل: باب 15 من أبواب حد الزنا الحديث: 4.
2- الوسائل: باب 15 من أبواب حد الزنا الحديث: 3.
3- الوسائل: باب 15 من أبواب حد الزنا الحديث: 1.

هذا في الرجم، و أما في الجلد فلا ينفع الفرار بل يردان و يحدّان مطلقا (9).

مسألة 5: إذا ثبت الزنا في المحصن بالإقرار

(مسألة 5): إذا ثبت الزنا في المحصن بالإقرار كان أول من يرجمه الإمام عليه السلام ثمَّ الناس و إذا ثبت الزنا بالبينة كان أول من يرجمه البينة ثمَّ الإمام عليه السلام ثمَّ الناس (10).

مسألة 6: يجلد الرجل الزاني قائما

(مسألة 6): يجلد الرجل الزاني قائما (11)،

______________________________

الجملة- على الغالب فلا يصلح للتقييد.

(9) للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق، و ما عن الصادق عليه السلام في خبر عيسى بن عبد اللّه: «الزاني يجلد فيهرب بعد أن أصابه بعض الحدّ، أ يجب عليه أن يخلا عنه و لا يرد كما يجب للمحصن إذا رجم؟ قال: لا، و لكن يرد حتى يضرب الحد كاملا، قلت: فما فرق بينه و بين المحصن، و هو حدّ من حدود اللّه؟ قال:

المحصن هرب من القتل و لم يهرب إلّا إلى التوبة، لأنه عاين الموت بعينه، و هذا انما يجلد فلا بد و أن يوفى الحد لأنه لا يقتل» (1).

(10) لظهور الإجماع، و فعل علي عليه السلام في رجم سراقة الهمدانية و غيرها الثابت زناها بالإقرار (2)، و عن الصادق عليه السلام في خبر صفوان المنجبر: «إذا قامت عليه البينة كان أول من يرجمه البينة، ثمَّ الإمام، ثمَّ الناس» (3).

و المشهور أن الحكم على نحو الوجوب، و الظاهر عدم الفرق بين إمام الأصل عليه السلام و نائبه الذي ثبت الحكم لديه بالإقرار.

(11) لصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «يضرب الرجل الحد قائما و المرأة قاعدة، و يضرب على كل عضو و يترك الرأس و المذاكير» (4).

ص: 289


1- الوسائل: باب 35 من أبواب حد الزنا الحديث: 1.
2- الوسائل: باب 14 من أبواب حد الزنا الحديث: 5.
3- الوسائل: باب 14 من أبواب حد الزنا الحديث: 2.
4- الوسائل: باب 11 من أبواب حد الزنا الحديث: 1.

مجردا عن ثيابه إلّا ساتر عورته (12)، و يضرب أشد الضرب (13)، و يفرّق على جميع جسده و يتّقى وجهه و رأسه و فرجه (14)،

______________________________

و عن جمع أنه يضرب على الحال التي وجد عليها إن عاريا فعاريا و إن كان عليه ثيابه فكذلك، لقول الباقر عليه السلام في خبر طلحة بن زيد: «يضرب الزاني على الحال التي وجد عليها، إن وجد عريانا ضرب عريانا و إن وجد و عليه ثيابه ضرب و عليه ثيابه» (1)، و لا بأس به بعد حمل القسم الأول من الأخبار على الغالب.

(12) لما عن الكاظم عليه السلام في موثق إسحاق بن عمار: «عن الزاني كيف يجلد؟ قال: أشد الجلد، قلت: فمن فوق ثيابه؟ قال: بل يجرد» (2)، و نحوه غيره.

(13) لما تقدم في قول الكاظم عليه السلام، و عن الصادق عليه السلام في معتبرة سماعة:

«حدّ الزاني كأشد ما يكون من الحدود» (3)، و عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في معتبرة محمد بن سنان: «و علة ضرب الزاني على جسده بأشد الضرب، لمباشرته الزنا و استلذاذ الجسد كله به، فجعل الضرب عقوبة له و عبرة لغيره و هو أعظم الجنايات» (4).

(14) للإطلاق، و الاتفاق بالنسبة إلى جميع الجسد، و لجملة من الأخبار في المستثنى، منها قول علي عليه السلام: «اضرب و أوجع و اتق الرأس و الوجه» (5)، و قول الباقر عليه السلام كما مر في صحيح زرارة: «و يضرب على كل عضو و يترك الرأس و المذاكير» (6)، و في خبر حريز: «يفرّق الحد على الجسد كله، و يتقى الفرج و الوجه» (7)، و ما دلّ على أنه يرجم من ورائه كقول أبي جعفر عليه السلام(8)

ص: 290


1- الوسائل: باب 11 من أبواب حد الزنا الحديث: 7.
2- الوسائل: باب 11 من أبواب حد الزنا: الحديث 7 و 3 و 4 و 8.
3- الوسائل: باب 11 من أبواب حد الزنا: الحديث 7 و 3 و 4 و 8.
4- الوسائل: باب 11 من أبواب حد الزنا: الحديث 7 و 3 و 4 و 8.
5- راجع شرح المغني لابن قدامة ج: 10 صفحة: 127 كتاب الحدود.
6- الوسائل: باب 11 من أبواب حد الزنا الحديث: 1.
7- الوسائل: باب 11 من أبواب حد الزنا الحديث: 6 و 1.
8- الوسائل: باب 11 من أبواب حد الزنا الحديث: 6 .

و تضرب المرأة جالسة و تربط عليها ثيابها (15).

مسألة 7: كل من قتله الحدّ فلا ضمان

(مسألة 7): كل من قتله الحدّ فلا ضمان (16).

مسألة 8: يستحب لمن يريد استيفاء الحدّ إعلام الناس بذلك

(مسألة 8): يستحب لمن يريد استيفاء الحدّ إعلام الناس بذلك، بل يأمرهم بالحضور لإقامة الحدّ (17)،

______________________________

«الذي يجب عليه الرجم يرجم من ورائه و لا يرجم من وجهه، لأن الرجم و الضرب لا يصيبان الوجه»، محمول على اتقاء الوجه و المذاكير بقرينة التعليل الوارد فيه.

(15) أما الأول: فللإجماع، و النص، قال أبو جعفر عليه السلام فيما مر من صحيح زرارة: «يضرب الرجل الحدّ قائما و المرأة قاعدة» (1).

و أما الثاني: فلأنه استر مطلقا، و يمكن أن يستفاد ذلك من بعض الأخبار كما فعله علي عليه السلام بالجهنية حيث شد عليها ثيابها (2).

(16) لأصالة البراءة، و قاعدة «الإحسان» (3)، و قول الصادق عليه السلام في المعتبر:

«من قتله الحدّ فلا دية له» (4)، و قريب منه غيره، ما لم يحصل التفريط و الخروج عما قرره الشرع في الحدّ، و إلا فلا إشكال في الضمان.

و لا فرق بين كون المورد من حقوق اللّه تعالى أو من حقوق الناس، و ما ورد في ثبوت الدية في الثاني كقول علي عليه السلام: «من ضربناه حدا من حدود اللّه تعالى فمات فلا دية علينا، و من ضربناه حدا في شي ء من الناس فمات فان ديته علينا» (5)، محمول على مطلق الرجحان، مع اقتضاء نظر الإمام ذلك.

(17) للإجماع، و قول علي عليه السلام عند إقامة الحد: «يا معشر المسلمين

ص: 291


1- سنن الكبرى للبيهقي باب: 8 من كتاب الحدود الحديث: 1 صفحة: 217.
2- سنن الكبرى للبيهقي باب: 8 من كتاب الحدود الحديث: 1 صفحة: 217.
3- سورة التوبة: 91.
4- الوسائل: باب 24 من أبواب قصاص النفس الحديث: 9 و 1.
5- الوسائل: باب 3 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 4.

و الأحوط حضور إقامة الحد طائفة (18).

مسألة 9: يستحب أن تكون الأحجار صغارا، بل هي الأحوط

(مسألة 9): يستحب أن تكون الأحجار صغارا (19)، بل هي الأحوط (20)، و لا يجوز بمثل الحصى و الصخرة مما يقتله بالمرة الواحدة أو مرتين (21).

______________________________

أخرجوا ليقام على هذا الرجل الحدّ و لا يعرفنّ أحدكم صاحبه» (1)، و قريب منه غيره، مع أنه من موجبات الارتداع عن المنكر بالنسبة إلى الناس.

(18) لقوله تعالى وَ لْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)، و منشأ التردد دعوى الإجماع على الاستحباب، و عدم الوجوب، و أقل الطائفة واحد كما عن بعض اللغويين و جمع من الفقهاء و المفسرين، و عن علي عليه السلام: «الطائفة واحد» (3)، و أكثرها ثلاثة فما فوق.

(19) إجماعا، و نصوصا، منها قول الصادق عليه السلام في الموثق: «و يرمي الإمام و يرمي الناس بعد بأحجار صغار» (4)، و مثله غيره.

(20) جمودا على ظواهر النصوص التي تقدم بعضها.

(21) لأصالة احترام النفس إلّا فيما أذن فيه الشارع، و المأذون فيه إنما هو غير الصخرة، قال في الجواهر: «و لا يقتل المرجوم بالسيف لعدم الأمر به»، و منه يعلم حكم الآلات القتالة الحديثة.

و المستفاد مما تقدم من الأخبار أن تكون الأحجار متوسطة، فلا يكتفى بما إذا كانت الأحجار في غاية الصغر، كرأس الأنملة مثلا، لأن ذلك خلاف قوله عليه السلام: «أحجار صغار»، مع أنه يستلزم تعذيب المرجوم و أذيته حتى يموت

ص: 292


1- الوسائل: باب 31 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 3.
2- سورة النور: 2.
3- الوسائل: باب 11 من أبواب حد الزنا الحديث: 5.
4- الوسائل: باب 14 من أبواب حد الزنا الحديث: 1 و 3.
مسألة 10: يكره أن يجري الحدّ من يكون للّه عليه حدّ

(مسألة 10): يكره أن يجري الحدّ من يكون للّه عليه حدّ (22)، سواء ثبت الزنا بالإقرار أو البينة و سواء تاب عنه أم لا (23).

مسألة 11: لو التمس المرجوم أن يقتل بنحو خاص لا يجوز إجابته

(مسألة 11): لو التمس المرجوم أن يقتل بنحو خاص لا يجوز إجابته بل يجب قتله بنحو ما أمر الشارع (24).

مسألة 12: من يرجم يأمره المتصدّي للرجم بغسل الميت- بتمام الأغسال الثلاثة- مع شرائطها و يكفّن و يحنّط بجميع ما يعتبر فيهما

(مسألة 12): من يرجم يأمره المتصدّي للرجم بغسل الميت- بتمام الأغسال الثلاثة- مع شرائطها و يكفّن و يحنّط بجميع ما يعتبر فيهما فيرجم و يصلى عليه ثمَّ يدفن في مقبرة المسلمين كسائر أهل الإسلام (25).

مسألة 13: لا يجوز قطع أعضائه بعد الرجم

(مسألة 13): لا يجوز قطع أعضائه بعد الرجم (26)،

______________________________

و لم يأذن فيه، بل نهى الشارع عنه كما يأتي.

(22) لجملة من النصوص منها قولهم عليهم السلام في الصحيح: «لا يقيم الحد من للّه تعالى عليه حد، فمن كان للّه عليه مثل ما له عليها فلا يقيم عليها الحد» (1)، و مثله غيره، و ظاهرها و إن كان هو الحرمة، إلّا أن إعراض الأصحاب عنه أوهنه.

نعم هو الأحوط خصوصا في المثل.

(23) للإطلاق الشامل للجميع، من غير دليل معتبر على الخلاف.

(24) لظواهر الأدلة الدالة على اعتبار كيفية مخصوصة فيه.

(25) إجماعا، و نصا، قال الصادق عليه السلام: «المرجوم و المرجومة يغتسلان و يحنطان و يلبسان الكفن قبل ذلك و يصلّى عليهما» (2)، و تقدم في التجهيزات ما يتعلق بالمقام (3).

(26) لأنه مسلم تائب محترم، و لا يجوز ذلك في حق المسلم كما يأتي، و سيأتي في كتاب الديات إن شاء اللّه تعالى ما يتعلق بالمقام.

ص: 293


1- الوسائل: باب 31 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 1.
2- الوسائل: باب 17 من أبواب غسل الميت الحديث: 1.
3- راجع ج: 3 صفحة: 455- 457.

و لا سبّه و لعنه و هتكه (27).

مسألة 14: لو قطع بالحجارة جزءا من بدنه يجب رده إلى البدن عند دفنه

(مسألة 14): لو قطع بالحجارة جزءا من بدنه يجب رده إلى البدن عند دفنه (28)، و لو أخطأ في ذلك شخص يتحقق الضمان (29).

______________________________

(27) لما تقدم في سابقة، و في الخبر: «أن امرأة من جهينة أتت النبي صلّى اللّه عليه و آله و هي حبلى من الزنا فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وليها أن يحسن إليها، فإذا وضعت حملها فائتني بها، ففعل فأمر بها فشكت عليها ثيابها، ثمَّ أمر بها فرجمت، ثمَّ صلّى عليها، فقال له عمر: يا رسول اللّه أ تصلي عليها و قد زنت؟! فقال صلّى اللّه عليه و آله: لقد تابت توبة لو قسمت بين أهل المدينة لو سعتهم، و هل وجدت شيئا أفضل من أن جادت بنفسها للّه عز و جل» (1)، و عن علي عليه السلام في رجم سراقة الهمدانية: «كاد الناس يقتل بعضهم بعضا من الزحام، فلما رأى ذلك أمر بردها حتى إذا خفت الزحمة أخرجت و أغلق الباب فرموها حتى ماتت، ثمَّ أمر بالباب ففتح فجعل كل من يدخل يلعنها، فلما رأى ذلك نادى مناديه أيها الناس ارفعوا ألسنتكم عنها فإنه لا يقام حدّ إلّا كان كفارة ذلك الذنب كما يجزي الدين بالدين» (2)، و عنه عليه السلام أيضا في المرجوم بعد ما حفر له و صلّى عليه قيل له:

«يا أمير المؤمنين ألا تغسله؟ قال: قد اغتسل بما هو طاهر إلى يوم القيامة لقد صبر على أمر عظيم» (3).

(28) لعموم وجوب الدفن الشامل للجزء و الكل، كما مر في أحكام الجنائز.

(29) لأصالة الضمان، إلّا إذا ورد فيه ترخيص صحيح شرعي، و هو مفقود.

ص: 294


1- السنن الكبرى للبيهقي ج: 8 باب: 8 من الحدود.
2- الوسائل: باب 14 من أبواب حد الزنا الحديث: 5 و 4.
3- الوسائل: باب 14 من أبواب حد الزنا الحديث: 5 و 4.
مسألة 15: لا يجوز الافتداء عن الرجم و لا سائر الحدود

(مسألة 15): لا يجوز الافتداء عن الرجم و لا سائر الحدود و لو بلغت الفدية النفس بل أكثر (30).

______________________________

(30) إجماعا من المسلمين، بل ضرورة من الدين، و إطلاق قولهم عليهم السلام:

«ليس في الحدود نظر ساعة» (1)، و في جملة من النصوص أنه لا شفاعة في حدّ و لا كفالة فيه (2)، المؤيد للمقام.

ص: 295


1- الوسائل: باب 25 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 1.
2- الوسائل: باب 25 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 1.
الفصل الخامس في اللواحق
اشارة

الفصل الخامس في اللواحق و فيه مسائل:

مسألة 1: إذا شهد الشهود على امرأة بالزنا قبلا

(مسألة 1): إذا شهد الشهود على امرأة بالزنا قبلا مع اجتماع جميع الشرائط فيهم فادعت أنها بكر و ثبتت بكارتها بشهادة أربع نساء عادلات يدرأ عنها الحد (1)، و لو علم الحاكم الشرعي بكارتها بالآلات الحديثة يعمل بعلمه (2)، و لو شهد الشهود بالزنا مطلقا- من غير تقييد بالقبل- فلا حدّ لها أيضا (3)، و كذا يسقط الحدّ عن الرجل سواء شهدوا بالزنا قبلا أم أطلقوا مع ثبوت بكارتها شرعا (4)،

______________________________

(1) إجماعا، و نصا، فعن الصادق عليه السلام في الموثق: «أنه أتي أمير المؤمنين عليه السلام بامرأة بكر زعموا أنها زنت، فأمر النساء فنظرن إليها فقلن. هي عذراء، فقال عليه السلام: ما كنت لأضرب من عليها خاتم من اللّه تعالى شأنه» (1)، و عن زرارة عن أحدهما عليهما السلام: «في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا فادعت البكارة، فنظر إليها النساء فشهدن بوجودها بكرا، فقال: تقبل شهادة النساء» (2).

(2) لفرض حجية علمه كما مر، و سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

(3) لإطلاق ما مر من النص، و تحقق الشبهة الدراية للحد.

(4) لأنه لا بد في إقامة الحد من حجة قاطعة، فلا موضوع له مع الشبهة الدارئة.

ص: 296


1- الوسائل: باب 25 من أبواب حدّ الزنا الحديث: 1.
2- الوسائل: باب 24 من أبواب الشهادات الحديث: 44.

و لا يحدّ الشهود للفرية (5)، إلّا إذا صدقت الفرية عليهم عرفا (6).

مسألة 2: إذا شهد الشهود بالزنا بها دبرا و ثبت شرعا كونها بكرا

(مسألة 2): إذا شهد الشهود بالزنا بها دبرا و ثبت شرعا كونها بكرا تحدّ المرأة حينئذ (7).

مسألة 3: لو شهدوا جامعا للشرائط على رجل بالزنا فثبت أنه كان مجبوبا حين النسبة إليه

(مسألة 3): لو شهدوا جامعا للشرائط على رجل بالزنا فثبت أنه كان مجبوبا حين النسبة إليه لا حدّ عليه و لا على المرأة التي شهدوا بأنه زنى بها (8) و يحدّ الشهود للفرية (9).

مسألة 4: لا يشترط حضور الشهود عند إقامة الحد جلدا كان أو رجما و غيرهما- فيقام الحد بعد ثبوته شرعا

(مسألة 4): لا يشترط حضور الشهود عند إقامة الحد جلدا كان أو رجما و غيرهما- فيقام الحد بعد ثبوته شرعا و لو مع عدم حضورهما لموت أو غيبة (10). نعم لو فروا و أوجب ذلك الشبهة سقط الحد حينئذ (11).

______________________________

(5) للأصل بعد تحقق تعارض البينتين، و إطلاق ما تقدم من الأخبار، و ثبوت الشبهة.

(6) لتحقق موضوع الفرية حينئذ- بعد فرض صدقها عليهم بحسب القرائن القطعية- فلا بد من ترتب حكمها عليها، و لعل بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات، فتصير الأقسام ثلاثة: إحراز عدم الفرية، الشك فيها، تحققها بالقرائن. و لا حدّ للفرية في الأولين بخلاف الأخير.

(7) لوجود المقتضي للحدّ و عدم المانع عنه، بعد عدم المعارضة في البين لاختلاف مورد الشهادتين.

(8) للشبهة الدارئة للحدّ.

(9) لصدق الفرية حينئذ. و يجري هنا أيضا ما مر من الأقسام الثلاثة في المسألة السابقة، لعدم الفرق بينهما كما مر.

(10) للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق.

(11) لتحقق الشبهة الدارئة للحد، و في خبر ابن قيس عن أبي جعفر عليه السلام:

«في رجل أتي به إلى أمير المؤمنين عليه السلام فشهد عليه رجلان بالسرقة، فأمرهما

ص: 297

مسألة 5: يجب حضور الشهود في موضع الرجم ليبدؤا بالرجم

(مسألة 5): يجب حضور الشهود في موضع الرجم ليبدؤا بالرجم كما يبدأ الحاكم به إن ثبت موجبه بالإقرار و بعد الشهود إن ثبت بالبينة (12).

مسألة 6: إذا كان الزوج أحد الشهود الأربعة تقبل الشهادة مع اجتماع الشرائط

(مسألة 6): إذا كان الزوج أحد الشهود الأربعة تقبل الشهادة مع اجتماع الشرائط (13).

مسألة 7: يجب على الحاكم الشرعي إقامة حدود اللّه تعالى مع علمه بالسبب كالزنا مثلا

(مسألة 7): يجب على الحاكم الشرعي إقامة حدود اللّه تعالى مع علمه بالسبب كالزنا مثلا كما يجب عليه مع الإقرار و قيام البينة (14).

______________________________

بأن يمسك أحدهما يده و يقطعها الآخر ففرا، فقال المشهود عليه: يا أمير المؤمنين شهد عليّ الرجلان ظلما فلما ضرب الناس و اختلطوا أرسلاني و فرا و لو كانا صادقين لم يرسلاني، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: من يدلني على هذين أنكلهما» (1).

(12) وجوب هذا الحضور مقدمي عقلي، لا أن يكون نفسيا تكليفيا، فلا تنافي بينه و بين ما مر من عدم اشتراط وجوب الحضور تكليفا مطلقا، و تقدم ما يدلّ على بدئهم بالرجم (2).

(13) نسب ذلك إلى أكثر الفقهاء، للإطلاقات، و العمومات من غير ما يصلح للتقييد و التخصيص، و خصوص خبر ابن نعيم عن الصادق عليه السلام: «في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها، قال عليه السلام: «تجوز شهادتهم» (3).

و أما خبر زرارة عن أحدهما عليهما السلام: «في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها، قال: يلاعن و يجلد الآخر» (4)، و هو مضافا إلى قصور سنده محمول على ما إذا كانت في البين قرينة تدل على تحقق القذف من الزوج، فلا يصلح للمعارضة.

(14) لأنه المطالب به و المستوفي لها، و العلم أقوى الأسباب و أتم

ص: 298


1- الكافي ج: 7 صفحة: 264.
2- تقدم في صفحة: 289.
3- الوسائل: باب 12 من أبواب اللعان الحديث: 1 و 2.
4- الوسائل: باب 12 من أبواب اللعان الحديث: 1 و 2.

و أما حقوق الناس فيتوقف إقامتها على مطالبة صاحب الحق حدّا كان أو تعزيرا (15)، فإن طلب فله العمل بعلمه بعد ذلك (16).

مسألة 8: لو شهد بعض الشهود للزنا و ردّت شهادة الباقين يوقف الحكم حتى يظهر الحال

(مسألة 8): لو شهد بعض الشهود للزنا و ردّت شهادة الباقين يوقف الحكم حتى يظهر الحال فإما أن يحدّ الشهود، للقذف أو المشهود عليه للزنا و قبل ذلك يدرأ الحدّ مطلقا (17).

______________________________

الحجج، مضافا إلى نصوص خاصة يأتي بعضها، و تقدم في كتاب القضاء مسألة 11 من الفصل الثاني «في شرائط القاضي» (1).

(15) للأخبار، و الإجماع، و الاعتبار، قال أبو عبد اللّه عليه السلام في خبر حسين ابن خالد: «الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب الخمر أن يقيم عليه الحدّ، و لا يحتاج إلى بينة مع نظره، لأنه أمين اللّه في خلقه، و إذا نظر إلى رجل يسرق فالواجب عليه أن يزبره و ينهاه و يمضي و يدعه، قلت: كيف ذلك؟

قال: لأن الحق إذا كان للّه فالواجب على الإمام إقامته، و إذا كان للناس فهو للناس» (2)، و في الصحيح: «إذا أقر على نفسه عند الإمام، بسرقة قطعه فهذا من حقوق اللّه تعالى، و إذا أقر على نفسه أنه شرب الخمر حده فهذا من حقوق اللّه تعالى، و إن أقر على نفسه بالزنا، و هو غير محصن فهذا من حقوق اللّه تعالى، و أما حقوق المسلمين فإذا أقر على نفسه عند الإمام بفرية لم يحدّه حتى يحضر صاحب الفرية أو وليه، و إذا أقر بقتل رجل لم يقتله حتى يحضر أولياء المقتول فيطالبوه بدم صاحبهم» (3)، و قريب منه غيره.

(16) لوجود المقتضي حينئذ لإقامة الحد و فقد المانع عنها، فتجب لا محالة.

(17) إما درؤ الحد فللشبهة، كما تقدم مرارا، و أما خبر أبي بصير عن

ص: 299


1- تقدم في صفحة: 46.
2- الوسائل: باب 32 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 3.
3- الوسائل: باب 32 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 1.
مسألة 9: إذا رأى رجلا يزني مع زوجته و علم بالمطاوعة و عدم الشبهة و سائر الشرائط

(مسألة 9): إذا رأى رجلا يزني مع زوجته و علم بالمطاوعة و عدم الشبهة و سائر الشرائط فإن قتلهما فلا إثم عليه (18).

______________________________

الصادق عليه السلام: «في أربعة شهدوا على رجل بالزنا فلم يعدلوا، قال: يضربون الحدّ» (1)، ففيه مضافا إلى قصور سنده أنه أجنبي عن البحث.

و أما التوقف، فلعدم ثبوت الموضوع، و حكم ما بعد الثبوت معلوم.

(18) لأن دم الرجل هدر بالنسبة إليه كما يأتي في محله.

نعم، لو طلب وليّ المقتول بدمه يلزمه بذلك، و في خبر يزيد الجرجاني قال لأبي الحسن عليه السلام: «رجل دخل دار غيره ليتلصص أو للفجور، فقتله صاحب الدار، فقال عليه السلام: من دخل دار غيره هدر دمه، و لا يجب عليه شي ء» (2)، و قريب منه غيره، و يحمل قول الصادق عليه السلام في الصحيح: «إن أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله قالوا لسعد بن عبادة: لو وجدت على بطن امرأتك رجلا ما كنت صانعا؟ قال: كنت اضربه بالسيف، فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال: ما ذا يا سعد؟ قال سعد: قالوا لو وجدت على بطن امرأتك رجلا ما كنت تصنع به؟ قلت: اضربه بالسيف، فقال صلّى اللّه عليه و آله: يا سعد و كيف بالأربعة الشهود؟ فقال: يا رسول اللّه بعد رأي عيني و علم اللّه ان قد فعل، قال: أي و اللّه بعد رأي عينك و علم اللّه أن قد فعل، لأن اللّه عز و جل قد جعل لكل شي ء حدا، و جعل لمن تعدى ذلك الحد حدا» (3).

ثمَّ إنه لا فرق في الحكم المتقدم بين الحر و العبد و المحصن و غيره، و أن الزوجة دائمية أو متعة.

ص: 300


1- الوسائل: باب 12 من أبواب القذف الحديث: 4.
2- الوسائل: باب 17 من أبواب القصاص في النفس الحديث: 2.
3- الوسائل: باب 2 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 1.
مسألة 10: لو افتض بكرا حرة بإصبعه لزمه مهر نسائها و يعزر بما يراه الحاكم

(مسألة 10): لو افتض بكرا حرة بإصبعه لزمه مهر نسائها و يعزر بما يراه الحاكم (19)، و لو كانت أمة لزمه عشر قيمتها (20).

مسألة 11: يجب إقامة الحدّ بعد تحقق سببه فورا

(مسألة 11): يجب إقامة الحدّ بعد تحقق سببه فورا بلا تأخير فيه إلّا مع العذر المقبول شرعا (21)، و لا كفالة و لا شفاعة في إسقاطه (22).

______________________________

(19) إجماعا، و نصا، ففي صحيح ابن سنان عن الصادق عليه السلام: «في امرأة افتضت جارية بيدها، قال: عليها المهر و تضرب الحدّ» (1)، و المنساق منها الحرة و إن كان الإطلاق يشمل الأمة أيضا، كما أن المراد بالحدّ التعزير بقرينة الإجماع، و ما في بعض الأخبار من انها تضرب «ثمانين» كما عن علي عليه السلام (2)، يكون من باب نظر الإمام عليه السلام لا الخصوصية، و لا فرق بين كون من افتضها بإصبعه رجلا أو امرأة. و إن ذكر الامرأة و إن ورد في مورد السؤال، إلّا أنها لا تكون مخصصا لإطلاق الحكم.

(20) لقول علي عليه السلام: «إذا اغتصب الرجل أمة فافتضها فعليه عشر ثمنها، فإن كانت حرة فعليه الصداق» (3)، و تقدم في كتاب النكاح، و يأتي في الديات ما ينفع المقام.

(21) إجماعا، و نصا، كقوله عليه السلام: «ليس في الحد تأخير ساعة» (4)، و تقدم ما يدلّ على ذلك (5).

(22) إجماعا، و نصوصا تقدم بعضها (6).

ص: 301


1- الوسائل: باب 69 من أبواب القصاص في النفس الحديث: 2.
2- الوسائل: باب 39 من أبواب حد الزنا الحديث: 3 و 5.
3- الوسائل: باب 39 من أبواب حد الزنا الحديث: 3 و 5.
4- الوسائل: باب 25 من أبواب مقدمات الحدود الحديث: 1.
5- تقدم في صفحة: 282- 283.
6- راجع صفحة: 295.
مسألة 12: إذا حصل موجب الحدّ في الأزمنة المتبركة أو الأمكنة الشريفة أو هما معا

(مسألة 12): إذا حصل موجب الحدّ في الأزمنة المتبركة أو الأمكنة الشريفة أو هما معا للحاكم الشرعي أن يعاقب المحدود أزيد من الحدّ بما يراه (23).

مسألة 13: لا فرق فيما ذكر في حدّ الزنا بين الزنا بالحية و الميتة رجما و جلدا

(مسألة 13): لا فرق فيما ذكر في حدّ الزنا بين الزنا بالحية و الميتة رجما و جلدا (24).

الثاني من موجبات الحدّ: اللواط و السحق و القيادة

الثاني من موجبات الحدّ: اللواط و السحق و القيادة و فيه فصول:

______________________________

(23) أرسلوا ذلك إرسال المسلّمات الفقهية، لكون الجرأة على المعصية و انتهاكها أشد و أعظم فتشتد العقوبة لا محالة، و عن علي عليه السلام: «أنه أتى بالنجاشي الشاعر و قد شرب الخمر في شهر رمضان فضربه ثمانين ثمَّ حبسه ليلة ثمَّ دعا به من الغد فضربه عشرين سوطا، فقال: يا أمير المؤمنين ضربتني ثمانين في شرب الخمر فهذه العشرون ما هي؟ فقال: هذه لجرأتك في شهر رمضان» (1)، و للحاكم الشرعي أن يلاحظ في ذلك سائر الخصوصيات، كما إذا صادفت ليلة الجمعة مع ليلة القدر و قرب الأماكن المقدسة إلى غير ذلك.

(24) لظاهر الإطلاق، و الاتفاق، و قوله عليه السلام في خبر الجعفي: «كنت عند أبي جعفر عليه السلام في رجل نبش امرأة فسلبها ثيابها و نكحها فإن الناس قد اختلفوا علينا في هذا، فطائفة قالوا: اقتلوه، و طائفة قالوا: أحرقوه، فكتب إليه أبو جعفر عليه السلام: إن حرمة الميت كحرمة الحي، حده أن تقطع يده لنبشه و سلبه الثياب، و يقام عليه الحدّ في الزنا، إن أحصن رجم، و إن لم يكن أحصن جلد مائة» (2)، و قريب منه غيره.

ص: 302


1- الوسائل: باب 9 من أبواب حد المسكر الحديث: 1.
2- الوسائل: باب 19 من أبواب حد السرقة الحديث: 2.
الفصل الأول في اللواط و ما يتعلق به
اشارة

الفصل الأول في اللواط و ما يتعلق به

______________________________

حرمة اللواط من ضروريات الدين، بل أنه من المحرمات النظامية التي تتفق الشرائع السماوية عليها، و كذا الزنا، و المساحقة، و نحوها مما يوجب إبادة النسل و تضييعه، و إشاعة الفاحشة و الشنائع غير المرضية عند البشر. و تدلّ عليها الأدلة الأربعة ..

أما الكتاب: فقوله تعالى إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ أَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَ تَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَ تَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ (1)، و قوله تعالى إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ- إلى أن قال تعالى- وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (2)، فمن إهلاك اللّه قوم لوط و نزول العذاب عليهم يعلم عظم المعصية و اهميتها.

و أما السنة: فهي متواترة بين الفريقين، منها قول النبي الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «من جامع غلاما جاء جنبا يوم القيامة لا ينقيه ماء الدنيا و غضب اللّه عليه و لعنه و أعد له جهنم و ساءت مصيرا، إن الذكر ليركب الذكر فيهتز العرش لذلك، و إن الرجل لو أتى في حقبه فيحبسه اللّه تعالى على جسر جهنم حتى يفرغ اللّه من حساب الخلائق، ثمَّ يؤمر به إلى جهنم فيعذب بطبقاتها طبقة طبقة حتى يرد إلى أسفلها

ص: 303


1- سورة العنكبوت: 29.
2- سورة النمل: 54- 58.
مسألة 1: اللواط: وطؤ الذكران من الآدمي بإيقاب و غيره

(مسألة 1): اللواط: وطؤ الذكران من الآدمي بإيقاب و غيره (1).

______________________________

و لا يخرج منها» (1)، و قال علي عليه السلام: «لو كان ينبغي لأحد أن يرجم مرتين لرجم اللوطي» (2)، و عنه عليه السلام أيضا: «قال أمير المؤمنين عليه السلام اللواط ما دون الدبر و الدبر هو الكفر» (3)، و عن الصادق عليه السلام: «حرمة الدبر أعظم من حرمة الفرج، و إن اللّه تعالى أهلك أمة لحرمة الدبر و لم يهلك أحدا لحرمة الفرج» (4)، إلى غير ذلك من الأخبار المتواترة.

و أما الإجماع: فإنها من ضروريات الدين، فضلا عن إجماع المسلمين.

و أما العقل: فلما كشف عنه العلم الحديث من وجود إضرار كثيرة فيه، من شاء العثور عليها فليرجع إلى مظانه.

(1) هذا التعميم يستفاد من ظاهر النصوص، و فتاوى الأصحاب، قال علي عليه السلام: «اللواط ما دون الدبر و الدبر هو الكفر باللّه» (5)، و في خبر حذيفة:

«سأله عن اللواط؟ فقال عليه السلام: بين الفخذين، و سأله عن الوقب؟ فقال: ذلك الكفر بما أنزل اللّه على نبيه صلّى اللّه عليه و آله»، و يأتي أن لكل منهما حدّ خاص، فيكون للواط مرتبتان: الإيقاب و التفخيذ و ما يفعل بين الأليتين.

ثمَّ إن المذكور في الأدلة و الكلمات إنما هو الإيقاب، و لا ريب في كونه أعم من إدخال الحشفة فيترتب عليه الحكم بمطلق الإيقاب و لو ببعض الحشفة، و لم توجب الجنابة كما قالوا بذلك في مسألة حرمة أخت الموطوء و بنته كما مر في كتاب النكاح. و لكن يظهر من الشهيد في الروضة دعوى الإجماع على اعتبار دخول مقدار الحشفة، فإن تمَّ الإجماع و كان معتبرا فهو المعمول، و إلا فالإطلاق

ص: 304


1- الوسائل: باب 17 و 18 من أبواب النكاح المحرم الحديث: 1.
2- الوسائل: باب 3 من أبواب حدّ اللواط الحديث: 2.
3- الوسائل: باب 20 من أبواب النكاح المحرم الحديث: 2.
4- الوسائل: باب 17 من أبواب النكاح المحرم الحديث: 2.
5- الوسائل: باب 20 من أبواب النكاح المحرم الحديث: 2.
مسألة 2: لا يثبت اللواط إلّا بالإقرار أربع مرات

(مسألة 2): لا يثبت اللواط إلّا بالإقرار أربع مرات (2)،

______________________________

محكّم، و لكن أنّى لنا بالاعتماد على إجماعات الشهيد الثاني، مع أن صاحب الحدائق أشكل على إجماعاته المنقولة و أورد موارد تناقضاته، مع أنهم يكتفون في المسألة السابقة بمجرد الإيقاب و لو لم تدخل الحشفة.

(2) إجماعا، و نصا، قال الصادق عليه السلام في المعتبر: «بينما أمير المؤمنين عليه السلام في ملأ من أصحابه، إذ أتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين إني أوقبت غلاما فطهّرني، فقال: يا هذا امض إلى منزلك لعل مرارا هاج بك، فلما كان من غد عاد إليه و قال مثل ذلك، فأجابه عليه السلام كذلك، إلى أن فعل ذلك أربع مرات فلما كانت الرابعة قال له: يا هذا إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حكم في مثلك بثلاثة أشياء فاختر أيهن شئت، قال: و ما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: ضربة بالسيف في عنقك بالغة ما بلغت، أو إهداب من جبل مشدود اليدين و الرجلين، أو إحراق بالنار، فقال: يا أمير المؤمنين أيهن أشد عليّ؟ قال: الإحراق، قال: فإني اخترتها، ثمَّ قام فصلّى ركعتين ثمَّ جلس في تشهده فقال: اللهم إني قد أتيت من الذنب ما علمته و تخوفت من ذلك فجئت إلى وصي رسولك و ابن عم نبيك فسألته أن يطهّرني، فخيرني بثلاثة أصناف من العذاب، و إني قد اخترت أشدها، اللهم فإني أسألك أن تجعل ذلك كفارة لذنوبي و أن لا تحرقني بنارك في آخرتي ثمَّ قام و هو باك حتى جلس في الحفيرة التي حفرها له أمير المؤمنين عليه السلام و هو يرى النار تتأجج حوله، فبكى أمير المؤمنين و بكى أصحابه جميعا، و قال له أمير المؤمنين عليه السلام: قم يا هذا فقد أبكيت ملائكة السماء و ملائكة الأرضين، و إن اللّه قد تاب عليك و لا تعاودن شيئا مما فعلت» (1)، و مقتضى القاعدة كفاية الإقرار مرة، و لكن الشارع الأقدس اعتبر الأربع هنا و في الزنا، اهتماما على النفوس و عدم التهجم على الدماء مهما أمكن التحفظ عليها.

ص: 305


1- الوسائل: باب 5 من أبواب حد اللواط الحديث: 1.

أو شهادة أربع رجال بالمعاينة كالميل في المكحلة مع اجتماع شرائط الشهادة (3)، بلا فرق فيهما بين الفاعل و المفعول (4).

مسألة 3: يشترط في المقر فاعلا كان أو مفعولا- البلوغ و العقل

(مسألة 3): يشترط في المقر فاعلا كان أو مفعولا- البلوغ و العقل و الحرية و القصد و الاختيار (5).

مسألة 4: لا اعتبار بإقرار الصبي و المجنون و العبد و الهازل و المكره

(مسألة 4): لا اعتبار بإقرار الصبي و المجنون و العبد و الهازل و المكره (6).

مسألة 5: لو أقر دون الأربع لم يحدّ و يعزره الحاكم بما يراه

(مسألة 5): لو أقر دون الأربع لم يحدّ و يعزره الحاكم بما يراه (7)،

______________________________

(3) للنص، و الإجماع، قال الصادق عليه السلام في خبر أبي بكر الحضرمي:

«و اتي أمير المؤمنين عليه السلام بامرأة و زوجها، قد لاط زوجها بابنها من غيره، و ثقبه و شهد عليه بذلك الشهود، فأمر به عليه السلام فضرب بالسيف حتى قتل» (1)، و مثله غيره، و المراد بالشهود هو الأربع بقرينة الإجماع، كما أن المراد بالبينة في بعض الروايات ذلك أيضا قال: «أتي علي بن أبي طالب عليه السلام برجل معه غلام يأتيه، فقامت عليهما بذلك البينة- الرواية-» (2).

(4) لظهور الإطلاق- كما مر- و الاتفاق.

(5) كل ذلك من الشرائط العامة التي تعرضنا لمداركها غير مرة، فراجع كتاب الإقرار (3)، و غيره من الكتب، و إقرار العبد إقرار في حق الغير فلا يقبل من هذه الجهة، و إن اجتمعت فيه سائر الشرائط.

(6) لفقد كل ذلك شرطا من شروط صحة الإقرار، و المشروط ينتفي بانتفاء شرطه.

(7) أما عدم الحدّ، فلفقد شرط و هو الإقرار أربعا. و أما التعزير، فلأنه

ص: 306


1- الوسائل: باب 2 من أبواب حد اللواط الحديث: 1.
2- الوسائل: باب 2 من أبواب حد اللواط الحديث: 2.
3- راجع ج: 21 صفحة: 240.

و لو شهد بذلك دون الأربع فلا يثبت بل عليهم الحدّ للفرية (8).

مسألة 6: لا اعتبار بشهادة النساء منفردات أو منضمات

(مسألة 6): لا اعتبار بشهادة النساء منفردات أو منضمات (9)، نعم للحاكم أن يحكم بعلمه (10).

مسألة 7: لو أوقب يثبت القتل على الفاعل و المفعول مع تحقق الشرائط السابقة

(مسألة 7): لو أوقب يثبت القتل على الفاعل و المفعول مع تحقق الشرائط السابقة (11).

______________________________

إظهار جرأة على المعصية و للحاكم التأديب في ذلك أيضا من باب الحسبة، و هي الأمور التي لا يرضى الشارع بتركها.

(8) أما الأول: فلعدم تحقق الشرط، و هو شهادة أربع رجال.

و أما الثاني: فلتحقق الموضوع، فيترتب عليه حكمه لا محالة.

(9) للأصل، و ظهور الإجماع.

(10) لأنه من حقوق اللّه و له أن يعمل بعلمه فيها، و تقدم كل منهما في كتاب القضاء و الشهادة، فلا وجه للإعادة بالتكرار.

(11) إجماعا، و نصا، كما تقدم في خبر أبي بكر الحضرمي، و في خبر سيف التمار: «ثمَّ أمر بالرجل فوضع على وجهه و وضع الغلام على وجهه ثمَّ أمر بهما فضربا بالسيف حتى قدّهما بالسيف جميعا» (1).

ثمَّ إن ظاهر الأخبار في حدّ الإيقاب مختلفة، فمنها ما يدلّ على القتل كما مر، و يدل عليه الإجماع أيضا، و منها نصوص تدلّ على الرجم إن كان محصنا، و إن كان غير محصن جلد، مثل موثق العلاء بن الفضيل قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «حدّ اللوطي مثل حدّ الزاني إن كان قد أحصن رجم، و إلا جلد» (2)، و صحيح أبي بصير عن الصادق عليه السلام: «و إن كان ثقب و كان محصنا رجم» (3)، و في رواية حماد:

ص: 307


1- الوسائل: باب 2 من أبواب حد اللواط الحديث: 2.
2- الوسائل: باب 1 من أبواب حد اللواط الحديث: 3.
3- الوسائل: باب 3 من أبواب حد اللواط الحديث: 7.

بلا فرق فيه بين المسلم و الكافر و المحصن و غيره (12).

مسألة 8: إذا أوقب المكلف الصبي أو المجنون قتل المكلف

(مسألة 8): إذا أوقب المكلف الصبي أو المجنون قتل المكلف و أدب غيره بما يراه الحاكم مع شعور المجنون للتأديب (13).

مسألة 9: لو أوقب الصبي- أو المجنون- المكلف يقتل المكلف و يؤدب الصبي أو المجنون

(مسألة 9): لو أوقب الصبي- أو المجنون- المكلف يقتل المكلف و يؤدب الصبي أو المجنون (14)،

______________________________

«إن كان محصنا القتل، و إن لم يكن محصنا فعليه الجلد» (1)، و في رواية زرارة «الملوط حده حدّ الزاني» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على التفصيل بين المحصن فالرجم، و غيره فالجلد.

و في بعضها التفصيل بين الواطئ و الموطوء، كما في رواية حماد: «إن كان محصنا القتل و إن لم يكن محصنا فعليه الحد، قلت: فما على المؤتى به؟

قال عليه السلام: عليه القتل على كل حال، محصنا كان أو غير محصن» (3).

و لكن اشتهار القسم الأول من الأخبار بين الأصحاب فتوى و عملا و ظهور إجماعهم عليه، أسقط القسم الثاني عن استفادة التعيين بالخصوص، فلا اختلاف بين الأخبار واقعا بعد حملها على بيان مصاديق القتل، بعد ملاحظة المجموع ورد البعض إلى البعض الآخر.

(12) لظهور الإطلاق- كما مر- و الاتفاق.

(13) أما القتل في المكلف، فلوجود المقتضي و فقد المانع، فلا بد من إقامة الحدّ عليه. و أما التأديب في غيره، فلعدم التكليف، و قابلية المورد للتأديب، فلا بد منه حينئذ.

(14) لعين ما مر في سابقة من غير فرق، مضافا إلى خبر أبي بكر الحضرمي عن الصادق عليه السلام: «أتي أمير المؤمنين عليه السلام بامرأة و زوجها، قد لاط زوجها بابنها من غيره، و ثقبه و شهد عليه بذلك الشهود، فأمر به عليه السلام فضرب

ص: 308


1- الوسائل: باب 1 من أبواب حد اللواط الحديث: 4 و 1 و 4.
2- الوسائل: باب 1 من أبواب حد اللواط الحديث: 4 و 1 و 4.
3- الوسائل: باب 1 من أبواب حد اللواط الحديث: 4 و 1 و 4.

و في الصبي مع الصبي أو المجنون بمثله أو المجنون مع الصبي أو العكس يؤدب الفاعل و المفعول مطلقا (15).

مسألة 10: لو لاط الذمي بمسلم قتل الذمي و إن لم يوقب

(مسألة 10): لو لاط الذمي بمسلم قتل الذمي و إن لم يوقب (16)، و لو لاط الذمي بمثله يقام عليه الحدّ إيقابا كان أو غيره (17).

مسألة 11: الإمام يتخير في قتله بين ضرب عنقه بالسيف أو إلقائه من شاهق موجب لإزهاق روحه

(مسألة 11): الإمام يتخير في قتله بين ضرب عنقه بالسيف أو إلقائه من شاهق موجب لإزهاق روحه أو إحراقه بالنار أو رجمه أو إلقاء جدار عليه (18)،

______________________________

بالسيف حتى قتل، و ضرب الغلام دون الحدّ، و قال: أما لو كنت مدركا لقتلتك، لإمكانك إياه من نفسك بثقبك» (1).

(15) لعدم التكليف، فلا بد من التأديب حسما لمادة الفساد.

(16) للإجماع، و حرمة الإسلام، و كونه أشد من زنائه بالمسلمة كما تقدم.

(17) لعمومات وجود إقامته، بعد عدم مخصص في البين. و عن المحقق في الشرائع أنه مثل الذمي إذا زنا بمثله، فالإمام مخير بين إقامة الحدّ عليه، و بين دفعه إلى أهل ملته ليقيموا عليه حدهم.

و ليس في المقام دليل يدلّ عليه، و إن ورد في زنا الذمي بمثله، كما مر (2).

(18) أرسل هذا التخيير إرسال المسلّمات، و ادعي عليه الإجماع، و هو المستفاد من مجموع نصوص الباب بعد رد بعضها إلى بعض، منها قول علي عليه السلام لأبي بكر، «أحرقه بالنار، فإن العرب لا ترى القتل شيئا» (3)، و تقدم في خبر مالك بن عطية قول أمير المؤمنين عليه السلام: «ضربة بالسيف في عنقك بالغة ما

ص: 309


1- الوسائل: باب 2 من أبواب حد اللواط الحديث: 1.
2- راجع صفحة: 278.
3- الوسائل: باب 3 من أبواب حد اللواط الحديث: 9.

و يجوز الجمع بين القتل بأحد الأنحاء المذكورة ثمَّ الإحراق بالنار (19).

______________________________

بلغت، أو إهداب من جبل مشدود اليدين و الرجلين، أو إحراق بالنار» (1)، و قوله عليه السلام أيضا: «لو كان ينبغي لأحد أن يرجم مرتين لرجم الواطي» (2)، و عنه عليه السلام في اللواط: «هو ذنب لم يعص اللّه به إلّا أمة من الأمم، فصنع بها ما ذكره في كتابه من رجمهم بالحجارة، فارجموهم كما فعل اللّه عز و جل»(3).

(19) لظهور الإجماع، و صحيح العزرمي أن أمير المؤمنين عليه السلام أمر بقتل اللوطي الذي أخذ في زمن عمر- إلى أن قال-: «إنه قد بقي من حدوده شي ء، قال: أي شي ء بقي؟ قال: ادع بحطب، فدعا عمر بحطب فأمر أمير المؤمنين عليه السلام فأحرق به» (4).

إن قيل: ظاهر الصحيح هو وجوب الجمع، فلا وجه لجوازه.

يقال .. أولا: لو لا ظهور الإجماع على الخلاف.

و ثانيا: أنه في مقام توهم الحظر، فلا معنى لاستفادة الوجوب منه.

و ثالثا: يستفاد من قول علي عليه السلام: «لو كان ينبغي لأحد أن يرجم مرتين لرجم اللوطي» (5)، إن التعذيب مرتين ليس فيه مناط الوجوب، و إطلاق قول الصادق عليه السلام: «كتب خالد إلى أبي بكر: «سلام عليك أما بعد، فإني أتيت برجل قامت عليه البينة أنه يؤتى في دبره كما تؤتى المرأة، فاستشار فيه أبو بكر فقالوا:

اقتلوه، فاستشار فيه أمير المؤمنين عليه السلام فقال: أحرقه بالنار فإن العرب لا ترى

ص: 310


1- تقدم في صفحة: 373.
2- الوسائل: باب 3 من أبواب حد اللواط الحديث: 2.
3- مستدرك الوسائل: باب 15 من أبواب النكاح المحرم الحديث: 2.
4- الوسائل: باب 3 من أبواب حد اللواط الحديث: 4.
5- الوسائل: باب 3 من أبواب حد اللواط الحديث: 2.
مسألة 12: إذا لم يكن إيقاب في البين بل كان من التفخيذ و ما بين الأليتين فحدّه مائة جلدة

(مسألة 12): إذا لم يكن إيقاب في البين بل كان من التفخيذ و ما بين الأليتين فحدّه مائة جلدة (20)، بلا فرق بين المحصن و غيره و المسلم و الكافر (21)، إذا لم يكن الفاعل كافرا و المفعول مسلما و إلا فالقتل (22).

مسألة 13: لو تكرر منه الفعل و تخلل الحدّ قتل في الرابعة على الأحوط

(مسألة 13): لو تكرر منه الفعل و تخلل الحدّ قتل في الرابعة على الأحوط (23).

مسألة 14: لو تاب اللائط إيقابا أو غيره قبل قيام البينة

(مسألة 14): لو تاب اللائط إيقابا أو غيره قبل قيام البينة فلا حدّ عليه و لو تاب بعده لا يسقط الحدّ، و لو كان الثبوت بإقراره فتاب يتخير وليّ الأمر بين

______________________________

القتل شيئا- الحديث» (1)، و هو ظاهر في عدم وجوب الجمع و إلا لأشار عليه السلام إليه، مع أن في التهاجم على الإحراق بالنار كلام لا بد و أن يقتصر فيه على المعلوم من النص، لما ورد من أنه لا يعذب بالنار إلّا رب النار (2)، و قد رأى بعض مشايخنا أنه لا يلقى الذر و القملة في النار، و كان ينقل عن جمع من مشايخه ذلك أيضا تمسكا لهم بهذا الحديث.

(20) للأصل، و الإجماع، و النص، فعن الصادق عليه السلام في خبر سليمان بن هلال: «في الرجل يفعل بالرجل، فقال: إن كان دون الثقب فالجلد، و إن كان ثقب أقيم قائما ثمَّ ضرب بالسيف ضربة أخذ السيف منه ما أخذ، فقلت له: هو القتل؟

قال: هو ذاك» (3)، و المراد بالحدّ مائة جلدة بقرينة الإجماع.

(21) لظاهر الإطلاق، و الاتفاق.

(22) تقدم في المسألة السابقة ما يتعلق بذلك.

(23) تقدم ذلك في الزنا مسألة 11 من الفصل الثالث من أقسام حدّ الزنا، و ظاهرهم الإجماع على عدم الفرق بينه و بين مثل المقام.

ص: 311


1- الوسائل: باب 3 من أبواب حد اللواط الحديث: 9.
2- كنز العمال ج: 5 صفحة: 224 الحديث: 11662 ط- حيدر آباد.
3- الوسائل: باب 1 من أبواب حد اللواط الحديث: 2.

الإجراء و العفو (24).

مسألة 15: لو قبّل غلاما بشهوة أو رجلا أو امرأة صغيرة أو كبيرة

(مسألة 15): لو قبّل غلاما بشهوة أو رجلا أو امرأة صغيرة أو كبيرة يعزره الحاكم بما يراه (25).

مسألة 16: المجتمعان تحت إزار واحد مع عدم الضرورة و عدم كون أحدهما رحما للآخر و كونهما مجردين

(مسألة 16): المجتمعان تحت إزار واحد مع عدم الضرورة و عدم كون أحدهما رحما للآخر و كونهما مجردين يعزران بما يراه الحاكم (26).

______________________________

(24) مر وجه ذلك في الزنا في مسألة 25 من الفصل الثاني فيما يثبت به الزنا، و لا فرق بين الموردين إجماعا.

(25) للإجماع، و لأنه فساد جنسي و للحاكم التعزير في دفعه بما يراه ان لم يردّ فيه حدّ مخصوص، و قال الصادق عليه السلام: «من قبّل غلاما بشهوة لعنته ملائكة السماء و ملائكة الأرض و ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب» (1)، و في رواية أخرى: «ألجمه اللّه بلجامين من نار» (2)، و عن الصادق عليه السلام في خبر إسحاق بن عمار: «في محرم قبّل غلاما بشهوة، قال: يضرب مائة» (3)، و يمكن أن يكون التغليظ لأجل الإحرام.

(26) إجماعا، و نصوصا، منها ما عن الصادق عليه السلام في خبر سليمان بن هلال: «سأل بعض أصحابنا أبا عبد اللّه عليه السلام فقال: جعلت فداك الرجل ينام مع الرجل في لحاف واحد؟ فقال: «أ ذو رحم؟ فقال: لا، فقال: أمن ضرورة؟ قال: لا، قال: يضربان ثلاثين سوطا» (4)، و عنه عليه السلام في خبر ابن سنان: «في رجلين يوجدان في لحاف واحد فقال: يجلدان حدا غير سوط» (5)، و قد ذكر التجرد في خبر أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام: «كان علي عليه السلام إذا وجد رجلين في لحاف واحد مجردين جلدهما حد الزاني مائة جلدة كل واحد منهما، و كذلك المرأتان

ص: 312


1- مستدرك الوسائل: باب 18 من أبواب نكاح المحرم الحديث: 3.
2- الوسائل: باب 21 من أبواب نكاح المحرم الحديث: 1 و 3.
3- الوسائل: باب 21 من أبواب نكاح المحرم الحديث: 1 و 3.
4- الوسائل: باب 10 من أبواب حد الزنا الحديث: 18 و 21.
5- الوسائل: باب 10 من أبواب حد الزنا الحديث: 18 و 21.
مسألة 17: الأجنبيتان إذا وجدتا تحت إزار واحد عزرت كل واحدة منهما دون الحدّ

(مسألة 17): الأجنبيتان إذا وجدتا تحت إزار واحد عزرت كل واحدة منهما دون الحدّ (27).

______________________________

إذا وجدتا في لحاف واحد مجردتين جلدهما كل واحدة منهما مائة جلدة» (1)، و هو المتيقن في الحكم المخالف للأصل، و الموجب للريبة و التهمة، و لكن ذكر فيه: «مائة جلدة على كل واحد منهما»، و في بعض الأخبار «الحد»، كما تقدم، و هو ظاهر في الحد التام أيضا، و في بعضها حدا غير سوط كما في خبر عبد اللّه بن سنان: «يجلدان غير سوط واحد»(2)، و يمكن حملها على أن ذلك آخر مراتب العدد إن قلنا بإمكان وصول التعزير إلى عدد الحد، و لكن فيه بحث إن كان ذلك بالعنوان الأولي، أو يحمل على اختلاف مراتب الريبة و التهمة من الالتصاق نحوه، فتصل المجموع إلى مرتبة عدد الحدّ الحقيقي، و لكنه ليس منه في شي ء، فيكون مثل ما إذا زيد في التعزير لأجل عروض عارض من حرمة مكان أو زمان، أو نحوهما، فيصل إلى عدد الحد، و ليس منه.

(27) للإجماع، و النصوص في أصل المسألة في الجملة، و لما مر في الفرع السابق، فعن الصادق عليه السلام في خبر معاوية بن عمار: «المرأتان تنامان في ثوب واحد، قال: تضربان، قال: حد؟ قال عليه السلام: لا» (3)، و عنه عليه السلام أيضا في خبر سليمان بن هلال: «فامرأة نامت مع امرأة في لحاف، فقال: ذواتا محرم؟ قال: لا، قال: من ضرورة؟ قال: لا، قال: تضربان ثلاثين سوطا» (4)، و الجمع بينهما بالحمل بتخيير الحاكم الذي تظهر الخصوصيات لديه، فيتخير من ثلاثين إلى تسعة و تسعين.

ص: 313


1- الوسائل: باب 10 من أبواب حد الزنا الحديث: 15.
2- الوسائل: باب 10 من أبواب حد الزنا الحديث: 18.
3- الوسائل: باب 10 من أبواب حد الزنا الحديث: 21.
4- الوسائل: باب 10 من أبواب حد الزنا الحديث: 21.

و لو تكرر الفعل منهما مع تخلل التعزير أقيم عليهما الحدّ التام مائة جلدة (28)

______________________________

و أما خبر سماعة: «سألته عن المرأتين يؤخذان في لحاف واحد؟ قال:

يجلد كل واحدة منهما مائة جلدة» و نحوه غيره فيمكن حمله على مائة إلّا جلده، للأصل، و الاحتياط، و الدرأ للشبهة، كما أن صحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام:

«و المرأتان تجلدان إذا أخذتا في لحاف واحد الحدّ» (1)، يمكن أن يراد بالحد التعزير لما مر.

(28) لظهور الإجماع، و خبر أبي خديجة عن الصادق عليه السلام: «لا ينبغي لامرأتين تنامان في لحاف واحد إلّا و بينهما حاجز، فإن فعلتا نهيتا عن ذلك، فإن وجدهما بعد النهي في لحاف واحد جلدتا كل واحدة منهما حدا حدا، فإن وجدتا الثالثة في لحاف حدتا، فإن وجدتا الرابعة قتلتا» (2)، و مر الكلام فيما يتعلق بذيل الخبر.

ص: 314


1- الوسائل: باب 10 من أبواب حد الزنا: 1 و 25.
2- الوسائل: باب 10 من أبواب حد الزنا: 1 و 25.
الفصل الثاني في المساحقة و حدّها
اشارة

الفصل الثاني في المساحقة و حدّها و هي دلك المرأة فرجها بفرج امرأة أخرى (1).

مسألة 1: يثبت السحق بكل ما يثبت به اللواط

(مسألة 1): يثبت السحق بكل ما يثبت به اللواط من الإقرار أربع مرات، و شهادة أربعة رجال بالمعاينة (2).

______________________________

(1) و هي من المعاصي الكبيرة إجماعا، و نصوصا- كما يأتي- و أصلها حدثت من بنت إبليس (1)، كما أن أصل اللواط حدث من نفسه الخبيث، فاكتفى الرجال بالرجال و النساء بالنساء و هي الزنا الأكبر (2)، و في الصحيح عن الصادق عليه السلام: «انه دخل عليه نسوة فسألته امرأة منهن عن السحق؟ فقال: حدّها حدّ الزاني، فقالت المرأة: ما ذكر اللّه ذلك في القرآن، فقال: بلى، قالت: و أين؟

فقال: هن أصحاب الرس (3)» (4).

(2) للأصل، و الإجماع، بل قطع الأصحاب به، و إطلاق ما نسب إلى علي عليه السلام: «السحق في النساء كاللواط في الرجال، و لكن فيه جلد مائة لأنه ليس فيه إيلاج» (5).

ص: 315


1- الوسائل: باب 24 من أبواب النكاح المحرم الحديث: 4 و 5.
2- الوسائل: باب 24 من أبواب النكاح المحرم الحديث: 4 و 5.
3- سورة الفرقان: 25- و سورة ق: 12.
4- الوسائل: باب 1 من أبواب حد السحق الحديث: 1.
5- مستدرك الوسائل: باب 1 من أبواب حد السحق الحديث: 4.
مسألة 2: حدّ المساحقة مائة جلدة مع البلوغ و العقل و الاختيار

(مسألة 2): حدّ المساحقة مائة جلدة مع البلوغ و العقل و الاختيار بلا فرق بين الفاعلة و المفعولة و المسلمة و الكافرة و المحصنة و غيرها (3).

مسألة 3: لو تكررت المساحقة مع تخلل الحدّ قتلت في الرابعة

(مسألة 3): لو تكررت المساحقة مع تخلل الحدّ قتلت في الرابعة (4).

مسألة 4: يسقط الحدّ بالتوبة قبل قيام البينة

(مسألة 4): يسقط الحدّ بالتوبة قبل قيام البينة و لا يسقط إذا كانت بعده و لو ثبت بالإقرار يكون وليّ الأمر مخيرا بين العفو و الإقامة (5).

مسألة 5: لو وطأ شخص زوجته فساحقت بكرا فحملت البكر يكون الولد لصاحب الماء و هو الواطئ

(مسألة 5): لو وطأ شخص زوجته فساحقت بكرا فحملت البكر يكون الولد لصاحب الماء و هو الواطئ و على كل واحدة من المتساحقتين الحدّ مائة جلدة مع تحقق الشرائط و للبكر بعد رفع العذرة مهر مثل نسائها (6).

______________________________

(3) أما مقدار الحدّ فلظاهر الإجماع، و النص، و موثق زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «المساحقة تجلد» (1)، المحمول على مائة جلدة لما مر سابقا، و لما نسب إلى علي عليه السلام.

و أما اعتبار الشرائط فلأنها من الشرائط العامة لكل حدّ.

و أما عدم الفرق بين الأقسام فلظاهر الإطلاق، و الاتفاق.

(4) لما تقدم غير مرة من أن أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة، مع تخلل الحدّ.

(5) للإجماع، و تقدم في الزنا و اللواط ما ينفع المقام.

(6) البحث في هذه المسألة.

تارة: بحسب العمومات و الإطلاقات و القواعد العامة.

و أخرى: بحسب النص الخاص الذي ورد في المقام.

أما الأولى: فمقتضاها أولا عدم كون المورد من الزنا لا لغة، و لا عرفا، و لا شرعا، فلا تترتب أحكامه الوضعية و التكليفية إلّا بتعبد خاص، و هو مفقود، و مجرد حرمة المساحقة لا توجب كونها من الزنا لا موضوعا، و لا حكما.

ص: 316


1- الوسائل: باب 1 من أبواب حد السحق.

.....

______________________________

و ثانيا: أن مقتضى الأدلة الدالة على أن حدّ المساحقة مائة جلدة أن في المقام أيضا كذلك، فما دلّ على أن في المقام الرجم (1)، لا بد و أن يحمل أو يرد علمه إلى أهله.

و ثالثا: أن المرأة المزوّجة إن أوجبت زوال بكارة البكر فعليها تغريم البكارة، كما يأتي في الديات. هذا ما تقتضيه العمومات، و الإطلاقات، و القواعد العامة.

أما الثانية: ففي صحيح ابن مسلم قال: «سمعت أبا جعفر و أبا عبد اللّه عليهما السلام يقولان: بينما الحسن بن علي عليهما السلام في مجلس علي أمير المؤمنين عليه السلام إذ أقبل قوم فقالوا: يا أبا محمد أردنا أمير المؤمنين، قال: و ما حاجتكم؟ قالوا: أردنا أن نسأله عن مسألة، قال: و ما هي تخبرونا بها؟ قالوا: امرأة جامعها زوجها فلما قام عنها قامت فوقعت على جارية بكر فساحقتها، فألقت النطفة فيها فحملت، فما تقول في هذا؟ فقال الحسن عليه السلام: معضلة و أبو الحسن لها، و أقول: فإن أصبت فمن اللّه ثمَّ من أمير المؤمنين، و إن أخطأت فمن نفسي، و أرجو أن لا أخطأ فيه: أنه يعمد إلى المرأة فيؤخذ منها مهر الجارية البكر في أول وهلة، لأن الولد لا يخرج منها حتى تشق فتذهب عذرتها، ثمَّ ترجم المرأة لأنها محصنة، و ينتظر بالجارية حتى تضع ما في بطنها و يرد إلى أبيه صاحب النطفة، ثمَّ تجلد الجارية الحدّ، فانصرف القوم من عند الحسن عليه السلام فلقوا أمير المؤمنين عليه السلام فقال: ما قلتم لأبي محمد؟ و ما قال لكم؟ فأخبروه، فقال: لو أني المسؤول ما كان عندي فيها أكثر ممّا قال ابني» (2)، و ليس فيه ما يخالف المشهور إلا قوله عليه السلام: «ثمَّ ترجم المرأة لأنها محصنة»، و هو مخالف للأصل و الشهرة و الاحتياط في الدماء، و التهجم على الرجم حينئذ مشكل، كما صرح بذلك ابن إدريس.

ص: 317


1- الوسائل: باب 1 من أبواب حد السحق الحديث: 4.
2- الوسائل: باب 3 من أبواب حد السحق الحديث: 1.
الفصل الثالث في القيادة و حدّها
اشارة

الفصل الثالث في القيادة و حدّها و هي الجمع بين الرجل و الأنثى للزنا أو بين الرجل و الرجل لللواط بلا فرق في الأنثى بين البالغ و الصبية و كذا في الرجل الذي لاط به بين الصبي و البالغ (1).

مسألة 1: تثبت القيادة بالإقرار مرتين و بشهادة عدلين

(مسألة 1): تثبت القيادة بالإقرار مرتين و بشهادة عدلين (2).

______________________________

و هي من المعاصي الكبيرة، فعن نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «من قاد بين رجل و امرأة حراما، حرّم اللّه عليه الجنة و مأواه جهنم و ساءت مصيرا» (1)، و عنه صلّى اللّه عليه و آله:

«لا يجد ريح الجنة ديوث، قيل يا رسول اللّه: و ما الديوث؟ قال: الذي تزني امرأته و هو يعلم» (2).

(1) أرسلوا ذلك إرسال المسلّمات، و يظهر منهم الإجماع عليه.

(2) أما اعتبار المرتين، فلأصالة عدم الثبوت إلّا بالمتيقن، و المرتان هما المتيقن من الاتفاق عليهما و بناء الحدود عليه، و ما جعلوه من القاعدة في الحدود: أن كلما يكتفي فيه بالشاهدين يكتفى فيه بالإقرار مرتين، و إلا فمقتضى الإطلاق كفاية الإقرار مرة واحدة.

و أما الثبوت بشهادة العدلين فلظهور الإطلاق، و الاتفاق.

ص: 318


1- الوسائل: باب 27 من أبواب النكاح المحرم الحديث: 2.
2- الوسائل: باب 16 من أبواب النكاح المحرم الحديث: 1.
مسألة 2: يشترط في المقر البلوغ و العقل و القصد و الاختيار

(مسألة 2): يشترط في المقر البلوغ و العقل و القصد و الاختيار (3).

مسألة 3: لا عبرة بإقرار الصبي و المجنون و الهازل و المكره

(مسألة 3): لا عبرة بإقرار الصبي و المجنون و الهازل و المكره (4).

مسألة 4: حدّ القيادة- ثلاثة أرباع حدّ الزاني- خمس و سبعون جلدة و ينفى من البلد إلى غيره

(مسألة 4): حدّ القيادة- ثلاثة أرباع حدّ الزاني- خمس و سبعون جلدة و ينفى من البلد إلى غيره (5)، و الأحوط أن يكون النفي في المرة الثانية (6).

و يحلق رأسه و يشهر (7).

مسألة 5: حدّ النفي موكول إلى نظر وليّ الأمر

(مسألة 5): حدّ النفي موكول إلى نظر وليّ الأمر (8).

______________________________

(3) لكون ذلك كله من الشرائط العامة لكل إقرار، و تقدم دليلها فراجع.

(4) لقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء الشرط.

(5) إجماعا، و نصا، ففي خبر عبد اللّه بن سنان قلت للصادق عليه السلام:

«أخبرني عن القواد ما حدّه؟ قال: لا حدّ على القواد، أ ليس إنما يعطى الأجر على أن يقود قلت: جعلت فداك، إنما يجمع بين الذكر و الأنثى حراما، قال عليه السلام:

يضرب ثلاثة أرباع الزاني، خمسة و سبعين سوطا، و ينفى من المصر الذي هو فيه» (1).

(6) لذهاب جمع من أعاظم القدماء إلى ذلك، بل ادعي الإجماع عليه، فيقيد به إطلاق الحديث.

(7) على المشهور، بل ادعي الإجماع عليه، و عمل به من لا يعمل إلّا بالقطعيات، و يكفي ذلك في حصول الظن الاجتهادي.

(8) إذ لم يرد فيه تحديد في الشرع فله الولاية و النظر فيه من باب الحسبة التي تقدم معناها.

ص: 319


1- الوسائل: باب 5 من أبواب حد السحق الحديث: 1.
مسألة 6: يستوي في ذلك كله الرجل و المرأة و المسلم و الكافر

(مسألة 6): يستوي في ذلك كله الرجل و المرأة و المسلم و الكافر إلّا أنه ليس في المرأة نفي و لا حلق و لا شهر بل تختص بالجلد فقط (9).

______________________________

(9) أما الأول: فلإطلاق الدليل الشامل للجميع.

و أما الثاني: فلأن المنساق من الشهرة و النفي و الحلق عند المتشرعة إنما هو خصوص الرجل فقط دون المرأة، المطلوب فيها الستر مهما أمكن، مضافا إلى الأصل، و الإجماع. و اللّه العالم.

تمَّ هذا المجلد بحمد اللّه تعالى و يتلوه المجلد الثامن و العشرون مبتدئا بالموجب الثالث للحدّ و هو القذف.

محمد الموسوي السبزواري 25- 12- 1405 ه.

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

ص: 320

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.